حين فاتهما الحج وأتيا يوم النحر أن يحلا بعمرة ثم يرجعا حلالاً، ثم يحجان عاماً قابلاً ويهديان، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله )) (١).
ومن ذلك ما رواه مالك في الموطأ(٢) والبيهقي(٣) أيضاً عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تقول :( المحرم لا يحله إلا البيت).
والظاهر أنها تعني غير المحصر بعدو، كما جزم به الزرقاني(٤) في شرح الموطأ(٥).
هذا هو حاصل أدلة القول بأن المراد بالإحصار في الآية هو ما كان من خصوص العدو دون ما كان من مرض ونحوه.
القول الثاني في المراد بالإحصار : أنه يشمل ما كان من عدو ونحوه، وما كان من مرض ونحوه، من جميع العوائق المانعة من الوصول إلى الحرم.
وحجة هذا القول من جهة شموله لإحصار العدو قد تقدمت في حجة الذي قبله.

(١) موطأ الإمام مالك ١/٢٤٥، رقم (١٠٩).
(٢) أخرجه الإمام مالك في الموطأ، كتاب الحج (ما جاء فيمن أحصر بغير عدو)، رقم (١٠٦) ١/٢٤٤.
(٣) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الحج، باب ( من لم ير الإحلال بالإحصار بالمرض )، رقم (١٠٢٢٩)، ٥/٣٦٠ بنحوه.
(٤) هو محمد بن عبدالباقي بن يوسف بن أحمد الزرقاني المصري الأزهري المالكي، أبو عبدالله، خاتمة المحدثين بالديار المصرية، له ( تلخيص المقاصد الحسنة ) في الحديث، و ( شرح البيقونية ) في المصطلح، و (شرح موطأ الإمام مالك ) وغيرها، توفي سنة ١١٢٢هـ. ينظر : الأعلام للزركلي ٦/١٨٤.
(٥) ينظر : شرح الزرقاني على شرح موطأ الإمام مالك لمحمد بن عبدالباقي الزرقاني (المتوفى سنة ١١٢٢ هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى ١٤١١هـ، ٢/٣٩٤.

وقالت طائفة: المراد بالناس القائلين هم المنافقون، لما رأو النبي - ﷺ - يتجهز، نهوا المسلمين عن الخروج، وقالوا : إن أتيتموهم في ديارهم لم يرجع منكم أحد(١).
تحرير المسألة:
الذي يتضح - مما سبق - أن المراد بالناس القائلين : إن الناس قد جمعوا لكم في قوله تعالى :﴿ tûïد%©!$# tA$s% مNكgs٩ â¨$¨Z٩$# ¨bخ) ﴾¨$¨Z٩$# ô‰s% (#qمèuKy_ ِNن٣s٩ ِNèdِqt±÷z$$sù } هو نعيم بن مسعود الأشجعي كما عليه أكثر المفسرين، ويدل لذلك توحيد المشار إليه في قوله تعالى: ﴿ $yJ¯Rخ) مNن٣د٩؛sŒ ك`"sـّ‹¤±٩$# ﴾، فهذه دلالة ظاهرة في اللفظ.
قال الشوكاني :(( والمراد بالناس هنا نعيم بن مسعود، وجاز إطلاق لفظ الناس عليه ؛ لكونه من جنسهم )) (٢).
والقول بأن المراد بالناس هم الركب الذين لقيهم أبو سفيان، وكذلك القول بأن المراد بهم: المنافقون، كلا القولين محتمل ليس ببعيد، ولكن الأقرب دلالة لظاهر اللفظ هو القول الأول.. والله تعالى أعلم ونسبة العلم إليه أسلم.
(١) ينظر: الوسيط للواحدي ٤/٢٩٥، والتفسير الكبير للرازي ٩/٨١، وفتح القدير للشوكاني ١/٤٠٠.
(٢) ينظر: فتح القدير ١/٤٠٠.

وقوله :﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: ٤٧]، وقوله :﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النور: ٥٥] إلى غير ذلك من الآيات.
ومنها: أن المعنى أنه لا يجعل لهم عليهم سبيلاً إلا أن يتواصوا بالباطل، ولا يتناهوا عن
المنكر، ويتقاعدوا عن التوبة، فيكون تسليط العدو عليهم من قبلهم كما قال تعالى :﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [الشورى: ٣٠].
قال ابن العربي :(( وهذا نفيس جداً )) (١)، وهو راجع في المعنى إلى الأول ؛ لأنهم
منصورون لو أطاعوا، والبلية جاءتهم من قبل أنفسهم في الأمرين، ومنها:
أن المراد بالسبيل الحجة، أي: ولن يجعل لهم عليهم حجة، ويبينه قوله تعالى :﴿ ںwur y٧tRqè؟ù'tƒ @@sVyJخ/ wخ) y٧"oY÷¥إ_ بd،ysّ٩$$خ/ z`|،ômr&ur #·ژچإ، ّےs؟ ﴾ [الفرقان : ٣٣ ]، وأخذ بعض العلماء من هذه الآية الكريمة منع دوام ملك الكافر للعبد المسلم، والعلم عند الله تعالى](٢).
فالراجح عند الشنقيطي - يرحمه الله - في المراد من قوله :﴿ `s٩ur ں@yèّgs† ھ!$# tûïجچدے"s٣ù=د٩ 'n؟tم tûüدZدB÷sçRùQ$# ¸x‹خ٦y™ ﴾ أنه : لن يجعل الله يوم القيامة للكافرين على المؤمنين سبيلاً، بدلالة قوله في أول الآية :﴿ ھ!$$sù مNن٣ّts† ِNà٦oY÷ t/ tPِqtƒ دpyJ"uٹة)ّ٩$# `s٩ur ں@yèّgs† ھ!$# tûïجچدے"s٣ù=د٩ 'n؟tم tûüدZدB÷sçRùQ$# ¸x‹خ٦y™ ﴾.
دراسة الترجيح:
(١) أحكام القرآن ١/٥٥٤.
(٢) أضواء البيان ١/٢٥٣.

الطبري(١)، والبغوي(٢)، والزمخشري(٣)، وابن العربي(٤)، والرازي(٥) والقرطبي(٦)، وابن جزي(٧)، وأبو السعود(٨)، والشوكاني(٩)، والألوسي(١٠)، والقاسمي(١١)، وابن عاشور(١٢)، وغيرهم.
وقال بعضهم : الكفارة للجاني لما جناه من الذنب، ومن القائلين بذلك :
الفراء (١٣)، وابن قتيبة (١٤)، والزجاج (١٥)، ومكي بن أبي طالب (١٦)، وابن كثير(١٧)، وغيرهم.
تحرير المسألة :
الذي يظهر - مما سبق - أن الكفارة للمتصدق لا للجاني، وهو ما عليه أكثر المفسرين ؛ لأن الضمير فيه عائد إلى مذكور، وذلك في المؤمن قطعاً دون الكافر، قال الطبري :(( وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : عنى بقوله :﴿ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ﴾ المجروح، فَلأَن تكون الهاء في قوله :( له ) عائدة على (مَنْ) أولى من أن تكون مِنْ ذِكْر مَنْ لم يجر له ذكر إلا بالمعنى دون التصريح وأحرى ؛ إذ الصدقة هي المكفرة ذنب صاحبها دون المتصدَّق عليه في سائر الصدقات غير هذه، فالواجب أن يكون سبيل هذه سبيل غيرها من الصدقات ))(١٨).
(١) جامع البيان ١٠/٣٦٩.
(٢) معالم التنزيل ٢/٤١.
(٣) الكشاف ١/٦١٧.
(٤) أحكام القرآن ٢/١٠٠.
(٥) التفسير الكبير ١٢/٨.
(٦) الجامع لأحكام القرآن ٦/١٢٥.
(٧) التسهيل ١/١٧٩.
(٨) إرشاد العقل السليم ٢/٤٣.
(٩) فتح القدير ٢/٤٧.
(١٠) روح المعاني ٦/١٤٩، وعزاه إلى أكثر المفسرين.
(١١) محاسن التأويل ٦/٢٢٨.
(١٢) التحرير والتنوير ٦/٢١٦.
(١٣) معاني القرآن ١/٢١٣.
(١٤) تفسير غريب القرآن ص ١٢٥.
(١٥) معاني القرآن وإعرابه ٢/١٧٦.
(١٦) تفسير المشكل من غريب القرآن ص ٦٩.
(١٧) تفسير القرآن العظيم ٢/١٠١.
(١٨) جامع البيان ١٠/٣٦٩.

الذي يظهر - مما تقدم - أن الفعل ﴿ صدف ﴾ متعدٍ للمفعول ؛ لأن هذا ما يدل عليه ظاهر السياق القرآني، فإن قوله تعالى: ﴿ ô`yJsù قOn=ّكr& `£JدB z>¤‹x. دM"tƒ$t"خ/ "!$# ﴾ صريح في إعراض هذا الذي لا أحد أظلم منه عن آيات الله ؛ إذ لا إعراض أعظم من التكذيب، فهو بهذا المعنى قد أغنى عنه قوله تعالى قبله :﴿ كذّب ﴾، فدل ذلك على أن المراد بقوله :﴿ t$y‰|¹ur $pk÷]tم ﴾ أنه صدّ غيره عنها، فصار جامعاً بين الضلال والإضلال.
والقول بأنه فعل لازم له وجاهته وقوته، لاسيما إذا وُجه بأن المراد بتكذيبه وإعراضه أنه لم يؤمن بها قلبه، ولم تعمل بها جوارحه كما في قوله تعالى: ﴿ ںxsù s-£‰|¹ ںwur ٤'©؟|¹ اجتب `إ٣"s٩ur z>¤‹x. ٤'¯ [القيامة: ٣١-٣٢] ونحوها من الآيات، ولكن القول الأول أقوى وأظهر - والله تعالى أعلم - ونسبة العلم إليه أسلم.
فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (٣١) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) }... ٣١ - ٣٢... ٣٧٢، ٣٧٣
سورة النبأ
﴿ إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا $Y٦ƒحچs% يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ سة_tFّ‹n="tƒ كُنْتُ $L/¨uچè؟ (٤٠) ﴾... ٤٠... ٤٤، ٢٢٥، ٢٢٧
سورة الشمس
﴿ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (١٤) ﴾... ١٤... ٣٥٤، ٣٥٥
فهرس الأحاديث النبوية
طرف الحديث... الصفحة
((أتموا فإنا قوم سَفْر ))... ٢٢٩
((ارجعي إلى بيتك))... ٢٠٥
(( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من قبلي....))... ٢٧٠
((أمر لهم - ﷺ - أي العرنيين- بلقاح وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها...))... ٤٥-٤٦-٢٨٠
(( إن إبراهيم حرم مكة ))... ٢٣٥
((إن الله فرض على المسلمين حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ))... ١٦٤
((إن رأى الناس الظالم فلم يأخذوا على يده..))... ٣٢٩
((إن مكة حرمها الله ))... ٢٣٥
((إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم))... ٢٤٧
(( أيما إهاب دبغ فقد طهر))... ٢٧٢
(( دعي الصلاة أيام أقرائك))... ١٣٤-١٣٥-١٤٠
((رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما))... ٧٤
(( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته))... ٢٣٨
(( فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً قبل أن يمسها...))... ٥٩، ١٣٦
((فضلنا على الناس بثلاث : جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة...))... ٢٧١
(( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه...))... ٦٠، ٢٤٧
(( لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب))... ٣٢٨
(( لا تختلفوا على إمامكم ))... ٢٣٥
(( لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله ))... ١٦٥
(( لعلك أردت الحج، قالت : والله ما أجدني إلا وجعه...))... ١٢١
(( ما من قتيل يقتل ظلماً... ))... ٢٧٨
(( مثل القائم في حدود الله والواقع فيها))... ٣٢٩
(( من بدل دينه فاقتلوه))... ٢٨١
(( من سبق العاطس بالحمد أمن من الشوص...))... ١١٤
((


الصفحة التالية
Icon