أحيانا أخرى كما ثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة.
فلقد ثبت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لأبي بن كعب: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك" قال: آلله سَمَّاني لك؟ قال: "الله سمَّاك لي" قال أنس: فجعل أُبي يبكي"١.
كما ثبت عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: "اقرأ علي القرآن" قلت: أأقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: "إني أحب أن أسمعه من غيري" فافتتحت سورة النساء فلما بلغت: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ ٢ قال: "حسبُك" فالتفتُّ إليه فإذا عيناه تذرفان"٣.
ويحتمل أن يكون الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- قد أحب أن يسمعه من غيره؛ ليكون عرض القرآن سنة يحتذى بها، كما يحتمل أن يكون لكي يتدبره ويتفهمه وذلك لأن المستمع أقوى على التدبر ونفسه أخلى وأنشط من القارئ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها٤.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم آمرًا الناس بتعلم قراءة القرآن وبتحري الإتقان فيها، بتلقيها عن المتقنين الماهرين: "خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأبي بن كعب" ٥.

١ رواه مسلم، في باب استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل، "ج: ٢، ص١٩٥".
٢ النساء: الآية: ٤١.
٣ أخرجه البخاري، في باب: من أحب أن يستمع القرآن من غيره، ح رقم ٥٠٤٩، وله فيه ألفاظٌ أخرى، كما رواه مسلم في باب: فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظه للاستماع، "ج: ٢، ص١٩٥".
٤ انظر فتح الباري "ج: ٩، ص٩٤".
٥ أخرجه البخاري في باب: القرَّاء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ح رقم ٤٩٩٩، "ج: ٩، ص٤٦".


الصفحة التالية
Icon