قال ـ رحمه الله ـ: " واليمين هنا المراد بها العهود، لا القسم بالله فيما ذكره المفسّرون، وهو كذلك. فالنبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لم يقاسمهم بالله عام الحديبية، وإنّما عاقدهم عقداً، ونسخة الكتاب معروفة، ليس فيها قسم. وهذا لأنّ اليمين يقال إنّما سمّيت بذلك، لأنّ المعاهدين يمدّ كلّ منهما يمينه إلى الآخر، ثمّ غلبت حتّى صار مجرّد الكلام بالعهد يسمّى يميناً. ويقال: سمّيت يميناً لأنّ اليمين هي القوّة والشدّة، كما قال تعالى: ﴿ لأخذنا منه باليمين ﴾ [الحاقّة: ٤٥]، فلمّا كان الحلف معقوداً مشدّداً، سمّي يميناً. فاسم اليمين جامع للعقد الذين بين العبد وبين ربّه، وإن كان نذراً.. وللعهد الذي بين المخلوقين، ومنه قوله تعالى: ﴿ ولا تنقضوا الأيمن بعد توكيدها ﴾[النحل: ٩١]، والنهي عن نقض العهود وإن لم يكن فيها قسم.."(١).
الدراسة، والترجيح:
وافق الشيخ في اختياره: الطبريّ(٢)، والنحّاس(٣)، والواحديّ(٤)، والبغويّ(٥)،
وابن الجوزيّ(٦)، والقرطبيّ(٧). وهو مرويّ عن عمّار بن ياسرـ رضي الله عنه ـ(٨).
وظاهر كلام الزمخشريّ، وابن عطيّة، أنّ المراد باليمين في الآية: القسم(٩)، وصرّح به أبو حيّان(١٠).
(٢) ينظر: جامع البيان: ٦/ ٣٢٩.
(٣) ينظر: معاني القرآن: ٣/ ١٨٨.
(٤) ينظر: الوجيز: ١/ ٤٥٥.
(٥) ينظر: معالم التنزيل: ٤/ ١٧.
(٦) ينظر: زاد المسير: ص٥٧١.
(٧) ينظر: الجامع لأحكام القرآن: ٨/ ٨٥. واختاره من المتأخّرين: أبو السعود: ٤/ ٤٨، والسعديّ: ٣/ ٢٠٥.
(٨) ينظر: تفسير سفيان الثوريّ ( بيروت: دار الكتب العلميّة ): ص١٢٣، ١٢٤.
(٩) ينظر: الكشّاف: ٢/ ١٤١، والمحرّر الوجيز: ٦/ ٤٢٧.
(١٠) ينظر: البحر المحيط: ٥/ ١٦. ومن المتأخّرين: البقاعيّ: ٣/ ٢٧٧، والشوكانيّ: ٢/ ٣٨٩، وابن عاشور: ١٠/ ٣٦.