٥ - أن تعليم الصبيان لا يكون بالمساس بالنص الديني وإنما يكون برفع مستوى الأذهان، والتهيئة النفسية لذلك. وعلينا إن كنَّا حريصين -حقاً - على تعليم أبنائنا للقرآن الكريم أن نعودهم القراءة في المصحف، ففي التعويد على القراءة تأليف لأذهانهم على رسم المصحف، وترويض لمداركهم على مصطلحاته، وسيدرك أولئك أن الصعوبة التي تواجههم بادئ الأمر قد تحوّلت بعد زمن يسير إلى السهولة والوضوح. وإنما تصعب تلاوة القرآن وإتقانه على الذين يهجرونه دهراً طويلاً، ثم يعودون لتلاوته دقائق معدودة، فأولئك سيواجهون -حتماً- الصعوبة، وسيحمِّلون تقصيرهم -جوراً وظلماً - على رسم المصحف، وما هو من الرسم ؛ ولكنه من تفريطهم بالتلاوة، وهجرهم للقرآن، والله المستعان (١).
٦- أما اعتراض ابن خلدون فغير مسلَّم به من جهتين:
أ- أنَّ الصحابة هم الذين رسموا المصحف ؛ وقد كانوا على قدر من العلم وحضارة الكتابة (٢).
ب- أن اختلاف هذا الرسم عن الرسم الإملائي ليس منشؤه الخطأ بالنسبة إلى خطوطنا ؛ بل هو رسْمٌ، وما نكتب به رسْمٌ آخر، وإن كانا لا يختلفان كثيراً، وعدم كتابة أيّ كتاب اليوم بخطِّ المصحف ؛ لا يصح دليلاً على تخطئة رسمه. ذلك أن غير المصحف يكتب على ما وَضَعَ علماء البصرة والكوفة من قواعد للكتابة العادية، وأما المصحف فيكتب على نهجٍ خاصٍ، وطريقةٍ خاصةٍ (٣).
٧- أن القول بجواز الرسم الإملائي، وتغيير رسم المصحف يؤدي إلى مفاسد كثيرة، وقد جاءت الشريعة بدرء المفاسد وسد الذرائع، ومن تلك المفاسد :
(٢) ينظر: ابن خلدون ورسم المصحف العثماني، لـ/د. محمد أبو الفتوح، ص( ٣١ ).
(٣) ينظر: رسم المصحف بين المؤيدين والمعارضين. للفرماوي. ص(١٦٤).