قوله :﴿ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ [البقرة : ١٩٦] جمهور العلماء على أن المراد به شاة فما فوقها، وهو مذهب الأئمة الأربعة، وبه قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، ورواه سعيد بن جبير(١) عن ابن عباس، وبه قال طاوس(٢)، وعطاء (٣)، ومجاهد، وأبو العالية (٤)، ومحمد بن علي بن الحسين (٥)،

(١) هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الكوفي، أبو محمد ويقال أبو عبدالله، الحافظ المقريء المفسر، إمام حجة ثقة فقيه، قتل بين يدي الحجاج سنة ٩٥هـ.
... ينظر: تهذيب الكمال للمزي ٣/١٤١، وسير أعلام النبلاء للذهبي ٤/٣٢١، وطبقات المفسرين للأدنه وي ص١٠.
(٢) هو طاوس بن كيسان اليماني، أبو عبدالرحمن، كان رأساً في العلم والعمل، من سادات التابعين وأدرك خمسين صحابياً، كان إماماً في الفقه والتفسير، توفي سنة ١٠٦هـ.
... ينظر: سير أعلام النبلاء للذهبي ٥/٣٨، وطبقات المفسرين للداودي ١/١٣، وطبقات المفسرين للأدنه وي ص١٢.
(٣) هو عطاء بن أبي رباح وابن أبي رباح هو أسلم القرشي المكي، أبو محمد، ثقة فقيه فاضل، كان عالماً بالقرآن ومعانيه، توفي سنة ١١٥هـ.
... ينظر : تهذيب الكمال للمزي ٥/١٦٦، وسير أعلام النبلاء للذهبي ٥/٧٨، وطبقات المفسرين للأدنه وي ص١٤.
(٤) هو رفيع بن مهران البصري، أبو العالية الرياحي، مشهور في التابعين، كان إماماً في القرآن والتفسير، أخذ القراءة عرضاً عن أُبيّ، وزيد بن ثابت، وابن عباس، توفي سنة ٩٠هـ، وقيل غير ذلك.
... ينظر : تهذيب الكمال للمزي ٢ / ٤٨٨، ومعرفة القراء الكبار للذهبي ١ / ١٥٥، وطبقات المفسرين للداودي ص١٢٥.
(٥) هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي، أبو جعفر الباقر، ثقة فقيه فاضل، كثير الحديث، توفي سنة ١١٤هـ، وقيل غير ذلك.
... ينظر : تهذيب الكمال للمزي ٦/٤٢٤، وتقريب التهذيب لابن حجر ص٢٣٠.

ذهب جمهور العلماء إلى أن معنى هذه الآية الكريمة :﴿ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا ﴾ لقتله ذاكراً لإحرامه، وخالف مجاهد -رحمه الله- الجمهور قائلاً : إن معنى الآية :﴿ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا ﴾ لقتله في حال كونه ناسياً لإحرامه، واستدل لذلك بقوله تعالى :﴿ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ﴾ كما سيأتي إيضاحه - إن شاء الله تعالى -.
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب(١) أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، ويكون فيها قرينة دالة على عدم صحة ذلك القول، وإذا عرفت ذلك فاعلم أن في الآية قرينة واضحة دالة على عدم صحة قول مجاهد - رحمه الله -، وهي قوله تعالى :﴿ لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ﴾ فإنه يدل على أنه متعمدٌ أمراً لا يجوز، أما الناسي فهو غير آثم إجماعاً، فلا يناسب أن يقال فيه :﴿ لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ﴾ كما ترى، والعلم عند الله تعالى](٢).
فالراجح عند الشنقيطي - يرحمه الله - في المراد بقوله تعالى :﴿ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا ﴾، أي متعمداً لقتله ذاكراً لإحرامه، بقرينة قوله تعالى بعدها :﴿ لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ﴾، فإنه يدل على تعمده أمراً لا يجوز.
دراسة الترجيح :
ذهب جمهور المفسرين(٣) إلى أن المراد بقوله تعالى :﴿ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا ﴾ أي متعمداً لقتله، ذاكراً لإحرامه.
(١) أضواء البيان ١/٣٤.
(٢) المرجع السابق ١/٣٢٤.
(٣) ينظر : الكشاف للزمخشري ١/٦٤٤، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٦/١٩٠، والبحر المحيط لأبى حيان ٤/٣٦٤، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ٢/١٥٩، وإرشاد العقل السليم لأبي السعود ٣/٧٩، وروح المعاني للألوسي ٧/٢٣، ومحاسن التأويل للقاسمي ٦ / ٣٧١ - ٣٧٢، والتحرير والتنوير لابن عاشور ٧/٤٣ وغيرهم.

" إرشاد العقل السليم لأبي السعود محمد بن محمد العمادي (المتوفى سنة ٩٥١هـ )، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
" إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، للحافظ محمد بن علي الشوكاني (المتوفى سنة ١٢٥٠هـ)، تحقيق : محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٩هـ.
" الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ شهاب الدين أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة ٨٥٢هـ، ضبطه وخرّج أحاديثه : صدقي جميل العطار، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢١هـ.
" أصول التفسير وقواعده لخالد عبدالرحمن العك، دار النفائس، بيروت، الطبعة الرابعة ١٤٢٤هـ.
" أصول السرخسي لأبي بكر محمد بن أحمد السرخسي الحنفي (المتوفى سنة٤٩٠هـ)، تحقيق : د. رفيق العجم، دار المؤيد، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٨هـ.
" أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لمحمد الأمين الشنقيطي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٧هـ، وطبعة عالم الكتب.
" إعراب القرآن، لأحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس (المتوفى سنة ٣٣٨هـ)، تحقيق : د. زهير غازي زاهد، عالم الكتب بيروت، الطبعة الثالثة ١٤٠٩هـ.
" الأعلام لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة عشرة ١٤٢٢هـ.
" الأم للإمام أبي عبدالله محمد بن إدريس الشافعي (المتوفى سنة ٢٠٤هـ)، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية، ١٣٩٣هـ.
" إنباه الرواة على أنباء النحاة، لأبي الحسن علي بن يوسف القفطي (المتوفى سنة ٦٤٦هـ)، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة، الطبعة الثانية، ١٤٢٦هـ.
" الإنصاف في مسائل الخلاف، لأبي البركات عبدالرحمن بن محمد الأنباري ( المتوفى سنة ٥٧٧هـ)، تحقيق : محمد محيي الدين عبدالحميد، دار الفكر، دمشق.


الصفحة التالية
Icon