وأمّا من قال إنّ الاستثناء منقطع، فهو خلاف الأصل، فإنّ أمكن أن يكون متّصلاً، فلا وجه للقول بالانقطاع.
وقولهم: لو كان متّصلاً لأدّى ذلك إلى الفصل بين المستثنى والمستثنى منه بجمل كثيرة.. قد أجاب عنه الشيخ ـ رحمه الله ـ بأنّه جائز إذا دلّ عليه دليل. وضرب لذلك أمثلة. ويضاف إلى ذلك: أنّ الفاصل بين المستثنى والمستثنى منه ليس بأجنبيّ، فلا يضرّ(١).
وأمّا ما اختار الكرمانيّ ـ رحمه الله ـ فهو قول شاذّ، لم أر ـ حسب اطّلاعي ـ من ذكره، فضلاً عمّن اختاره، كما أنّ السياق يأباه ـ وإن كان المعنى صحيحاً ـ، إذ إنّ الترتيب المنطقي أن يكون المستثنى منه متقدّماً على المستثنى، والله تعالى أعلم.
٩٠ ـ قوله تعالى: ﴿ فإذا انسلخ الأَشهرُ الحُرُم فاقتلوا المشركين.. ﴾ [التوبة: ٥].
رجّح الشيخ ـ رحمه الله ـ أنّ المراد بالأشهر الحرم في هذه الآية هي أشهر التسيير المذكورة في أوّل السورة. وأنكر قول من قال إنّها الأشهر الحرم المعروفة.
قال ـ رحمه الله ـ: " والمراد بالأشهر الحرم في قوله: ﴿ فإذا انسلخ الأشهر الحرم..﴾ هي أشهر السياحة عند جمهور العلماء، وعليه يدلّ الكتاب والسنّة. وقد ظنّ طائفة أنّها الحرم الثلاثة ورجب، ونُقل هذا عن أحمد، وهؤلاء اشتبه عليهم لفظ الحُرُم بالحُرُم، وتلك ليست متّصلة، بل هي ثلاثة سرد، وواحد فرد، وهو قد ذكر في هذه أشهر السياحة، فلا بدّ أن يذكر الحكم إذا انقضت، فقال: ﴿ فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين.. ﴾"(٢).

(١) ينظر: فتح القدير: ٢/ ٣٨٤.
(٢) رسائل ابن تيميّة ( القاهرة: طبع محمّد نصيف ): ص ١٢٧.


الصفحة التالية
Icon