فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا } أي ولداً إنساناً ذكراً جعلا له شركاء بتسميته عبد الحارث، وقد جاء بنحو هذا حديث مرفوع وهو معلول كما أوضحه ابن كثير في تفسيره.
الوجه الثاني: أن معنى الآية أنه لما أتى آدم وحواء صالحاً كفر به بعد ذلك كثير من ذريتهما وأسند فعل الذرية إلى آدم وحواء لأنهما أصل لذريتهما كما قال ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ﴾ [الأعراف: ١١] أي بتصويرنا لأبيكم آدم لأنه أصلهم بدليل قوله بعده ﴿ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ ﴾ [الأعراف: ١١]، ويدل لهذا الوجه الأخير أنه تعالى قال بعده: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) ﴾ [الأعراف: ١٩٠ - ١٩١]، وهذا نص قرآني صريح في أن المراد المشركون من بني آدم، لا آدم وحواء، واختار هذا الوجه غير واحد لدلالة القرآن عليه، وممن ذهب إليه الحسن البصري، واختاره ابن كثير - والعلم عند الله تعالى - ](١).
* دراسة الترجيح:-
قال بعض المفسرين إن معنى الآية: أن حواء كانت لا يعيش لها ولد، فحملت فجاءها الشيطان فقال لها سمي هذا الولد عبد الحارث فإنه يعيش، والحارث من أسماء الشيطان، فسمته عبد الحارث، فقال تعالى: ﴿ فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا ﴾ أي ولداً ذكراً جعلا له شركاء بتسميته عبد الحارث، وممن قال بهذا القول:
الفراء(٢) وابن قتيبة(٣)

(١) المرجع السابق ١/٤٣٥.
(٢) معاني القرآن للفراء، تحقيق أحمد نجاتي ومحمد علي النجار، دار السرور، [١/٤٠٠].
والفراء هو يحيى بن زياد بن عبد الله الديلمي، أبو زكريا، يعرف بالفراء، الإمام النحوي اللغوي المفسر، له مصنفات عديدة منها (معاني القرآن)، توفي سنة ٢٠٧هـ.
ينظر: إنباه الرواة للقفطي ٤/٧، وطبقات المفسرين للداوودي ص٥٤٥.
(٣) تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، شرح السيد أحمد صقر، المكتبة العلمية ص٢٥٨ - ٢٥٩.
وابن قتيبة هو: عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، النحوي اللغوي، صاحب التصانيف العديدة منها (تفسير غريب القرآن) و(تأويل مشكل القرآن)، توفي سنة ٢٦٧هـ.
ينظر: إنباه الرواة للقفطي ٢/١٤٣، وطبقات المفسرين للداوودي ص١٧٥.


الصفحة التالية
Icon