أما استدلالهم على البعض الاجتهادي فبحديث عثمان- رضي الله عنه - في الأنفال والتوبة، وبكل ما لم يرد فيه ترتيب عن النبي - ﷺ - (١).
مناقشة الأدلة:
من خلال أدلة الأقوال السابقة يلاحظ ما يلي:
١- أن الاستدلال بإجماع الصحابة - رضي الله عنهم - على التوقيف غير دقيق ؛ لأنهم إنما أجمعوا على التزام هذا الترتيب في عهد عثمان -رضي الله عنه - خشية الفتنة والاختلاف، لا على أنَّ الترتيب توقيفي، وإلا لما أُخِّر الترتيب إلى ذلك الوقت ؛ لذا لايلزم من القولِ بالتزام الترتيب القولَ بالتوقيف، فتلك مسألة وهذه مسألة أخرى(٢).
٢- ما ذكر من النصوص الدَّالة على ترتيب بعض السور، كحديث قراءة السبع الطوال، وحديث الزهراوين، وحديث عائشة -رضي الله عنها- في المفصَّل، وابن مسعود - رضي الله عنه- في العتاق، وغيرها، لا ينسحب الحكم على الكل، إضافة إلى أنَّ حديث واثلة فيه بيان ترتيب الأقسام الأربعة فيما بينها ؛ من غير ترتيب السور في كل قسم.
٣- أما حديث أوس- رضي الله عنه- فضعَّفه بعض الأئمة -كما سبق بيانه(٣) - وعلى التسليم بصحته فيحتمل أنَّ الذي كان مرتباً حينئذ حزب المفصل خاصة، بخلاف ما عداه، فيحتمل أن يكون فيه تقديم وتأخير(٤).
٤- أما استدلالهم بآية ﴿ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ ﴾ ] هود (١٣)] بأنها سور معينة، فمعلوم أن سورة هود مكية، وأن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة كلها مدنيات نزلْن بعدها ؛ فكيف يُتحدّى بما لم ينزل بعد ؛ لذا فالقول الأقرب أن التحدي وقع بمطلق السور(٥).

(١) ينظر: المحرر الوجيز (١/٥٠)، والبرهان للزَّركشي ( ١/٣٥٥)، ومناهل العرفان (١/٢٩٠).
(٢) ينظر: مناهل العرفان (١/٢٩٠).
(٣) ينظر: ص (٩٧).
(٤) ينظر: فتح الباري (٩/٤٣).
(٥) ينظر: التفسير الكبير للرازي (١٧/١٥٥).


الصفحة التالية
Icon