٩- الشيخ علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي، المعروف بابن البخاري(١).
١٠- الشيخ شمس الدين أبو عبد الله بن عبد القوي بن بدران المقدسي المرداوي(٢).
تلاميذه :
تتلمذ على شيخ الإسلام خلق كثير، أضحى كثير منهم من أكابر علماء الإسلام، ومنهم :
١- الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر، ابن قيم الجوزية.
قال ابن حجر :" ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير شمس الدين ابن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة، التي انتفع بها الموافق والمخالف ؛ لكان غاية في الدلالة على عظم منْزلته " (٣).
٢- الإمام الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، الشافعي.
٣- الإمام الحافظ، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي الشافعي.
٤- الإمام الحافظ جمال الدين أبو الحجاج، يوسف بن عبد الرحمن المزَّي.
٥- الإمام الحافظ، علم الدين، أبو محمد القاسم بن محمد بن ا لبِرْزالي(٤) الشافعي.
(٢) هو محمد بن عبد القوي بن بدران بن سعد الله المقدسي المرداوي الصالحي الحنبلي، ولد سنة ٦٣٠هـ، توفي سنة ٦٩٩هـ. انظر : شذرات الذهب ٥/٤٥٢، والأعلام ٦/٢١٤.
(٣) انظر : تقريظه للرد الوافر ص٢٤٨.
(٤) =( ) هو أبو محمد، علم الدين، القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد البرزالي الإشبيلي الدمشقي، محدث مؤرخ، ولد بدمشق سنة ٦٦٥هـ، وتوفي سنة ٧٣١هـ، من مؤلفاته : ثلاثيات من مسند أحمد، ومختصر المئة السابعة. انظر : الدرر الكامنة ٣/٣٢١، وفوات الوفيات ٣/١٩٦.
والذين منعوا ذلك من المتأخرين طعنوا فيما ينقل من الزيادة في سورة النجم بقوله :( تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى ) وقالوا : إن هذا لم يثبت ومن علم أنه ثبت قال : هذا ألقاه الشيطان في مسامعهم ولم يلفظ به الرسول - ﷺ - ولكن السؤال وارد على هذا التقدير أيضاً، وقالوا في قوله : هو حديث النفس.
وأما الذين قرروا ما نقل عن السلف فقالوا هذا منقول نقلاً ثابتاً لا يمكن القدح فيه والقرآن يدل عليه بقوله :
فقالوا : الآثار في تفسير هذه الآية معروفة ثابتة في كتب التفسير والحديث، والقرآن يوافق ذلك، فإن نسخ الله لما يلقي الشيطان وإحكامه آياته إنما يكون لرفع ما وقع في آياته، وتمييز الحق من الباطل، حتى لا تختلط آياته بغيرها، وجعل ما ألقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم إنما يكون إذا كان ذلك ظاهراً يسمعه الناس، لا باطناً في النفس، والفتنة التي تحصل بهذا النوع من النسخ من جنس الفتنة التي تحصل بالنوع الآخر من النسخ، وهذا النوع أدل على صدق الرسول - ﷺ - وبعده عن الهوى من ذلك النوع ؛ فإنه إذا كان يأمر بأمر ثم يأمر بخلافه وكلاهما من عند الله وهو مصدق في ذلك فإذا قال عن نفسه : إن الثاني هو الذي من عند الله وهو الناسخ، وأن ذلك المرفوع الذي نسخه الله ليس كذلك كان أدلَّ على اعتماده للصدق، وقوله الحق، وهذا كما قالت عائشة رضي الله عنها : لو كان محمد كاتماً شيئا من الوحي لكتم هذه الآية :(١) ألا ترى أن الذي يعظِّم نفسه بالباطل يريد أن ينصر كل ما قاله ولو كان خطأ.
وكذلك السيئة هي العمل لغير الله، وهذا هو الشرك ؛ فإن الإنسان همام وحارث لابد له من عمل، ولابدله من مقصود معبود يعمل لأجله، فالعمل لله هو الإخلاص والتوحيد له، والعمل لغيره هو الشرك، وإن عمل لله ولغيره فذلك أيضا شرك والذنوب كلها جزء من الشرك، وهي ومن فروعه ؛ فإنها جميعها طاعة للشيطان واتباع لخطواته، قال الله
- تعالى - :(١).
وقال الشيطان :(٢) " (٣).
ثم ذكر كلاماً مضمونَه : أن المراد بالحسنة بالآية هي قول لا إله إلا الله إذا قالها العبد قائماً بشروطها ولوازمها ومات على ذلك ؛ حيث تكون حسناته راجحة على سيئاته.
وأن المراد بالسيئة في الآية هي الشرك الأكبر، أو الشرك الأصغر(٤) إذا كبُر عنده حتى رجحت سيئاته على حسناته(٥).
الدراسة :
هاتان الآيتان فيهما مسألتان اختلف فيهما المفسرون :
أولاً : اختلف المفسرون في المراد بالحسنة في الآية الأولى على خمسة أقوال :
القول الأول : ذهب عامة المفسرين كالواحدي(٦)، والبغوي(٧)، والنسفي(٨)، وابن كثير(٩)، وأبي السعود(١٠) إلى أن المراد بالحسنة ( لا إله إلا الله ) بل حكى القرطبي الإجماع على ذلك(١١)، ولا يوافق عليه. ويستدل لهذا القول بما يلي :
(٢) سورة إبراهيم : الآية ٢٢.
(٣) تفسير آيات أشكلت ١/ ٣٤٨، وانظر : مجموع الفتاوى ١٥/٤٤٠.
(٤) وتقدم في كلامه السابق أنه يطلق على جميع المعاصي حيث إنها طاعة للشيطان.
(٥) تفسير آيات أشكلت ١/٣٦٣، وانظر : ١/٣٩٢.
(٦) الوسيط ٣/٣٨٧.
(٧) تفسيره ٣/٤٣٢.
(٨) تفسيره ٢/٢٥١.
(٩) تفسيره ٣/٣٩٠.
(١٠) تفسيره ٦/٣٠٥.
(١١) تفسير القرطبي ١٣/١٦٢.
وعبد بن عمير(١) (٢)، ومسروق(٣)، وغيرهم.
واختاره ابن جرير(٤)، والواحدي ونسبه للأكثرين(٥)، والسهيلي(٦)، وقال القرطبي :" إنه أقوى في النقل عن النبي - ﷺ - والصحابة والتابعين " ونسبه للأكثرين(٧)، وقال ابن كثير في البداية والنهاية :" ولكن الصحيح عنه – يعني ابن عباس – وعن أكثر هؤلاء ؛ أنه إسماعيل - عليه السلام - " (٨).
وقال – رحمه الله - بعد أن ذكر بعض أقوال السلف إنه إسحاق :" وهذه الأقوال
– والله أعلم – كلها مأخوذة عن كعب الأحبار ؛ فإنه لما أسلم في الدولة العُمَرِيَّة جعل يحدث عمرَ - رضي الله عنه - عن كتبه قديماً، فربما استمع له عمر - رضي الله عنه - فترخَّص الناس في استماع ما عنده، ونقلوا ما عنده عنه، غثَّها وسمينها، وليست لهذه الأمة – والله أعلم – حاجة إلى حرف واحد مما عنده " (٩).
ومن أدلة هذا القول :
١ - قوله تعالى : قالوا هي البشارة بإسحاق - عليه السلام - في قوله تعالى :(١٠)، وغير ذلك من الآيات ؛ فإن البشارة كانت بإسحاق في سائر القرآن(١١).
(٢) أخرجه عبد الرزاق ٣/٩٧ [ ط محمود عبده ]، وابن جرير ١٠/٥١١، وانظر : الدر المنثور ٥/٥٣٠.
(٣) أخرجه ابن جرير ١٠/٥١٠، وعزاه في الدر ٥/٥٣٢ لعبد بن حميد.
(٤) تفسيره ١٠/٥١٤.
(٥) الوسيط ٣/٥٢٩.
(٦) التعريف والإعلام ص ١٤٦.
(٧) تفسيره ١٥/٦٦.
(٨) البداية والنهاية ١/١٥٨.
(٩) تفسيره ٤/١٩.
(١٠) سورة هود : الآية ٧١.
(١١) استدل به ابن جرير ١٠/٥١٤.
وقد أنكر هذه الصفة بعضُ الطوائف المخالفة للسلف وأوَّلوها بتأويلات باطلة ليس عليها دليل، فمنهم من قال إن المراد باليدين النعمة، ومنهم من قال : القوة، ومنهم من قال : القدرة. وقال بعضهم : مطويات بيمينه : مُفنيات بِقَسَمه ؛ لأنه أقسم أن يفنيها " (١).
وقد ذكر ابن القيم – رحمه الله – عشرين وجهاً تدل على فساد هذه التأويلات، ومنها :
١ - أنها خلاف الظاهر.
٢ - اطِّراد لفظة ( اليد ) في مورد الاستعمال، وتنوع ذلك، وتصريف استعماله، يمنع القول بالتأويل، حيث وردت بلفظ التثنية ( يديّ ) واليمين، والقبض.
٣ - أنه ليس في المعهود أن يطلق الله – عزّ وجل – على نفسه معنى القدرة والنعمة بلفظ التثنية، بل بلفظ الإفراد الشامل لجميع الحقيقة، كقوله تعالى :(٢)، وكقوله :(٣)، وقد يجمع الله النِّعم كقوله :(٤)، وأما أن يقول : خلقت بقدرتين ونعمتين، فهذا لم يقع في كلامه، ولا كلام رسوله - ﷺ - " (٥).
وقد أوَّل هذه الصفة كثير من المفسرين، ومنهم : الأخفش، حيث قال عند هذه الآية :" يقول في قدرته، نحو قوله :(٦)، أي : وما كانت لكم عليه قدرة، وليس الملك لليمين دون الشمال، وسائر البدن، وأما قوله :
نحو قولك للرجل : هذا في يدك وفي قبضتك" (٧)، وهذا تأويل باطل كما سبق، قال ابن جرير بعد أن حكى كلامَه هذا :" والأخبار التي ذكرناها عن رسول الله - ﷺ - وعن أصحابه وغيرهم تشهد على بطول هذا القول" (٨).
(٢) سورة البقرة : الآية ١٦٥.
(٣) سورة النحل : الآية ١٨.
(٤) سورة لقمان : الآية ٢٠.
(٥) مختصر الصواعق المرسلة ٢/١٥٣ – ١٧٤، وانظر : مباحث العقيدة في سورة الزمر ص١٥٩ – ١٧٤.
(٦) سورة النساء : الآية ٣٦.
(٧) معاني القرآن ص٦٧٤.
(٨) تفسيره ٢٠/٢٥٣ [ ط التركي ].
وأجاب عن ذلك الألوسي بقوله :" وأجيب بأنه لامنافاة ؛ لأن الامتلاء قد يراد به أنه لايخلو طبقة منها عمّن يسكنها وإن كان فيها فراغ كما يقال : إن البلدة ممتلئة بأهلها، ليس فيها دار خالية، مع ما بينها من الأبنية والأفضية، أو أن ذلك باعتبار حالين ؛ فالفراغ في أول الدخول فيها، ثم يساق إليها الشياطين ونحوهم فتمتلئ " (١).
واختار هذا القول بعض العلماء، وممن اختاره الواحدي(٢)، والسمعاني(٣).
والراجح من القولين(٤)، هو القول الأول، وذلك لثبوت السنة الصحيحة الشاهدة لمعناه(٥).
(٢) الوسيط ٤/١٦٨.
(٣) تفسيره ٥/٢٤٤.
(٤) أورد الماوردي ٥/٣٥٣ قولاً ثالثاً في معنى الآية :" هل يزاد في سعتي ؟ لإلقاء غير ما أُلقي فيَّ "، ولم أر هذا القول عند غيره، والظاهر أنه بمعنى القول الثاني، وذكره الواحدي في الوسيط ٤/١٦٨ :" ويجوز أن يكون المعنى أنها طلبت أن يزاد فيها في سعتها لتضايقها بأهلها ".
(٥) انظر : تفسير ابن جرير ١١/٤٢٦.
القول الثاني : أن المعنى : إلا ليقروا لي بالعبودية طوعاً أو كرهاً، أي : يخضعوا لي ويتذللوا، فإن العبادة في اللغة : الذل والانقياد(١) ؛ وروي عن ابن عباس – رضي الله عنهما -(٢)، واختاره ابن جرير(٣)، والبقاعي(٤).
قال ابن جرير :" فإن قال قائل : فكيف كفروا وقد خلقهم للتذلل لأمره ؟ قيل : إنهم تذللوا لقضائه الذي قضاه عليهم ؛ لأن قضاءه جارٍ عليهم، لا يقدرون من الامتناع منه إذا نزل بهم، وإنما خالفه من كفر به في العمل بما أمره به، فأما التذلل لقضائه فإنه غير ممتنع منه " (٥).
وقد استدل له الشنقيطي بقوله تعالى :(٦)، والسجود والعبادة كلاهما خضوع وتذلل لله جل وعلا، وقد دلّت الآية على أن بعضهم يفعل ذلك طوعاً وبعضهم يفعله كرهاً(٧).
وأجاب عنه شيخ الإسلام – كما تقدم – بأن الإقرار بأن الله هو خالقهم أمر فطري لا يبذل كرهاً، بخلاف الإسلام والخضوع له فإنه يكون كرهاً.
القول الثالث : أن المعنى : إلا ليعبدني السعداء منهم ويعصيني الأشقياء، والآية على هذا القول خاصة بالمؤمنين، وبه قال زيد بن أسلم، وسفيان(٨)، ومجاهد(٩)، والضحاك(١٠)، واختاره بعض العلماء، كالفراء(١١)، وابن قتيبة(١٢)، والسمعاني(١٣).
(٢) أخرجه ابن جرير ١١/٤٧٦، وابن أبي حاتم ١٠/٢٣١٣.
(٣) تفسيره ١١/٤٧٦.
(٤) نظم الدرر ١٨/٤٨١.
(٥) تفسير ابن جرير ١١/٤٧٦.
(٦) سورة الرعد : الآية ١٥.
(٧) أضواء البيان ٧/٦٧٢.
(٨) أخرجه ابن جرير ١١/٤٧٦.
(٩) ذكره عنه السمعاني ٥/٢٦٤.
(١٠) ذكره عنه السمعاني ٥/٢٦٤، وذكره الواحدي في الوسيط ٤/١٨١، والبغوي ٧/٢٤٥ عن الكلبي.
(١١) معاني القرآن ٢/٨٩.
(١٢) تأويل مشكل القرآن ص٢٨٢.
(١٣) تفسيره ٥/٢٦٤.
القول الثاني : أن المراد بالقرب القرب العلم والقدرة والرؤية(١).
القول الثالث : أن المراد القرب بالقدرة(٢).
القول الرابع : أن المراد القرب بالعلم، واختاره البيضاوي وقال :" أعرب عن العلم بالقرب الذي هو أقوى سبب للاطلاع " (٣).
وقد تقدمت مناقشة هذه الأقوال في تفسير آية ( ق ).
والراجح – والله تعالى أعلم – القول الأول، وأن المراد قربُ الملائكة الذين يأتون لقبض روح الميت، وذلك لأنه مروي عن الحبر ابن عباس، ولأن سياق الآية يدل عليه، ولأن تفسيره بغير ذلك ليس عليه دليل معتبر.
(٢) انظر : تفسير السمعاني ٥/٣٦١، وابن عطية ٥/٢٥٣، والقرطبي ١٧/١٤٩.
(٣) تفسيره ٢/٤٦٤.
القول الثاني : أن قوله تعالى : منصوبة بفعل مضمر، يدل عليه ما بعده، تقديره : وابتدعوا رهبانية ابتدعوها، أي جاءوا بها من قِبَل أنفسهم، وهي غُلُوَّهم في العبادة(١)، واختاره أبو علي الفارسي(٢)، والعكبري(٣)، والقرطبي(٤)، وابن القيم(٥)، والشوكاني(٦).
قال قتادة :" فهاتان من الله، والرهبانية ابتدعها قوم من أنفسهم، ولم تكتب عليهم ولكن ابتغوا بذلك وأرادوا رضوان الله، فما رعوها حق رعايتها، ذُكر لنا أنهم رفضوا النساء واتخذوا الصوامع " (٧).
قال ابن عطية :" والمعتزلة(٨) تعرب ( رهبانية ) أنها نَصْبٌ بإضمار فعل يفسِّره ( ابتدعوها ) وليست بمعطوفة على الرأفة والرحمة، ويذهبون في ذلك إلى أن الإنسان يخلق أفعاله، فيعربون الآية على مذهبهم " (٩).
(٢) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار، الفارسي الأصل، إمام في العربية، ولد سنة ٢٨٨هـ، من مؤلفاته : الإيضاح، والحجة، توفي سنة ٣٧٧هـ. انظر : تاريخ بغداد ٧/٢٧٥، وفيات الأعيان ٢/٨٠.
(٣) انظر : إملاء ما من به الرحمن ص٤٩٩.
(٤) انظر : تفسيره ١٧/١٧٠.
(٥) المدارج ٢/٦٢.
(٦) انظر : تفسيره فتح القدير ٥/٢٥٤.
(٧) أخرجه عبد الرزاق ٣/٢٨٧ [ ط محمود ]، وابن جرير ١١/٦٩٠.
(٨) المعتزلة : إحدى الفرق المبتدعة، ابتدعها واصل بن عطاء ( ت ١٣١هـ ) يعظمون العقل، ويقدمونه على النقل، وهم فرق متعددة يجتمعون على أصول خمسة معروفة، انظر : الملل والنحل للشهرستاني ١/٢١، ومقالات الإسلاميين ١/٢٣٥.
(٩) انظر : تفسيره ١٥/٤٢٩، وانظر : تفسير ابن جزي ٢/٤١٦، والانتصاف لابن المنير ٤/٦٩.
قال - رحمه الله - عند هذه الآية :" وقد قيل في معناه : اصبر لما يحكم به عليك، وقيل : اصبر على أذاهم لقضاء ربك الذي هو آت، والأول أصح، وحكم الله نوعان : خلق وأمر.
فالأول : ما يقدره من المصائب.
والثاني : ما يأمر به وينهى عنه.
والعبد مأمور بالصبر على هذا وعلى هذا فعليه أن يصبر لما أمر به ولما نهى عنه فيفعل المأمور ويترك المحظور وعليه أن يصبر لما قدره الله عليه.
وبعض المفسرين يقول : هذه الآية منسوخة بآية السيف، وهذا يتوجه إن كان في الآية النهي عن القتال فيكون هذا النهي منسوخاً، ليس جميع أنواع الصبر منسوخة ؛ كيف والآية لم تتعرض لذلك هنا لا بنفي ولا إثبات، بل الصبر واجب لحكم الله ما زال واجباً، وإذا أمر بالجهاد فعليه أيضاً أن يصبر لحكم الله، فإنه يبتلى من قتالهم بما هو أعظم من كلامهم، ما ابتلي به يوم أحد والخندق، وعليه حينئذ أن يصبر ويفعل ما أمر به من الجهاد، والمقصود هنا قوله : فإن ما فعلوه من الأذى هو مما حكم به عليك قدراً فاصبر لحكمه وإن كانوا ظالمين في ذلك " (١).
الدراسة :
في هذه الآية مسألتان :
المسألة الأولى : معنى قوله تعالى :.
وقد اختلف المفسرون في معناها على قولين :
القول الأول : أن المعنى : اصبر لما يحكم به عليك ربك، واختاره بعض العلماء، وممن اختاره ابن جرير(٢)، والسمرقندي(٣)، وابن عطية(٤)، وشيخ الإسلام - كما تقدم -.
واستدل له شيخ الإسلام بعموم الآية ؛ فإن حكم الله تعالى نوعان : خلقٌ وأمر، والعبد مأمور بكليهما، فعليه أن يصبر لما أمر به ولما نهي عنه، وعليه أن يصبر لما قدَّره الله عليه.
(٢) تفسيره ١٢/٢٠٢.
(٣) تفسيره ٣/٣٩٦.
(٤) المحرر الوجيز ١٦/٨٩.
القول الثاني : أن المعنى : بيَّن لها ما ينبغي لها أن تأتي أو تذر من خير أو شر، وطاعة أو معصية ؛ وبه قال ابن عباس(١)، ومجاهد(٢)، والضحاك(٣)، وسعيد بن جبير(٤)، وسفيان(٥)، وقتادة(٦).
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - عند هذه الآية :" بيَّن الخير والشر "، وعنه
- رضي الله عنه - :" علمها الطاعة والمعصية " (٧).
وقال الفراء :" عَرّفها سبيل الخير وسبيل الشر، وهو مثل :(٨) " (٩).
وقال ابن عطية :" أي عرَّفها طُرقَ ذلك، وجعل لها قوة يصح معها اكتسابُ الفجور أو اكتساب التقوى " (١٠).
والراجح - والله تعالى أعلم - القول الأول، لحديث عمران بن حصين، ولأنه هو الموافق لمعنى الإلهام في اللغة، وتقدم تقرير ذلك.
سورة الشمس : الآيتان ٩ - ١٠
قال تعالى :(١١).
(٢) أخرجه ابن جرير ٢٤/٤٤١ [ ط التركي ]، وعزاه في الدر ٦/٦٠٠ لعبد بن حميد.
(٣) أخرجه ابن جرير ٢٤/٤٤١ [ ط التركي ] وعزاه في الدر ٦/٦٠١.
(٤) ذكره في الدر ٦/٦٠١، وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٥) أخرجه ابن جرير ٢٤/٤٤١ [ ط التركي ] وهو الثوري كما ذكر ابن كثير.
(٦) أخرجه ابن جرير ٢٤/٤٤١، وذكره السيوطي في الدر ٦/٦٠١، وعزاه أيضاً لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٧) أخرجه ابن جرير ٢٤/٤٤٠ - ٤٤١[ ط التركي ]، وأخرجه الحاكم ٢/٥٢٤ من طريق مجاهد عنه، وصححه بلفظ :" عرف شقاءها وسعادتها " ٢/٥٢٤.
(٨) سورة البلد : الآية ١٠.
(٩) معاني القرآن ٣/٢٦٦.
(١٠) تفسيره ١٥/٣١١، وانظر : تفسير السهيلي ٢/٥٧٧، والتعبير بالاكتساب مبني على نظرية الكسب عند الأشاعرة، فيما يظهر.
(١١) سورة الشمس : الآيتان ٩ – ١٠.
القول الثاني : أن المعنى فمن يكذِّبك أيها الإنسان بعد هذه الحجج بالدين، أي بالبعث والجزاء، وهذا توبيخ للكافر، و( ما ) هنا موصولة، وبه قال مجاهد(١)، والكلبي(٢)، وعن مقاتل أنه قال :" فما يكذبك أيها الإنسان بعد بيان الصورة الحسنة والشباب ثم الهرم بعد ذلك بالحساب " (٣).
قال القرطبي :" وقيل : الخطاب للكافر توبيخاً وإلزاماً للحجة، أي إذا عرفت أيها الإنسان أن الله خلقك في أحسن تقويم، وأنه يردُّك إلى أرذل العمر، وينقلك من حال إلى حال ؛ فما يحملك على أن تكذِّب بالبعث والجزاء، وقد أخبرك محمد - ﷺ - به " (٤).
واختاره جمهور المفسرين، وممن اختاره الأخفش(٥)، وابن قتيبة(٦)،
والسمرقندي(٧)، والثعلبي(٨)، والواحدي(٩)، والسمعاني(١٠)،
والبغوي(١١)، ونسبه ابن عطية للجمهور(١٢)، وأبو حيان(١٣) ونسبه للجمهور، والسعدي(١٤)، وابن عاشور(١٥).
قال ابن القيم :" أصح القولين أن هذا خطاب للإنسان، أي : فما يكذبك
بالجزاء والمعاد بعد هذا البيان وهذا البرهان فتقول إنك لا تبعث ولا تحاسب، ولو
(٢) أخرجه عبد الرزاق ٣/٤٤١ ط، وابن جرير ٢٤/٥٢٤ [ ط التركي ].
(٣) الوسيط للواحدي ٤/٢٦.
(٤) تفسيره ٢٠/٧٩.
(٥) المعاني ٢/٥٨١.
(٦) تأويل مشكل القرآن ص٣٤٢.
(٧) تفسيره ٣/٤٩٢.
(٨) تفسيره ١٠/٢٤١.
(٩) الوسيط ٤/٥٢٩.
(١٠) تفسيره ٦/٢٥٤.
(١١) تفسيره ٤/٥٠٥.
(١٢) المحرر الوجيز ١٦/٣٣٢.
(١٣) البحر المحيط ٨/٤٨٦.
(١٤) تفسيره ص٩٣٠.
(١٥) التحرير والتنوير ٣٠/٤٣٠.
هذا وقد ضعفَ الشوكاني هذه الأقوال، وقال :" كل هذا فيه من التكلف والتعسف ما لا يخفى على منصف "، ورجح التوكيد كما سبق(١).
هذا ولم يترجح عندي قول من الأقوال، لاحتمال اللفظ لها، ولعدم ورود شيء عن السلف فيها، لكنْ القول بالتوكيد غير وجيه ما دام أن هناك معانياً يمكن أن تحمل عليها. والله أعلم.
سورة الكافرون : الآية ٢
قال تعالى :.
اختار شيخ الإسلام أن هي لما لا يعلم، ولصفات من يعلم، فهي للجنس العام، وعلى هذا تشمل كل ما عبد من دون الله.
قال – رحمه الله – عند هذه الآية :"جاء الخطاب فيها بـ ولم تجيء بـ( مَنْ ) فقيل : لم يقل :( لا أعبد من تعبدون ) لأن ( مَن ) لمن يعلم والأصنام لا تعلم، [ وهذا القول ضعيف جدا ] فإن معبود المشركين يدخل فيه من يعلم كالملائكة والأنبياء والجن والإنس ومن لم يعلم، وعند الاجتماع تغلب صيغة أولي العلم ؛ كما في قوله :(٢)، فإذا أخبر عنهم بحال من يعلم عبر عنهم بعبادته كما في قوله : الآية(٣) فعبر عنهم بضمير الجمع المذكر وهو لأولي العلم، وأما ما لا يعلم فجمعه مؤنث كما تقول :( الأموال جمعتها والحجارة قذفتها )، فـ( ما ) هي لما لا يعلم ولصفات من يعلم، ولهذا تكون للجنس العام ؛ لأن شمول الجنس لما تحته هو باعتبار صفاته كما قال :(٤)، أي : الذي طاب والطيب من النساء، فلما قصد الإخبار عن الموصوف بالطيب، وقصد هذه الصفة دون مجرد العين عبر بـ، ولو عبر بـ( من ) كان المقصود مجرد العين والصفة للتعريف حتى لو فقدت لكانت غير مقصودة ؛ كما إذا قلت :( جاءني من يعرف، ومن كان أمس في المسجد، ومن فعل كذا ) ونحو ذلك.
فالمقصود الإخبار عن عينه والصلة للتعريف وإن كانت تلك الصفة قد ذهبت... ".
(٢) سورة النور : الآية ٤٥.
(٣) سورة الأعراف : الآيتان ١٩٤ – ١٩٥.
(٤) سورة النساء : الآية ٣.
البرزالي = القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد بن أبي يدّاس
البزار = أحمد بن عمرو بن عبد الخالق
أبو بشر = جعفر بن أبي وحشية
ابن بطوطة = محمد بن عبد الله اللواتي المغربي
البغوي = الحسين بن مسعود بن محمد الفراء
البقاعي = إبراهيم بن عمر بن حسن الرُّباط
أبو بكر بن الطيب = محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر البصري المالكي
البيضاوي = عبد الله بن عمر بن محمد
ابن بطة = عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري
البيهقي = أحمد بن الحسين بن علي
(ث)
ثعلب = أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني
الثعلبي = أحمد بن محمد بن إبراهيم
(ج)
جابر بن زيد الأزدي الجوفي البصري... ١٥٨
ابن جريج = عبد الملك بن عبد العزيز
ابن جزي = محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن جزي الكلبي
جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط... ٢٠٣
جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري البصري الواسطي... ١٣٥
أبو جعفر الباقر = محمد بن علي بن الحسين بن علي العلوي الفاطمي المدني
جمال الدين بن محمد بن سعيد القاسمي... ٩٢
(ح)
أبو حازم = سلمة بن دينار المخزومي
الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي... ٤٧٣
الحسين بن مسعود بن محمد الفراء البغوي... ٩٢
ابن حزم = علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري
حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي... ٣٧٣
حماد بن مالك بن بسطام بن درهم الأشجعي الكوفي... ٣٢٩
حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي... ٦٩٨
أبو حنيفة = أحمد بن داود الدَّينوري الحنفي النحوي
ابن حيان = محمد بن يوسف
(خ)
خالد بن كثير الهمداني الكوفي... ١٦٦
ابن خزيمة = محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي
الخطابي = حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي
الخلال = أحمد بن محمد بن هارون
(د)
الدارقطني = علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي
الدامغاني = محمد بن علي بن محمد بن حسن بن عبد الملك بن عبد الوهاب
(ر)
الربيع بن أنس بن زياد البكري الخراساني المروزي... ١٦٣
الرازي = محمد بن عمر