في حاشيته ما نصه : قوله :(( فبلفظه ظاهره أن ذلك على سبيل الوجوب، ويخالفه ما نقله السيوطي عن ابن هشام(١) وغيره من أن ما كان لفظه مذكراً ومعناه مؤنثاً، أو بالعكس فإنه يجوز فيه وجهان )) (٢).
وأما الاستدلال على أنها الحيضات بقوله تعالى: ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ ﴾ [الطلاق: ٤] الآية، فيقال فيه إنه ليس في الآية ما يعين أن القروء الحيضات ؛ لأن الأقراء لا تقال في الأطهار إلا في الأطهار التي يتخللها حيض، فإن عدم الحيض عدم معه اسم الأطهار، ولا مانع إذاً من ترتيب الاعتداد بالأشهر على عدم الحيض، مع كون العدة بالطهر ؛ لأن الطهر المراد يلزمه وجود الحيض، وإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم، فانتفاء الحيض يلزمه انتفاء الأطهار، فكأن العدة بالأشهر مرتبة أيضاً على انتفاء الأطهار، المدلول عليه بانتفاء الحيض.
وأما الاستدلال بآية :﴿ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ﴾ [البقرة : ٢٢٨] فهو ظاهر السقوط ؛ لأن كون القروء الأطهار لا يبيح للمعتدة كتم الحيض ؛ لأن العدة بالأطهار لا تمكن إلا بتخلل الحيض لها، فلو كتمت الحيض لكانت كاتمة انقضاء الطهر، ولو ادعت حيضاً لم يكن كانت كاتمة لعدم انقضاء الطهر كما هو واضح.

(١) هو عبدالله بن يوسف بن أحمد بن هشام الأنصاري الحنبلي، جمال الدين، أبو محمد العلامة النحوي، صاحب التصانيف، له ( مغني اللبيب عن كتب الأعاريب )، و ( عمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب )، و ( التحصيل والتفصيل لكتاب التكميل والتذييل ) وغيرها، توفي سنة ٧٦١هـ.
ينظر : الدرر الكامنة لابن حجر ٢/٣٠٨، وشذرات الذهب لابن العماد ٦/٣٨٣.
(٢) حاشية الصبّان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٩هـ، ٤/١٤٩٤.

ثم قال : وقوله :﴿ (#qà)¨؟$#ur ZpuZ÷Fدù w ¨ûtù‹إءè؟ tûïد%©!$# (#qكJn=sك ِNن٣YدB Zp¢¹!%s{ ﴾ [ الأنفال : ٢٥] التحقيق في معناها أن المراد بتلك الفتنة التي تعم الظالم وغيره هي أن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، عمهم الله بالعذاب، صالحهم وطالحهم، وبه فسرها جماعة من أهل العلم والأحاديث الصحيحة شاهدة لذلك كما قدمنا طرفاً منها ] (١).
فالراجح عند الشنقيطي - يرحمه الله - في المراد بالفتنة في هذه الآية، أنها السكوت عن إنكار المنكر، ويشهد لذلك الأحاديث الصحيحة الدالة على هذا المعنى.
دراسة الترجيح :
ذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد بالفتنة في هذه الآية هي السكوت عن إنكار المنكر، فإذا رأى الناس المنكر، ولم يغيروه عمهم الله بالعذاب صالحهم وطالحهم، وممن ذهب إلى هذا القول من المفسرين :
الزمخشري(٢)، وابن العربي(٣)، وابن عطية(٤)، والقرطبي(٥)، وابن جزي(٦)، وابن كثير(٧)، وأبو السعود(٨)، والشوكاني(٩)، وابن عاشور(١٠)، والسعدي(١١)، وغيرهم.
وذهب آخرون إلى أن المراد بها البلية والاختبار اللذان يبتلى بهما ابن آدم، وممن قال بهذا القول من المفسرين :
الطبري(١٢)، والبغوي(١٣)، وغيرهما.
وذهب البعض إلى أن المراد بها افتراق الكلمة كالواحدي(١٤) وغيره.
تحرير المسألة :
(١) ينظر : أضواء البيان ١/٣٤٤ وما بعدها.
(٢) الكشاف ٢/١٥٢.
(٣) أحكام القرآن ٢/٣٢٠.
(٤) المحرر الوجيز ٢/٥١٥.
(٥) الجامع لأحكام القرآن ٨/٢٥.
(٦) التسهيل ٢/٦٤.
(٧) تفسير القرآن العظيم ٢/٤٧١.
(٨) إرشاد العقل السليم ٤/١٦.
(٩) فتح القدير ٢/٣٠٠.
(١٠) التحرير والتنوير ٩/٣١٧.
(١١) تيسير الكريم الرحمن ص ٢٨٠.
(١٢) جامع البيان ١٣/٤٧٣.
(١٣) معالم التنزيل ٢/٢٤١.
(١٤) الوسيط ٢/٤٥٢.

" المصفى بأَكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ لابن الجوزي ( المتوفى سنة ٥٩٧هـ)، تحقيق د. حاتم الضامن، عالم الكتب، بيروت، لبنان، مكتبة النهضة العربية، الطبعة الأولى، ١٤٠٩هـ.
" معالم التنزيل لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (المتوفى سنة ٥١٦هـ)، تحقيق: خالد عبدالرحمن العك ومروان سواد، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٦هـ.
" معاني القرآن للأخفش سعيد بن مسعدة (المتوفى سنة ٢١٥هـ)، تحقيق: د. عبدالأمير محمد أمين الورد، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٥هـ.
" معاني القرآن لأبي زكريا يحيى بن زياد الفراء ( المتوفى سنة ٢٠٧ هـ )، تعليق : إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢٣هـ.
" معاني القرآن وإعرابه، لإبراهيم بن محمد السري الزجاج ( المتوفى سنة ٣١١ هـ )، تحقيق : د. عبدالجليل شلبي، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٨هـ.
" المعجم الأوسط للطبراني، تحقيق : طارق بن عوض الله بن محمد، وعبدالمحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة، ١٤١٥هـ.
" معجم البلدان لأبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي ( المتوفى سنة ٦٢٦هـ )، دار الفكر، بيروت.
" معجم قبائل العرب القديمة والحديثة لعمر رضا كحالة، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة السادسة ١٤١٢هـ.
" معجم الكتاب والمؤلفين في المملكة العربية السعودية، الدائرة للإعلام المحدودة، الرياض، الطبعة الثانية، ١٤١٣هـ.
" معجم مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس ( المتوفى سنة ٣٩٥هـ )، وضع حواشيه : إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢٠هـ.
" معرفة القراء الكبار على الطبقات والإعصار لشمس الدين أبي عبدالله محمد بن أحمد الذهبي (المتوفى سنة ٧٤٨هـ )، تحقيق : د. طيار آلتي قولاج، دار عالم الكتب، الرياض، ١٤٢٤هـ.


الصفحة التالية
Icon