وحديث استبرائها بحيضة(١).
وأما الذين قالوا القروء الأطهار، فاحتجوا بقوله تعالى :﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ [الطلاق: ١] قالوا : عدتهن المأمور بطلاقهن لها الطهر لا الحيض، كما هو صريح الآية، ويزيده إيضاحاً قوله - ﷺ - في حديث ابن عمر المتفق عليه :" فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً قبل أن يمسها، فتلك العدة كما أمر الله" (٢). قالوا إن النبي - ﷺ - صرح في هذا الحديث المتفق عليه، بأن الطهر هو العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء، مبيناً أن ذلك هو معنى قوله تعالى :﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ [الطلاق : ١]، وهو نص من كتاب الله وسنة نبيه في محل النزاع.
ثم قال الشنقيطي : الذي يظهر لي أن دليل هؤلاء، فصل في محل النزاع ؛ لأن مدار الخلاف هل القروء الحيضات أو الأطهار ؟ وهذه الآية، وهذا الحديث، دلاّ على أنها الأطهار.

(١) حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - مرفوعاً إلى النبي - ﷺ - أنه قال في سبايا أوطاس :" لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة " أخرجه أحمد في مسنده، رقم (١١٨٤٥) ص٨٣٧ بنحوه.
وأبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب ( في وطء السبايا )، رقم (٢١٥٧) ص ١٣٨١.
وأخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب النكاح، رقم (٢٧٩٠)، ٢/٢١٢، وقال الحاكم : حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الطلاق، باب قول الله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ﴾، رقم (٥٢٥١) ص ٤٥٣ بنحوه.
... وأخرجه مسلم في كتاب الطلاق، باب (تحريم طلاق الحائض بغير رضاها، وأنه لو خالف وقع الطلاق ويؤمر بمراجعتها)، رقم (٣٦٥٢) ص٩٢٧ بنحوه.
... وأبو داود في كتاب الطلاق، باب (في طلاق السنة)، رقم (٢١٧٩) ص ١٣٨٣ بنحوه.

الفراء(١)، والطبري (٢)، والواحدي (٣)، والبغوي (٤)، وابن عطية(٥)، والقرطبي (٦)، والشوكاني(٧)، وابن عاشور(٨)، والسعدي(٩)، وغيرهم.
وقال البعض : المراد بطعامه قديده المجفف بالملح، وممن قال بذلك من المفسرين :
السمرقندي(١٠)، والنيسابوري (١١)، وغيرهما.
تحرير المسألة :
الذي يبدو - مما تقدم - أن المراد بطعام البحر هو ميتته، كما عليه جمهور العلماء واختاره الشنقيطي - يرحمه الله -.
أما القول بأنه قديده المجفف بالملح فلا يظهر، وقد ضعّف هذا القول بعض المفسرين كالألوسي(١٢)، والطبري(١٣).
(١) معاني القرآن ١/٢١٨.
(٢) جامع البيان ١١/٦٩.
(٣) الوسيط ٢/٢٣١.
(٤) معالم التنزيل ٢/٦٦.
(٥) المحرر الوجيز ٢/٢٤١.
(٦) الجامع لأحكام القرآن ٦/١٩٧.
(٧) فتح القدير ٢/٧٨.
(٨) التحرير والتنوير ٧/٥٢.
(٩) تيسير الكريم الرحمن ص ٢٠٧.
(١٠) بحر العلوم ١/٤٥٩.
(١١) إيجاز البيان ١/٢٣٢
(١٢) ينظر : روح المعاني ٧/٣٠
(١٣) ينظر : جامع البيان ١١/٦٩ وما بعدها.

" الطبقات الكبرى لأبي عبدالله محمد بن سعد البصري ( المتوفى سنة ٢٣٠هـ )، دار صادر، بيروت.
" طبقات المفسرين لأحمد بن محمد الأدنه وي، تحقيق: سليمان صالح الخزي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، ١٤١٧هـ.
" طبقات المفسرين لعبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي (المتوفى سنة٩١١هـ)، تحقيق: علي محمد عمر، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى، ١٣٩٦هـ.
" طبقات المفسرين لمحمد بن علي بن أحمد الداودي (المتوفى سنة٩٤٥هـ)، ضبط: عبدالسلام عبدالمعين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢٢هـ.
" علماء نجد خلال ثمانية قرون، للشيخ : عبدالله البسام، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الثانية، ١٤١٩هـ.
" علماء نجد خلال ستة قرون للشيخ عبدالله البسام، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، ١٣٩٨هـ.
" علماء وأعلام وأعيان الزلفي لفهد بن عبدالعزيز الكليب، الطبعة الأولى، ١٤١٥هـ.
" علماء ومفكرون عرفتهم لمحمد المجذوب، دار الشواف، الرياض، الطبعة الرابعة.
" غاية النهاية في طبقات القراء لشمس الدين محمد بن محمد الجزري ( المتوفى سنة ٨٣٣هـ)، عني بنشره: برجستر آسر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة ١٤٠٢هـ.
" غريب الحديث لأبي محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري(المتوفي سنة ٢٧٦هـ) تحقيق : د. عبدالله الجبوري، مطبعة العاني، بغداد، الطبعة الأولى، ١٣٩٧هـ.
" فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني (المتوفى سنة ٨٥٢هـ)، توزيع دار الباز، مكة المكرمة، الناشر دار المعارف، بيروت.
" فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير لمحمد بن علي الشوكاني (المتوفى سنة ١٢٥٠هـ)، دار الفكر، الطبعة الثالثة، ١٣٩٣هـ.


الصفحة التالية
Icon