فالراجح عند الشنقيطي - يرحمه الله - في المراد بالهدي في قوله تعالى: ﴿ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ أنه ما تيسر مما يسمى هدياً، وذلك شامل لجميع الأنعام : من الإبل والبقر
والغنم.
دراسة الترجيح :
قال جمهور المفسرين : المراد بالهدي في قوله تعالى :﴿ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ ما تيسر مما يسمى هدياً، وذلك شامل لجميع الأنعام، فأعلاه بدنه، وأوسطه بقرة، وأدناه شاة، وعليه فإن تيسرت شاة أجزأت، ومن القائلين بذلك :
الفراء (١)، والطبري (٢)، وابن قتيبة (٣)، والزجاج (٤)، والواحدي (٥)، والبغوي (٦)، والزمخشري(٧)، وابن عطية (٨)، والنيسابوري (٩)، والقرطبي (١٠)، والنسفي (١١)، وابن جزي (١٢)، وأبو حيان(١٣)، وابن كثير(١٤)، وأبو السعود(١٥)، والشوكاني(١٦)، والألوسي(١٧)،
والقاسمي(١٨)، والسعدي(١٩).
وقال البعض : إن المراد بالهدي الإبل والبقر دون الغنم، وممن روي عنه هذا القول : عائشة، وعبدالله بن عمر وسالم مولى أبي حذيفة، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وسعيد بن جبير(٢٠)، وغيرهم.
تحرير المسألة :

(١) معاني القرآن ١/٨٦.
(٢) جامع البيان ٤/٣٣.
(٣) تفسير غريب القرآن ص٧١.
(٤) معاني القرآن وإعرابه ١/٢٦٧.
(٥) الوسيط ١/٢٩٧.
(٦) معالم التنزيل ١/١٦٨.
(٧) الكشاف ١/٣٤٤.
(٨) المحرر الوجيز ١/٢٦٧.
(٩) إيجاز البيان ١/١٣١.
(١٠) الجامع لأحكام القرآن ٢/٢٤٩.
(١١) مدارك التنزيل وحقائق التأويل ١/١٠٠.
(١٢) التسهيل ١/٧٤.
(١٣) البحر المحيط ٢/٢٥٦.
(١٤) تفسير القرآن العظيم ١/٣٤٨.
(١٥) إرشاد العقل السليم ١/٢٠٦.
(١٦) فتح القدير ١/١٩٦.
(١٧) روح المعاني ٢/٨١.
(١٨) محاسن التأويل ٣/١٤٤.
(١٩) تيسير الكريم الرحمن ص٧٣.
(٢٠) ينظر : جامع البيان للطبري ٤ / ٣٠ - ٣٣، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ١ / ٣٤٨، والدر المنثور للسيوطي ١/٣٨٤.

ودليل الجمهور على أن المراد بالمثل من النعم المشابهة للصيد في الخلقة والصورة منها قوله تعالى :﴿ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ﴾ [المائدة: ٩٥] الآية، فالمثل يقتضي بظاهره المثل الخلقي الصوري دون المعنوي، ثم قال: ( من النعم )، فصرح ببيان جنس المثل، ثم قال :﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ [المائدة : ٩٥]، وضمير (به) راجع إلى المثل من النعم؛ لأنه لم يتقدم ذكر لسواه حتى يرجع إليه الضمير، ثم قال :﴿ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾ [المائدة : ٩٥] والذي يتصور أن يكون هدياً مثل المقتول من النعم، فأما القيمة فلا يتصور أن تكون هدياً، ولا جرى لها ذكر في نفس الآية، وادعاء أن المراد شراء الهدي بها بعيد عن ظاهر الآية، فاتضح أن المراد مثل من النعم، وقوله : لو كان الشبه الخلقي معتبراً لما أوقفه على عدلين ؟ أجيب عنه بأن اعتبار العدلين إنما وجب للنظر في حال الصيد من كبر وصغر، وما لا جنس له مما له جنس، وإلحاق ما لم يقع عليه نص بما وقع عليه النص ))، قاله القرطبي(١).
ثم قال الشنقيطي: المراد بالمثلية في الآية التقريب، وإذاً فنوع المماثلة قد يكون خفياًَ لا يطلع عليه إلا أهل المعرفة والفطنة التامة، ككون الشاة مثلا للحمامة لمشابهتها لها في عبّ(٢) الماء والهدير(٣)
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ٦/١٩٢.
(٢) العب : شرب الماء أو الجرع أو تتابعه، من غير مص، كشرب الحمام والدواب.
ينظر : لسان العرب لابن منظور ٥/٢٧٧٣ (عبب)، ومختار الصحاح للرازي ص٤٠٧ (ع ب ب)، والقاموس المحيط للفيروزآبادي ص١٠٣ (ع ب ب).
(٣) هدر البعير يَهْدِر هَدْراً وهديراً وهُدُورا : صَوَّت في غير شِقْشِقَة، وهدَرَ الحمام يهْدِرُ هَدْراً وتَهْدَاراً : صَوَّت.
ينظر : معجم مقاييس اللغة لابن فارس ٢/٦٠٢ (هدر)، ولسان العرب لابن منظور ٨/٤٦٣٣ (هدر)، والقاموس المحيط للفيروزآبادي ص ٤٤٧ ( l د ر).

وطبعة دار المكتبة العصرية، صيدا، تحقيق : أسعد محمد الطيب.
" تفسير عبدالرزاق، للإمام عبدالرزاق بن همام اليمني الصنعاني (المتوفى سنة ٢١١هـ)، تحقيق : د. محمود محمد عبده، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٩هـ.
" تفسير غريب القرآن لأبي محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى سنة ٢٧٦هـ)، مراجعة الشيخ: إبراهيم رمضان، دار ومكتبة الهلال، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١١هـ.
" تفسير القرآن العظيم لإسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (المتوفى سنة ٧٧٤هـ )، كتب هوامشه وضبطه : حسين بن إبراهيم زهران، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٦هـ.
" تفسير القرآن الكريم أصوله وضوابطه، د. علي بن سليمان العبيد، مكتبة التوبة، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٨هـ.
" التفسير الكبير لأبي عبدالله محمد بن عمر فخر الدين الرازي (المتوفى سنة ٦٠٦هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى١٤١١هـ.
وطبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤١٣هـ.
" تفسير مجاهد للإمام مجاهد بن جبر المخزومي ( المتوفى سنة ١٠٤هـ )، تحقيق : عبدالرحمن الطاهر محمد السورتي، دار المنشورات العلمية ببيروت.
" تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي بن أبي طالب القيسي (المتوفى سنة ٤٣٧هـ)، تحقيق : د. علي حسين البواب، مكتبة المعارف، الرياض ١٤٠٦هـ.
" تقريب التهذيب للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (المتوفى سنة ٨٥٢هـ)، اعتنى به : عادل مرشد، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى ١٤٢٠هـ.
" التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع لأبي الحسين محمد بن أحمد الملطي الشافعي، (المتوفى سنة ٣٧٧هـ)، تحقيق : يمان بن سعد الدين المياديني، رمادي للنشر، الدمام، الطبعة الأولى، ١٤١٤هـ.


الصفحة التالية
Icon