وإن من هؤلاء العلماء الذين أفنوا أعمارهم، وصرفوا أوقاتهم في خدمة كتاب الله تفسيراً وبياناً لمعانيه، واستنباطاً لحكمه وأحكامه، الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - في تفسيره ( أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن )، فهذا الكتاب يعد من أفضل ما صنف في التفسير في هذا العصر، فهو كما يقول عنه بعض العلماء: ((مدرسة كاملة يتحدث عن نفسه ))؛ وذلك لما لمؤلفه من مكانة علمية بارزة في شتى العلوم كالتفسير والفقه والأصول والعربية وغيرها، ونظراً لأهمية هذا الكتاب، والمكانة العلمية الرفيعة لصاحبه، وقع عليه اختياري ليكون مجال دراستي وبحثي في رسالة الماجستير، وذلك بعنوان :
( ترجيحات الشنيقطي في أضواء البيان
من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الأنعام
جمعاً ودراسة )
أسأل الله التوفيق والسداد في القول والعمل، كما أسأله سبحانه أن يفتح لنا من خزائن جوده وكرمه ما يكون سبباً للوصول إلى العلم النافع والعمل الصالح، إنه جواد كريم.
أهمية الموضوع وأسباب اختياره :
تبرز أهمية الموضوع وأسباب اختياره فيما يلي :
١- أن علم التفسير -كما تقدم- من أشرف العلوم وأجلها، لتعلقه بكتاب الله - جل وعلا -، فشرف العلم بشرف المعلوم.
٢- إمامة الشنقيطي - رحمه الله - في التفسير والفقه والأصول والعربية، وغيرها من العلوم حيث شهد له العلماء بذلك :
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ(١)
... ينظر : الأعلام لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة عشرة، ١٤٢٢l، ٥/٣٠٦، وعلماء نجد خلال ثمانية قرون لعبدالله البسام، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الثانية ١٤١٩هـ، ١/٢٤٢.
ولد -رحمه الله- عام ١٣٢٥هـ، وكان مسقط رأسه - رحمه الله - عند ماء يسمى (تَنْبه) من أعمال مديرية (كيفا) من القطر المسمى بشنقيط، وهي عاصمة دولة موريتانيا الإسلامية في الوقت الحاضر.
وشنقيط كانت ولا تزال اسماً لقرية من أعمال مديرية (أطار) في أقصى الشمال الغربي من موريتانيا (١).
أما نشأته - رحمه الله - فقد نشأ في بيئة يغلب عليها طلب العلم، وروح الفروسية، ونما وترعرع متأثراً بالوسط القبلي المحيط به، وهو وسط تحتضنه البادية، ويغلب عليه التنقل من مكان إلى آخر طلباً للمناخ الأصلح.
وقد نشأ - رحمه الله - يتيماً، يخبر - رحمه الله - عن أحداث فترة طفولته بقوله :((توفي والدي وأنا صغير أقرأ في جزء (عم)، وترك لي ثروة من الحيوان والمال، وكانت سُكناي في بيت أخوالي، وأمي ابنة عم أبي.
وحفظت القرآن على خالي عبدالله بن محمد المختار بن إبراهيم بن أحمد نوح...)) (٢).
فهذه النشأة الكريمة في تلك البيئة الصالحة، كان لها أكبر الأثر في بروزه علماً إسلامياً من كبار علماء المسلمين(٣).
ثالثاً : عقيدته :
(٢) أضواء البيان ١٠/٢١ ترجمة الشيخ عطية سالم.
(٣) ينظر : أضواء البيان ١٠/٢٠ وما بعدها، وعلماء ومفكرون عرفتهم لمحمد المجذوب ١/١٧١، وترجمته في مقدمة كتاب : جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف للدكتور : عبدالعزيز بن صالح الطويان، مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٩هـ، ١/٣٠.
وهو عند الأصوليين : تقوية إحدى الأمارتين على الأخرى لدليل (١).
أما المراد به عند المفسرين - وهو ما يعنينا في هذا البحث - فهو : تقوية أحد الأقوال في تفسير الآية لدليل، أو لتضعيف ما سواه من الأقوال.
فقول :( لدليل) يشمل جميع الأدلة التي تصلح في تقوية الأقوال، سواء أكانت من دلالة ألفاظ الآية أم سياقها، أم قرائن حفت بالخطاب، أم من دليل خارج عن اللفظ المذكور، كورود حديث يدل عليه أو موافقة أصول الشرع أو اللغة العربية، ونحو ذلك - كما سيأتي في وجوه الترجيح -.
وقول :( أو لتضعيف ما سواه من الأقوال ) ؛ لأنه إذا ضعف غيره من الأقوال صار ذلك حصراً للصواب فيه، وهذا من أوجه الترجيح (٢).
شروط الترجيح
اشترط العلماء لصحة الترجيح شروطاً لابد من تحققها، وعند فقدها أو فقد أحدها يعتبر الترجيح غير صحيح، ومن أبرز هذه الشروط ما يلي :
١- عدم إمكان الجمع بين المتعارضين حقيقة أو تقديراً :
(٢) ينظر: قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين علي الحربي، دار القاسم، الطبعة الأولى ١٤١٧هـ، ١/٣٥.
قوله تعالى :﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ هما وصفان لله تعالى، واسمان من أسمائه الحسنى، مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، والرحمن أشد مبالغة من الرحيم ؛ لأن الرحمن هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة، والرحيم ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة. وعلى هذا أكثر العلماء، وفي كلام ابن جرير(١) ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا، وفي تفسير بعض السلف ما يدل عليه، كما قاله ابن كثير(٢)، ويدل له الأثر المروي عن عيسى كما ذكره ابن كثير وغيره(٣) أنه قال -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- :( ((الرحمن)) رحمن الدنيا والآخرة، و((الرحيم)) رحيم الآخرة )، وقد أشار تعالى إلى هذا الذي ذكرنا، حيث قال :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ ﴾ [الفرقان : ٥٩]، وقال :﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه : ٥ ]، فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته، قاله ابن كثير(٤)،
(٢) تفسير القرآن العظيم ١/٣٣.
(٣) ينظر : جامع البيان للطبري ١/١٢٧، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٣٣، والدر المنثور في التفسير المأثور لجلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي ( المتوفى سنة ٩١١ l )، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١١ l، ١ / ٢٩
(٤) تفسير القرآن العظيم ١/٣٣..
وكان بنو فزارة شر عمٍّ... وكنت لهم كشرِ بني الأخينا
وقول العباس بن مرداس السلمي (١):
فقلنا : أَسْلموا إنَّا أخُوكُم... وقد سَلِمَت من الإِحَنِ(٢) الصُّدُور
وأنشد له سيبويه(٣) قول علقمة بن عبدة التميمي(٤) :...
... ينظر : الشعر والشعراء، لأبي محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى سنة ٢٧٦l)، تحقيق : مفيد قميحة، ونعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤٠٥هـ، ص ٥٠١.
... والبيت في لسان العرب لابن منظور ١/٤١ ( أخا)، وفيه :( أَسْلِموا... فقد سلمت)، وفي خزانة الأدب للبغدادي ٤/٤٣٥.
(٢) الإِحْنَةُ : الحقد في الصدر، وجمعها (إِحَن).
ينظر : لسان العرب لابن منظور ١/٣٥ (أحن)، ومختار الصحاح للرازي ص ٨ (أ ح ن ).
(٣) هو عمرو بن عثمان بن قَنْبَر، أبو بشر، الملقب بسيبويه، مولى بني الحارث بن كعب، كان أعلم المتقدمين والمتأخرين بالنحو، ولم يوضع فيه مثل كتابه، أخذ النحو عن الخليل بن أحمد، وأخذ اللغة عن الأخفش الأكبر، توفي سنة ١٨٠هـ.
... ينظر : إنباه الرواة على أنباء النحاة للقفطي، ٢/٣٤٦، ووفيات الأعيان لابن خلكان ٣/٤٦٣.
(٤) علقمة بن عبدة بن ناشرة بن قيس بن عبيد بن ربيعة بن مالك، من بني تميم، شاعر جاهلي وهو الذي يقال له : علقمة الفحل، من فحول الشعراء، من الطبقة الرابعة.
... ينظر: طبقات فحول الشعراء للجمحي ١/١٣٧ وما بعدها، والشعر والشعراء لابن قتيبة ص ١٢٥، والبيت في خزانة الأدب للبغدادي ٧/٥٢٥، وفيه (( به جيف الحسرى )).
وقال: وقد أنشد بعض الرواة بيت الأعشى(١) :
على أنها كانت تَأَوَّلُ حُبَّها | تأوُّل رِبْعي السِّقاب(٢) فأصْحَبا(٣) |
فالراجح عند الشنقيطي - يرحمه الله - في المراد بالتأويل في قوله تعالى :﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾ أنه حقيقة الأمر التي يؤول إليها ؛ لأن الغالب في القرآن إطلاق التأويل على هذا المعنى.
دراسة الترجيح:
قال بعض المفسرين : المراد بالتأويل في قوله تعالى :﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾ هو العاقبة المنتظرة أو حقيقة الأمر التي يؤول إليها، ومن القائلين بذلك:
الواحدي(٦)، وابن كثير(٧)، والشوكاني(٨)، والألوسي(٩)، والقاسمي(١٠)،
(٢) الربعي السقب هو : الذي يولد في أول النتاج، والمرباع من النوق التي تلد في أول النتاج.
... ينظر: تهذيب اللغة للأزهري ٢/٣٧٣ مادة (ربع)، والصحاح للجوهري ٣/٤٨١ مادة (ربع)، ولسان العرب لابن منظور ٣/٥٦٦ مادة (ربع)، والقاموس المحيط للفيروزآبادي ص٩١ مادة (س ق ب).
(٣) أصْحّب البعير والدابة : أي انقادا، وأصْحَبَ الرجل: بلغ ابنه مبلغ الرجال فصار مثله، فكأنه صاحبه.
... ينظر: الصحاح للجوهري ١/٢٤٣ مادة ( صحب )، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس ٢/٣٤ مادة (صحب)، ولسان العرب لابن منظور ٤/٢٤٠١ مادة (صحب).
(٤) ينظر: جامع البيان ٦/٢٠٥.
(٥) أضواء البيان ١/١٦٨.
(٦) الوسيط ١/٤١٤.
(٧) تفسير القرآن العظيم ١/٥٢٠.
(٨) فتح القدير ١/٣١٥.
(٩) روح المعاني ٣/٨٢.
(١٠) محاسن التأويل ٤/٢٣.
لا يخفى ما يسبق إلى الذهن في هذه الآية الكريمة من عدم ظهور وجه الربط بين هذا الشرط، وهذا الجزاء، وعليه ففي الآية نوع إجمال، والمعنى كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها(١) : أنه كان الرجل تكون عنده اليتيمة في حجره، فإن كانت جميلة، تزوجها من غير أن يقسط في صداقها، وإن كانت دميمة رغب عن نكاحها وعضلها أن تنكح غيره ؛ لئلا يشاركه في مالها، فنهوا أن ينكحوهن، إلاّ أن يقسطوا إليهن، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق، وأُمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن ؛ أي: كما أنه يرغب عن نكاحها إن كانت قليلة المال والجمال، فلا يحل له أن يتزوجها إن كانت ذات مال وجمال إلاّ بالإقساط إليها، والقيام بحقوقها كاملة غير منقوصة، وهذا المعنى الذي ذهبت إليه أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، يبينه ويشهد له قوله تعالى: ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ﴾ [النساء: ١٢٧]، وقالت رضي الله عنها:
إن المراد بما يتلى عليكم في الكتاب هو قوله تعالى :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ﴾ [ النساء : ٣ ] الآية، فتبين أنها يتامى النساء بدليل تصريحه بذلك في قوله :﴿ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ ﴾ الآية.
وقوله تعالى :﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ﴾ [ البقرة : ٢٣٩ ]، ويزيده إيضاحاً أنه قال هنا: ﴿ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [ النساء : ١٠٣ ]، وقال في آية البقرة :﴿ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ٢٣٩ ] ؛ لأن معناه : فإذا أمنتم فأتموا كيفيتها بركوعها وسجودها وجميع ما يلزم فيها مما يتعذر وقت الخوف.
وعلى هذا التفسير الذي دل له القرآن، فشرط الخوف في قوله :﴿ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النساء: ١٠١] معتبر، أي : وإن لم تخافوا منهم أن يفتنوكم فلا تقصروا من كيفيتها، بل صلوها على أكمل الهيئات، كما صرح به في قوله :﴿ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾، وصرح باشتراط الخوف أيضاً لقصر كيفيتها بأن يصليها الماشي والراكب بقوله :﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ﴾، ثم قال :﴿ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ ﴾ الآية.
فإذا علمت ذلك، فاعلم أن في هذه الآية الكريمة إشارة إلى هذا القول الأخير، وذلك في قوله تعالى :﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ﴾، فقوله :﴿ مِنْ حَرَجٍ ﴾ نكرة في سياق النفي زيدت قبلها (من) والنكرة إذا كانت كذلك، فهي نص في العموم، كما
تقرر في الأصول(١)، قال في (مراقي السعود) (٢) عاطفاً على صيغ العموم:
وفي سياق المنفي منها يذكر | إذا بني أو زيد من منكر |
ويؤيد هذا ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما(٣)
(٢) مراقي السُعُود لمبتغي الرقي والصعود في أصول الفقه لسيدي عبدالله بن الحاج إبراهيم الشنقيطي (المتوفى سنة ١٢٣٠هـ )، راجعه وصحح متنه: د. محمد ولد سيدي ولد حبيب الشنقيطي، دار المنارة، جدة، الطبعة الأولى، ١٤١٦هـ، ص٤٩.
وينظر : نثر الورود على مراقي السعود لمحمد الأمين الشنقيطي، ١/٢٥٣.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب " قول النبي - ﷺ - جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " رقم (٤٣٨) ص٣٧ بنحوه.
وأخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب (المساجد ومواضع الصلاة) رقم (١١٦٣) ص٧٥٩ بمعناه.
الوجه الأخير يدل له القرآن : كقوله تعالى عن الكفار الذين عدلوا به غيره :﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء : ٩٧ - ٩٨]، وقوله تعالى :﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾ [البقرة: ١٦٥].
وأشار تعالى في آيات كثيرة إلى أن الكفار ساووا بين المخلوق والخالق - قبحهم الله تعالى- كقوله :﴿ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الرعد: ١٦]، وقوله :﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: ١٧]، وقوله :﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ﴾ [الروم: ٢٨]، إلى غير ذلك من الآيات](١).
فالراجح عند الشنقيطي -يرحمه الله - في المراد بقوله :﴿ يَعْدِلُونَ ﴾، أي يجعلون له نظيراً في العبادة ؛ لأن هذا الوجه هو الذي يدل له القرآن.
دراسة الترجيح:
جمهور المفسرين (٢) على أن المراد بقوله :﴿ يَعْدِلُونَ ﴾ أي : يجعلون له نظيراً في العبادة.
(٢) منهم : الطبري في جامع البيان ١١/٢٥٢، والنحاس في إعراب القرآن ٢/٥٥، والواحدي في الوسيط ٢/٢٥١، وابن عطية في المحرر الوجيز ٢/٢٦٦، والرازي في التفسير الكبير ١٢/١٢٦، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ٧/٨، وابن جزي في التسهيل ٢/٢، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم ٢/١٩٨، والألوسي في روح المعاني ٧/٨٥، والقاسمي في محاسن التأويل ٦/٤٥٥، وابن عاشور في التحرير والتنوير ٧/١٢٨، والسعدي في تيسير الكريم الرحمن ص٢١٢، وغيرهم.
١٣- أن الدراسة المبنية على المقارنة والموازنة بين الأقوال تنمي لدى الباحث ملكة مناقشة الأقوال والترجيح بينها، وفي هذا من النفع ما لا يخفى.
١٤- موافقة هذه الدراسة لترجيحات الشنقيطي - رحمه الله - لجميع المسائل التي تناولها بالترجيح، عدا ست مسائل، كانت فيها مخالفة الشيخ إما للجمع بين القولين أو الأقوال في المسألة، أو لموافقة ما عليه أكثر المفسرين.
وفي الختام أحمد الله تعالى حمداً كثيراً على التمام، وأشكره سبحانه على ما يسره وأعان، وأسأله سبحانه أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني وكل ناظر فيه بما فيه من صواب، وأن يعفو عما كان فيه من خطأ أو تقصير، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِن اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٤٣) }... ١٤٣... ١٠٣، ١٠٤، ١٠٥
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (١٦٥) ﴾... ١٦٥... ٣٣٦، ٣٣٧
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٧٨) ﴾... ١٧٨... ١٠١، ١٠٧، ١٠٨، ١١٠
﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِن اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠) ﴾... ١٩٠... ١١١
﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (١٩١) ﴾... ١٩١... ١٧٩