ومعلوم أن القرء الذي يضيع على الغازي من نسائه هو الطهر دون الحيض، وقد اختلف العلماء في المراد بالقروء في هذه الآية الكريمة، هل هو الأطهار أو الحيضات ؟
... أما الذين قالوا : القروء : الحيضات، فاحتجوا بأدلة كثيرة منها قوله تعالى :
﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ ِ/ن٣ح !$|، خpS إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ﴾ [الطلاق: ٤]
قالوا : فترتيب العدة بالأشهر على عدم الحيض يدل على أن أصل العدة بالحيض، والأشهر بدل من الحيضات عند عدمها، واستدلوا أيضاً بقوله :﴿ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ﴾ [البقرة : ٢٢٨].
قالوا : هو الولد، أو الحيض، واحتجوا بحديث :" دعي الصلاة أيام أقرائك " (١) قالوا : إنه - ﷺ - هو مبين الوحي، وقد أطلق القرء على الحيض، فدل ذلك على أنه المراد في الآية، واستدلوا بحديث اعتداد الأمة بحيضتين (٢)،
(٢) حديث عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - ﷺ - قال :" طلاق الأمة تطليقتان، وعدتها حيضتان " أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطلاق، باب ( في سنة طلاق العبد )، رقم ( ٢١٨٩ ) ص ١٣٨٤ بنحوه. وقال أبو داود : هو حديث مجهول، ( مُظاهر ) - أحد رجال هذا الحديث - ليس بمعروف.
وأخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الطلاق، باب (في طلاق الأمة وعدتها)، رقم (٢٠٨٠) ص ٢٦٠١ بنحوه.
وأخرجه الترمذي في جامعه، كتاب الطلاق، باب ( ما جاء أن طلاق الأمة تطليقتان )، رقم (١١٨٢)، ص ١٧٦٩، وقال الترمذي : حديث غريب، لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث مظاهر بن أسلم، ومظاهر لا نعرف له في العلم غير هذا الحديث، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - ﷺ - وغيرهم.
قوله تعالى :﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ ﴾ [ المائدة : ٩٦] الآية، ليس للبحر طعام غير الصيد إلا ميتته، وما ذكره بعض العلماء من أن المراد بطعامه قديده المجفف بالملح مثلا، وأن المراد بصيده الطري منه فهو خلاف الظاهر ؛ لأن القديد من صيده فهو صيد جعل قديداً، وجمهور العلماء على أن المراد بطعامه ميتته، منهم : أبو بكر الصديق، وزيد بن ثابت(١)، وعبد الله بن عمر، وأبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنهم أجمعين- وعكرمة، وأبو سلمة بن عبدالرحمن(٢)، وإبراهيم النخعي(٣)، والحسن البصري، وغيرهم، كما نقله عنهم ابن كثير(٤)](٥).
فالراجح عند الشنقيطي - يرحمه الله - في المراد بطعام البحر أنه ميتته.
دراسة الترجيح :
قال جمهور المفسرين : المراد بطعام البحر : ميتته، وممن قال بذلك من المفسرين :
(٢) أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المدني، قيل : اسمه عبد الله، وقيل : إسماعيل، أحد الأئمة الكبار، ثقة ثبت، توفي سنة٩٤هـ.
ينظر : تهذيب الكمال للمزي ٨/٣٢٤، وسير أعلام النبلاء للذهبي ٤/٢٨٧، وشذرات الذهب لابن العماد ١/١٩٥.
(٣) إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي، أبو عمر الكوفي، ثقة، فقيه أهل الكوفة، توفي سنة ٩٦هـ.
ينظر: تهذيب الكمال للمزي ١/١٤٤، وتقريب التهذيب لابن حجر ص٣٥، وطبقات الحفاظ للسيوطي ص ٣٨.
(٤) ينظر : تفسير القرآن العظيم ٢/١٦٣، وجامع البيان للطبري ١١/٦١ - ٦٥، والدر المنثور للسيوطي ٢/٥٨٥ وما بعدها.
(٥) ينظر : أضواء البيان ١/٧٧.
" شرح مشكل الآثار لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي ( المتوفى سنة ٣٢١هـ)، تحقيق : شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٨هـ.
" الشعر والشعراء، لأبي محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى سنة ٢٧٦هـ)، تحقيق : مفيد قميحة، ونعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤٠٥هـ.
" صحيح البخاري، طبعة دار السلام، الرياض، الطبعة الثالثة، ١٤٢١هـ.
" صحيح ابن حبان، لأبي حاتم محمد بن حبان البستي ( المتوفى سنة ٣٥٤هـ)، طبعة بيت الأفكار الدولية، ترتيب: الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، واعتنى به: جاد الله بن حسن الخداش.
" صحيح ابن خزيمة، لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري ( المتوفى سنة ٣١١هـ)، تحقيق : د. محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، ١٤٢٤هـ.
" صحيح مسلم، طبعة دار السلام، الرياض، الطبعة الثالثة، ١٤٢١هـ.
" صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته الفتح الكبير للشيخ محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى سنة ١٤٢٠هـ)، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، ١٣٩٩هـ.
" صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير القرآن، تحقيق : راشد عبدالمنعم الرجال، دار الجيل، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤١٤هـ.
" طبقات الحفاظ للحافظ جلال الدين عبدالرحمن السيوطي ( المتوفى سنة ٩١١هـ)، تحقيق : د. علي محمد عمر، مكتبة الثقافة الدينية، ١٤١٧هـ.
" طبقات الشافعية الكبرى لأبي بكر أحمد بن محمد بن قاضي شهبة (المتوفى سنة ٨٥١هـ)، تحقيق: د. الحافظ عبدالعليم خان، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٧هـ.
" طبقات فحول الشعراء لمحمد بن سلام الجمحي (المتوفى سنة ٢٣١هـ)، تحقيق : طه عبدالرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١١هـ.