والنهي عن الإسراف في القتل هنا شامل ثلاث صور:
الأولى: أن يقتل اثنين أو أكثر بواحد كما كانت العرب تفعله في الجاهلية... ومعلوم أن قتل جماعة بواحد لم يشتركوا في قتله إسراف في القتل داخل في النهي المذكور في الآية الكريمة.
الثانية: أن يقتل بالقتيل واحداً فقط ولكنه غير القاتل لأن قتل البريء بذنب غيره إسراف في القتل منهي عنه في الآية أيضاً.
الثالثة: أن يقتل نفس القاتل ويمثل به، فإن زيادة المثلة إسراف في القتل أيضاً.
وهذا هو التحقيق في معنى الآية الكريمة، فما ذكره بعض أهل العلم ومال إليه الرازي في تفسيره(١) بعض الميل من أن معنى الآية: فلا يسرف الظالم الجاني في القتل تخويفاً له من السلطان والنصر الذي جعله الله لولي المقتول لا يخفى ضعفه وأنه لا يلتئم مع قوله بعده
﴿ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ ](٢).
* دراسة الترجيح:-
قال جمهور المفسرين(٣) إن المراد بقوله تعالى ﴿ فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ﴾ أي لا يسرف ولي المقتول في القتل، وذلك كأن يقتل القاتل ثم يمثل به، أو يقتل غير القاتل، أو يقتل اثنين أو أكثر بواحد، ويؤيد هذا قوله تعالى بعده ﴿ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ أي لا يسرف ولي المقتول في القتل لأنه منصور من الله بأن أوجب له القصاص فلا يزد على ذلك، أو منصور بمعونة السلطان وبإظهار المؤمنين على استيفاء الحق(٤).
(٢) أضواء البيان للشنقيطي ٢/٢٦٣ - ٢٦٤.
(٣) ينظر: تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص٢٥٤، والوسيط للواحدي ٣/١٠٧، والكشاف للزمخشري ٣/٥١٦، والبحر المحيط لأبي حيان ٧/٤٤ فقد رجحه وقال [هو الظاهر]، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ٣/٤٠ فقد اقتصر عليه، ومحاسن التأويل للقاسمي ١٠/٣٩٢٦، وتيسير الكريم الرحمن للسعدي ٣/١٠٧ وغيرهم.
(٤) ينظر: البحر المحيط لأبي حيان ٧/٤٥.