في معنى هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير، كلاهما حق ويشهد له قرآن... الأول من الوجهين المذكورين - أن معنى الآية الكريمة: لو كان مع الله آلهة أخرى كما يزعم الكفار لابتغوا - أي الآلهة المزعومة - أي لطلبوا إلى ذي العرش - أي إلى الله سبيلاً- أي إلى مغالبته وإزالة ملكه لأنهم إذاً يكونون شركاءه كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض، سبحان الله وتعالى عن ذلك علواً كبيراً.
وهذا القول في معنى الآية هو الظاهر عندي، وهو المتبادر من معنى الآية الكريمة، ومن الآيات الشاهدة لهذا المعنى قوله تعالى ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) ﴾ [المؤمنون: ٩١]، وقوله ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) ﴾ [الأنبياء: ٢٢]..
الوجه الثاني في معنى الآية الكريمة: أن المعنى ﴿ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا ﴾ أي طريقاً ووسيلة تقربهم إليه لاعترافهم بفضله، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ﴾ [الإسراء: ٥٧].. ولا شك أن المعنى الظاهر المتبادر من الآية بحسب اللغة العربية هو القول الأول لأن في الآية فرض المحال، والمحال المفروض الذي هو وجود آلهة مع الله مشاركة له لا يظهر معه أنها تتقرب إليه بل تنازعه لو كانت موجودة ولكنها معدومة مستحيلة الوجود، والعلم عند الله تعالى](١).
* دراسة الترجيح:-

(١) أضواء البيان للشنقيطي ٢/٣١٠، ٣١١.


الصفحة التالية
Icon