أن المعنى ما كانوا يستطيعون السمع أي لشدة كراهيتهم كلام الرسل على عادة العرب في قولهم: لا أستطيع أن أسمع كذا إذا كان شديد الكراهية والبغض له، ويشهد لهذا القول قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا ﴾ [الحج: ٧٢]، وقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ ﴾ [فصلت: ٢٦]، وقوله: ﴿ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ ﴾ [نوح: ٧] الآية.
الرابع:-
أن "ما" مصدرية ظرفية أي يضاعف لهم العذاب مدة كونهم يستطيعون أن يسمعوا ويبصروا، أي يضاعف لهم العذاب دائماً.
الخامس:-
أن "ما" مصدرية في محل نصب بنزع الخافض، أي يضاعف لهم العذاب بسبب كونهم يستطيعون السمع والإبصار في دار الدنيا وتركوا الحق مع أنهم يستطيعون إدراكه بأسماعهم وأبصارهم.
السادس:-
أن قوله "ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون" من صفة الأصنام التي اتخذوها أولياء من دون الله، فيكون متصلاً بقوله: "وما كان لهم من دون الله من أولياء" وتكون جملة "يضاعف لهم العذاب" اعتراضية، وتقرير المعنى على هذا القول: وما كان لهم من دون الله من أولياء ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون، أي الأصنام التي اتخذوها أولياء من دون الله، وما لا يسمع ولا يبصر لا يصح أن يكون ولياً لآخر، ويشهد لمعنى هذا القول: قوله تعالى في الأعراف: ﴿ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: ١٩٥] ونحوها من الآيات](١).
* دراسة الترجيح:-

(١) أضواء البيان للشنقيطي ٢/١١، ١٢.


الصفحة التالية
Icon