والبيهقي(١) عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري(٢) -رضي الله عنه- قال : سمعت رسول الله - ﷺ - يقول :( من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى )، فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة فقالا : صدق.
ورد المخالفون الاحتجاج بحديث عكرمة هذا من وجهين :
الوجه الأول :
ما ذكره البيهقي في السنن الكبرى قال :(( وقد حمله بعض أهل العلم إن صح على أنه يحل بعد فواته بما يحل به من يفوته الحج بغير مرض. فقد روينا عن ابن عباس ثابتاً عنه قال: لا حصر إلا حصر عدو، والله أعلم ))(٣). انتهى منه بلفظه.
الوجه الثاني :
هو حمل حله المذكور في الحديث على ما إذا اشترط في إحرامه أنه يحل حيث حبسه الله بالعذر، والتحقيق : جواز الاشتراط في الحج ؛ بأن يحرم ويشترط أن محله حيث حبسه الله، ولا عبرة بقول من منع الاشتراط، لثبوته عن النبي - ﷺ -.

(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الحج، باب (من رأى الإحلال بالحصر بالمرض) رقم (١٠٢٣٠)، ٥/٣٦٠ بنحوه.
(٢) هو حجاج بن عمرو بن غزية الأنصاري المازني المدني، له صحبة، روى عن عكرمة مولى ابن عباس وغيره.
... ينظر : الاستيعاب لابن عبدالبر ص١٨٣، وتهذيب الكمال للمزي ٢/٦٢.
(٣) السنن الكبرى للبيهقي ٥/٣٦١، رقم (١٠٢٣٢).

أنه تعالى لن يجعل للكافرين على المؤمنين يوم القيامة سبيلاً، ويشهد لهذا القول قوله تعالى في أول الآية :﴿ ھ!$$sù مNن٣ّts† ِNà٦oY÷ t/ tPِqtƒ دpyJ"uٹة)ّ٩$# `s٩ur ں@yèّgs† ھ!$# tûïجچدے"s٣ù=د٩ ﴾ الآية.
وقول من قال : المراد أنه لا يجعل لهم عليهم سبيلاً يمحوا به دولة المسلمين، لا يخلو من وجاهة وقوة كما يشهد له حديث ثوبان -رضي الله عنه- المتقدم(١).
قال ابن عاشور: (( والمراد بالسبيل طريق الوصول إلى المؤمنين بالهزيمة والغلبة بقرينة تعديته بعلى ؛ ولأن سبيل العدو إلى عدوه هو السعي إلى مضرته، ولو قال لك الحبيب: لا سبيل إليك لتحسرت، ولو قال لك العدو: لا سبيل إليك لتهللت بشراً، فإذا عُدي بـ(على) صار نصاً في سبيل الشر والأذى، فالآية وعد محض دنيوي، وليست من التشريع في شيء، ولا من أمور الآخرة في شيء لنبو المقام عن هذين )) (٢).
والقول بأن المراد أنه لا يجعل لهم عليهم سبيلاً، إلا أن يتواصوا بالباطل، ولا يتناهوا عن المنكر، فيكون تسليط العدو عليهم من قبلهم، أو أن المراد بالسبيل الحجة، كلا المعنيين محتمل، والقول بهما وارد معتبر، والله تعالى أعلم.
(١) تقدم في ترجيح الشنقيطي.
(٢) التحرير والتنوير ٥/٢٣٨.

وبيّن مثل ذلك في اليهود أيضاً، حيث قال فيهم :﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ [المائدة : ٦٤]، والظاهر أنها في اليهود فيما بينهم، كما هو صريح السياق، خلافاً لمن قال : إنها بين اليهود والنصارى ] (١).
فالراجح عند الشنقيطي- يرحمه الله - في المراد بقوله :﴿ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ أنهم اليهود فيما بينهم لظاهر السياق القرآني.
دراسة الترجيح :
ذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد بقوله تعالى :﴿ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ أنهم اليهود فيما بينهم كما هو صريح سياق الآية الكريمة، واختار هذا القول من المفسرين :
الزجاج(٢)، والسمرقندي(٣)، والزمخشري(٤)، وابن عطية(٥)، وابن كثير(٦)، وأبو السعود(٧)، والقاسمي(٨)، وغيرهم.
وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد هم اليهود والنصارى، واختار هذا القول :
الطبري(٩)، وأبو حيان(١٠)، وغيرهما.
ومال إليه : الواحدي(١١)، والبغوي(١٢)، والقرطبي(١٣)، وغيرهم.
تحرير المسألة :
(١) أضواء البيان ١/٣١٣.
(٢) معاني القرآن وإعرابه ٢/١٩٠.
(٣) بحر العلوم ١/٤٤٨.
(٤) الكشاف ١/٦٢٩.
(٥) المحرر الوجيز ٢/٢١٦.
(٦) تفسير القرآن العظيم ٢/١٢٠.
(٧) إرشاد العقل السليم ٣/٥٩.
(٨) محاسن التأويل ٦/٢٧٩.
(٩) جامع البيان ١/٤٥٨.
(١٠) البحر المحيط ٤/٣١٧.
(١١) الوسيط ٢/٢٠٧.
(١٢) معالم التنزيل ٢/٥٠.
(١٣) الجامع لأحكام القرآن ٦/١٤٦.

من أطاق الحج فلم يحج فسواء مات يهودياً أو نصرانياً))... عمر بن الخطاب... ١٦٧
(( نعم هي فيهم ولتسلكن سبيلهم حذو النعل بالنعل))... حذيفة بن اليمان
((ياأيها الناس إنكم تقرؤن هذه الآية :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ... ﴾ ))... أبو بكر الصديق
فهرس الأعلام (١)
العلم... الصفحة
إبراهيم بن خالد الكلبي ( أبو ثور)... ٢٧٢
إبراهيم بن محمد بن السري ( الزجاج)... ٧٧
إبراهيم بن يزيد ( النخعي)... ٣٢٥
أبي بن كعب... ٢١٧
أحمد بن الحسين بن علي ( البيهقي)... ١١٧
أحمد بن شعيب بن علي ( النسائي)... ٦٨
أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ( ابن تيمية)... ٥٨
أحمد بن علي ( ابن حجر العسقلاني )... ١٤٥
أحمد بن علي الرازي ( أبو بكر الجصاص)... ٢٣٠
أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي... ١٥٨
أحمد بن محمد بن إسماعيل ( النحاس)... ٨٨
أحمد بن محمد الأمين الجكني... ٢٢
أحمد بن محمد بن حنبل... ٤٢
أحمد بن موسى الأصبهاني ( ابن مردويه)... ١٦٦
أحمد بن يوسف بن عبدالدائم ( الحلبي )... ٩٦
إسماعيل بن عبدالرحمن الهاشمي ( السدي )... ٥٢
إسماعيل بن عمر ( ابن كثير ) الدمشقي... ٦٩
أنس بن مالك بن النضر... ٢٨٥
أيوب بن أبي تميمة السختياني... ١١٨
البراء بن عازب الأنصاري... ٣٠٠
بكر بن عبدالله أبو زيد... ٢١
ثوبان بن بُجدد... ٢٦٤
جابر بن زيد ( أبو الشعثاء)... ٢٩١
جابر بن عبدالله الأنصاري... ١٢٨
جبير بن مطعم... ٢٣٣
جرير بن عطية الخطفي... ١٧١
جمال الدين بن محمد بن سعيد ( القاسمي)... ٧٦
الحارث بن عبدالله الأعور... ١٦٦
حجاج بن عمرو الأنصاري... ١٢١
حذيفة بن اليمان... ٢٧١
حسان بن ثابت... ١٧١
الحسن بن أحمد ( أبو علي الفارسي)... ١٨٧
الحسن بن يسار البصري... ١٠٨
الحسين بن مسعود ( البغوي)... ٧٧
الحكم بن عُتيبه الكندي... ١٠٧
حمد بن محمد ( الخطابي)... ١٥٧
حمزة بن حبيب الزيات... ١٧٩
خالد بن زيد ( أبو أيوب الأنصاري)... ١١٩
أبو رافع القبطي ( مولى رسول الله - ﷺ - )... ١٨٦
الربيع بن أنس البكري... ١٠٨
(١) مواضع الترجمة.


الصفحة التالية
Icon