وقال كمال الدين ابن الزملكاني(١) :" كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحداً لا يعرف مثله " (٢).
شيوخه :
تتلمذ شيخ الإسلام على عدد كبير من الشيوخ، قال ابن عبد الهادي(٣) :" وشيوخه الذين سمع منهم أكثر من مائتي شيخ " (٤) ومنهم ما يلي :
١- والده الشيخ عبد الحليم بن عبد السلام(٥).
٢- أبو الفرج جمال الدين بن سليمان البغدادي(٦).

(١) هو محمد بن علي بن عبد الواحد الأنصاري، كمال الدين، ابن الزملكاني، فقيه شافعي، ولد سنة ٦٦٧هـ، وتوفي بالقاهرة سنة ٧٢٧هـ، من مؤلفاته : تعليقات على المنهاج للنووي، وعجالة الراكب في ذكر أشرف المناقب. انظر : الدرر الكامنة ٤/١٩٢، وفوات الوفيات ٤/٧.
(٢) العقود الدرية ص٩.
(٣) هو محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي، شمس الدين، أبو عبد الله، ابن قدامة المقدسي الجماعيلي الدمشقي الصالحي، حافظ للحديث، عارف بالأدب، من كبار الحنابلة، ولد سنة ٧٠٥هـ، وتوفي سنة ٧٤٤هـ، من مؤلفاته : العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، والمحرر في الحديث. انظر : الدرر الكامنة ٣/٤٢١، وشذرات الذهب ٦/١٤١.
(٤) العقود الدرية ص٦.
(٥) هو أبو المحاسن، شهاب الدين، عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني، ولد سنة ٦٢٧هـ بحران، وتوفي سنة ٦٨٢هـ. انظر : شذرات الذهب ٥/٣٧٦، والذيل على طبقات الحنابلة ٢/٣٠٢.
(٦) هو أبو الفرج أو أبو محمد، جمال الدين، عبد الرحمن بن سليمان بن سعد بن سلمان البغدادي الحراني الحنبلي، ولد سنة ٥٨٥هـ، وتوفي بدمشق سنة ٦٧٠هـ. انظر : شذرات الذهب ٥/٣٣٢، والذيل ٢/٢٨١.

القول الثاني : أن المراد بالمساجد : الصوامع والبيع والصلوات(١).
قال الرازي معللاً هذا القول :" أما الصوامع فلأن المسلمين قد يتخذون الصوامع، وأما البيع فأطلق هذا الاسم على المساجد على سبيل التشبيه، وأما الصلوات فالمعنى أنه لولا ذلك الدفع لانقطعت الصلوات ولخربت المساجد " (٢).
وهذا القول ضعيف مخالف لما أطبق عليه المفسرون من السلف ومن بعدهم.
والراجح القول الأول لأنه ظاهر الآية، وقول جمهور السلف، وتفسير جمهور السلف مقدم على كل تفسير شاذ(٣).
سورة الحج : الآيات ٥٢ - ٥٤
قال تعالى :(٤).
اختار شيخ الإسلام أن سبب نزول هذه الآيات قصة الغرانيق الآتي ذِكْرُها.
قال – رحمه الله – عند هذه الآية :" وللناس فيها قولان مشهوران ؛ بعد اتِّفاقهم على أن التمنِّي هو التِّلاوة والقرآن كما عليه المفسرون من السلف كما في قوله :(٥).
وأما من أول النهي على تمني القلب فذاك فيه كلام آخر ; وإن قيل : إن الآية تعم النوعين ; لكن الأول هو المعروف المشهور في التفسير وهو ظاهر القرآن ومراد الآية قطعاً لقوله بعد ذلك :
وهذا كله لا يكون في مجرد القلب إذا لم يتكلم به النبي ; لكن قد يكون في ظنه الذي يتكلم به بعضه النخل(٦) ونحوها، وهو يوافق ما ذكرناه. وإذا كان التمني لا بد أن يدخل فيه القول ففيه قولان :
(١) انظر : تفسير ابن جرير ٩/١٦٦، وابن عطية ١١/٢٠٦، والرازي ٢٣/٣٦، وفي المراد بالصوامع والبيع والصلوات أقوال أرجحها أن المراد بالصوامع معابد رهبان النصارى، والبيع كنائس النصارى، والصلوات كنائس اليهود، وهذا قول جمهور المفسرين. انظر : تفسير ابن جرير ٩/١٦٤، وابن الجوزي ٥/٢٩٩، وابن كثير ٣/٢٣٦.
(٢) تفسير الرازي ٢٣/٣٦.
(٣) قواعد الترجيح عند المفسرين ١/٢٨٨.
(٤) سورة الحج : الآيات ٥٢ – ٥٤.
(٥) سورة البقرة : الآية ٧٨.
(٦) هكذا في الأصل.

واختاره القرطبي لحديث أبي هريرة، قال :" وقد صححه القاضي أبو بكر العربي فليعوَّل عليه، لأنه نص في التعيين وغيره اجتهاد " (١).
واختاره أيضاً ابن كثير(٢).
القول الثاني : أنهم جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت ؛ وبه قال مقاتل بن حيان(٣) (٤).
القول الثالث : أنهم الحور العين، وخزنة النار، وحملة العرش ؛ قاله الضحاك(٥).
القول الرابع : أنهم المؤمنون(٦)، لقوله تعالى بعد هذه الآية :(٧)، ولقوله تعالى : إن
(٨)، واختاره ابن عاشور(٩).
وهناك أقوال أخرى، لا تخرج عن هذه(١٠).
(١) تفسيره الجامع لأحكام القرآن ١٣/١٦٠.
(٢) تفسيره ٣/٣٨٩.
(٣) هو الإمام مقاتل بن حيان النَبَطي، أبو بسطام البلخي الخزاز، محدث ثقة، مات في خدود الخمسين ومائة بأرض الهند. انظر : سير أعلام النبلاء ٦/٣٤٠، وتقريب التهذيب ص٥٤٤.
(٤) أخرجه النحاس في معاني القرآن ٥/١٤٩، وانظر : تفسير البغوي ٣/٣٤١.
(٥) ذكره عنه أبو حيان في تفسيره ٧/٩٣، وانظر : تفسير الألوسي ٢٠/٣٣.
(٦) ذكره القرطبي ١٣/١٦٠.
(٧) سورة النمل : الآية ٨٩.
(٨) سورة الأنبياء : الآيات ١٠١ – ١٠٣.
(٩) تفسيره ٢٠/٤٦، وتعقّبه الألوسي ٢٠/٣٣ بأن الفزع في الآية الأولى ( ففزع ) غير الفزع في الآية الأخرى
(١٠) ذكر الحافظ في الفتح ١١/٤٥٠ – ٤٥١ عشرة أقوال.

وقيل : إنه لما أُري ذبح إسحاق سار به من الشام حتى أتى به المنحر من منى(١).
٤ - أن ذَبْحَ الوَحيد أو البِكْر والأَحبِّ إلى الوالد أبْلغُ في الابتلاء، فإن له من المعزَّة ما ليس لمن بعده من الأولاد، وكل هذه الأوصاف لإسماعيل - عليه السلام - (٢).
٥ - أنه المعروف عند أهل الكتابين، وقد جاء النصُّ على ذلك في التوراة في مواضع عديدة، ولكنهم حرَّفوا وبدَّلوا، وأقحموا إسحاق كذباً وبهتاناً وحسداً للعرب، فحصل عندهم التناقض(٣).
٦ - أن الله – تعالى – وصفه بالصبر دون أخيه إسحاق، فقال تعالى :(٤) وهو صبره على الذبح، ووصفه بصدق الوعد في قوله :(٥) ؛ لأنه وعد أباه الصبر من نفسه على الذبح فوفَّى(٦).
(١) ذكره الثعلبي عن سعيد بن جبير ٤/٣٢، وانظر : تفسير ابن عطية ١٣/٢٤٧، والقرطبي ١٥/٦٧.
(٢) ذكره شيخ الإسلام كما تقدم، وابن القيم في زاد المعاد ١/٧٤، وابن كثير ٤/١٦.
(٣) ذكر ذلك كثير من العلماء منهم شيخ الإسلام كما تقدم، وابن القيم كما في الزاد ١/٧١، وابن كثير في تفسيره ٤/١٦، والألوسي ٢٣/١٣٤، والفراهي في الرأي وذكر ثلاثة عشر دليلاً على ذلك ص٣٢ – ٦٢، وقد ورد عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال :" المَفْدِيُّ إسماعيل وزعمت اليهود أنه إسحاق، وكذبت اليهود " أخرجه ابن جرير ١٠/٥١٣، وانظر : تفسير البغوي ٤/٣٢.
(٤) سورة الأنبياء : الآية ٨٥.
(٥) سورة مريم : الآية ٥٤.
(٦) استدل به الزمخشري ٣/٣٠٨، والرازي ٢٦/١٣٤، والقرطبي ١٥/٦٧، وشيخ الإسلام كما تقدم، وابن كثير ٤/١٧، وغيرهم.

وفي الصحيحين - واللفظ لمسلم - عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله - ﷺ - :" يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول : أنا الملك ; أين الجبارون ; أين المتكبرون ؟ ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول : أنا الملك ; أين الجبارون ; أين المتكبرون ؟ " (١)، وذكر بعض الأحاديث بمعنى ما سبق(٢).
الدراسة :
هذه الآية الكريمة فيها إثبات صفة اليدين لله تعالى، والسلف مجمعون على إثبات القبضة واليمين كما وردت بلا تكييف، ولا تأويل، ولا تحريف، ولا تشبيه، فيجب الإيمان بذلك وبكل ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله - ﷺ -.
قال الإمام الأوزاعي(٣) :" كنَّا والتابعون متوافرون نقول : إن الله – تعالى ذكره – فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته جل وعلا " (٤).
(١) أخرجه مسلم في الموضع السابق ح٢٧٨٨.
(٢) مجموع الفتاوى ٦/٥٦٠ – ٥٦٢ باختصار، وانظر : ٥/٤٨٠، ودرء التعارض ٤/٥٧، ٥/٧٩، ٦/٣٣٩، وبيان تلبيس إبليس ١/١٥٥، والفتوى الحموية الكبرى ص٣١٩.
(٣) هو الإمام المحدث أبو عمرو عبد الرحمن بن محمد بن يُحْمَد الأوزاعي، عالم أهل الشام في زمانه، محدث فقيه زاهد، كان له مذهب مستقل عمل به فترة ثم اندرس، توفي عام ١٥٧هـ. انظر : سير أعلام النبلاء ٧/١٠٧، والأعلام ٣/٣٢٠.
(٤) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ٢/٣٠٤، وصحح إسناده شيخ الإسلام في الحموية ص٢٩٩، وصححه أيضاً الذهبي في السير ٧/١٢٠، وقال الحافظ في الفتح ١٣/٤٠٦ :" إسناده جيد ".

والأظهر – والله أعلم – القول الأول، وهو ما اختاره شيخ الإسلام ومن وافقه، وهذه الأجوبة التي ذكرها أصحاب الأقوال الأخرى لا تخلو من التكلف، ويؤيد هذا القول أن هذه الآية لم تشكل على السلف حيث لم يحملوا قوله تعالى : على معنى الاستثناء الحقيقي.
فانقياد الجوارح في الظاهر بالعمل واللسان بالإقرار يكتفى به شرعاً، وإن كان القلب منطوياً على الكفر.
ولهذا ساغ إرادة الحقيقة اللغوية في قوله : ؛ لأن انقياد اللسان والجوارح في الظاهر إسلام لغوي مكتفى به شرعاً عن التنقيب عن القلوب.
وكل انقياد واستسلام وإذعان يسمى إسلاماً لغة، ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل العدوي، مسلم الجاهلية :
وأسلمتُ وجهي لمن أسلمتْ له الأرض تحمل صخراً ثقالا
دحاها فلما استوت شدَّها جميعاً وأرسى عليها الجبالا
وأسلمتُ وجهي لمن أسلمتْ له المُزْنُ تحمل عذباً زُلالا
إذا هي سيقت إلى بلدة أطاعت فصبت عليها سِجَالا
وأسلمتُ وجهي لمن أسلمتْ له الريح تُصرف حالاً فحالا
فالمراد بالإسلام في هذه الأبيات : الاستسلام والانقياد، وإذا حمل الإسلام في قوله : انقدنا واستسلمنا بالألسنة والجوارح، فلا إشكال في الآية.
وعلى هذا القول فالأعراب المذكورون منافقون ؛ لأنهم مسلمون في الظاهر، وهم كفار في الباطن.
الوجه الثاني : أن المراد بنفي الإيمان في قوله : نفيُ كمال الإيمان، لا نفيه من أصله.
وعليه فلا إشكال أيضاً ؛ لأنهم مسلمون مع أن إيمانهم غير تام، وهذا لا إشكال فيه عند أهل السنة والجماعة القائلين بأن الإيمان يزيد وينقص.
وإنما استظهرنا الوجه الأول، وهو أن المراد بالإسلام معناه اللغوي دون الشرعي، وأن الأعراب المذكورين كفار في الباطن وإن أسلموا في الظاهر ؛ لأن قوله جل وعلا : يدل على ذلك دلالة كما ترى ؛ لأن قوله : فعل في سياق النفي، وهو من صيغ العموم كما أوضحناه مراراً، وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود :
ونحو لا شربت أو إن شربا واتفقوا إن مصدر قد جلبا(١)
فقوله :: في معنى لا دخول للإيمان في قلوبكم.
والذين قالوا بالثاني : قالوا : إن المراد بنفي دخوله نفي كماله، والأول أظهر كما ترى.
(١) انظر : مراقي السعود ص٢٥.

ودليل هذا القول ما ثبت في الصحيحين عن أنس - رضي الله عنه - أن نبي الله - ﷺ - قال :" لا تزال جهنم تقول : هل من مزيد، حتى يضع فيها رب العزة تبارك وتعالى قدمه(١)، فتقول : قط قط(٢)، وعزتك، ويُزوى بعضها إلى بعض " (٣).
وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - قال :" يقال : لجهنم هل امتلأت ؟ وتقول : هل من مزيد ؟ فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول : قط قط " (٤).
فهذان الحديثان صريحان بأن المراد بالاستفهام المذكور في الآية الطلب(٥).
واستدل ابن كثير لهذا القول بسياق الآية(٦).
(١) القدم من الصفات الذاتية الثابتة لله – جل وعلا -، فيجب إثباتها له سبحانه على وجه يليق بجلاله وعظمته، من غير تعطيل ولا تكييف ولا تشبيه، وقد أوّل كثير من المفسرين هذا اللفظ بتأويلات شتى بعيدة عن ظاهر الآية من غير دليل، وهذا هو الذي جعل بعضهم يستدل بالحديث للقول الثاني، مع صراحته في تقوية القول الأول، انظر : تفسير ابن عطية ١٥/١٨٣، والألوسي ٢٦/١٨٨.
(٢) قوله :" قط قط " أي : حسبي حسبي، فتح الباري ٨/٤٦١.
(٣) أخرجه البخاري ٨/٤٦٠ ح٤٨٤٨، كتاب التفسير، باب : ، ومسلم ٤/٢١٨٧ ح٢٨٤٨، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء.
(٤) أخرجه البخاري ٨/٤٦٠ ح٤٨٤٩، الموضع السابق، ومسلم ٤/٢١٨٦ ح٢٨٤٦، في الموضع السابق.
(٥) وقد استدل بذلك جمع من المفسرين منهم ابن جرير ١١/٤٢٦، والنحاس في إعراب القرآن ٤/٢٣٠، وابن تيمية كما تقدم، وغيرهم.
(٦) تفسير ابن كثير ٤/٢٤٢، قال الواحدي في الوسيط ٤/١٦٨ :" ووجه هذا القول أن هذا السؤال في قوله :
كان قبل دخول جميع أهلها فيها ".

وبيّن - رحمه الله – أن هذه الآية تشبه قوله تعالى :(١)، وما في معناها من الآيات، وهي كثيرة في القرآن، فالله تعالى قد يحب شيئاً ويرضاه من عباده، وفيه سعادتهم وصلاحهم إذا فعلوه، ثم منهم من يفعل ذلك، ومنهم من لا يفعله(٢).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى : على خمسة أقوال :
القول الأول : أن معنى إلا لآمرهم بعبادتي، وروي عن علي
- رضي الله عنه - (٣)، ومجاهد(٤)، والربيع بن أنس(٥)، ورجحه الزجاج(٦)، والماوردي(٧)، والزمخشري(٨)، وشيخ الإسلام - كما تقدم -، وابن القيم(٩)، وابن كثير(١٠)، والألوسي(١١)، والقاسمي(١٢)، والسعدي(١٣)، والشنقيطي(١٤).
وقد نصر هذا القول شيخ الإسلام – كما تقدم – واستدل له من وجوه منها :
(١) سورة البقرة : الآية ١٨٥.
(٢) مجموع الفتاوى ٨/٣٩ – ٥٧، بتصرف واختصار، وانظر : نفس المرجع ٨/١٨٦ وما بعدها، وقد بين هنا أن إرادة اله نوعان : كونية وهي الإرادة المستلزمة لوقوع المراد، وإرادة دينية شرعية، وهي محبة المراد ورضاه، ومحبة أهله، وهذه الإرادة لا تستلزم وقوع المراد، وهي المرادة هنا : انظر : المجموعة العلية الثانية ص١٠٤ – ١٠٩، وانظر : أيضاً : نفس المرجع ٤/٢٣٥، ودرء التعارض ٨/٤٦٨ – ٤٨٢، والرد على البكري ١/٢٧٤.
(٣) ذكره عنه البغوي ٧/٣٨٠ [ ط دار طيبة ]، وابن الجوزي ٧/٢١٣.
(٤) ذكره عنه السمرقندي ٣/٢٨٠، والقرطبي ١٧/٨٣، وشيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ٨/٥٢ وقال :" وهذا هو المعروف عن مجاهد بالإسناد الثابت "، ثم ذكره بإسناده من رواية ابن أبي حاتم.
(٥) تفسير ابن كثير ٤/٢٥٥.
(٦) معاني القرآن وإعرابه ٥/٥٨.
(٧) تفسيره ٥/٣٧٥.
(٨) تفسيره ٤/٤٠٦.
(٩) طريق الهجرتين ص٤٣١.
(١٠) تفسيره ٤/٢٥٥.
(١١) تفسيره ٢٧/٢١.
(١٢) تفسيره ١٥/٢٠٦.
(١٣) تفسيره ص٨١٣.
(١٤) تفسيره ٧/٦٧٣.

واستدل أصحاب هذا القول بالسنة، والعمدة في ذلك كتاب النبي - ﷺ - لعمرو بن حزم – رضي الله عنه -، وفيه :" لا يمس القرآن إلا على طهر " (١).
قال ابن عبدالبر :" وكتاب عمرو بن حزم هذا تلقاه العلماء بالقبول والعمل، وهو عندهم أشهر وأظهر من الإسناد الواحد المتصل، وأجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى، وعلى أصحابهم بأن المصحف لا يمسه إلا الطاهر " (٢).
قال شيخ الإسلام عن هذا الكتاب :" وهو كتاب مشهور عند أهل العلم " (٣).
وذهب بعض العلماء(٤) إلى أنه يجوز للمحدث حدثاً أصغر أن يمس المصحف، وهو قول الظاهرية(٥).
ومن أدلتهم :
١ - أن رسول الله - ﷺ - بعث دحية الكلبي - رضي الله عنه - إلى هرقل عظيم الروم بكتاب يدعوه فيه للإسلام، وفيه قول الله تعالى :(٦) (٧)، فإذا جاز مس الكافر له، فالمسلم المحدث من باب أولى(٨).
ويجاب عن هذا بأن هذا الكتاب لا يسمى مصحفاً، ولا تثبت له حرمته ؛ إذ ليس فيه سوى آية، ولا يقصد منه التلاوة، ومن العلماء من خص ذلك بقصد تبليغ الدعوة(٩).
(١) أخرجه الحاكم ٣/٤٨٥، وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي في السنن الكبرى ١/٨٧، وابن حبان في صحيحه [ ترتيب ابن بلبان ] ١٤/٥٠١ – ٥١، وانظر تعليق المحقق عليه، وغيرهم، وانظر : التلخيص الحبير ١/١٤٠ [ ط ابن تيمية ]، وإرواء الغليل ١/١٥٨.
(٢) الاستذكار ٨/١١.
(٣) اشرح العمدة، الطهارة ص٣٨١.
(٤) انظر : تفسير القرطبي ١٧/١٤٧.
(٥) المحلى ١/٧٧.
(٦) سورة آل عمران : الآية ٦٤.
(٧) أخرجه البخاري ١/٤٢ ح٦، كتاب بدء الوحي، باب ٧، ومسلم ٣/١٣٩٣ ح١٣٧٣، كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي - ﷺ - إلى هرقل، عن ابن عباس – رضي الله عنهما -.
(٨) انظر : المحلى ١/٨٣، والمجموع ٢/٧٢.
(٩) المجموع ٢/٧٢، وفتح الباري ١/٥٢.

– تعالى – قد جعل في قلوبهم الرّأفة والرحمة، والرهبانية المبتدعة، ويكون هذا جعْلاً خَلْقياً كونياً، والجعل الكوني يتناول الخير والشر، كقوله تعالى :(١)، وعلى هذا القول فلا مدحَ للرهبانية بجعلها في القلوب، فثبت على التقديرين أنه ليس في القرآن مدح للرهبانية، وقوله : أي : لم يكتب عليهم إلا ابتغاء رضوان الله، وابتغاء رضوان الله بفعل ما أمر به، لا بما يُبتدع، وهذا الاستثناء منقطع كما في قوله تعالى :
(٢) وهذا أصح الأقوال في الآية.
ولا يجوز أن يكون المعنى : أن الله كتبها عليهم ابتغاء رضوان الله، فإن الله لا يفعل شيئاً ابتغاء رضوان نفسه، ولا أن المعنى أنهم ابتدعوها ابتغاء رضوانه كما يظن هذا، وهذا بعض الغالطين، ثم بيَّن أن جَعْل الجَعْل في الآية شرعياً محموداً غلط لوجوه :
منها : أن الرهبانية لم تكن في كل من اتِّبعه، بل الذين صحبوه لم يكن فيهم راهب، وإنما ابتُدعت الرهبانية بعد ذلك(٣)، بخلاف الرأفة والرحمة فإنها جعلت في قلب كل من اتبعه.
ومنها : أنه أخبر أنهم ابتدعوا الرهبانية بخلاف الرأفة والرحمة فإنهم لم يبتدعوها، وإذا كانوا ابتدعوها لم يكن قد شرعها لهم.
ومنها : أن الرأفة والرحمة جعلها في القلوب، والرهبانية لا تختص بالقلوب، بل الرهبانية : ترك المباحات من النكاح واللحم وغير ذلك، وقد بيَّنت النصوص الصحيحة أن الرهبانية بدعة وضلالة، وما كان كذلك لم يكن هدى ".
ثم ذكر قول من قال : إنهم لّما ابتدعوها كُتب عليهم إتمامُها، ورده بقوله :" وليس في الآية ما يدل على ذلك، فإنه قال : فلم يذكر أنه كتب عليهم نفس الرهبانية، ولا إتمامها ولا رعايتها، بل أخبرهم أنهم ابتدعوا بدعة، وأن تلك البدعة لم يرعوها حق رعايتها.
(١) سورة القصص : الآية ٤١.
(٢) سورة النساء : الآية ٢٩.
(٣) انظر : تفسير ابن جرير ١١/٦٩٠.

الثاني : أنه قال : فيخرون له سجداً، والسجود لا يكون للشدائد(١).
وقد أجاب أبو يعلى عما روي عن ابن عباس وغيره بقوله :" والذي روى عن ابن عباس والحسن، فالكلام عليه من وجهين :
أحدهما : أن يحتمل أن يكون هذا التفسير منهما على مقتضى اللغة، وأن الساق في اللغة هو الشدة، ولم يقصدا بذلك تفسيره في صفات الله - تعالى - في موجب الشرع.
والثاني : أنه يعارض ما قاله عبد الله بن مسعود، ثم ذكره بإسناده عنه - رضي الله عنه - أنه قال في قوله عزّ وجل : قال :" عن ساقيه جلّ ذكره ".
ثم ذكر رواية أخرى : بلفظ " يكشف الرحمن عن ساقه "، ورواية ثالثة بلفظ :
" قال عبد الله بن مسعود في قوله عزّ وجل : يعني : عن ساقه اليمنى، فيضيء من نور ساقه اليمنى ".
ثم قال :" فهذا قول ابن مسعود، وناهيك بعبد الله أوّل المُقدَّمين من الصحابة بعد العشرة... " (٢).
وتقدم جواب شيخ الإسلام عن هذا القول، وأنه لو كان المراد الكشف عن الشدة لقال : يوم يكشف عن الساق أو يكشف عن الشدة، وأن يوم القيامة لا تكشفُ الشدة عن الكفار(٣).
القول الثالث : أن معنى قوله تعالى :" عن نور عظيم يخرون له سجداً " (٤)، وروي عن أبي موسى - رضي الله عنه -.
وهذا الأثر ضعيف لا يثبت عن أبي موسى - رضي الله عنه - (٥).
(١) انظر : إبطال التأويلات لأبي يعلى ١/١٥٩.
(٢) إبطال التأويلات لأخبار الصفات ١/١٥٩.
(٣) وانظر : الصواعق المرسلة لابن القيم ١/٢٥٣.
(٤) أخرجه ابن جرير ١٢/٢٠٠، وذكره السيوطي في الدر ٦/٣٩٧، ونسبه لأبي يعلى وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر.
(٥) ضعفه جماعة، منهم ابن كثير ٤/٤٥٣، والحافظ في الفتح ٨/٦٦٤.

وعن سعيد بن جبير أنه قال :" ألهمها الخير والشر " (١)، وعنه :" ألزمها فجورها وتقواها " (٢).
قال ابن كثير :" أي : فأرشدها إلى فجورها وتقواها، أي : بيّن لها ذلك، وهداها إلى ما قدر لها " (٣).
قال الزجاج :" قيل علّمها طريق الفجور وطريق الهدى، والكلام على أن ألهمها التقوى، وفَّقها للتقوى، وألهمها فجورها خذلها " (٤).
وقال السمعاني عن هذا القول :" وهو أولى من القول الأول ؛ لأن الإلهام في اللغة فوق التعريف والإعلام " (٥).
وقال الواحدي - بعد أن ذكر هذا القول ومن قال به - :" وهذا هو الوجه لتفسير الإلهام ؛ لأن التبيين والتعليم والتعريف دون الإلهام يوقع في قلبه ويجعل فيه، فإذا أوقع الله في قلب عبده شيئاً فقد ألزمه ذلك الشيء، كما ذكره سعيد بن جبير، وهذا صريح في أن الله تعالى خلق في المؤمن تقواه، وفي الكافر فجوره " (٦).
واختاره بعض المفسرين، وممن اختاره الزجاج والواحدي والسمعاني وشيخ الإسلام وابن القيم - كما تقدم -، والرازي(٧)، والقاسمي(٨).
وقد روي عن محمد بن كعب أنه قال :" إذا أراد الله عزّ وجل بعبده خيراً ألهمه الخير فعمل به، وإذا أراد به السوء ألهمه الشر فعمل به " (٩).
(١) ذكره عنه ابن كثير ٨/٤١٢ [ ط طيبة ]، وانظر : الدر ٦/٦٠١.
(٢) ذكره في الدر ٦/٦٠١، وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، وذكره الواحدي في الوسيط ٤/٤٩٥، وأخرجه الواحدي في الوسيط ٤/٤٩٥ مرفوعاً إلى النبي - ﷺ -، وفيه عمران بن أبي عمران.
(٣) تفسيره ٨/٤١١ [ ط طيبة ].
(٤) معاني القرآن وإعرابه ٥/٣٣٢، وانظر : الوسيط للواحدي ٤/٤٩٥، وتفسير الرازي ٣١/١٩٣.
(٥) تفسيره ٦/٢٣٣.
(٦) الوسيط ٤/٤٩٥.
(٧) تفسيره ٣١/١٩٣ - ١٩٤.
(٨) تفسيره ١٧/٦١٦٩.
(٩) ذكره القرطبي ٢٠/٥١.

قلت : هذا القول المنقول عن قتادة هو الذي أوجب نفور مجاهد عن أن يكون الخطاب للنبي - ﷺ - كما روى الناس ومنهم ابن أبي حاتم، عن الثوري، عن منصور(١) قال : قلت لمجاهد : عنى به النبي - ﷺ - ؟ قال : معاذ الله، عنى به الإنسان. وقد أحسن مجاهد في تنْزيه النبي - ﷺ - أن يقال له : أي : استيقن ولا تكذب، فإنه لو قيل له :( لا تكذب ) ؛ لكان هذا من جنس أمره بالإيمان والتقوى ونهيه عما نهى الله عنه، وأما إذا قيل : فهو لم يكذب بالدين بل هو الذي أخبر بالدين وصدق به فهو الذي جاء بالصدق وصدق به، فكيف يقال له : ؟ فهذا القول فاسد لفظاً ومعنى. واللفظ الذي رأيته منقولاً بالإسناد عن قتادة ليس صريحاً فيه، بل يحتمل أن يكون أراد به خطاب الإنسان ؛ فإنه قال : قال : استيقن فقد جاءك البيان. وكل إنسان مخاطب بهذا، فإن كان قتادة أراد هذا فالمعنى صحيح، لكن هم حكوا عنه أن هذا خطاب للرسول - ﷺ - وعلى هذا فهذا المعنى باطل، فلا يقال للرسول :( فأي شيء يجعلك مكذبا بالدين ؟ )، وإن ارتأت به النفس لأن هذا فيه دلائل تدل على فساده ؛ ولهذا استعاذ منه مجاهد.
والصواب ما قاله الفراء والأخفش وغيرهما، وهو الذي اختاره أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وغيره من العلماء كما تقدم، وكذلك ذكره أبو الفرج ابن الجوزي عن الفراء... " (٢).
الدراسة :
اختلف المفسرون في معنى هذه الآية على قولين :
(١) هو منصور بن حيَّان بن حصين الأسدي، ثقة، سمع الشعبي، وروى عنه سفيان الثوري وشعبة. انظر : التاريخ الكبير ٧/٣٤٧، وتقريب التهذيب ص٥٤٦.
(٢) مجموع الفتاوى ١٦/٢٨٣ – ٢٨٩.

قال الألوسي :" ونوقش في إفادة الجملة الاسمية القبول، ولا يبعد أن يقال : إنَّ معنى الجملة الفعلية نفي الفعل في زمان معين، والجملة الاسمية معناه : نفي الدخول تحت هذا المفهوم مطلقاً من غير تعرض للزمان، كأنه قيل : أنا ممن لا يصدق عليه هذا المفهوم أصلاً، وأنتم ممن لا يصدق عليه ذلك المفهوم، فتدبر " (١)، ووافق شيخَ الإسلام الشيخُ محمد العثيمين - رحمه الله -(٢).
القول السادس : أن القرآن كان ينْزل شيئاً بعد شيء، وآيةً بعد آية، فكأنَّ المشركين قالوا له : أسلم ببعض آلهتنا حتى نؤمن بإلهك، فأنزل الله ثم مكثوا مدةً من المدد وقالوا : تعبد آلهتنا يوماً أو شهراً أو حولاً، ونعبد إلهك يوماً أو شهراً أو حولاً، فأنزل الله على شريطة أن تؤمنوا به في وقت وتشركوا به في وقت. ذكره ابن قتيبة(٣)، وقد جعل الرازي هذا القول من قبيل التكرار(٤).
القول السابع : أن قوله تعالى :
لنفي الاستقبال، وقوله تعالى : لنفي الماضي، وهذا قول الزمخشري، حيث قال :" أريد به العبادة فيما يستقبل لأن ( لا ) لا تدخل إلا على مضارع في معنى الاستقبال، كما أن ( ما ) لا تدخل إلا على مضارع في معنى الحال، ألا ترى أن ( لن ) تأكيد فيما تنفيه ( لا )، وقال الخليل في ( لن ) أن أصله ( لا أن )، والمعنى : لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه مني من عبادة آلهتكم، ولا أنتم فاعلون فيه ما أطلب منكم من عبادة إلهي،
، أي : وما كنت قط عابداً فيما سلف ما عبدتم فيه، يعني : لم تعهد مني عبادة صنم في الجاهلية فكيف ترجى مني في الإسلام، أي : وما عبدتم في وقت ما أنا على عبادته. فإن قلت : فهلا قيل ( ما عبدت ) كما قيل :.
(١) تفسيره ٣٠/٢٥١.
(٢) تفسير جزي عم ص٣٣٧.
(٣) تأويل مشكل القرآن ص٢٣٧.
(٤) تفسيره ٣٢/٣٥.

هم القسيسون والرهبان... الضحاك
هم كفرة أهل الكتاب... علي بن أبي طالب
هو المقصود إليه في الرغائب... السدي
هم المنافقون كانوا يراؤون الناس بصلاتهم... ابن عباس
هو تسمية الرجل بالأعمال كقوله : يا زاني... عبد الرحمن بن زيد
هو تعيير التائب بسيئات كان قد عملها... ابن عباس
هو الذي لا حشو له... سعيد بن المسيب
هو الذي لا يأكل ولا يشرب... الشعبي
هو الذي لا يخرج منه شيء... ابن كعب وعكرمة
هو الذي ليست له أحشاء... ابن مسعود
هو الذي يصلي، ويقول : هكذا، يعني : يلتفت عن يمينه ويساره... أبو العالية
هو السيد الذي انتهى سؤدده... شقيق بن سلمة
هو قول الرجل : يا كافر يا منافق... عكرمة
هي النفس اللؤم... ابن عباس
والذي جاء بالصدق : القرآن... مجاهد
والله ما نزلت في عبد الله بن سلام... مسروق
والمعروف : ما اشترط عليهن في البيعة... الضحاك
ورثه أن سخر له الشياطين والرياح... الربيع بن أنس
ورثه نبوته، وملكه، وعلمه... قتادة
وكانت الآية تنْزل فيؤمر النبي - ﷺ - أن يضعها... ابن سيرين
ويلك، أهل حروراء منهم... علي بن أبي طالب
يجاء بالدنيا يوم القيامة فيقال : ميزوا ما كان لله... عبادة بن الصامت
يجُمع بين أرواح الأحياء وأرواح الأموات... سعيد بن جبير
يرث نبوتي، ونبوة آل يعقوب... السدي... ٩١
يصلون وليست الصلاة من شأنهم... ابن زيد
يعني الشرك بالكلام... مقاتل... ١٢٤
يعني اليهود والنصارى تخشع ولا ينفعها عملها... ابن عباس
يقول : إن القرآن شرف لك... ابن عباس
يقول : فما يكذبك بعد بهذه الأشياء... عكرمة
يقول تعالى ذكره : قال أهله : من ذا يرقيه... ابن زيد
يقول للرجل : من أنت ؟ فيقول : من العرب... مجاهد
يقولون شعيب صاحب موسى... الحسن
يكتب على ابن آدم كل شيء يتكلم به حتى أنينه... مجاهد
يكتب الملكان الكلام... الحسن وقتادة
يكلفون ارتقاء جبل في النار... الضحاك
+++
فهرس الأعلام المترجم لهم
العلم... رقم الصفحة
(أ)
الآلوسي = محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي
إبراهيم بن حسن الكُوراني... ١٤٤


الصفحة التالية
Icon