الصحيحة، فلقد ثبت أن أنس بن مالك -رضي الله عنه- سئل كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: "كانت قراءته مدًّا، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، يمدُّ ببسم الله، ويمدُّ بالرحمن، ويمدُّ بالرحيم" ١.
وقد نقلت إلينا هذه الصفة بأعلى درجات الرواية وهي المشافهة حيث يتلقى القارئ عن المقرئ، والمقرئ قد تلقاه عن شيخه، وشيخه عن شيخه وهكذا حتى تنتهي السلسلة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن المؤكد أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قد علَّم أصحابه القرآن الكريم كما تلقَّاه عن أمين الوحي جبريل -عليه السلام- ولقَّنهم إياه بنفس الصفة وحثهم على تعلمها والقراءة بها، فلقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- سمع عبد الله بن مسعود يقرأ في صلاته فقال: "من سرَّه أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عَبْدٍ" ٢.
ولعل المقصد -والله أعلم- أن يقرأه على الصفة التي قرأ بها عبد الله بن مسعود من حسن الصوت وجودة الترتيل ودقة الأداء.
ولقد خصَّ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- نفرًا من الصحابة أتقنوا القراءة حتى صاروا أعلامًا فيها منهم:
أُبَي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وغيرهم.
فكان -صلى الله عليه وآله وسلم- يتعاهدهم بالاستماع لهم أحيانًا، وبإسماعهم القراءة

١ أخرجه البخاري، انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري "ج: ٩، ص٩١، كتاب فضائل القرآن.
٢ رواه أحمد والبزار والطبراني، وفيه عاصم بن أبي النجود وهو على ضعفه حسن الحديث، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح، ورجال الطبراني رجال الصحيح، انظر مجمع الزوائد للهيثمي "ج: ٩، ص٢٨٧.


الصفحة التالية
Icon