وبهذا التحقيق تعلم أن ما زعمه الزمخشري في كشافه(١) من أن معنى ﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ أي أمرناهم بالفسق ففسقوا، وأن هذا مجاز تنزيلاً لإسباغ النعم عليهم الموجب لبطرهم وكفرهم منزلة الأمر بذلك، كلام كله ظاهر السقوط والبطلان، وقد أوضح إبطاله أبو حيان في "البحر"(٢) والرازي في تفسيره(٣) مع أنه لا يشك منصف عارف في بطلانه.
وهذا القول الصحيح في الآية جار على الأسلوب العربي المألوف، من قولهم:- أمرته فعصاني، أي أمرته بالطاعة فعصى، وليس المعنى: أمرته بالعصيان كما لا يخفى(٤).
القول الثاني في الآية: هو أن الأمر في قوله تعالى ﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ أمر كوني قدري، أي قدرنا عليهم ذلك وسخرناهم له لأن كلاً ميسر لما خلق له، والأمر الكوني القدري، كقوله تعالى ﴿ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) ﴾ [القمر: ٥٠]، وقوله ﴿ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [الأعراف: ١٦٦]، وقوله ﴿ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ﴾ [يونس: ٢٤]، وقوله ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) ﴾ [يس: ٨٢].
القول الثالث في الآية: أن "أمرنا" بمعنى أكثرنا، أي أكثرنا مترفيها ففسقوا...](٥).
* دراسة الترجيح:-
(٢) البحر المحيط لأبي حيان ٧/٢٤، ٢٥.
(٣) التفسير الكبير للرازي ٢٠/١٤٠.
(٤) لسان العرب لابن منظور ٤/٢٨.
(٥) أضواء البيان للشنقيطي ٢/٢٥٥، ٢٥٦.