- رحمه الله - :(( كان آية في العلم والقرآن واللغة وأشعار العرب )).
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز(١)- رحمه الله - :(( كان ذا علم واسع بالتفسير واللغة العربية، وأقوال أهل العلم في تفسير كتاب الله، مع الزهد والورع والتثبت في الأمر)) (٢).
٣- عناية مؤلفه التامة بالتفسير، حيث قال :(( لا توجد آية في القرآن إلا درستها على حده، وكل آية قال فيها الأقدمون شيئاً فهو عندي )) (٣).
٤- بسطه التام لأنواع تفسير القرآن بالقرآن، الذي هو أهم مقاصده في تأليفه، حيث قال: (( واعلم أن من أهم المقصود بتأليفه أمرين :

(١) عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالرحمن بن باز، أبو عبدالله، علامة عصره، مفتي المملكة العربية السعودية ومرجع المستفتين في العالم الإسلامي، عُين رئيساً للجامعة الإسلامية، ورئيساً للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي، وهيئة كبار العلماء، كان عف اللسان، متواضعاً، زاهداً في الدنيا، له :( الفوائد الجلية في المباحث الفرضية )، و ( التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة ) وغير ذلك، توفي سنة ١٤٢٠هـ.
... ينظر : الإيجاز في سيرة ومؤلفات ابن باز، لصالح راشد محمد الهويمل، دار طيبة، الرياض، ١٤١٥هـ، ص١٤ وما بعدها، ومعجم الكتاب والمؤلفين في المملكة العربية السعودية، الدائرة للإعلام المحدودة، الرياض، الطبعة الثانية ١٤١٣هـ، ص١٣.
(٢) ينظر : ترجمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان، لعبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، دار الهجرة، الخبر، الطبعة الأولى، ١٤١٢هـ، ص٢٢٠.
(٣) ينظر : المرجع السابق ص١٩٣.

نهج الشيخ -رحمه الله - منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة، فهو على العقيدة الصحيحة، ينهل من الوحيين، كتاب الله وسنة رسول الله - ﷺ -، ويقول بما قال به الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعون والأئمة المشهورون من السلف الصالح - رضوان الله عليهم-، ويظهر ذلك واضحاً في كتبه ومؤلفاته، فإن القاريء فيها يجد أنه -رحمه الله- يقرر أصول عقيدة أهل السنة والجماعة لا يخالفهم في شيء منها(١).
ومن الأمثلة على ذلك ما جاء عند تفسير قوله تعالى :﴿ وَهُوَ اللَّهُ فِي دN¨uq"yJ، ،٩$# وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ ِNن.uچôgy_ur ﴾ [ الأنعام : ٣ ].
قال - رحمه الله - :(( واعلم أن ما يزعمه الجهمية (٢) (
(١) ينظر : جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف للدكتور : عبدالعزيز الطويان ١/٦٣.
(٢) الجهمية : هم أتباع الجهم بن صفوان الذي قال بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال، وأنكر الاستطاعات كلها، وزعم أن الجنة والنار تفنيان، وزعم أيضاً أن الإيمان هو المعرفة بالله تعالى فقط، وأن الكفر هو الجهل به فقط، وقال: لا فعل ولا عمل لأحد غير الله تعالى، وإنما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز.
... ينظر : التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع لأبي الحسين محمد بن أحمد الملطي الشافعي، (المتوفى سنة ٣٧٧هـ)، تحقيق : يمان بن سعد الدين المياديني، رمادي للنشر، الدمام، الطبعة الأولى، ١٤١٤هـ، ص ١١٢، والفرق بين الفِرَق لعبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي، الأسفرائني التميمي ( المتوفى سنة ٤٢٩هـ )، تحقيق : محمد محيي الدين عبدالحميد، دار المعرفة، بيروت، ص٢١١.

ذهب جمهور الأصوليين إلى اشتراط هذا الشرط، فإذا أمكن الجمع بين المتعارضين بوجه مقبول تعين المصير إليه ولم يجز المصير إلى الترجيح (١).
٢- أن يكون الترجيح بين الأدلة، فالدعاوى لا يدخلها الترجيح :
فالترجيح بيان اختصاص الدليل بمزيد قوّة فليس هو دليلاً، وإنما هو قوة في الدليل (٢).
٣- مساواة الدليلين المتعارضين في الحجية :
فإذا كان أحدهما غير مستجمع لشروط الحجية بأن كان سنده ضعيفاً، أو كان مطعوناً فيه من قبل نقاد الحديث نقداً لم يعالج فلا يعتبر الترجيح صحيحاً(٣).
٤- عدم كون الدليلين قاطعين :
(١) ينظر : أصول السرخسي لأبي بكر محمد بن أحمد السرخسي ( المتوفى سنة ٤٩٠هـ )، تحقيق : د. رفيق العجم، دار المؤيد، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٨هـ، ٢/٢٤٤، والمحصول في علم أصول الفقه لفخر الدين محمد بن عمر الرازي (المتوفى سنة ٦٠٦هـ )، تحقيق : طه جابر العلواني، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة، ١٤١٨هـ، ٥/٤٠٦، والبحر المحيط في أصول الفقه لبدر الدين محمد بن بهاد الزركشي الشافعي (المتوفى سنة ٧٩٤هـ )، تحقيق : لجنة من علماء الأزهر، دار الكتبى، القاهرة، الطبعة الثالثة، ١٤٢٤هـ، ٨/١٤٨، وإرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، للحافظ محمد بن علي الشوكاني (المتوفى سنة ١٢٥٠هـ)، تحقيق : محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٩هـ، ٢/٣٩٨.
(٢) البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي ٨/١٤٧.
(٣) ينظر : إرشاد الفحول للشوكاني ٢/٣٦٢، والتعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية لعبداللطيف بن عبدالله البرزنجي، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤١٧هـ، ٢/١٢٩.

ومثله قوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ ﴾ [ الملك : ١٩ ] أي : ومن رحمانيته : لطفه بالطير، وإمساكه إياها صافات وقابضات في جو السماء، ومن أظهر الأدلة في ذلك قوله تعالى :﴿ الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ ﴾ [ الرحمن : ١ - ٢ ] إلى قوله :﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [ الرحمن: ١٣ ]، وقال :﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [ الأحزاب : ٤٣]، فخصهم باسم الرحيم، فإن قيل : كيف يمكن الجمع بين ما قررتم وبين ما جاء في الدعاء المأثور من قوله - ﷺ - :(( رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما )) (١)، فالظاهر في الجواب - والله أعلم - أن الرحيم خاص بالمؤمنين كما ذكرنا، لكنه لا يختص بهم في الآخرة، بل يشمل رحمتهم في الدنيا أيضاً، فيكون معنى رحيمهما : رحمته بالمؤمنين فيهما.
(١) أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر، رقم الحديث (١٨٩٨) ١/٦٩٦، تحقيق : مصطفى عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤٢٢هـ.
وقال الحاكم عن هذا الحديث :(( قد احتج البخاري بعبدالله بن عمر النميري، وهذا حديث صحيح غير أنهما لم يحتجا بالحكم بن عبدالله الأيلي )).

بها جيف الحسرى(١) فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب
وإذا كانت هذه الآية تحتمل الوجهين المذكورين، فاعلم أنه قد دلت آيات أخر على الوجه الثاني، وهو أن المراد بالخليفة : الخلائف من آدم وبنيه لا آدم نفسه وحده، كقوله تعالى :﴿ (#ûqن٩$s% أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴾ [البقرة : ٣٠] الآية.
ومعلوم أن آدم - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - ليس ممن يفسد فيها ولا ممن يسفك الدماء، وكقوله :﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [ فاطر : ٣٩] الآية، وقوله: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ ﴾ [الأنعام: ١٦٥] الآية، وقوله: ﴿ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ ﴾ [ النمل : ٦٢] الآية، ونحو ذلك من الآيات.
ويمكن الجواب عن هذا بأن المراد بالخليفة آدم، وأن الله أعلم الملائكة أنه يكون من ذريته من يفعل ذلك الفساد وسفك الدماء، فقالوا ما قالوا. وأن المراد بخلافة آدم الخلافة الشرعية، وبخلافة ذريته أعم من ذلك، وهو أنهم يذهب منهم قرن ويخلفه قرن آخر] (٢).
فالراجح عند الشنقيطي - يرحمه الله - في المراد بقوله تعالى :(خليفة) أنه آدم - عليه السلام - كما هو الظاهر المتبادر من سياق الآية.
دراسة الترجيح :
(١) الحسرى : جمع حسير وهي الناقة التي أعيت وكلَّت.
ينظر : لسان العرب لابن منظور ٢/٨٦٩ ( حسر )، ومختار الصحاح للرازي ص ١٣٥ ( ح س ر ).
(٢) ينظر : أضواء البيان ١/٥٧ وما بعدها.

والسعدي(١).
وقال آخرون : المراد بالتأويل التفسير وإدراك المعنى، ومن القائلين بذلك:
البغوي(٢)، والقرطبي(٣).
تحرير المسألة:
الذي يتضح - مما تقدم - أن المراد بالتأويل في قوله تعالى :﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾ هو ما عليه أكثر المفسرين، ورجحه الشنقيطي في تفسيره، وهو حقيقة الأمر التي يؤول إليها ؛ لأن الغالب في القرآن إطلاق التأويل على هذا المعنى، كما في قوله تعالى :﴿ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [يوسف: ١٠٠]، وقوله :﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ﴾ [الأعراف: ٥٣]، وقوله :﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾ [يونس: ٣٩] إلى غير ذلك من الآيات، والحمل على الأغلب أولى من الحمل على غيره.
والقول بأن المراد بالتأويل : التفسير وإدراك المعنى لا يخلو من بُعد، سيما وأن الواو في قوله تعالى :﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ ﴾ في قول أكثر المفسرين هي للاستئناف لا للعطف، والله تعالى أعلم.
المسألة الثانية:
٢- محل الواو في قوله تعالى: ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾
قال تعالى: ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ ﴾ [آل عمران: ٧]
اختلف العلماء في محل الواو في قوله تعالى :﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ على قولين:
القول الأول :
أن تكون للاستئناف، فيكون قوله: ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ مبتدأ، وخبره (يقولون )، وعليه فالمتشابه لا يعلم تأويله إلاّ الله وحده، والوقف على هذا على لفظ الجلالة.
القول الثاني :
(١) تيسير الكريم الرحمن ص١٠٢.
(٢) معالم التنزيل ٣/٢٧٩.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ٤/١٤.

فظهر من هذا أن المعنى : وإن خفتم ألاّ تقسطوا في زواج اليتيمات فدعوهن، وانكحوا ما طاب لكم من النساء سواهن، وجواب الشرط دليل واضح على ذلك ؛ لأن الربط بين الشرط والجزاء يقتضيه، وهذا هو أظهر الأقوال لدلالة القرآن عليه.
وقال بعض العلماء معنى الآية :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ﴾ أي : إن خشيتم ذلك، فتحرجتم من ظلم اليتامى، فاخشوا أيضاً وتحرجوا من ظلم النساء بعدم العدل بينهن، وعدم القيام بحقوقهن، فقللوا عدد المنكوحات، ولا تزيدوا على أربع، وإن خفتم عدم إمكان ذلك مع التعدد، فاقتصروا على الواحدة ؛ لأن المرأة شبيهة باليتيم، لضعف كل واحد منهما، وعدم قدرته على المدافعة عن حقه، فكما خشيتم من ظلمه فاخشوا من ظلمها.
وقال بعض العلماء : كانوا يتحرجون من ولاية اليتيم، ولا يتحرجون من الزنا، فقيل لهم في الآية : إن خفتم الذنب في مال اليتيم، فخافوا ذنب الزنا، فانكحوا ما طاب
لكم من النساء، ولا تقربوا الزنا، وهذا أبعد الأقوال فيما يظهر والله تعالى أعلم](١).
فالراجح عند الشنقيطي - يرحمه الله - في معنى قوله تعالى :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾، أي : إن خفتم ألاّ تقسطوا في زواج اليتيمات فدعوهن، وانكحوا ما طاب لكم من النساء سواهن ؛ لدلالة القرآن عليه في قوله تعالى :﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ﴾ [النساء: ١٢٧]، كما فسرته عائشة - رضي الله عنها -.
دراسة الترجيح:
(١) ينظر: أضواء البيان ١/١٨٨-١٩٠.

يعني فإذا أمنتم فأقيموا صلاتكم كما أُمرتم بركوعها وسجودها، وقيامها وقعودها، على أكمل هيئة وأتمها، وخير ما يبين القرآن القرآن، ويدل على أن المراد بالقصر في هذه الآية القصر من كيفيتها كما ذكرنا، أن البخاري صدّر باب صلاة الخوف بقوله : باب صلاة الخوف وقول الله تعالى :﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (١٠١) وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ ×pxےح !$sغ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ ﴾ (١).. الآية [النساء : ١٠١ - ١٠٢ ]، وما ذكره ابن حجر(٢)
(١) ينظر : صحيح البخاري، كتاب الخوف، باب ( صلاة الخوف وقول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ ÷ ﴾.. الآيتين ) ص٧٤.
(٢) ينظر : فتح الباري ٢/٣٥٧..

من حديث جابر بن عبدالله(١) -رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - ﷺ - :" أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة، فليصل ". وفي لفظ :" فعنده مسجده وطهوره "(٢) الحديث.
فهذا نص صريح في أن من أدركته الصلاة في محل ليس فيه إلا الجبال أو الرمال أن ذلك الصعيد الطيب الذي هو الحجارة، أو الرمل طهور له ومسجد، وبه تعلم أن ما ذكره الزمخشري(٣) من تعين كون (من) للتبعيض غير صحيح، فإن قيل : ورد في الصحيح ما يدل على تعين التراب الذي له غبار يعلق باليد دون غيره من أنواع الصعيد، فقد أخرج مسلم في صحيحه(٤) من حديث حذيفة(٥) - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - ﷺ - :" فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً، إذا لم نجد الماء " الحديث، فتخصيص التراب بالطهورية في مقام الامتنان يفهم منه أن غيره من الصعيد ليس كذلك، فالجواب من ثلاثة أوجه:
(١) تقدمت ترجمته.
(٢) أخرجه بنحو هذا اللفظ البيهقي في السنن الكبرى، جماع أبواب التيمم، باب ( التيمم بعد دخول وقت الصلاة ) رقم (١٠٨٩)، ١/٣١١.
(٣) الكشاف ١/٥٢٩.
(٤) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ( المساجد ومواضع الصلاة ) رقم (١١٦٥) ص٧٥٩.
(٥) حذيفة بن اليمان، وهو حذيفة بن حُسيل بن جابر العبسي الأشهلي، صاحب سر رسول الله - ﷺ - حليف الأنصار، من السابقين إلى الإسلام، منعه وأباه شهود بدر استحلاف المشركين لهما، شهد الخندق، وتوفي سنة ٣٦هـ.
ينظر : تهذيب الكمال للمزي ٢ / ٧٣، وسير أعلام النبلاء للذهبي ٢ / ٣٦١، والإصابة لابن حجر ١/٤٧٦.

وقال بعضهم : هو من العدول عن الشيء، بمعنى الانحراف والميل عنه، وعلى هذا فقوله :﴿ بربهم ﴾ متعلق بقوله :﴿ كفروا ﴾، وعليه فالمعنى : إن الذين كفروا بربهم يميلون وينحرفون عن طريق الحق إلى الكفر والضلال، وهو قول النضر بن
شميل(١) كما نسبه إليه القاسمي(٢)، والبغوي(٣).
تحرير المسألة:
الذي يظهر - مما تقدم - أن المراد بـ(يعدلون) في قوله تعالى :﴿ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾، أي : يجعلون له نظيراً في العبادة، وعلى هذا فالباء متعلقة بـ(يعدلون)، وهو ما اختاره الشنقيطي -يرحمه الله- وعليه جمهور المفسرين ؛ لأن هذا الوجه يؤكده القرآن في آيات كثيرة، كقوله تعالى عن الكفار الذين عدلوا به غيره :﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: ٩٧-٩٨]، وقوله تعالى :﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾ [البقرة: ١٦٥]، وغير ذلك من الآيات.. والله تعالى أعلم.
(١) النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد المازني، أبو الحسن البصري، كان إماماً حافظاً ثقةً جليل الشأن، وهو أول من أظهر السُّنَّة بمرو وجميع بلاد خراسان، كان رأساً في الحديث واللغة والنحو، توفي سنة ٣٠٢هـ.
... ينظر: الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة لأبي عبدالله أحمد بن أحمد الذهبي الدمشقي، تحقيق: محمد عوامة، دار القبلة للثقافة الإسلامية، مؤسسة علو، جدة، الطبعة الأولى، ١٤١٣l، ٢/٣٢٠، وسير أعلام النبلاء للذهبي ٩/٣٢٨، وشذرات الذهب لابن العماد ٢/٧٨.
... ولم أقف على من اختار هذا القول غير النضر فيما اطلعت عليه من كتب التفسير.
(٢) محاسن التأويل ٦/٤٥٥.
(٣) معالم التنزيل ٢/٨٤.

وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١٩٦) }... ١٩٦... ٤٢، ٥٠، ٦١، ١١٤، ١١٧، ١٢٢، ١٢٣، ١٢٤، ١٢٥، ١٢٦، ١٢٨، ١٢٩، ٢٨٤
﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِن خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٧) ﴾... ١٩٧... ٢٤٦
﴿ * يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢١٩) ﴾... ٢١٩... ٤٤، ١٣١، ١٣٢، ١٣٣


الصفحة التالية
Icon