اختلف العلماء في المراد بالقروء في قوله تعالى :﴿ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ على قولين :
١- أنها الأطهار.
٢- أنها الْحِيَض.
ترجيح الشنقيطي - يرحمه الله - :
[ قوله تعالى :﴿ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ [البقرة: ٢٢٨] فيه إجمال ؛ لأن القرء يطلق لغة على الحيض، ومنه قوله - ﷺ - :" دعي الصلاة أيام أقرائك " (١).
ويطلق القرء لغة أيضاً على الطهر(٢)، ومنه قول الأعشى(٣):
أفي كل يوم أنت جاشِمُ(٤) غَزْوةٍ... تشُدّ لأقصاها عزيم عَزَائكا
مُورِّثةٍ مالاً وفي الحي رفعةٌ...... لما ضاع فيها من قُرُوء نسائكا

(١) أخرجه الدارقطني في سننه عن عائشة في كتاب الحيض رقم (٣٦)، ١/٢١٢، تحقيق : عبدالله هاشم يماني المدني، دار المعرفة، بيروت، ١٣٨٦هـ، وأخرجه بنحوه البخاري في كتاب الحيض، باب ( إذا حاضت في شهر ثلاث حيض ) رقم (٣٢٥) ص ٢٨، ومسلم في كتاب الحيض، باب ( المستحاضة وغسلها وصلاتها ) رقم (٧٥٩) ص ٧٣٣ بمعناه.
(٢) ينظر في إطلاق القرء على الحيض والطهر معاً : مقاييس اللغة لابن فارس ٢/٣٩٦ مادة (قرأ)، ولسان العرب لابن منظور ٦/٣٥٦٤ مادة (قرأ)، ومختار الصحاح للرازي ص ٥٢٦ مادة ( ق ر أ ).
(٣) ينظر: ديوان الأعشى، دار صادر، بيروت، ١٤١٤هـ، ص١٣٢.
وفيه: ( وفي كل عام أنت... ) وأيضاً: (وفي الحمد رفعة... ).
والأعشى هو: ميمون بن قيس، وهو من سعد بن ضُبيعة بن قيس، وكان أعشى العينين فلقب بالأعشى، وكني بأبي بصير تفاؤلاً له بشفاء بصره، وهو أحد شعراء بكر المقدمين، كان جاهلياً قديماً، وأدرك الإسلام في آخر عمره، ومات قبل أن يسلم، توفي سنة ٧هـ.
... ينظر : الشعراء والشعراء لابن قتيبة ص١٥٤.
(٤) جَشِمْتُ الأمر جَشْماً وتَجَشَّمْتُهُ إذا تكلّفتُه على مشقة.
ينظر: الصحاح للجوهري ٥/٢٠٦ (جشم)، ولسان العرب لابن منظور /٦٢٩ (جشم).

السمرقندي(١)، ومكي بن أبي طالب(٢)، والواحدي(٣)، وابن الأنباري(٤)، والعكبري(٥).
تحرير المسألة :
الذي يظهر - والله تعالى أعلم - والذي عليه أكثر المفسرين وأهل اللغة أن ( جزاء ) مصدر مضاف لمفعوله الثاني تخفيفاً، والأصل : فعليه جزاء مثل ما قتل، أي أن يجزي مثل ما قتل ثم أضيف، وقريب منه من حيث المعنى القول بأن الإضافة هنا بيانية، أي : جزاء هو مثل ما قتل، فاشتراط المثلية بين الجزاء والمقتول على هذين القولين ظاهر.
وأما القول بأن ( مثل ) مقحمة، والتقدير : فجزاء ما قتل ؛ لأن عليه جزاء المقتول لا جزاء مثله، قال عنه السمين الحلبي :((وهذا خلاف الأصل))(٦)، وقال الألوسي: ((واعترض هذا بأنه يفوت عليه اشتراط المماثلة بين الجزاء والمقتول، وكون جزاءه المحكوم به ما يقاومه ويعادله، وهو يقتضي المماثلة مما لا يكاد يسلم انفهامه من هذه الجملة كما لا يخفى ))(٧) والله تعالى أعلم.
١٦- المراد بطعام البحر في قوله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ ﴾ [المائدة : ٩٦](٨) اختلف في المراد بطعام البحر في هذه الآية على قولين :
١- أنه ميتة البحر.
٢- أنه القديد المجفف بالملح.
ترجيح الشنقيطي - يرحمه الله - :
(١) بحر العلوم ١/٤٥٨.
(٢) مشكل إعراب القرآن ١/٢٧٥.
(٣) الوسيط ٢/٢٢٩.
(٤) البيان في غريب إعراب القرآن ١/٢٥٨.
(٥) التبيان في إعراب القرآن ص ١٣٤.
(٦) الدر المصون ٤/٤٢٠.
(٧) روح المعاني ٧/٢٤.
(٨) ذكر الشنقيطي - رحمه الله - هذه الآية من سورة المائدة عند تفسيره لقوله تعالى :﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ﴾ [البقرة : ١٧٣].

" سنن ابن ماجه، دار السلام، الرياض، الطبعة الثالثة، ١٤٢١هـ.
" سنن النسائي الصغرى، دار السلام، الرياض، الطبعة الثالثة، ١٤٢١هـ.
" سير أعلام النبلاء لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي ( المتوفى سنة ٧٤٨هـ )، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٢هـ.
" شذرات الذهب في أخبار من ذهب لشهاب الدين أبي الفلاح عبدالحي بن أحمد بن العماد الحنبلي ( المتوفى سنة ١٠٨٩هـ )، تحقيق : مصطفى عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٩هـ.
" شرح الزرقاني على شرح موطأ الإمام مالك لمحمد بن عبدالباقي الزرقاني (المتوفى سنة ١١٢٢هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى ١٤١١هـ.
" شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك لبهاء الدين عبدالله بن عقيل العقيلي الهمداني (المتوفى سنة ٧٦٩هـ)، تحقيق : محمد محيي الدين عبدالحميد، دار الفكر، سوريا، ١٤٠٥هـ.
" شرح فتح القدير، للإمام كمال الدين محمد بن عبدالواحد السواسي المعروف بابن الهمام الحنفي ( المتوفى سنة ٦٨١هـ )، تعليق : عبدالرزاق غالب المهدي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٥هـ.
" شرح قطر الندى، لأبي محمد عبدالله بن جمال الدين ابن هشام الأنصاري ( المتوفى سنة ٧٦١هـ )، تحقيق : محمد محيي الدين عبدالحميد، القاهرة، الطبعة الحادية عشرة، ١٣٨٣هـ.
" شرح الكرماني المذيل بصحيح البخاري المشهور بالكواكب الدراري لمحمد بن يوسف الكرماني (المتوفى سنة ٧٨٦هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤٠١هـ.
" شرح الكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير لمحمد بن أحمد الفتوحي المعروف بابن النجار (المتوفى سنة ٩٧٢هـ )، تحقيق : د. محمد الزحيلي ود. نزيه حماد، مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الثانية، ١٤١٨هـ.


الصفحة التالية
Icon