قال أكثر المفسرين(١) إن المراد بالأمر في قوله ﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ الأمر الذي هو ضد النهي، ومتعلق الأمر محذوف لظهوره، والتقدير: أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا، ويدل لهذا آيات كثيرة منها قوله تعالى ﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِن اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ﴾ [الأعراف: ٢٨]، فتصريحه تعالى بأنه لا يأمر بالفحشاء دليل على أن المراد بقوله تعالى:- ﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾ أي أمرناهم بالطاعة فعصوا، وليس المراد أمرناهم بالفسق ففسقوا لأن الله لا يأمر بالفحشاء.
ومن الآيات الدالة على هذا المعنى قوله تعالى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٣٤) ﴾ [سبأ: ٣٤] فالآية عامة في جميع المترفين من جميع القرى أن الرسل أمرتهم بطاعة الله فقالوا لهم: إنا بما أرسلتم به كافرون، وغير ذلك من الآيات.
وقال بعض المفسرين(٢) إن الأمر في الآية كوني قدري، أي قدرنا عليهم ذلك وسخرناهم له، كقوله تعالى ﴿ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) ﴾ [القمر: ٥٠]، وقوله تعالى ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) ﴾ [يس: ٨٢] وغيرها من الآيات.
(٢) هذا القول ابتدأ به ابن كثير في تفسير القرآن العظيم ٣/٣٣، واقتصر عليه السعدي في تيسير الكريم الرحمن ٣/١٠١.