فإنَّ أفضل ما اشتغل به المشتغلون من العلوم، وأُفْنِيت فيه الأعمار ؛ وأُعملت فيه القرائح ؛ كتابُ الله عزَّ وجل والتعلُّق به ؛ إذْ فيه العلم الذي تُعقد عليه الخناصر، وتفنى في تدوينه الأقلام والمحابر، ولا يرتوي وارده، وبهذا تكمن أهمية تعلُّم القرآن، وفحص ما فيه من علوم، ولذلك أقبل العلماء على كتاب الله بالبحث والدراسة، مؤمنين بشرف هذا العلم ؛ فشرف العلم بشرف معلومه، ومن هؤلاء العلماء النجباء العلاَّمة بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي الشافعي، حيث حرَّر مؤلفات عدَّة، أودع فيها علوماً شتى تتعلق بكتاب الله عز وجل، ولذا يُعدُّ الزَّركشي ممن توسع في التأليف في علوم القرآن.
لذا عزمت - بعد استخارة الله عز وجل، ثم مشورة المختصِّين في هذا المجال - على عرض ترجيحاته الخاصَّة بعلوم القرآن من خلال كتبه المطبوعة، ودراستها دراسة موازنة بأقوال العلماء. لتكون موضوع بحثي لرسالة الماجستير، في قسم القرآن وعلومه، بكلية أصول الدين، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وقد عنونت له بـ:
" ترجيحات الزركشي في علوم القرآن - عرض ودراسة - ".
وسأتطرق في هذه المقدمة إلى بيان أهمية هذا الموضوع وأسباب اختياره، وأهداف البحث، ومجاله وحدوده، وبيان الدراسات السابقة، والفرق بينها وبين هذا البحث، وخطَّة البحث ومنهجه.
أولاً: أهمية الموضوع وأسباب اختياره:
١- شرف هذا العِلْم "علوم القرآن"، وذلك بشرف معلومه وهو القرآن الكريم.
٢- أنَّ الزركشي يُعدُّ من المهتمين بعلوم القرآن، ويتضح ذلك جليّاً من خلال كتابه "البرهان في علوم القرآن"، فهو من أجمع المصنفات التي توسعت في هذا الفن، وكذا كتبه الأخرى لها عنايةٌ بمسائل علوم القرآن كالبحر المحيط في أصول الفقه، وتشنيف المسامع بجمع الجوامع، وسلاسل الذَّهب وغيرها، لذا فعَرْض ترجيحاته في هذا المجال ودراستها تُظهر خلاصة علمه ونتاجه.