في معنى قوله ﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ في هذه الآية الكريمة ثلاثة مذاهب معروفة عند علماء التفسير.
الأول:- وهو الصواب الذي يشهد له القرآن، وعليه جمهور العلماء - أن الأمر في قوله "أمرنا" هو الأمر الذي هو ضد النهي، وأن متعلق الأمر محذوف لظهوره، والمعنى: "أمرنا مترفيها" بطاعة الله وتوحيده وتصديق رسله واتباعهم فيما جاؤوا به "ففسقوا" أي خرجوا عن طاعة أمر ربهم، وعصوه وكذبوا رسله "فحق عليها القول" أي وجب عليها الوعيد ﴿ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ أي أهلكناها إهلاكاً مستأصلاً..
وهذا القول الذي هو الحق في هذه الآية تشهد له آيات كثيرة كقوله تعالى:-
﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِن اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ﴾ [الأعراف: ٢٨] فتصريحه جل وعلا بأنه لا يأمر بالفحشاء دليل واضح على أن قوله ﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا ﴾ أي أمرناهم بالطاعة فعصوا، وليس المعنى أمرناهم بالفسق ففسقوا لأن الله لا يأمر بالفحشاء.
ومن الآيات الدالة على هذا قوله تعالى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٣٤) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) ﴾ [سبأ: ٣٤، ٣٥] فقوله تعالى في هذه الآية ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ ﴾ لفظ عام في جميع المترفين من جميع القرى أن الرسل أمرتهم بطاعة الله فقالوا لهم:- إنا بما أرسلتم به كافرون، وتبجحوا بأموالهم وأولادهم، والآيات بمثل ذلك كثيرة.