٣- الشيخ شرف الدين، أحمد بن كمال الدين، شيخ الشافعية، ومفتي دمشق(١).
٤- الشيخ أبو العباس، زين الدين، أحمد بن عبد الدائم المقدسي(٢).
٥- الشيخ تقي الدين أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر التَّنوُّخي(٣).
٦- الشيخ شمس الدين، أبو محمد عبد الله بن محمد بن عطاء الأذرعي الحنفي(٤).
٧- الشيخ أبو حامد، محمد بن علي الصابوني(٥).
٨- الشيخ شمس الدين أبو محمد عبد الرحمن بن قدامة المقدسي الجماعيلي الحنبلي(٦).

(١) هو شرف الدين، أحمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد المقدسي الشافعي، ولد سنة ٦٢٢هـ، وتوفي سنة ٦٩٤هـ. انظر : شذرات الذهب ٥/٤٢٤، وفوات الوفيات ١/٥٧.
(٢) هو أحمد بن عبد الدائم بن نعمة بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المقدسي، مسند الشام وفقيهها ومحدثها، ولد سنة ٥٧٥هـ، وتوفي بدمشق سنة ٦٦٨هـ. انظر : شذرات الذهب ٥/٣٢٥، وفوات الوفيات ١/٨١.
(٣) هو إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله التنوخي الدمشقي الكاتب، ولد سنة ٥٨٩هـ، وتوفي سنة ٦٧٢هـ. انظر : شذرات الذهب ٥/٣٣٨، وفوات الوفيات ١/١٧٠.
(٤) هو القاضي عبد الله بن محمد بن عطاء الأذرعي الحنفي، كان المشار إليه في مذهبه، مع الدين والصيانة والتعفف والتواضع، توفي سنة ٦٧٣هـ. انظر : شذرات الذهب ٥/٣٤٠، والفوائد البهية في تراجم الحنفية ٢/١٩٧.
(٥) هو الجمال، أبو حامد، محمد بن علي بن محمود الصابوني الحافظ، شيخ دار الحديث النووية، ولد سنة ٦٠٤هـ، وتوفي سنة ٦٨٠هـ. انظر : شذرات الذهب ٥/٣٦٩، والأعلام ٦/٢٨٢.
(٦) هو شيخ الإسلام، عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الصالحي الحنبلي، ولد سنة ٥٩٧هـ، صاحب شرح المقنع، توفي سنة ٦٨٢هـ. انظر : شذرات الذهب ٥/٣٧٦، وفوات الوفيات ٢/٢٩١.

الأول : أن الإلقاء هو في سمع المستمعين ولم يتكلم به الرسول، وهذا قول من تأول الآية بمنع جواز الإلقاء في كلامه.
و الثاني :- وهو الذي عليه عامة السلف ومن اتبعهم - أن الإلقاء في نفس التلاوة كما دلت عليه الآية وسياقها من غير وجه كما وردت به الآثار المتعددة ولا محذور في ذلك إلا إذا أُقر عليه، فأما إذا نسخ الله ما ألقى الشيطان وأحكم آياته فلا محذور في ذلك وليس هو خطأ وغلط في تبليغ الرسالة إلا إذا أقر عليه.
ولا ريب أنه معصوم في تبليغ الرسالة أن يقر على خطأ كما قال :" فإذا حدثتكم عن الله بشيء فخذوا به فإني لن أكذب على الله " (١) ولولا ذلك لما قامت الحجة به فإن كونه رسول الله يقتضي أنه صادق فيما يخبر به عن الله، والصدق يتضمن نفي الكذب ونفي الخطأ فيه، فلو جاز عليه الخطأ فيما يخبر به عن الله وأقر عليه لم يكن كل ما يخبر به عن الله.
والذين منعوا أن يقع الإلقاء في تبليغه فروا من هذا وقصدوا خيراً وأحسنوا في ذلك ; لكن يقال لهم : ألقى ثم أحكم فلا محذور في ذلك ؛ فإن هذا يشبه النسخ لمن بلغه الأمر والنهي من بعض الوجوه، فإنه إذاً موقن مصدق برفع قول سبق لسانه به، ليس أعظم من إخباره برفعه " (٢).
وقال – رحمه الله – في سياق حديثه عن عصمة الأنبياء :" ولكن هل يَصْدُرُ ما يستدركه الله فينسخ ما يلقي الشيطان ويحكم الله آياته ؟ هذا فيه قولان، والمأثور عن السلف يوافق القرآن بذلك.
(١) أخرجه مسلم ٤/١٨٣٥، ح٢٣٦١، كتاب الفضائل، باب وجوه امتثال ما قاله شرعاً. عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) مجموع الفتاوى ١٥/١٩٠ – ١٩٢.

والراجح – والله أعلم – ما ذهب إليه شيخ الإسلام، ومن وافقه لأنه لا يمكن الجزم بكل من استثناه الله تعالى، لعدم الدليل الصحيح في ذلك، ولأن النبي - ﷺ - توقَّف في موسى - عليه السلام - كما في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - قال :" لا تخيروني على موسى ؛ فإن الناس يَصعَقون يوم القيامة فأصعق معهم فأكون أولَ من يفيق، فإذا موسى باطش(١) بجانب العرش، فلا أدري أكان موسى فيمن صَعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله عز وجل " (٢).
وما ورد عن السلف من التعيين يكون من باب التمثيل لا الحصر(٣)، قال الشوكاني :" ويمكن أن يكون الاستثناء شاملاً لجميع المذكورين، فلا مانع من ذلك" (٤).
سورة النمل : الآيتان ٨٩ - ٩٠
قال تعالى :(٥).
اختار شيخ الإسلام أن المراد بالحسنة بالآية جميعُ أعمال البر، وأعلاها قول لا إله إلا الله، وأن المراد بالسيئة جميع الذنوب وأعظمها الشرك.
قال - رحمه الله - بعد أن ذكر أقوال السلف في المراد بالحسنة والسيئة :" فمن قال الحسنة ( لا إله إلا الله ) لم يرد أن هذه الكلمة وحدها هي الحسنة دون العمل بمقتضاها، بل هي عنده الشجرة الجامعة، والأعمال داخلة فيها وفروع لها.
(١) أي : آخذ بشيء من العرش بشدة، والبطش الأخذ بشدة. فتح الباري ٦/٥٤١.
(٢) أخرجه البخاري ١١/٤٤٦ ح٦٥١٧، كتاب الرقاق، باب نفخ الصور، ومسلم ٤/١٨٤٤ ح٢٣٧٣، كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى - ﷺ -، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٣) انظر : تفسير القرطبي ١٣/١٦٠.
(٤) تفسيره ٤/٢١٨.
(٥) سورة النمل : الآيتان ٨٩ - ٩٠.

القول الثاني : أنه إسحاق - عليه السلام - وكان ذلك في الشام ؛ ورُوى عن العباس(١)، وابن مسعود(٢)، وعلي بن أبي طالب(٣)، وابن عباس(٤) - رضي الله عنهم -، وكعب الأحبار(٥)، وعكرمة(٦)، ومجاهد(٧)، وأبي ميسرة(٨) (٩)، والسدي(١٠)، وقتادة(١١)، وعبد الرحمن بن سابط(١٢) (١٣)،
(١) أخرجه ابن جرير ١٠/٥١٠، والحاكم ٢/٦٠٩، وعزاه في الدر ٥/٥٣٠ للبزار وابن أبي حاتم وابن مردويه.
(٢) أخرجه عبد الرزاق ٣/٩٧ [ ط محمود عبده ]، وابن جرير ١٠/٥١٠، والحاكم ٢/٦٠٩، وصححه وتعقبَّه الواهبي، وانظر : الدر المنثور ٥/٥٣٠.
(٣) أخرجه عبد الرزاق ٣/٩٧ [ ط محمود عبده ]، وعزاه في الدر ٥/٥٣١ لابن منصور وابن المنذر.
(٤) أخرجه ابن جرير ١٠/٥١٠ من ثلاث طرق، والحاكم ٢/٦٠٨ صححه، وعزاه في الدر ٥/٥٣١ للفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، من طريق عكرمة، وانظر : الدر ٥/٥٢٨، قال القرطبي في تفسيره ١٥/٦٧ :" وهو الصحيح عنه ".
(٥) أخرجه عبد الرزاق ٣/٩٦ ط محمود، وابن جرير ١٠/٥١٠ – ٥١١، والحاكم ٢/٦٠٨.
(٦) أخرجه ابن جرير ١٠/٥٠٦.
(٧) عزاه في الدر ٥/٥٣٣ لعبد بن حميد وابن المنذر.
(٨) هو عمرو بن شرحبيل، أبو ميسرة الهمداني الكوفي، من العباد الأولياء، مات في ولاية عبيد الله بن زياد. انظر : سير أعلام النبلاء ٤/١٣٥، وتهذيب التهذيب ٨/٤٧.
(٩) أخرجه ابن جرير ٥/٥١٢.
(١٠) أخرجه ابن جرير ١٠/٥٠٧، وعزاه في الدر ٥/٥٣٢ لابن أبي حاتم.
(١١) أخرجه ابن جرير ١٠/٥٠٦، وعزاه في الدر ٥/٥٣٢ لابن أبي حاتم.
(١٢) هو عبد الرحمن بن سابط الجمحي، المكي، روى عن جابر بن عبد الله، وهو ثقة، توفي سنة ١١٨هـ. انظر : معرفة الثقات ٢/٧٧، والتقريب ص٣٤٠.
(١٣) أخرجه ابن جرير ١٠/٥١٢..

وقال ابن خزيمة :" إن الأخبار في صفات الله موافقة لكتاب الله - تعالى -، نقلها الخلف عن السلف قرناً بعد قرن من لدن الصحابة والتابعين إلى عصرنا هذا على سبيل الصفات لله تعالى، والمعرفة، والإيمان به، والتسليم لما أخبر الله تعالى في تنْزيله، والرسول - ﷺ - عن كتابه، مع اجتناب التأويل والجحود، وترك التمثيل والتكييف " (١).
وقد دلت السنة على إثبات هذه الصفة الكريمة لله - تعالى -، وتقدم ذكر جملة من الأحاديث الواردة في هذا الباب في أثناء كلام شيخ الإسلام، كما وردت آثار كثيرة عن السلف من الصحابة والتابعين في إثباتها أيضاً(٢).
وقد أثبت هذه الصفة من سلك طريقة السلف الصالح أهل السنة والجماعة في الصفات، وممن أثبتها من المفسرين ابن جرير، وردَّ على من أوَّلها كما يأتي، وأثبتها أيضاً السمعاني(٣)، والبغوي(٤)، وابن كثير، وقال :" وقد وردت أحاديث كثيرة متعلقة بهذه الآية الكريمة، والطريق فيها وفي إثباتها مذهب السلف، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف " (٥)، وأثبتها أيضاً صدِّيق حسن خان(٦)، والسعدي(٧).
قال ابن خزيمة :" باب ذكر إثبات اليد للخالق الباري – جل وعلا – والبيان :
أن الله – تعالى – له يدان، كما أعلمنا في محكم تنْزيله أنه خلق آدم عليه السلام بيديه وأعلمنا أن الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه " (٨).
(١) ذم التأويل لابن قدامة ص١٦.
(٢) انظر : تفسير ابن جرير ٢٠/٢٤٥ [ ط التركي ] وما بعدها، وتفسير ابن كثير ٤/٦٨، والدر المنثور
٥/٦٢٧ – ٦٢٩، وأقوال التابعين في مسائل الاعتقاد ٣/٩٠٧ - ٩٢٢، والتوحيد لابن خزيمة ١/١١٨ وما بعدها.
(٣) تفسيره ٤/٤٨٠.
(٤) تفسيره ٧/١٣١ [ ط طيبة ].
(٥) تفسيره ٤/٦٧.
(٦) فتح البيان ١٢/١٤٤.
(٧) تفسيره ص٧٢٩.
(٨) كتاب التوحيد ١/١١٨.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : المراد به بعض الأعراب، وقد استظهرنا أنهم منافقون لدلالة القرآن على ذلك، وهم من جنس الأعراب الذين قال الله فيهم :(١)، وإنما قلنا إن المراد بعض الأعراب في هذه الآية ؛ لأن الله بين في موضع آخر أن منهم من ليس كذلك، وذلك في قوله تعالى :(٢) (٣).
والراجح – والله تعالى أعلم – القول الأول ؛ لقوة أدلته، وعدم ثبوت الدليل الصريح الذي يصرف المعنى الشرعي للإسلام الذي أثبته الله تعالى لهم.
(١) سورة التوبة : الآية ٩٨.
(٢) سورة التوبة : الآية ٩٩.
(٣) أضواء البيان ٧/٦٣٦ – ٦٣٩.

واختار هذا القول النحاس(١)، وابن عطية(٢)، وشيخ الإسلام كما تقدم، وابن جزي(٣)، وابن القيم(٤)، وابن كثير(٥)، والبقاعي(٦)، والسعدي(٧).
القول الثاني : أن الاستفهام في الآية إنكاري(٨)، والمعنى : لا محل للزيادة فيّ لشدة امتلائها، وبه قال ابن عباس – رضي الله عنهما -(٩)، ومجاهد، وعبدالرحمن بن زيد(١٠).
واستدل أصحاب هذا القول بالآيات الواردة في إقسام الله تعالى على أن يملأ جهنم، كقوله تعالى :
(١١)، وقوله تعالى :(١٢)، وقوله تعالى :(١٣).
قال الشنقيطي :" لأن إقسامه تعالى في هذه الآية المدلول عليه بلام التوطئة على أنه يملأ جهنم من الجِنّة والناس، دليل على أنها لا بد أن تمتلى، ولذا قالوا : إن معنى لا مزيد، لأني قد امتلأت فليس فيّ محل للمزيد " (١٤).
ويجاب عن هذه الآيات وما في معناها، بأن جهنم تقول : ، قبل أن تمتلىء(١٥).
(١) إعراب القرآن ٤/٢٣٠.
(٢) تفسيره ٥/١٦٥.
(٣) تفسيره ٢/٣٦٦.
(٤) الفوائد ص٢٠.
(٥) تفسيره ٤/٢٢٤.
(٦) نظم الدرر ١٨/٤٣١.
(٧) تفسيره ص٨٠٦.
(٨) قال الشنقيطي ٧/٦٥٢ :" كقوله تعالى :"، وقال ابن عطية :" كقوله - ﷺ - : هل ترك لنا عقيل من منْزل " ١٥/١٨٢.
(٩) أخرجه ابن جرير ١١/٤٢٥، وذكره ابن أبي حاتم ١٠/٣٣٠٩، وضعفه الحافظ في الفتح ٨/٤٦٠، على أن رواية ابن أبي حاتم لهذا الأثر بمعنى حديثي أنس وأبي سعيد – رضي الله عنهما -.
(١٠) أخرجه عنهم ابن جرير ١١/٤٢٥، وذكره الواحدي في الوسيط ٤/١٦٨ عن عطاء ومقاتل.
(١١) سورة السجدة : الآية ١٣.
(١٢) سورة هود : الآية ١١٩.
(١٣) سورة ص : الآيتان ٨٤ – ٨٥.
(١٤) أضواء البيان ٧/٦٥٢، وصحح الأول استدلالاً بالحديث.
(١٥) وهذا معنى ما أثر عن ابن عباس في رواية ابن جرير، وتقدم ذكرها.

١- أنه ظاهر الآية، وهو الذي فهمه منها جماهير المسلمين.
٢- أن سياق الآية يدل عليه.
٣- أن نصوص الكتاب والسنة تدل عليه.
واستدل له الشنقيطي أيضاً بهذه الوجوه، حيث قال :" وعلى هذا القول : فإرادة عبادتهم المدلول عليها باللام في قوله : إرادة دينية شرعية وهي الملازمة للأمر، وهي عامة لجميع من أمرتهم الرسل لطاعة الله، لا إرادة كونية قدرية ؛ لأنها لو كانت كذلك لعبده جميع الإنس والجن، والواقع خلاف ذلك بدليل قوله تعالى :(١)، إلى آخر السورة.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : التحقيق إن شاء الله في معنى هذه الآية الكريمة أي : إلا لآمرهم بعبادتي وأبتليهم، أي : أختبرهم بالتكاليف، ثم أجازيهم على أعمالهم ؛ إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وإنما قلنا إن هذا هو التحقيق في معنى الآية لأنه تدل عليه آيات محكمات من كتاب الله، فقد صرح تعالى في آيات من كتابه أنه خلقهم ليبتليهم أيهم أحسن عملاً، وأنه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم قال تعالى في أول سورة هود : ، ثم بين الحكمة في ذلك فقال :(٢)، وقال تعالى في أول سورة الملك :(٣)، وقال تعالى في أول سورة الكهف :(٤)، فتصريحه جل وعلا في هذه الآيات المذكورة بأن حكمة خلقه للخلق هي ابتلاؤهم أيهم أحسن عملا يفسر قوله : ، وخير ما يفسر به القرآن القرآن " (٥).
(١) سورة الكافرون : الآيات ١ – ٣.
(٢) سورة هود : الآية ٧.
(٣) سورة الملك : الآية ٢.
(٤) سورة الكهف : الآية ٧.
(٥) أضواء البيان ٧/٦٧٣.

٢ - أنه لم يثبت النهي عن مس المصحف لا في الكتاب ولا في السنة، فيبقى الحكم على البراءة الأصلية، وهي الإباحة(١).
ويجاب بعدم التسليم، فقد ثبت في السنة النهي عن ذلك، وتقدم ذكر كتاب عمرو بن حزم، وقد ورد بمعناه أحاديث وآثار أخرى(٢).
والراجح – والله أعلم – القول الأول، وهو ما ذهب إليه عامة أهل العلم ؛ لقوة أدلته، وضعف أدلة القول الثاني(٣).
سورة الواقعة : الآيات ٨٣ - ٨٥
قال تعالى :(٤).
رجح شيخ الإسلام أن المراد بالقرب المذكور في الآية قرب الملائكة، وتقدم ذكر كلامه في هذا عند قوله تعالى :(٥)، في سورة ق، وقد تحدث عن الآيتين جميعاً، وبيّن دلالتهما على هذا المعنى، ورد الأقوال الأخرى المذكورة في معنى القرب.
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بالقرب في قوله تعالى : على أقوال أربعة :
القول الأول : أن المراد بذلك قرب الملائكة، واختاره ابن جرير(٦)، والسمرقندي(٧)، وشيخ الإسلام، وابن كثير(٨)، ونسبه القاسمي للجمهور(٩).
وروي عن ابن عباس(١٠)، وقد تقدم ذكر أدلة هذا القول، في آية (ق).
قال ابن جرير :" يقول : يقول : ورسلنا الذين يقبضون روحه أقرب إليه منكم، " (١١).
(١) انظر : المحلى ١/٨٧.
(٢) انظر : إرواء الغليل ١/١٥٨.
(٣) للاستزادة انظر : إظهار الحق المبين بتأييد إجماع الأئمة الأربعة على تحريم مس وحمل القرآن الكريم لغير المتطهرين لمحمد بن علي المالكي، وحكم الطهارة لمس القرآن الكريم لعمر السبيل.
(٤) سورة الواقعة : الآيات ٨٣ – ٨٥.
(٥) سورة ق : الآية ١٦. وانظر كلام الشيخ على الآيتين في ص ٣٧٩.
(٦) تفسيره ١١/٦٦٤.
(٧) تفسيره ٣/٣٢٠.
(٨) تفسيره ٤/٣٢١.
(٩) تفسيره ١٦/٢٦.
(١٠) ذكره ابن الجوزي عن ابن عباس – رضي الله عنهما -، انظر : زاد المسير ٧/٢٩٦.
(١١) تفسير ابن جرير ١١/٦٦٤.

فإن قيل : قوله تعالى : يدل على أنهم لو رعوها حق رعايتها لكانوا ممدوحين، قيل : ليس في الكلام ما يدل على ذلك، بل يدل على أنهم
– مع عدم الرعاية – يستحقون من الذّم ما لا يستحقونه بدون ذلك، فيكون ذم من ابتدع البدعة ولم يرعها حق رعايتها أعظم من ذم من رعاها وإن لم يكن واحد منهما محموداً، بل مذموماً " (١).
الدراسة :
قال الزجاج :" هذه الآية صعبة في التفسير " (٢)، وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى : ، هل هي معطوفة على ما قبلها أو لا ؟، على قولين :
القول الأول : أنها معطوفة على قوله تعالى :(٣) واختاره ابن
هشام(٤)، وقال :" والمشهور أنه عطف على ما قبله، و : صفة، ولابد من تقدير مضاف، أي : وحب رهبانية " (٥)، وأجاز العطف الزمخشري(٦).
وعلى هذا يكون الجَعْلُ خَلْقياً كونياً، وليس شرعياً، ومن المعلوم أن الإرادة الكونية تشمل الخير والشر، وما يرضاه الله وما لا يرضاه(٧).
ولا يصح أن يكون الجَعْل هنا شرعياً محموداً لوجوه تقدم ذكرها عن شيخ الإسلام.
(١) الجواب الصحيح ٢/١٨٨ – ٢٠٠، بتصرف واختصار.
(٢) معاني القرآن وإعرابه ٥/١٣٠.
(٣) ذكره النحاس في الإعراب ٤/٣٦٧، والعكبري في إملاء ما من به الرحمن ص٤٩٩، وشيخ الإسلام كما تقدم، والسمين في الدر المصون ١٠/٢٥٤، و على هذا صفة للرهبانية.
(٤) هو إمام الدنيا في النحو، أبو محمد، عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري، جمال الدين، ولد في القاهرة سنة ٧٠٨هـ، من مؤلفاته : أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، وشذور الذهب، توفي سنة ٧٦١هـ. انظر : الدرر الكامنة ٢/٣٠٨، وحسن المحاضرة ١/٢٤٧.
(٥) مغني اللبيب ٢/٦٣٩.
(٦) الكشاف ٤/٦٩.
(٧) ذكر هذا القول شيخ الإسلام كما تقدم، وانظر : الدر ١٠/٢٥٧، والتحرير ٢٧/٤٢٣.

القول الرابع : أن المعنى : يوم يكشف عن أصل الأمر، وساق الشيء أصله الذي به قوامه، كساق الشجر وساق الإنسان، أي يظهر يوم القيامة حقائق الأشياء وأصولها(١).
ويجاب بأنه وإن صح من حيث اللغة إطلاق الساق على أصل الأمر ؛ فإن السنة وردت مؤيدةً للقول الأول، فيرجح على غيره ويرد ما سواه(٢).
والراجح - والله تعالى أعلم - القول الأول وهو أن المراد بالساق في الآية، الصفة الكريمة لله تعالى، فثبتت له تعالى كسائر الصفات الثابتة في الكتاب والسنة من غير تعطيل ولا تكييف ولا تأويل ولا تشبيه، وذلك لدلالة السنة على هذا المعنى، وإذا ثبت الحديث وكان في معنى أحد الأقوال فهو مرجح على ما خالفه(٣).
قال الشوكاني - رحمه الله - :" وقد أغنانا الله - سبحانه - في تفسير هذه الآية بما صح عن رسول الله - ﷺ - كما عرفت، وذلك لا يستلزم تجسيماً ولا تشبيهاً، فليس كمثله شيء.
دعوا كل قول عند قول محمد... فما آمنٌ في دينه كمخاطر " (٤).
وكأن السعدي - رحمه الله - يجمع بين القولين الأول والثاني، حيث قال :" إذا كان يوم القيامة وانكشف فيه من القلاقل والزلازل والأهوال ما لا يدخل تحت الوهم، وأتى الباري لفصل القضاء بين عباده ومجازاتهم فكشف عن ساقه الكريمة التي لا يشبهها شيء، ورأى الخلائق من جلال الله وعظمته ما لا يمكن التعبير عنه... " (٥).
وهذا الجمع غير مسلّم حيث إن ما ثبت في السنة لا يحتمل المعنى الثاني كما تقدم.
سورة القلم : الآية ٤٨
قال تعالى :(٦).
رجح شيخ الإسلام أن معنى قوله تعالى : اصبر لما يحكم به عليك، وأن الآية محكمة غير منسوخة.
(١) ذكره الرازي ٣٠/٨٤، والبيضاوي ٢/٥١٨، قال :" والتنكير للتهويل والعظيم ".
(٢) انظر : قواعد الترجيح ١/٢٠٦ – ٢١١.
(٣) قواعد الترجيح عند المفسرين ١/٢٠٦.
(٤) فتح القدير ٥/٣٩٥.
(٥) تفسيره ص٨٨١.
(٦) سورة القلم : الآية ٤٨.

قال ابن القيم :" ومن ذلك إخباره سبحانه بأنه هو الذي يلهم العبد فجوره وتقواه والإلهام الإلقاء في القلب لا مجرد البيان والتعليم كما قاله طائفة من المفسرين ؛ إذ لا يقال لمن بين لغيره شيئاً وعلمه إياه أنه قد ألهمه ذلك، هذا لا يعرف في اللغة ألبتة، بل الصواب ما قاله ابن زيد قال : جعل فيها فجورها وتقواها، وعليه حديث عمران بن حصين أن رجلا من مزينة أو جهينة أتى النبي - ﷺ - فقال : يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس فيه ويكدحون، أشيء قضى عليهم ومضى عليهم من قدر سابق أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم ؟ قال :" بل شيء قضى عليهم ومضى "، قال " ففيم العمل ؟ قال :" من خلقه الله لإحدى المنْزلتين استعمله بعمل أهلها، وتصديق ذلك في كتاب الله فقراءته هذه الآية عقيب إخباره بتقديم القضاء والقدر السابق، يدل على أن المراد بالإلهام استعمالها فيما سبق لها لا مجرد تعريفها ؛ فإن التعريف والبيان، لا يستلزم وقوع ما سبق به القضاء والقدر، ومن فسر الآية من السلف بالتعليم والتعريف فمراده تعريف مستلزم لحصول ذلك لا تعريف مجرد عن الحصول فإنه لا يسمى إلهاماً، وبالله التوفيق" (١).
(١) شفاء العليل ص١٠٠.

القول الأول : أن المعنى : فمن يُكذِّبك يا محمد بَعدَ هذه الحجج التي احتججنا بها بطاعة الله وما بعثك به من الحق، وأن الله يبعث من في القبور، وقالوا :( ما ) هنا بمعنى ( مَن )(١) ؛ وروي عن قتادة(٢).
واختاره الفراء(٣)، وقال :" يقول : فما الذي يكذبك بأن الناس يدانون بأعمالهم ؛ كأنه قال : فمن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب بعدما تبين له من خلقنا الإنسان على ما وصفنا " (٤).
قال أبو جعفر النحاس :" وزعم الفراء والأخفش أن المعنى : فمن يكذبك بعد بالدين، وهذا لا يُعرَّج عليه، ولا تقع ( ما ) بمعنى ( مَنْ ) إلا في شذوذ، والمعنى ههنا صحيح، أي : فما يحملك يا أيها المكذب، فأي شيء يحملك على التكذيب بعد ظهور البراهين
والدلائل بالدين الذي جاء بخبره من أظهر البراهين " (٥).
وقيل : إن المراد بالدين على هذا القول : الشريعة(٦).
(١) تفسير ابن جرير ٢٤/٥٢٣ [ ط التركي ]، وانظر : ابن عطية ١٦/٣٣٢.
(٢) ذكره عنه ابن عطية ١٦/٣٣٢، ولعله يريد قوله الآتي في القول الثالث، ويأتي التعليق عليه.
(٣) ونسبه أبو حيان ٨/٤٨٦ للأخفش، وكذا نسبه إليه شيخ الإسلام، والذي في معانيه أنه يختار الثاني، حيث قال عند هذه الآية :" فجعل ( ما ) للإنسان، وفي هذا القول يجوز :( ما جاءني زيدٌ ) في معنى ( الذي جاءني زيد ) " ٢/٥٨١.
(٤) معاني القرآن ٣/٢٧٧.
(٥) إعراب القرآن ٥/٢٥٩، والذي يظهر أن الأخفش يختار القول الثاني، حيث قال في معانيه ٢/٥٨١ :" جعل ( ما ) للإنسان، وفي هذا القول يجوز :( ما جاءني زيد ) في معنى :( الذي جاءني زيد ) "، وانظر التبيان لابن القيم ص٣٤، وقد ذهب ابن عطية إلى أن قول الفراء والأخفش بمعنى واحد، انظر : تفسيره ١٦/٣٣٢.
(٦) تفسير السهيلي ٢/٥٨٨.

قلت : لأنهم كانوا يعبدون الأصنام قبل المبعث وهو لم يكن يعبد الله تعالى في ذلك الوقت " (١)، ووافقه ابن الزبير الغرناطي، وذكر أن نفي الماضي بالجملة الاسمية يدل على نفي الحال أيضاً، فيكون - ﷺ - قد تبرأ من عبادة آلهتهم في مضى وفي الحال وفيما يأتي، وهم كذلك ما عبدوا الله سبحانه كما ينبغي في الأحوال الثلاثة(٢).
واعترض أبو حيان على الزمخشري بأن حصره دخول ( لا ) على المضارع الذي بمعنى الاستقبال، ودخول ( ما ) على المضارع الذي بمعنى الحال غير صحيح، بل ذلك غالب فيهما غير متحتِّم(٣).
القول الثامن : قول ابن القيم : إن قوله : نفي للحال والمستقبل، وقوله : مقابله، أي : لا تفعلون ذلك وقوله : أي : لم يكن مني ذلك قط قبل نزول الوحي، ولهذا أتى في عبادتهم بلفظ الماضي فقال : فكأنه قال : لم أعبد قط ما عبدتم، وقوله : مقابله، أي : لم تعبدوا قط في الماضي ما أعبده أنا دائماً، وعلى هذا فلا تكرار أصلاً، وقد استوفت الآيات أقسام النفي ماضياً وحالاً ومستقبلاً عن عبادته وعبادتهم بأوجز لفظ وأحصره وأبينه " (٤).
قال أبو حيان :" والذي اختاره في هذه الجمل أنه أولاً نفى عبادته في المستقبل ؛ لأن ( لا ) الغالب أنها تنفي المستقبل، ثم عطف عليه نفياً للمستقبل على سبيل المقابلة، ثم قال : نفياً للحال ؛ لأن اسم الفاعل الحقيقة فيه دلالته على الحال، ثم عطف عليه
نفياً للحال على سبيل المقابلة فانتظم المعنى أنه - ﷺ - لا يعبد ما تعبدون لا حالاً ولا مستقبلاً، وهم كذلك " (٥).
وقال بعضهم : كل واحد منهما يصلح للحال وللاستقبال، ولكنّا نخص أحدهما بالحال والثاني بالاستقبال دفعاً للتكرار(٦).
(١) تفسير الزمخشري ٢/٢٣٨.
(٢) ملاك التأويل ٢/١١٥٠ – ١١٥٤.
(٣) تفسير الزمخشري ٢/٢٣٨.
(٤) بدائع الفوائد ١/١١٢.
(٥) تفسيره ٨/٥٢٣.
(٦) ذكره الرازي ٣٢/١٣٥.

إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج... ٩١
إبراهيم بن أبي عبلة العقيلي الشامي المقدسي... ٤٨٨
إبراهيم بن عمر بن حسن الرُّبَاط بن علي بن أبي بكر البقاعي... ٢٠٦
إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي... ١٠١
الأثرم = أحمد بن محمد بن هانئ الطائي
أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الواسطي... ١٨
أحمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد المقدسي الشافعي... ١٦
أحمد بن الحسن بن عبد الله بن قدامة المقدسي الحنبلي... ١٨
أحمد بن الحسين بن علي البيهقي... ١٣٣
أحمد بن داود الدَّينوري الحنفي النحوي... ٣٣٢
أحمد بن عبد الدائم بن نعمة بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المقدسي... ١٦
أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر المكي الشافعي... ٢٢٨
أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار... ١٣٦
أحمد بن علي الرازي الحنفي الجصاص... ٤٤٦
أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي... ٤٤
أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي... ١٤٣
أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المُرادي النحاس... ٨٩
أحمد بن محمد بن منصور بن المنير الإسكندراني... ٢٦٠
أحمد بن محمد بن هارون الخلال... ١٦٣
أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني... ٣٥٨
الأحنف بن قيس بن معاوية بن حُصين التميمي... ٤٠٤
أبو الأحوص = محمد بن الهيثم بن حماد الثقفي البغدادي
الأخفش = سعيد بن مسعدة
الأخفش الصغير = علي بن سليمان بن الفضل
إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم المروزي، ابن راهويه... ٢١٧
ابن إسحاق = محمد بن إسحاق
إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله التنوخي الدمشقي الكاتب... ١٦
إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي... ٩١
أبو الأسود الديلي = ظالم بن عمرو
ابن الأعرابي = محمد بن زياد
أمية بن خالد بن الأسود... ١٣٦
ابن الأنباري = محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان
الأوزاعي = عبد الرحمن بن محمد بن يَحْمَد
أوس بن عبد الله الربعي البصري... ٥٤٢
(ب)
باذان مولى أم هانئ... ٨٩
ابن البخاري = علي بن أحمد بن عبد الواحد السعدي المقدسي الصالحي الحنبلي


الصفحة التالية
Icon