وقد مضى -رحمه الله- في طلب العلم قُدماً، وقد ألزمه بعض مشايخه بالقِران، أي أن يقرن بين كل فنين حرصاً على سرعة تحصيله وتفرساً له في القدرة على ذلك، فانصرف بهمة عالية في درس وتحصيل.
وكان من عظيم صبره -رحمه الله- ودأبه ومثابرته في تحصيل العلم أنه كان يبيت الليل عاكفاً على مسائل يتأملها ويبحث فيها، بل إنه قد جلس على مسألة واحدة من الظهر إلى طلوع الفجر حتى فتح الله عليه فيها.
وهكذا كانت حياته العلمية - رحمه الله - درساً لأبنائه ومنهجاً يحتذى لطلاب العلم - رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته- (١).
خامساً : شيوخه وتلاميذه :
من أبرز شيوخه - رحمه الله - في صغره حينما كان عند أمه وأخواله الآتي ذكرهم :
١- خاله عبدالله بن محمد المختار بن إبراهيم بن أحمد بن نوح، وقد حفظ عليه القرآن الكريم.
٢- ابن خاله سيدي محمد بن أحمد بن محمد المختار، وقد أخذ عنه رسم المصحف العثماني، وتعلم عليه التجويد والقراءات.
٣- زوجة خاله، وقد أخذ عنها الأدب، ومباديء النحو، والأنساب والسيرة.
وأما شيوخه بعد تجهيزه ورحيله في طلب العلم في أنحاء بلاده فهم :
١- الشيخ محمد بن صالح، المشهور بابن أحمد الأفرم.
٢- الشيخ أحمد الأفرم بن محمد المختار.
٣- الشيخ العلامة أحمد بن عمر.
٤- الفقيه الكبير محمد بن النعمة بن زيدان.
٥- الفقيه الكبير أحمد بن مُود.
٦- العلامة المتبحر في الفنون أحمد فال بن آدُه.

(١) ينظر : أضواء البيان ١٠/٢١- ٢٨، ومنسك الإمام الشنقيطي للدكتور عبدالله الطيار والدكتور عبدالعزيز الحجيلان، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٦هـ، ١/١٤- ١٩، وترجمة الشيخ الشنقيطي لعبدالرحمن السديس ص١٩٥.

في أشهر الروايتين عنه، أن المراد بالإحصار في الآية : إحصار العدو، وأن من أصابه مرض أو نحوه لا يحل إلا بعمرة ؛ لأن هذا هو الذي نزلت فيه الآية، ودل عليه قوله تعالى :﴿ فَإِذَا أَمِنْتُمْ ﴾ الآية [البقرة : ١٩٦]))(١).
وأيضاً عند قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ [النساء: ٢٢].
قال :((قال بعض العلماء إن لفظة (ما) من قوله: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ ﴾ مصدرية، وعليه فقوله: ﴿ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ متعلق بقوله: ﴿ تَنْكِحُوا ﴾، لا بقوله: ﴿ نَكَحَ ﴾، وتقرير المعنى على هذا القول ولا تنكحوا من النساء نكاح آبائكم أي: لا تفعلوا ما كان يفعله آباؤكم من النكاح الفاسد، وهذا القول هو اختيار ابن جرير (٢)، والذي يظهر وجزم به غير واحد من المحققين أن ( ما ) موصولة واقعة على النساء التي نكحها الآباء )) (٣).
ومن ألفاظ الترجيح الصريحة ما جاء على صيغة أفعل التفضيل مثل :
(١) أضواء البيان ١/٩٨.
(٢) ينظر : جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري، تحقيق : محمود محمد شاكر، راجعه وخرّج أحاديثه أحمد محمد شاكر، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ٨/١٣٧.
... وابن جرير هو : محمد بن جرير بن يزيد الطبري صاحب التفسير الكبير والتاريخ الشهير، كان إماماً في التفسير والحديث والفقه والتاريخ وغيرها من الفنون، وله مصنفات عديدة تدل على سعة فضله وغزارة علمه، من الأئمة المجتهدين، توفي سنة ٣١٠هـ.
ينظر : وفيات الأعيان لابن خلكان ٤ / ١٩١، وسير أعلام النبلاء للذهبي ١٤/٢٦٧، وطبقات المفسرين لمحمد علي الداودي ( المتوفى سنة ٩٤٥ هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢٢هـ، ص٣٧٤.
(٣) أضواء البيان ١/١٩٤ وما بعدها، وينظر للزيادة : ١ /١٠٠، ١١٠، ١٤٣، ١٤٩، ١٩٧، ١٩٩، ٣١٣، ٣٦٣، ٣٦٦.

واستشهد على ذلك بأبيات من الشعر دلت على أن العرب ربما عطفت الشيء على نفسه مع اختلاف اللفظ فقط، كما استدل بقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ $sY÷ s؟#uن مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ ﴾.
دراسة الترجيح :
قال أكثر المفسرين: إن المراد بالفرقان في الآية الكتاب فكرره بغير اللفظ، ومن القائلين بذلك : الزجاج(١)، والواحدي(٢)، والبغوي(٣)، والزمخشري(٤)، والقرطبي(٥)، والرازي(٦)، وأبو حيان(٧)،
(١) معاني القرآن وإعرابه ١/١٣٤.
(٢) الوسيط ١/١٣٩.
(٣) معالم التنزيل ١/٧٣.
(٤) الكشاف ١/٢٨١.
(٥) الجامع لأحكام القرآن ١/٢٧٧.
(٦) التفسير الكبير لفخر الدين الرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١١هـ، ٣ / ٧٢ وما بعدها.
... والرازي هو : محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني الشافعي، أبو عبدالله فخر الدين، المفسر المتكلم الأصولي، له تصانيف في علم الكلام والمعقولات، وله ( التفسير الكبير )، و(المحصول في أصول الفقه )، و( شرح الأسماء الحسنى ) وغيرها، توفي سنة ٦٠٦هـ.
... ينظر : طبقات الشافعية الكبرى لأبي بكر أحمد بن محمد بن قاضي شهبة (المتوفى سنة ٨٥١هـ)، تحقيق: د. الحافظ عبدالعليم خان، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٧هـ، ٢/٦٥، وطبقات المفسرين للسيوطي ص١١٥، وطبقات المفسرين للداودي ص٤٤٤.
(٧) البحر المحيط لأبي حيان ١/٣٢٦.
... وأبو حيان هو : محمد بن يوسف بن علي بن حيان، أثير الدين أبو حيان الأندلسي الجياني الغرناطي، المقريء النحوي، برع في العربية والتفسير والفقه، والحديث والتراجم والقراءات، وكان كثير النظم من الأشعار والموشحات، توفي سنة ٧٥٤هـ.
... ينظر : معرفة القراء الكبار على الطبقات والإعصار لشمس الدين أبي عبدالله محمد بن أحمد الذهبي ( المتوفى سنة ٧٤٨ l ) تحقيق : د. طيار آلتي قولاج، دار عالم الكتب، الرياض، ١٤٢٤هـ، ٣/١٤٧١، والدرر الكامنة لابن حجر ٤/٣٠٢.

الذي يظهر -مما سبق- أن الواو في قوله تعالى: ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ للاستئناف، والوقف تام على لفظ الجلالة، وهو ما رجحه الشنقيطي وعليه أكثر المفسرين، للقرائن التي تقدم ذكرها(١)، ولدلالة الاستقراء في القرآن الكريم؛ فإنه تعالى إذا نفى عن الخلق شيئاً، وأثبته لنفسه لا يكون له في ذلك الإثبات شريك كقوله: ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [النمل: ٦٥]، وقوله :﴿ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ﴾ [الأعراف: ١٨٧]، وقوله :﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ [القصص: ٨٨] إلى غير ذلك من الآيات، يقول البغوي - رحمه الله - :(( وهذا القول أقيس في العربية، وأشبه بظاهر الآية )) (٢) والله تعالى أعلم.
٣- المراد بالتَّوفِّي في قوله تعالى: ﴿ ّ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ﴾
قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﴾ [آل عمران: ٥٥] اختلف في المراد بالتَّوفِّي في قوله تعالى: ﴿ ّ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ﴾ على قولين:
١- أي منيمك ورافعك إلي في تلك النومة.
٢- أن الوفاة بمعنى الموت، وعلى هذا القول يكون في الآية تقديم وتأخير، تقديره: إني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد ذلك(٣).
ترجيح الشنقيطي - يرحمه الله - :
[ قوله تعالى :﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ﴾
قال بعض العلماء: أي منيمك ورافعك إلي في تلك النومة، ويستأنس لهذا التفسير بالآيات التي جاء فيها إطلاق الوفاة على النوم كقوله :﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ﴾ [الأنعام: ٦٠] الآية.
(١) تقدمت في ترجيح الشنقيطي.
(٢) معالم التنزيل ٣/٢٨٠.
(٣) ينظر زاد المسير لابن الجوزي ١/٣٩٦.

قال جمهور المفسرين : المراد بالكلالة عدم الأصول والفروع أي ما دون الوالد والولد، ومن القائلين بذلك : الفراء (١)، وابن قتيبة (٢)، والطبري (٣)، والزجاج (٤)، والسمرقندي(٥)، ومكي بن أبي طالب(٦)، والواحدي(٧)، والبغوي(٨)، والزمخشري(٩)، وابن العربي (١٠)، وابن عطية (١١)، والنيسابوري (١٢)، والرازي (١٣)، والقرطبي (١٤)، وابن جزي(١٥)، وأبو حيان(١٦)، والسمين الحلبي(١٧)، وابن كثير(١٨)، وأبو السعود(١٩)،
والشوكاني(٢٠)، والقاسمي(٢١)، وابن عاشور(٢٢)، والسعدي(٢٣).
وقال بعض المفسرين: الكلالة من لا ولد له(٢٤).
وقال آخرون: الكلالة هي من عدا الوالد، أي من بقي ولده ولا والد له (٢٥).
تحرير المسألة:
(١) معاني القرآن ١/١٨٠.
(٢) تفسير غريب القرآن ص١٠٧.
(٣) جامع البيان ٨/٥٣.
(٤) معاني القرآن وإعرابه ٢/٢٦.
(٥) بحر العلوم ١/٣٣٨.
(٦) تفسير المشكل من غريب القرآن ص٥٨.
(٧) الوسيط ٢/٢٣.
(٨) معالم التنزيل ١/٤٠٣.
(٩) الكشاف ١/٥١٠.
(١٠) أحكام القرآن ١/٣٩٧.
(١١) المحرر الوجيز ٢/١٩.
(١٢) إيجاز البيان ١/١٩٦.
(١٣) التفسير الكبير ٩/١٧٩.
(١٤) الجامع لأحكام القرآن ٥/٥٨.
(١٥) التسهيل ١/١٣٣.
(١٦) البحر المحيط ٣/٥٤٦.
(١٧) الدر المصون ٣/٦٠٦.
(١٨) تفسير القرآن العظيم ١/٦٩٣.
(١٩) إرشاد العقل السليم ٢/١٥١.
(٢٠) فتح القدير ١/٤٣٤.
(٢١) محاسن التأويل ٥/٥٨.
(٢٢) التحرير والتنوير ٤/٢٦٤.
(٢٣) تيسير الكريم الرحمن ص١٣٤.
(٢٤) ينظر: جامع البيان للطبري ٨/٥٧، ومعالم التنزيل للبغوي ١/٤٠٣، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٥/٥٩، والدر المصون للسمين الحلبي ٣/٦٠٦، ومحاسن التأويل للقاسمي ٥/٥٨.
(٢٥) ينظر: جامع البيان للطبري ٨/٥٧، والدر المصون للسمين الحلبي ٣/٦٠٦، ومحاسن التأويل للقاسمي ٥/٥٨.

ثم قال الشنقيطي -رحمه الله-: واعلم أن حديث عائشة المذكور تكلم فيه من ثمان جهات :
الأولى: أنه معارض بالإجماع.
الثانية: أنها هي خالفته، والراوي من أعلم الناس بما روى، فهي -رضي الله عنها- كانت تتم في السفر، قالوا : ومخالفتها لروايتها توهن الحديث.
الثالث: إجماع فقهاء الأمصار على أنه ليس بأصل يعتبر في صلاة المسافر خلف المقيم.
الرابعة : أن غيرها من الصحابة خالفها، كعمر وابن عباس (١)، وجبير بن مطعم (٢)، فقالوا :(( إن الصلاة فرضت في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة)).
الخامسة : دعوى أنه مضطرب ؛ لأنه رواه ابن عجلان(٣) عن صالح بن كيسان، عن عروة، عن عائشة قالت :(( فرض رسول الله - ﷺ - الصلاة ركعتين ))، وقال فيه الأوزاعي(٤)
(١) ينظر : جامع البيان للطبري ٩/١٣٧.
(٢) هو جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي، صحابي عارف بالأنساب، قدم على النبي - ﷺ - في فداء أسارى بدر وهو مشرك، ثم أسلم بعد ذلك قبل عام خيبر، توفي سنة ٥٨ هـ، وقيل : ٥٩هـ.
... ينظر: تهذيب الكمال للمزي ١ / ٤٣٩، وسير أعلام النبلاء للذهبي ٣ / ٩٥، والإصابة لابن حجر ١/٣٤٠.
(٣) هو محمد بن عجلان القرشي، أبو عبدالله المدني، مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة، كان عابداً ناسكاً فقيهاً، ثقةً كثير الحديث، وكان له حلقة في مسجد رسول الله - ﷺ - للفتوى، توفي سنة ١٤٨هـ.
... ينظر: تهذيب الكمال للمزي ٦/٤٣٣، وتقريب التهذيب لابن حجر ص٤٣٠، وشذرات الذهب لابن العماد ١/٣٦٦.
(٤) هو عبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو، مشهور باسمه وكنيته، إمام أهل الشام في وقته، كان ثقة مأموناً كثير الحديث والعلم والفقه، توفي سنة ١٥٧ هـ.
... ينظر : طبقات الحفاظ للسيوطي ص٩٣، وشذرات الذهب لابن العماد ١/٣٩٣.

ويؤيد هذا القول ما أخرجه الشيخان من حديث جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- المتقدم ذكره(١)، وما اعتُرض به من حديث حذيفة(٢) الثابت في صحيح مسلم من تخصيص التراب بالطهورية في مقام الامتنان، فقد أجاب عنه الشيخ - يرحمه الله- كما تقدم(٣).
والقول بتخصيص الصعيد بالتراب الذي له غبار يعلق باليد قول له وجاهته وقوته، كما أن فيه مراعاة لقاعدة الاحتياط، سيما وقد خصص النبي - ﷺ - التراب بهذه الصفة، ولكن الأظهر والأنسب لنفي الحرج كما هو صريح الآية هنا هو القول الأول.. والله تعالى أعلم.
٢- المراد بابني آدم في قوله تعالى :﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ ﴾ [المائدة: ٢٧]
في المراد بابني آدم قولان:
١- أنهما ابنا آدم لصلبه وهما هابيل وقابيل.
٢- أنهما رجلان من بني إسرائيل، وهو قول الحسن البصري(٤).
ترجيح الشنقيطي - يرحمه الله-
[ قوله تعالى :﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ ﴾ الآية.
قال جمهور العلماء: إنهما ابنا آدم لصلبه، وهما هابيل وقابيل.
(١) تقدم في ترجيح الشنقيطي.
(٢) تقدم في ترجيح الشنقيطي.
(٣) تقدم ذلك في ترجيح الشنقيطي.
(٤) ينظر: النكت والعيون للماوردي ٢/٢٧، و زاد المسير لابن الجوزي ٢/٣٣١.

قوله :﴿ هَذَا رَبِّي ﴾ في المواضع الثلاثة محتمل لأنه كان يظن ذلك، كما روي عن ابن عباس(١)، وغيره، ومحتمل لأنه جازم بعدم ربوبية غير الله، ومراده هذا ربي في زعمكم الباطل، أو أنه حذف أداة استفهام الإنكار، والقرآن يبين بطلان الأول وصحة الثاني، أما بطلان الأول، فالله تعالى نفى كون الشرك الماضي عن إبراهيم في قوله :﴿ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: ١٢٣] في عدة آيات، ونفي الكون الماضي يستغرق جميع الزمن الماضي، فثبت أنه لم يتقدم عليه شرك يوماً ما.
وأما كونه جازماً موقناً بعدم ربوبية غير الله، فقد دل عليه ترتيب قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي ﴾ إلى آخره (بالفاء) على قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾ [الأنعام : ٧٥ ]، فدل على أنه قال ذلك موقناً مناظراً ومحاجاً لهم، كما دل عليه قوله تعالى :﴿ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ﴾ [الأنعام: ٨٠] الآية، وقوله: ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ ﴾ [الأنعام: ٨٣].
والعلم عند الله تعالى ] (٢).
فالراجح عند الشنقيطي - يرحمه الله - في المراد بقول إبراهيم عليه السلام :﴿ هَذَا رَبِّي ﴾ أي في زعمكم الباطل، أو أنه على حذف أداة الاستفهام الإنكاري ؛ لأنه جازم بعدم ربوبية غير الله تعالى.
دراسة الترجيح:
قال أكثر المفسرين: المراد بقول إبراهيم عليه السلام :﴿ هَذَا رَبِّي ﴾ أي: في زعمكم الباطل ؛ لأنه جازم بعدم ربوبية غير الله، وممن قال بهذا القول من المفسرين:
(١) ينظر : صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير القرآن ص٢٠٣ وما بعدها، وينظر : جامع البيان للطبري ١١/٤٨٠، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ٢/٢٤٢.
(٢) أضواء البيان ١/٣٦٢ وما بعدها.

وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢) }... ١٥٢... ٤١، ٥٦، ٥٧، ١٧١، ١٧٢، ١٨٣، ١٨٥
﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥) ﴾... ١٦٥... ٤١، ٥٦، ١٧٠، ١٧٢، ١٧٤، ١٨٣، ١٨٤
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) ﴾... ١٧٣... ١٨٦، ١٨٧، ١٨٨
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥) ﴾... ١٧٥... ١٤٨، ١٨٦، ١٨٧، ١٨٩
﴿ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٨٣) ﴾... ١٨٣... ١٧٧
سورة النساء
﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (٣) ﴾... ٣... ٥٥، ٥٦، ١٩١، ١٩٢، ١٩٣، ١٩٤، ٢٥١، ٢٥٢، ٢٥٣، ٢٥٥، ٢٦٠


الصفحة التالية
Icon