واختار الطبريّ ـ رحمه الله ـ أنّ الاستثناء عائد إلى قوله تعالى: ﴿.. أنّ الله بري ء من المشركين ورسولُه..﴾[التوبة: ٣](١).
وذهب طائفة من المفسّرين إلى أنّ الاستثناء منقطع. وممّن ذهب إلى ذلك: البيضاويّ(٢)، وأبو حيّان(٣)، والسمين الحلبيّ(٤).
وحجّتهم: أنّ الاستثناء لو جُعل متّصلاً، مستثنى من المشركين في أوّل السورة، لأدّى ذلك إلى الفصل بين المستثنى والمستثنى منه بجمل كثيرة.
واختار الكرمانيّ ـ رحمه الله ـ قولاً آخر، وهو أنّ الاستثناء إنّما هو ممّا بعده، وهو قوله تعالى: ﴿ فاقتلوا المشركين.. ﴾[التوبة: ٥](٥).
وهذه الأقوال وإن كانت كلّها محتملة وجائزة(٦)؛ إلا أنّ أحسنها، وأوفقها للسياق هو ما اختاره الشيخ ـ رحمه الله ـ، فإنّ الله خاطب المؤمنين أوّلاً بقوله: ﴿ براءة من الله ورسوله إلى الذين عهدتم من المشركين ﴾، ثمّ حوّل الخطاب إلى المشركين، ثمّ لمّا أراد أن يستثني من الخطاب الأوّل، أعاد الخطاب للمؤمنين بقوله: ﴿ إلا الذين عهدتم من المشركين.. ﴾.
وأمّا من قال إنّ الاستثناء من قوله ( فسيحوا في الأرض.. )؛ فيحتاج إلى تقدير ـ كما قرّر ذلك الزمخشريّ(٧)ـ، وما لا يحتاج إلى تقدير أولى.
وأمّا من قال إنّه مستثنى من المشركين في قوله: ﴿ أنّ الله بري ء من المشركين ورسوله..﴾، فهو أضعف ممّا قبله(٨)، لأنّ البراءة في الآية المذكورة عامّة، لا ذكر للعهود فيها.

(١) ينظر: جامع البيان: ٦/ ٣١٨. ووافقه من المتأخّرين: ابن عاشور: ١٠/ ١٩، ٢٠.
(٢) ينظر: أنوار التنزيل: ٣/ ١٢٩.
(٣) ينظر: البحر المحيط: ٥/ ١٠.
(٤) ينظر: الدرّ المصون: ٦/ ١٠.
(٥) ينظر: غرائب التفسير: ١/ ٤٤٨. والغريب أنّه لم يذكر هذا القول من الغريب.
(٦) ينظر: التبيان في إعراب القرآن: ص١٨١.
(٧) ينظر: الكشّاف: ٢/ ١٣٩.
(٨) وقد ضعّفه الشوكانيّ في فتح القدير: ٢/ ٣٨٤.


الصفحة التالية
Icon