وأما الاستدلال بحديث " دعي الصلاة أيام أقرائك " (١)، فيقال فيه : إنه لا دليل في الحديث ألبتة على محل النزاع ؛ لأنه لا يفيد شيئاً زائداً على أن القرء يطلق على الحيض، وهذا مما لا نزاع فيه.
أما كونه يدل على منع إطلاق القرء في موضع آخر على الطهر، فهذا باطل بلا نزاع، ولا خلاف بين العلماء القائلين بوقوع الاشتراك في أن إطلاق المشترك على أحد معنييه في موضع، لا يفهم منه منع إطلاقه على معناه الآخر في موضع آخر.
والحق الذي لا شك فيه، أن المشترك يطلق على كل واحد من معنييه، أو معانيه في الحال المناسبة لذلك، والقرء في حديث :" دعي الصلاة أيام أقرائك " مناسب للحيض دون الطهر ؛ لأن الصلاة إنما تترك في وقت الحيض دون وقت الطهر.
ولو كان إطلاق المشترك على أحد معنييه، يفيد منع إطلاقه على معناه الآخر في موضع آخر، لم يكن في اللغة اشتراك أصلاً ؛ لأنه كلما أطلقه على أحدهما مَنَع إطلاقه له على الآخر، فيبطل اسم الاشتراك من أصله.
ورد بعض العلماء الاستدلال بالآية والحديث الدالين على أنها الأطهار، بأن ذلك يلزمه الاعتداد بالطهر الذي وقع فيه الطلاق، كما عليه جمهور القائلين بأن القروء : الأطهار، فيلزم عليه كون العدة قرءين وكسراً من الثالث، وذلك خلاف ما دلت عليه الآية من أنها ثلاثة قروء كاملة، مردود بأن مثل هذا لا تعارض به نصوص الوحي الصريحة، وغاية ما في الباب إطلاق ثلاثة قروء على اثنين وبعض الثالث، ونظيره قوله :﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ [البقرة : ١٩٧] والمراد شهران وكسر.
الذي يظهر- مما تقدم - أن المراد بالفتنة في قوله :﴿ (#qà)¨؟$#ur ZpuZ÷Fدù w ¨ûtù‹إءè؟ tûïد%©!$# (#qكJn=sك ِNن٣YدB Zp¢¹!%s{ ﴾ هي السكوت عن إنكار المنكر ؛ للأحاديث الصحيحة التي تؤيد هذا المعنى - كحديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - المتقدم - (١) وغيره، فإن فيه تعذيب العامة بذنوب الخاصة، وفيه استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (٢)، وهذا ما عليه أكثر المفسرين، واختاره الشنقيطي يرحمه الله.
والقول بأن الفتنة هنا هي افتراق الكلمة لا يخلو من وجاهة، ولكن القول الأول تشهد له الأحاديث، وهو أظهر.
وأما القول بأنها البلية والاختبار اللذان يبتلى بهما ابن آدم فلا يظهر، والله تعالى أعلم.
١٨- المراد بالإيحاء في قوله تعالى :﴿ ّŒخ)ur àMّ‹ym÷rr& 'n<خ) z`؟خiƒح'#uqysّ٩$# ﴾ [المائدة: ١١١]
اختلف في المراد بالإيحاء للحواريين على قولين:
١- أنه بمعنى الإلهام.
٢- أنه أوحى إليهم إيحاءً حقيقياً بواسطة عيسى عليه السلام.
ترجيح الشنقيطي - يرحمه الله -:
[ قال بعض أهل العلم : المراد بالإيحاء إلى الحواريين الإلهام، ويدل له ورود الإيحاء في القرآن بمعنى الإلهام كقوله :﴿ ٤'ym÷rr&ur y٧o/u' 'n<خ) ب@ّtھ["$# ﴾ [النحل: ٦٨] الآية، يعني ألهمها، قال بعض العلماء : ومنه ﴿ !$uZّٹym÷rr&ur #'n<خ) دdQé& #سy›qمB ÷br& دm‹دèإتِ'r& ﴾ [القصص: ٧].
وقال بعض العلماء : معناه : أوحيت إلى الحواريين إيحاءً حقيقياً بواسطة عيسى -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-](٣).
فالراجح عند الشنقيطي - يرحمه الله - في المراد بالإيحاء إلى الحواريين أنه الإلهام، بدلالة ورود الإيحاء بهذا المعنى في كثير من الآيات.
دراسة الترجيح:
(٢) ينظر : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٨/٢٥.
(٣) أضواء البيان ١/٣٥٠.
" المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل لأبي محمد عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي، (المتوفى سنة ٦٢٠هـ)، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٥هـ.
" مقدمة في أصول التفسير لشيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن تيمية (المتوفى سنة ٧٢٨هـ)، تحقيق : عبدالسلام بن محمد علوش، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤٢٥هـ.
" ملحق الأغاني ( أخبار أبي نواس) لأبي الفرج الأصبهاني ( المتوفى سنة ٣٥٦ هـ )، تحقيق : علي مهنا وسمير جابر، دار الفكر، لبنان.
" منسك الإمام الشنقيطي للدكتور عبدالله الطيار والدكتور عبدالعزيز الحجيلان، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٦هـ.
" الموطأ للإمام مالك بن أنس ( المتوفى سنة ١٧٩هـ)، دار الريان للتراث، القاهرة، الطبعة الأولى، ١٤٠٨هـ.
" ميزان الاعتدال في نقد الرجال لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي ( المتوفى سنة ٧٤٨هـ)، تحقيق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبدالموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٥هـ.
" ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه لابن البارزي، تحقيق: د. حاتم الضامن، عالم الكتب، بيروت، لبنان، مكتبة النهضة العربية، الطبعة الأولى ١٤٠٩هـ.
" الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز وما فيه من الفرائض والسنن لأبي عبيد القاسم بن سلام (المتوفى سنة ٢٢٤هـ)، تحقيق: محمد بن صالح المديفر، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى ١٤١١هـ.
" الناسخ والمنسوخ في كتاب الله تعالى لقتادة بن دعامة السدوسي، تحقيق : د. حاتم الضامن، عالم الكتب، بيروت، لبنان مكتبة النهضة العربية، الطبعة الأولى، ١٤٠٩هـ.
" الناسخ والمنسوخ في كتاب الله عز وجل واختلاف العلماء في ذلك لأبي جعفر أحمد ابن محمد النحاس (المتوفى سنة ٣٣٨هـ)، تحقيق : د. سليمان بن إبراهيم اللاحم، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٢هـ.