قال ابن كثير :( والظاهر أن مستند هؤلاء فيما ذهبوا إليه قصة الحديبية، فإنه لم ينقل عن أحدٍ منهم أنه ذبح في تَحلُلِه ذلك شاة، وإنما ذبحوا الإبل والبقر. ففي الصحيحين(١) عن جابر(٢) قال :(( أمرنا رسول الله - ﷺ - أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بقرة))) (٣).
ثم قال الشنقيطي: لا يخفى أن التحقيق في هذه المسألة : أن المراد بما استيسر من الهدي ما تيسر مما يسمى هدياً، وذلك شامل لجميع الأنعام : من إبل، وبقر، وغنم، فإن تيسرت شاة أجزأت، والناقة والبقرة أولى بالإجزاء.
وقد ثبت في الصحيحين (٤) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت :(( أهدى - ﷺ - مرة غنماً )) ] (٥).

(١) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الحج باب ( بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران، وجواز إدخال الحج على العمرة ومتى يحل القارن من نسكه )، رقم الحديث ( ٢٩٤٠ ) ص ٨٧٩ بنحوه.
(٢) هو جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي السلمي، أبو عبدالله، صحابي ابن صحابي، شهد العقبة الثانية مع أبيه وهو صغير، غزا مع رسول الله - ﷺ - تسع عشرة غزوة، كان من آخر من مات من أصحاب رسول الله - ﷺ - بالمدينة، توفي سنة ٧٤ هـ، وقيل غير ذلك.
... ينظر : الاستيعاب لابن عبد البر ص ١٤٠، وتهذيب الكمال للمزي ١ / ٤٢٨، والإصابة لابن حجر ١/٣١٩.
(٣) تفسير القرآن العظيم ١/٣٤٨.
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب ( تقليد الغنم ) رقم (١٧٠١) ص١٣٤ بنحوه.
وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب ( استحباب بعث الهدي إلى الحرم لمن لا يريد الذهاب بنفسه واستحباب تقليده وقتل القلائد، وأن باعثه لا يصير محرماً، ولا يحرم عليه شي بسبب ذلك )، رقم (٣٢٠٣)، ص٨٩٧.
(٥) ينظر : أضواء البيان ١/١٠٠ وما بعدها.

جمهور العلماء يعتبرون المثلية بالمماثلة في الصورة والخلقة، وخالف الإمام أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - الجمهور، فقال : إن المماثلة معنوية، وهي القيمة، أي قيمة الصيد في المكان الذي قتله فيه أو أقرب موضع إليه إن كان لا يباع الصيد في موضع قتله، فيشتري بتلك القيمة هدياً إن شاء، أو يشتري بها طعاماً، ويطعم المساكين كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، (( واحتج أبو حنيفة - رحمه الله- بأنه لو كان الشبه من طريق الخلقة والصورة معتبراً في النعامة بدنة، وفي الحمار بقرة، وفي الظبي شاة، لَمَا أوقفه على عدلين يحكمان به ؛ لأن ذلك قد عُلِم فلا يحتاج إلى الارتياء والنظر، وإنما يفتقر إلى العدلين والنظر ما تشكل الحال فيه، ويختلف فيه وجه النظر.
" البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان لأبي الفضل عباس بن منصور التريني السكسكي ( المتوفى سنة ٦٨٣هـ ) تحقيق : د. بسام علي العموش، مكتبة المنار، الأردن، الطبعة الأولى، ١٤٠٨هـ.
" البيان في غريب إعراب القرآن لأبي البركات عبدالرحمن بن محمد الأنباري (المتوفى سنة ٥٧٧هـ)، ضبط وتعليق: بركات يوسف هبود، دار الأرقم، بيروت.
" التبصرة في القراءات السبع لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي (المتوفى سنة ٤٣٧هـ )، تصحيح ومراجعة: جمال الدين محمد شرف، دار الصحابة - طنطا بمصر.
" التبيان في إعراب القرآن، لأبي البقاء عبدالله بن الحسين العكبري ( المتوفى سنة ٦١٦هـ)، طبعة بيت الأفكار الدولية، الرياض.
" التحرير والتنوير لمحمد الطاهر ابن عاشور (المتوفى سنة ١٣٩٣هـ)، دار سحنون، تونس.
" تراجم المؤلفين التونسيين لمحمد محفوظ، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية ١٩٩٤م.
" التسهيل لعلوم التنزيل لمحمد بن أحمد بن جزي الكلبي (المتوفى سنة ٧٤١هـ)، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الرابعة، ١٤١٣هـ.
" التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية لعبداللطيف بن عبدالله البرزنجي، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤١٧هـ.
" ترجمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان، لعبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، دار الهجرة، الخبر، الطبعة الأولى، ١٤١٢هـ.
" التعرف لمذهب أهل التصوف لأبي بكر محمد الكلاباذي ( المتوفى سنة ٣٨٠ هـ )، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤٠٠هـ.
" التعريفات لعلي بن محمد بن علي الجرجاني (المتوفى سنة ٨١٦هـ)، تحقيق : إبراهيم الآبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٥هـ.
" تفسير ابن أبي حاتم، لأبي محمد عبدالرحمن بن محمد بن إدريس التميمي (المتوفى سنة ٣٢٧هـ)، ضبط ومراجعة: أحمد فتحي عبدالرحمن حجازي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى ١٤٢٧هـ.


الصفحة التالية
Icon