وكان من أولئك الأئمة الكبار، والأعلام الأخيار، العلاّمةُ الحافظ، المجتهد، العابد، الزاهد، ناصر السنة، وقامع البدعة، شيخُ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني رحمه الله تعالى، فقد كان – قدس الله روحه – متبحَّراً في جميع علوم الشريعة، لا سيما التفسير، فقد بَرَع فيه، وتَمَيَّزَ، وفتح الله عليه فيه فتحاً عظيماً.
يقول عنه تلميذه الإمام الذهبي - رحمه الله - :" وأما التفسير فمسلَّم إليه، وله من استحضار الآيات وقتَ إقامة الدليل بها على المسألة قوة عجيبة، وإذا رآه المقرئ تَحَيَّر فيه، ولِفَرْطِ إمامته في التفسير وعِظم اطَّلاعه يبين خطأ كثير من أقوال المفسرين ويُوهي أقوالاً عديدة، وينصر قولاً واحداًَ موافقاً لما دل عليه القرآن والحديث " (١).
ويقول عنه تلميذه عَلَمُ الدين البِرْزَالي :" وكان إذا ذكرَ التفسير أبهت الناس من كثرة محفوظه، وحسن إيراده، وإعطائه كلَّ قول ما يستحقه من الترجيح، والتضعيف والإبطال... " (٢).
ولذلك اخترت أن يكون موضوعي لنيل درجة الدكتوراه ( جمع ودراسة اختيارات ابن تيمية وترجيحاته في التفسير من أول سورة الكهف إلى آخر القرآن الكريم ).
أهمية الموضوع وأسباب اختياره :
الموضوع له أهمية كبيرة، وذلك لكثرة الخلاف الوارد عن السلف في التفسير، وحاجة القارئ إلى معرفة الراجح من أقوالهم.
وشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – له عناية فائقة بالترجيح بين الأقوال وتصحيح الصحيح منها، وتضعيف الضعيف، وبيان المشكل بالأدلة والبراهين القوية، وتقدم قول تلميذه في منْزلته فيه، ويأتي مزيد بيان لذلك – إن شاء الله -.
(٢) العقود الدرية ص١٣، وهناك نصوص أخرى في بيان مكانته – رحمه الله – في التفسير، يأتي إيرادها في خصائص تفسيره.
والثاني : أنه تعالى أورد ذلك مورد الزجر ليُعلم أن سائر ما يقدمون عليه وما يستحقون به المجازاة معلوم لله – تعالى -(١).
والراجح - واللَّه تعالى أعلم - أنه لا مانع من إعادة الضمير على المذكورَين : لفظ الجلالة، وقوله تعالى : لأنه يمكن عوده إليهما ولا مانع من حمله عليهما(٢).
قال ابن القيم :" وقد اختلف في تفسير الضمير في، فقيل : هو الله
- سبحانه - أي : ولا يحيطون باللَّه علماً، وقيل : هو ما بين أيديهم وما خلفهم، فعلى الأول يرجع إلى العالِم، وعلى الثاني يرجع إلى المعلوم، وهذا القول يستلزم الأول من غير عكس ؛ لأنهم إذا لم يحيطوا ببعض معلوماته المتعلقة بهم فأن لا يحيطوا علماً به
سبحانه أولى " (٣).
(٢) انظر : قواعد التفسير للسبت ١/٤٠٠.
(٣) الصواعق المرسلة ٤/١٣٧٢، وانظر : الوسيط للواحدي ٣/٢٢٢.
وإثبات ( مِن ) بمعنى ( بدل ) معروف في لغة العرب، وعلى ذلك شواهد في القرآن وكلام العرب.
قال تعالى :(١)، أي : بدلها، وقال الشاعر :
جارية لم تلبس المرقَّقَا | ولم تذق من البقول الفُستقا(٢) |
وقول شيخ الإسلام عن القول الأول إنه قول عامة المفسرين غير متوجه.
سورة الأنبياء : الآية ٩١
قال تعالى :(٣).
رجح الشيخ - رحمه اللَّه - أن المراد بقوله : هو الفرج المعروف الذي هو موضع الولد.
قال - رحمه اللَّه - عند هذه الآية :" وذكر أبو الفرج وغيره قولين : هل كانت النفخة في جيب الدرع(٤) ؟ أو في الفرج ؟. فإن من قال بالأول قال : في فرج درعها.
وإن من قال : هو مخرج الولد قال : الهاء كناية عن غير مذكور ؛ لأنه إنما نفخ في درعها، لا في فرجها، وهذا ليس بشيء ؛ بل هو عدول عن صريح القرآن، وهذا النقل إن كان ثابتاً لم يناقض القرآن، وإن لم يكن ثابتاً لم يلتفت إليه، فإن من نقل أن جبريل نفخ في جيب الدرع، فمراده أنه - ﷺ - لم يكشف بدنها، وكذلك جبريل كان إذا أتى النبي - ﷺ -، وعائشة متجردة، لم ينظر إليها متجردة، فنفخ في جيب الدرع فوصلت النفخة إلى فرجها.
(٢) البيت لأبي نخيلة. انظر : مغني اللبيب ١/٣٥١.
(٣) سورة الأنبياء : ٩١.
(٤) قال الواحدي :" معنى الفرج في اللغة : كل فرجة بين شيئين، وموضع جيب درع المرأة مشقوق وهو فرج ". تفسير الواحدي ٣/٢٥٠.
فإن المقصود هنا أن نفي الضر والنفع عمن سواه عام لا يجب أن يخص هذا بمن عبده وهذا بمن لم يعبده ; وإن كان هذا التخصيص حقاً باعتبار صحيح، وجواب من أجاب بأن معناه لا يضر ترك عبادته وضره بعبادته أقرب من نفعه، مبني على هذا التخصيص، وإذا كان كذلك فنقول : المنفي قدرة من سواه على الضر والنفع.
وأما قوله : فنقول أولاً : المنفي هو فعلهم بقوله : والمثبت اسم مضاف إليه فإنه لم يقل : يضر أعظم مما ينفع ; بل قال : والشيء يضاف إلى الشيء بأدنى ملابسة فلا يجب أن يكون الضر والنفع المضافين من باب إضافة المصدر إلى الفاعل، بل قد يضاف المصدر من جهة كونه اسماً كما تضاف سائر الأسماء، وقد يضاف إلى محله وزمانه ومكانه وسبب حدوثه وإن لم يكن فاعلا كقوله :(١) ولا ريب أن بين المعبود من دون الله وبين ضرر عابديه تعلق يقتضي الإضافة ؛ كأنه قيل : لمن شره أقرب من خيره وخسارته أقرب من ربحه ; فتدبر هذا.
ولو جُعل هو فاعل الضر بهذا لأنه سبب فيه، لا لأنه هو الذي فعل الضرر، وهذا كقول الخليل عن الأصنام :(٢) فنسب الإضلال إليهن والإضلال هو ضرر لمن أضللنه وكذلك قوله :(٣) وهذا كما يقال : أهلك الناس الدرهم والدينار، وأهلك النساء الأحمران الذهب والحرير ; وكما يقال للمحبوب المعشوق الذي تضر محبته وعشقه : إنه عذب هذا وأهلكه وأفسده وقتله وعثره ; وإن كان ذاك المحبوب قد لا يكون شاعراً بحال هذا ألبتة، وكذلك يقال في المحسود إنه يعذب حاسديه وإن كان لا شعور له بهم.
(٢) سورة إبراهيم : الآية ٣٦.
(٣) سورة هود : الآية ١٠١.
وقال – رحمه الله – بعد أن قرر أن الزانية لا تحل حتى تتوب :" والذين لم يعملوا بهذه الآية ذكروا لها تأويلاً ونسخاً، أما التأويل : فقالوا : المراد بالنكاح الوطء، وهذا مما يظهر فساده بأدنى تأمُّل.
أما أولاً : فليس في القرآن لفظ نكاح إلا ولا بد أن يراد به العقد وإن دخل فيه الوطء أيضا، فأما أن يراد به مجرد الوطء فهذا لا يوجد في كتاب الله قط.
وثانيها : أن سبب نزول الآية إنما هو استفتاء النبي - ﷺ - في التزوج بزانية فكيف يكون سبب النُّزول خارجاً من اللفظ.
الثالث : أن قول القائل : الزاني لا يطأ إلا زانية أو الزانية لا يطؤها إلا زان ; كقوله : الآكل لا يأكل إلا مأكولاً والمأكول لا يأكله إلا آكل، والزوج لا يتزوج إلا بزوجة والزوجة لا يتزوجها إلا زوج ; وهذا كلام يُنَزَّه عنه كلام الله.
الرابع : أن الزاني قد يستكره امرأة فيطؤها فيكون زانياً ولا تكون زانية وكذلك المرأة قد تزني بنائم ومكره على أحد القولين ولا يكون زانياً.
الخامس : أن تحريم الزنا قد علمه المسلمون بآيات نزلت بمكة، وتحريمه أشهر من أن تنَزل هذه الآية بتحريمه.
السادس : قال : فلو أريد الوطء لم يكن حاجة إلى ذكر المشرك فإنه زان، وكذلك المشركة إذا زنى بها رجل فهي زانية فلا حاجة إلى التقسيم.
السابع : أنه قد قال قبل ذلك :
(١) فأي حاجة إلى أن يذكر تحريم الزنا بعد. وأما النسخ فقال سعيد بن
المسيِّب وطائفة : نسخها قوله :(٢)... وقول من قال : هي منسوخة بقوله : في غاية الضعف ; فإن كونها زانية وصف عارض لها يوجب تحريماً عارضاً : مثل كونها محرمة ومعتدة ومنكوحة للغير ; ونحو ذلك مما يوجب التحريم إلى غاية، ولو قدر أنها محرمة على التأبيد لكانت كالوثنية.
(٢) سورة النور : الآية ٣٢.
مسألة في النهي عن حضور أعياد المشركين :
روى أبو الشيخ الأصبهاني(١) بإسناده في شروط أهل الذمة عن الضحاك في قوله تعالى : قال : عيد المشركين.
وبإسناده عن أبي سنان(٢) عن الضحاك : قال : أعياد المشركين. وروى بإسناده عن عمرو بن مرة(٣) : لا يمالئون أهل الشرك على شركهم ولا يخالطونهم... وقول هؤلاء التابعين : إنه أعياد الكفار ليس مخالفاً لقول بعضهم : إنه الشرك، أو صنم كان في الجاهلية، ولقول بعضهم : إنه مجلس الخنا، وقول بعضهم : إنه الغناء ؛ لأن عادة السلف في تفسيرهم هكذا ؛ يذكر الرجل نوعاً من أنواع المسمى لحاجة المستمع إليه، أو لينبه به على الجنس... لكن قد قال قوم : إن المراد : شهادة الزور وهذا فيه نظر فإنه تعالى قال : ولم يقل : يشهدون بالزور.
والعرب تقول شهدت كذا إذا حضرته... ، وأما شهدت بكذا فمعناه : أخبرت به.
(٢) هو أبو سنان، سعيد بن سنان البُرجُمي الشيباني، شيخ كوفي سكن الري، وكان يحج كل عام. انظر : سير أعلام النبلاء ٦/٤٠٦، وتهذيب التهذيب ٤/٤٥.
(٣) هو عمرو بن مرة بن عبد الله بن طارق بن الحارث بن سلمة، أبو عبد الله المرادي، الإمام القدوة الحافظ، أحد الأئمة الأعلام، توفي سنة ١١٦هـ، وقيل سنة ١١٨هـ. انظر : سير أعلام النبلاء ٥/١٩٦، وتهذيب التهذيب ٨/١٠٢.
القول الأول : أنه سؤالُ جحد وإنكار للرب - تعالى -، واختاره السمرقندي(١)، وأبو حيان(٢)، وأبو السعود(٣) (٤)، والسعدي(٥)، والشنقيطي(٦)، وغيرهم، واستدل أصحاب هذا القول بأدلة منها :
١ - أن فرعون كان منكراً لوجود الله - تعالى - كما دلت الآيات الكثيرة في القرآن، ومنها قوله تعالى حكاية عنه :
(٧)، وقال :(٨)، وقال :(٩).
والسؤال عن ماهية الشيء إنما يكون بعد الإقرار بوجوده، وتقدم بيان ذلك في كلام شيخ الإسلام.
قال الزمخشري :" والذي يليق بحال فرعون ويدل عليه الكلام أن يكون سؤاله هذا إنكاراً أن يكون للعالمين ربٌ سواه لادعائه الإلهية " (١٠).
وقال ابن كثير :" ومن زعم مِن أهل المنطق وغيرهم أن هذا سؤالٌ عن الماهية فقد غلط ؛ فإنه لم يكن مقراً بالصانع حتى يسأل عن الماهية بل كان جاحداً له بالكلية فيما يظهر " (١١).
٢ - أن فرعون عارف بربوبية الله - تعالى -، ولكنه أنكر ذلك تكبراً وجحوداً(١٢) كما قال تعالى :(١٣) وقال الله - تعالى - :(١٤).
(٢) تفسيره ٧/١٢.
(٣) هو محمد بن محمد بن مصطفى العمادي الحنفي، فقيه، أصولي، مفسر، ولي القضاء في القسطنطينية وغيرها، ثم تولى الإفتاء، من مصنفاته : تفسيره : إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، وتهافت الأمجاد في الفقه الحنفي، توفي عام ٩٨٢هـ في القسطنطينية. انظر : الأعلام ٧/٥٩، ومعجم المؤلفين ١١/٣٠١. [م]
(٤) تفسيره ٦/٢٣٩.
(٥) تفسيره ص٥٩٠.
(٦) تفسيره ٦/٣٧٤.
(٧) سورة القصص : الآية ٣٨.
(٨) سورة النازعات : الآية ٢٤.
(٩) سورة الشعراء : الآية ٢٩.
(١٠) تفسير الزمخشري ٣/١١١.
(١١) تفسير ابن كثير ٣/٣٤٥.
(١٢) انظر : تفسير الشنقيطي ٦/٤٧٣، ٤/٤٥١.
(١٣) سورة الإسراء : الآية ١٠٢.
(١٤) سورة النمل : الآية ١٤.
وقال ابن عطية :" ورث سليمان ملكه ومنْزلته من النبوة، بمعنى صار إليه ذلك بعد موت أبيه " (١).
وقال أبو حيان :" الملك والنبوة... وقيل :
ولاه على بني إسرائيل في حياته من بين سائر أولاده | ، وقيل الملك والسياسة، وقيل النبوة فقط، والأظهر الأول " (٢). |
وُروي عن الحسن أنه قال :" ورث المال والملك، لا النبوة والعلم ؛ لأن النبوة والعلم من فضل الله، لا يكون بالميراث " (٤).
وهذا القول إن صح عن الحسن(٥) فهو ضعيف لوجوه :
١ - أنه مخالف لتفسير السلف، وعامة العلماء ؛ فهو شاذ غير مقبول.
٢ - ما ثبت في السنة من أن الأنبياء لا يورث عنهم المال(٦)، ومن ذلك حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - ﷺ - قال :" لا نورَث ما تركنا صدقة " (٧).
٣ - أن سياق الآيات يدل على خلافه ؛ فقوله تعالى : يدل على النبوة، وقوله : يدل على الملك(٨). وقوله : يدل على أن المال غير داخل في الميراث المذكور في الآية ؛ لأنه يحصل للكامل والناقص، وقوله تعالى في الآية التي بعدها :(٩) يدل على أن المراد النبوة والملك وليس المال(١٠).
(٢) تفسيره ٧/٥٧.
(٣) تفسيره ٣/٣٧٠.
(٤) تفسير السمرقدي ٢/٤٩١، وانظر تفسير أبي حيان ٧/٥٧.
(٥) لم أقف له على سند، وقد قال الألوسي في تفسيره ١٩/١٧١ :" والظاهر أن الرواية عن الحسن غير ثابتة ".
(٦) تفسير ابن كثير ٣/٣٧٠.
(٧) تقدم تخريجه ص٨٩، وانظر : تفسير الشنقيطي ٤/٢٢٧.
(٨) انظر : تفسير أبي حيان ٧/٥٧، والألوسي ١٩/١٧١.
(٩) سورة النمل : الآية ١٧.
(١٠) تفسير الرازي ٢٤/١٦٠، وقال :" فأما إذا قيل ورث المال والمك معاً فهذا يبطل بظاهر قوله - ﷺ - :" نحن معاشر الأنبياء لا نورث ".
القول الثاني : أنه يَثْرون ابن أخي شعيب ؛ قاله أبو عبيدة بن عبدالله بن مسعود(١) (٢)، وبه قال ابن السائب(٣)، وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه : يثْرى صاحب مدين(٤). وقد قيل : إن شعيباً هو المسمى عند اليهود يثرون(٥).
القول الثالث : أنه شعيب النبي - ﷺ -، وقد ورد فيه أثر مرفوع(٦)، وبه قال أنس بن
مالك - رضي الله عنه - (٧)، ووهب(٨)، ومقاتل(٩).
ونسبه الثعلبي لمجاهد والضحاك والسدي والحسن(١٠)، واختاره الزمخشري(١١)، والسمعاني ونسبه لأكثر أهل التفسير(١٢) والواحدي(١٣)، ونسبه ابن عطية للجمهور(١٤).
(٢) أخرجه ابن جرير ١٨/٢٢٣ [ ط التركي ]، وذكره في الدر ٥/٢٣٨، وعزاه لسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) نسبه إليه ابن الجوزي ٦/٩٦، ونسبه الثعلبي ٧/٢٤٤ لابن جبير ووهب.
(٤) أخرجه ابن جرير ١٨/٢٢٣ [ ط التركي ].
(٥) انظر : تفسير الألوسي ٢٠/٦١، وابن عاشور ٢٠/١٠١.
(٦) أخرجه الواحدي في الوسيط ٣/٣٩٧، وهو ضعيف، منكر المتن.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم، كما في الدر المنثور ٥/٢٣٨٨.
(٨) هو وهب بن منبه بن كامل الأبناوي الصنعاني الذماري، أبو عبد الله، مؤرخ، كثير الأخبار عن الكتب القديمة، تابعي، ثقة، أخرج له الستة، ولد بصنعاء سنة ٣٤هـ، وتوفي بها سنة ١١٤هـ. انظر : سير أعلام النبلاء ٤/٥٤٤، وتهذيب التهذيب ١١/١٦٦.
(٩) ذكره عنهما ابن الجوزي ٦/٩٦.
(١٠) تفسير الثعلبي ٧/٢٤٤.
(١١) الكشاف ٣/١٦٢.
(١٢) تفسيره ٤/١٣٢ – ١٣٣.
(١٣) الوسيط ٣/٣٩٦.
(١٤) تفسير ابن عطية ١٢/١٥٩.
والصلاة ذكر الله، لكنها ذكر على أكمل الوجوه، فكيف يفضل ذكرُ الله المطلق أفضل أنواعه ؟ ومثال ذلك قوله - ﷺ - :" عليكم بقيام الليل فإنه قربة إلى ربكم ؛ ودأب الصالحين قلبكم ومنهاة عن الإثم ؛ ومكفرة للسيئات ومَطْرَدة لداعي الحسد " (١)، فبين ما فيه من المصلحة بالقرب إلى الله، وموافقة الصالحين ومن دفع المفسدة بالنهي عن المستقبل من السيئات، والتكفير للماضي منها وهو نظير هذه الآية " (٢).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى : على أقوال كثيرة :
القول الأول : أن المعنى : ولذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه ؛ وبه قال ابن مسعود، وابن عباس، وسلمان الفارسي، وأبو الدرداء - رضي الله عنهم -، ومجاهد، وعكرمة، وعطية(٣)، وأبو قرة(٤)، وشعبة(٥)، والحسن(٦).
(٢) مجموع الفتاوى ٢٠/١٩٣، وانظر : ١٠/١٨٨ و١٥/٣٤٤، والفتاوى الكبري ٢/١٨، ٣٨٣.
(٣) هو عطية بن سعد بن جُنَادة العوفي الجَدَلي القيسي الكوفي، صدوق يخطئ كثيراً، توفي بالكوفة سنة ١١١هـ. انظر : تهذيب التهذيب ٧/٢٢٤، والتقريب ص٣٩٣.
(٤) هو موسى بن طارق اليماني الزبيدي، عالم بالسنن والآثار، قاضي زبيد، له كتاب السنن، توفي سنة ٢٠٣هـ. انظر : سير أعلام النبلاء ٩/٣٤٦، وتهذيب التهذيب ١٠/٣٤٩.
(٥) أخرجه عنهم ابن جرير ١٠/١٤٨، وأخرجه عن ابن عباس، ومجاهد ؛ ابن أبي حاتم ٩/٣٠٦٨.
(٦) ذكره السيوطي في الدر المنثور ٥/٢٨٠ وعزاه إلى عبد بن حميد.
واختار ابن تيمية كما تقدم أن معناه الخبر أي : لا أحد يستطيع تبديل دين الله فيجعل المخلوق على غير ما فطره الله عليه، واختاره السعدي أيضاً(١).
والراجح - والله تعالى أعلم - ما ذهب إليه شيخ الإسلام من أن معنى الآية الخبر ؛ لأن ظاهر الآية وسياقها يدل على هذا حيث أمر - سبحانه وتعالى - بلزوم الدين الذي فطر الناس عليه، وهو دين الإسلام والثبات عليه، ثم بيّن أنه لا أحد يستطيع أن يغير هذه الفطرة التي يولد الناس عليها.
المسألة الثانية : معنى قوله تعالى : اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى : على قولين :
الأول : أن المعنى لا تبديل لدين الله.
والثاني : إخصاء البهائم، وقد اختار شيخ الإسلام أن لفظ الآية يدل على المعنيين.
قال ابن جرير مبيِّناً معنى الآية :" إنما يريد الله ليذهب عنكم السوء والفحشاء يا أهل بيت محمد ويطهِّركم من الدَّنس الذي يكون في أهل معاصي الله تطهيراً " (١).
واختلف المفسرون في المراد بأهل البيت في الآية على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن المراد بهم رسول الله - ﷺ - وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضوان الله عليهم، ونسبه ابن عطية للجمهور(٢)، و من أدلة هذا القول :
حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - ﷺ - :" نزلت هذه الآية في خمسة : فيَّ، وفي علي - رضي الله عنه -، وحسن - رضي الله عنه - وفاطمة رضي الله عنها :" (٣).
وحديث عائشة رضي الله عنها، قال :" خرج النبي - ﷺ - غداة وعليه مِرط مرحَّل(٤)، من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين، فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال :" (٥).
(٢) تفسيره ١٣/٧٢.
(٣) أخرجه ابن جرير ١٩/١٠٢ ط التركي، وابن أبي حاتم كما في الدر ٥/٣٧٧، وأخرجه الطبراني في الأوسط ٤/٨٨ موقوفاً على أبي سعيد، وضعّفه الهيثمي في المجمع ٧/٩١، وانظر : الألوسي ٢١/١٥، ١٧.
(٤) المِرْط : كساء، وجمعه مروط، والمرحَّل : المُوشَّى المنقوش عليه صور رحال الإبل. النهاية ٤/٣١٥ – ٣١٩.
(٥) أخرجه مسلم ٤/١٨٨٣ ح٢٤٢٤، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بيت النبي - ﷺ -، وأبو داود ح٤٠٣٢، وابن جرير ١٩/١٠٢ [ ط التركي ]، وابن أبي حاتم كما في الدر ٥/٣٧٧.
ونظير هذا ما في الترمذي وغيره عن النبي - ﷺ - :" أن آدم لما طلب من الله أن يريه صورة الأنبياء من ذريته فأراه إياهم فرأى فيهم رجلاً له بصيص فقال من هذا يا رب ؟ فقال : ابنك داود. قال : فكم عمره ؟ قال : أربعون سنة. قال : وكم عمري ؟ قال : ألف سنة. قال : فقد وهبت له من عمري ستين سنة، فَكُتب عليه كتابٌ وشهدت عليه الملائكة فلما حضرته الوفاة قال : قد بقي من عمري ستون سنة. قالوا : وهبتها لابنك داود. فأنكر ذلك، فأخرجوا الكتاب، قال النبي - ﷺ - : فنسي آدم فنسيت ذريته، وجحد آدم فجحدت ذريته " (١)، وروي أنه كمَّل لآدم عمره ولداود عمره.
فهذا داود كان عمره المكتوب أربعين سنة ثم جعله ستين، وهذا معنى ما روي عن عمر أنه قال : اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحني واكتبني سعيداً فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، والله سبحانه عالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، فهو يعلم ما كتبه له وما يزيده إياه بعد ذلك، والملائكة لا علم لهم إلا ما علمهم الله، والله يعلم الأشياء قبل كونها وبعد كونها.
فلهذا قال العلماء : إن المحو والإثبات في صحف الملائكة، وأما علم الله سبحانه فلا يختلف ولا يبدو له ما لم يكن عالماً به، فلا محو فيه ولا إثبات.
وأما اللوح المحفوظ فهل فيه محو وإثبات على قولين، والله سبحانه وتعالى أعلم " (٢).
الدراسة :
اختلف المفسرون في مرجع الضمير في قوله تعالى : على قولين :
(٢) مجموع الفتاوى ١٤/٤٩٠.
ثم ذكر – رحمه الله – عن ابن إسحاق والربيع بن أنس ما يؤيد هذا القول الذي اختاره، ثم قال :" وهذا القول هو الصواب، وأن هؤلاء المرسلين كانوا رسلاً لله قبل المسيح، وأنهم كانوا قد أرسلوا إلى أنطاكية وآمن بهم حبيب النجار فهم كانوا قبل المسيح، ولم تؤمن أهل المدينة بالرسل، بل أهلكم الله تعالى كما أخبر في القرآن ثم بعد ذلك عمرت أنطاكية، وكان أهلها مشركين حتى جاءهم من جاءهم من الحواريين فآمنوا بالمسيح على أيديهم، ودخلوا في دين المسيح.
ويقال : إن أنطاكية أول المدائن الكبار الذين آمنوا بالمسيح - عليه السلام -، وذلك بعد رفعه إلى السماء، ولكن ظن من ظن من المفسرين أن المذكورين في القرآن هم رسل المسيح، وهم من الحواريين وهذا غلط لوجوه :
منها : أن الله قد ذكر في كتابه أنه أهلك الذين جاءتهم الرسل، وأهل أنطاكية لما جاءهم من دعاهم إلى دين المسيح آمنوا ولم يهلكوا.
ومنها : أن الرسل في القرآن ثلاثة، وجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى، والذين جاؤوا من أتباع المسيح كانوا اثنين، ولم يأتهم رجل يسعى، لا حبيب ولا غيره.
ومنها : أن هؤلاء جاؤوا بعد المسيح فلم يكن الله أرسلهم، وهذا كما أن الله ذكر في القرآن أن الله أهلك أهل مدين بالظلة لما جاءهم شعيب، وذكر أن موسى أتاها وتزوج ببنت واحد منها فظن بعض الناس أنه شعيب النبي، وهذا غلط عند علماء المسلمين مثل ابن عباس، والحسن البصري، وابن جريج وغيرهم كلهم ذكروا أن الذي صاهره موسى ليس هو شعيباً النبي، وحكى أنه شعيب عمَّن لا يعرف من العلماء ولم يثبت عن أحد من الصحابة والتابعين، كما بسطناه في موضعه.
وأهل الكتاب يقرون بأن الذي صاهره موسى ليس هو شعيباً بل رجل من أهل مدين، ومنهم من يقول : إنها غير مدين التي أهلك الله أهلها، والله أعلم.
وكذلك ذكر المفسرون في المرسلين هل أرسلهم الله، أو أرسلهم المسيح ؟ قولين :
أحدهما : أن الله هو الذي أرسلهم.
الدراسة :
اختلف المفسرون في معنى في قوله تعالى : على أقوال :
القول الأول : أنها موصولة بمعنى الذي، والتقدير : وخلق الذي تعملونه(١)، والمراد بالعمل هنا : التصوير والنحت، وهو قول جمهور المفسرين، واختاره السمرقندي(٢)، والواحدي(٣)، والزمخشري(٤)، وشيخ الإسلام - كما تقدم -، وأبو حيان(٥)، وابن القيم(٦)، والسمين الحلبي(٧)، وابن الوزير(٨) (٩)، والشوكاني(١٠)، والألوسي(١١).
واستدل أصحاب هذا القول بأدلة منها :
١ – أن سياق الآية يدل عليه، حيث سِيَقَت الآية للاحتجاج على بطلان عبادة الأصنام المنحوتة، ولو كان المراد : والله خلقكم وعملكم(١٢)، لم يكن في ذلك حجة على بطلان عبادة الأصنام، بل هو إلى العذر أقرب(١٣).
٢ - أن السياق أيضاً يدل عليه وذلك من جهة أخرى، فإن في قوله تعالى : بمعنى : الذي، أي : الذي تنحتون، فينبغي أن تكون الأخرى موافقة لها(١٤).
(٢) تفسيره ٣/١١٨.
(٣) الوسيط ٣/٥٢٨.
(٤) تفسيره ٣/٣٠٥.
(٥) تفسيره ٧/٣٥٢.
(٦) بدائع الفوائد ١/١٩٤ وما بعدها.
(٧) الدر المصون ٩/٣٢١.
(٨) هو محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضي الصنعاني، المعروف بابن الوزير، محدث، فقيه، زاهد، من مؤلفاته : إيثار الحق على الخلق، والعواصم من القواصم، توفي في صنعاء عام ٨٤٠، انظر البدر الطالع ٢/٨١، ومعجم المؤلفين ٨/٢١٠.
(٩) إيثار الحق على الخلق ص٣١٨ وما بعدها.
(١٠) فتح القدير ٤/٥٦٥.
(١١) تفسيره ٢٣/١٢٦.
(١٢) أي : على القول بأنها مصدرية.
(١٣) انظر : منهاج السنة ٦/٢٦٠، ٣٣٦، وبدائع الفوائد ١/١٢٢، ١٤٨، والعواصم من القواصم لابن الوزير ٩/١١١.
(١٤) انظر : تفسير الزمخشري ٣/٣٠٥، وأبي حيان ٧/٣٥٢، والدر المصون ٩/٣٢، والعواصم من القواصم ٩/١١٢.
الوجه الثالث : أن الله – تعالى – في كتابه إنما حَمِدَ استماع القرآن، وذم المعرضين عن استماعه وجعلهم أهل الكفر والجهل.
الوجه الرابع : أنهم لا يستحسنون استماع كل قول منظوم ومنثور، بل هم أعظم الناس كراهةً ونفرةً لما لا يحبونه من الأقوال منظومها ومنثورها.
الوجه الخامس : أنه مدحهم باستماع القول، واتِّباع أحسنه، ومعلوم أن كثيراً من القول ليس فيه حسن، فضلاً عن أن يكون فيه أحسن... " (١).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بالقول المذكور في الآية على أقوال :
القول الأول : أنه القرآن ؛ قاله الضحاك(٢)، واختاره النحاس(٣)، والواحدي(٤)،
والبغوي(٥)، وشيخ الإسلام كما تقدم، وابن القيم(٦)، ورجحه بالوجوه التي ذكرها شيخ الإسلام، ونسبه ابن الجوزي للجمهور(٧).
القول الثاني : أنه جميعُ الكلام، واختاره ابن جرير وقال :" يقول – جل ثناؤه – لنبيه محمد - ﷺ - :" فبشِّر يا محمد عبادي الذين يستمعون القول من القائلين، فيتبعون أرشده وأهداه، وأدلَّه على توحيد الله، والعمل بطاعته، ويتركون ما سوى ذلك من القول الذي لا يدل على رشاد، ولا يهدي إلى سداد " (٨).
واختاره أيضا ابن عطية وقال :" كلام عام في جميع الأقوال، وإنما القصد الثناء على هؤلاء ببصائر هي لهم، وقوامٍ في نظرهم حتى إنهم إذا سمعوا قولاً ميزوه، واتبعوا أحسنه " (٩).
(٢) نسبه إليه النحاس في المعاني ٦/١٦٢.
(٣) معاني القرآن ٦/١٦٣.
(٤) تفسيره الوسيط ٣/٥٧٥.
(٥) تفسيره ٤/٧٥.
(٦) والسماع ص٢٣٤.
(٧) زاد المسير ٧/١٠.
(٨) تفسيره ١٠/٦٢٥.
(٩) تفسيره ١٤/٧٢.
وأن المراد بالإحياءة الأولى هي نفخ الروح فيهم في هذه الحياة الدنيا، والإحياءة الثانية هي البعث من القبور يوم القيامة، وأن هذه الآية بمعنى آية البقرة : ؛ وبه قال وابن مسعود(١)، وابن عباس(٢) - رضي الله عنهم -، والضحاك، وأبومالك(٣)، وقتادة ؛ حيث قال :" كانوا أمواتاً في أصلاب آبائهم فأحياهم الله في الدنيا، ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة، فهما حياتان وموتتان " (٤).
قال ابن عباس – رضي الله عنهما - :" كنتم أمواتاً قبل أن يخلقكم فهذه ميتة، ثم أحياكم فهذه حياة، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى، ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة، فهما ميتتان وحياتان، فهو كقوله :" (٥).
وهو قول عامة المفسرين، وممن اختاره الزجاج(٦)، وابن جرير(٧)،
والواحدي(٨)، وابن عطية(٩)، وشيخ الإسلام كما تقدم، وأبوحيان(١٠)،
وابن القيم(١١)، وابن كثير، وقال :" وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية " (١٢)، والشنقيطي وقال :" إنه التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه " (١٣).
(٢) أخرجه ابن جرير ٢٠/٢٩١ [ ط التركي ]، وابن أبي حاتم ١٠/٣٢٦٥.
(٣) أخرجه عنهما ابن جرير ٢٠/٢٩٠ – ٢٩١ [ ط التركي ].
(٤) أخرجه ابن جرير ٢٠/٢٩٠ [ ط التركي ]، وانظر : الدر المنثور ٥/٦٥٠.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم ١٠/٣٢٦٥.
(٦) معاني القرآن وإعرابه ٤/٣٦٨.
(٧) حيث أحال على آية البقرة، ورجح هناك ١/٤٥٠ [ ط التركي ] هذا القول.
(٨) الوسيط ٤/٦.
(٩) تفسيره ١٤/١١٩.
(١٠) تفسيره ٧/٤٥٣.
(١١) كتاب الروح ص٤٦.
(١٢) تفسيره ٤/٧٩.
(١٣) تفسيره ٧/٧٢.
اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى : ، وقد ذكر فيها ابن الجوزي خمسة أقوال ؛ هي ما ذكرها شيخ الإسلام في كلامه المتقدم، ومن المفسرين من جعلها قولين كابن جرير، وابن كثير، والشنقيطي ؛ الأول : زكاة المال، والثاني : زكاة البدن بالتوحيد والطاعة.
القول الأول : لا يشهدون ألا إله إلا الله ؛ ورُوي عن ابن عباس(١)، وعكرمة(٢)، قال ابن الجوزي :" والمعنى لا يطهرون أنفسهم من الشرك بالتوحيد " (٣).
ومن أدلة هذا القول ما ذكره شيخ الإسلام وغيره من أن هذه السورة مكية، والزكاة لم تفرض إلا في المدينة.
قال ابن عطية :" ويرجح هذا التأويل أن الآية من أول المكي، وزكاة المال إنما نزلت بالمدينة، وإنما هذه زكاة القلب والبدن ؛ أي بتطهيره من الشرك والمعاصي " (٤).
وأجيب عن هذا بأن الزكاة كانت مفروضة بمكة على الجملة، ثم بينت أنصبتها ومقاديرها بعد الهجرة إلى المدينة(٥).
(٢) أخرجه ابن جرير ٢٠/٣٧٩ [ ط التركي ]، وانظر : الدر ٥/٣٧٦.
(٣) وذكر النحاس في إعراب القرآن ٤/٤٨ عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه قال :" التوحيد لله عز وجل ".
(٤) تفسير ابن عطية ١٤/١٦٤، وانظر : تفسير الشنقيطي ٧/١١٤.
(٥) وقد ورد ذكر الزكاة في سور مكية كما في سورة المزمل : ، وكذا في البينة، وفي الأنعام
، وانظر : تفسير الشنقيطي ٢/١٨٩.
القول الأول : أن المراد به العدل ؛ وبه قال ابن عباس – رضي الله عنهما -(١)، ومجاهد(٢)، وقتادة(٣).
واختاره عامة المفسرين(٤)، وممن اختاره ابن جرير(٥)، والزجاج(٦)، والنحاس(٧)، والثعلبي(٨)، والواحدي(٩)، والزمخشري(١٠)، وابن عطية(١١)، وابن كثير(١٢)، والقاسمي(١٣)، والشنقيطي(١٤)، وابن عاشور(١٥).
وسُمِّي العدل ميزاناً ؛ لأن الميزان آلةُ الإنصاف والعدل(١٦).
هذا ويرى ابن كثير(١٧) أن هذه الآية بمعنى آية الحديد :(١٨)، وآية
الرحمن :(١٩).
وأما الشنقيطي فيرى أن الميزان في آية الرحمن الميزان المعروف آلة الوزن(٢٠).
قال الزمخشري :" ومعنى إنزاله العدلَ : أنه أنزله في كتبه المنَزَّلة " (٢١).
وقال ابن الجوزي :" ومعنى إنزاله : إلهام الخلق أن يعملوا به، وأمر الله إياهم بالإنصاف " (٢٢).
(٢) أخرجه ابن جرير ٢٠/٤٩٠ [ ط التركي ]، وعزاه في الدر ٥/٦٩٧ أيضاً لعبد بن حميد، وابن المنذر.
(٣) أخرجه عبد الرزاق ٢/١٩١، وابن جرير ٢٠/٤٩٠ [ ط التركي ].
(٤) نسبه الثعلبي ٨/٣٠٧، والقرطبي ١٦/٢١ لأكثر المفسرين، ونسبه ابن الجوزي ٧/٧٧ للجمهور.
(٥) تفسيره ٢٠/٤٨٩ [ ط التركي ].
(٦) معاني القرآن وإعرابه ٤/٣٩٦.
(٧) معاني القرآن ٦/٣٠٤.
(٨) تفسيره ٨/٣٠٧.
(٩) تفسيره الوسيط ٤/٤٨.
(١٠) تفسيره ٣/٤٠١.
(١١) تفسيره ١٤/٢١٣.
(١٢) تفسيره ٣/١١٩.
(١٣) تفسيره ١٤/٢٣٥.
(١٤) تفسيره ٧/١٨٣.
(١٥) تفسيره ٢٥/٦٨.
(١٦) انظر : تفسير ابن الجوزي ٧/٧٧، وتفسير القرطبي ١٦/١٢.
(١٧) تفسيره ٣/١١٩.
(١٨) سورة الحديد : الآية ٢٥.
(١٩) سورة الرحمن : الآية ٧ – ٩.
(٢٠) تفسيره ٧/١٨٣.
(٢١) تفسيره ٣/٤٠١، وانظر : تفسير ابن جزي ٢/٣٠٠.
(٢٢) تفسيره ٧/٧٧.
القول الأول : أن معنى في الآية ( ولداً )، والمراد بذلك قولهم للملائكة : بنات الله، تعالى الله عن ذلك ؛ وبه قال مجاهد والسدي(١)، وقال أبوعبيدة :
" : نصيباً " (٢)، واختار هذا القول ابن جرير(٣)، والسمرقندي(٤)، والنحاس والزمخشري كما سيأتي.
قال النحاس :" وقال عطاء : نصيباً وشركاً، وهذا أبْيَن كما يقال : هذا جزء فلان، وقيل لهم هذا لأنهم جعلوا الملائكة بنات الله، وهذا قول مجاهد " (٥).
وقال الزمخشري :" قالوا : الملائكة بنات الله، فجعلوهم جزءاً له وبعضاً منه، كما يكون الولد بضعة من والده وجزءاً له " (٦).
القول الثاني : أن معنى عدلاً ونظيراً ؛ وبه قال قتادة(٧)، ومقاتل(٨).
قال ابن عطية :" وقال قتادة : والمراد بالجزء : الأصنام وفرعون وغيره ممن عبد من دون الله، أي : جزءاً نداً، فعلى هذا التأويل فتعقيب الكفرة في فصلين في أمر الأصنام،
وفي أمر الملائكة، وعلى هذا التأويل الأول فالآية كلها في أمر الملائكة " (٩).
القول الثالث : أن معنى إناثاً.
قال الزجاج :" وقد أنشد بعض أهل اللغة بيتاً يدل على أن معنى جزء الإناث، ولا أدري البيت قديم أم مصنوع، أنشدني :
(٢) مجاز القرآن ٢/٢٠.
(٣) تفسيره ٢٠/٥٦١ [ ط التركي ].
(٤) تفسيره ٣/٢٠٤.
(٥) معاني القرآن للنحاس ٦/٣٤٢.
(٦) الكشاف ٣/٤١٣، وانظر : الألوسي ٢٥/٦٩، وقال :" ووجه بعضهم ذلك بأن حواء خلقت من جزء آدم - عليه السلام - فاستعير لكل الإناث ".
(٧) أخرجه ابن جرير ٢٠/٥٦١ [ ط التركي ].
(٨) ذكره الثعلبي في تفسيره ٨/٢٣٩.
(٩) تفسيره ١٤/٢٤٦.
وقد أخرج البخاري ومسلم عن عامر بن سعد عن أبيه - رضي الله عنه - قال :" ما سمعت النبي - ﷺ - يقول لأحد يمشي على الأرض : إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام، قال : وفيه نزلت هذه الآية الآية "، قال : لا أدري قال مالك الآية أو في الحديث(١).
وروى عوف بن مالك الأشجعي - رضي الله عنه - أنها نزلت في عبدالله بن سلام حينما أسلم(٢).
- رضي الله عنه -، ومسلم ٤/١٩٣٠ ح٢٤٨٣، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عبدالله بن سلام - رضي الله عنه -، وليس فيه ذكر نزول الآية. قال الحافظ في الفتح ٧/١٦٢ :" قوله :( قال : لا أدري قال مالك الآية أو في الحديث ) أي لا أدري هل قال مالك : إن نزول هذه الآية في هذه القصة من قبل نفسه أو هو بهذا الإسناد ؟ وهذا الشك في ذلك من عبدالله بن يوسف شيخ البخاري، ثم ذكر اختلاف الرواة في إثبات هذه الزيادة أو نفيها، وقال عنها النحاس في إعراب القرآن ٤/١٦١ :" ليس من كلام سعد، وإنما هو من كلام بعض المحدثين ".
(٢) أخرجه أحمد ٦/٢٥، والحاكم ٣/٤١٥، وابن حبان ٩/١٤٧ ح٧١١٨، وابن جرير ١١/٢٨٠، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه السيوطي في الدر المنثور ٦/٦، وقال في مجمع الزوائد :" رجاله رجال الصحيح " ٧/١٠٥، والحديث فيه علة، وهي أن عوف بن مالك - رضي الله عنه - أسلم عام خيبر، وقد ذكر في هذا الحديث أن إسلام عبدالله بن سلام حين قدم النبي - ﷺ - إلى المدينة، انظر : الصحيح المسند من أسباب النُّزول لمقبل الوادعي ص٢١١.
وهؤلاء هم الروم والفرس ونحوهم ؛ فإنه لابد من قتالهم إذا لم يسلموا، وأول الدعوة إلى قتال هؤلاء عام مؤتة وتبوك، وعام تبوك لم يقاتلوا النبي - ﷺ - ولم يسلموا، لكن في زمن الصديق والفاروق كان لابد من أحد الأمرين : إما الإسلام وإما القتال، وبعد القتال أدوا الجزية لم يصالحوا ابتداءً كما صالح المشركون عام الحديبية... ".
ثم قال :" فتبين أن الوصف لا يتناول الذين قاتلوهم بحنين وغيرهم ؛ فإن هؤلاء بأسهم من جنس بأس أمثالهم من العرب الذين قوتلوا قبل ذلك.
فتبين أن الوصف يتناول فارس والروم، الذين أمر الله بقتالهم أو يسلمون، وإذا قوتلوا قبل ذلك فإنهم يقاتلون حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون " (١).
الدراسة :
المقصود بالمخلفين من الأعراب، هم الذين تخلفوا عن رسول الله - ﷺ - في عمرة الحديبية في سنة ٦هـ، واختاروا المقام في أهلهم وأموالهم(٢).
وقوله : أي : شدة في الحرب، وشجاعة مع مكر ودهاء(٣).
اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى : على أقوال ثمانية :
القول الأول : أنهم فارس والروم، وروي عن ابن عباس – رضي الله عنهما -(٤)،
(٢) انظر : تفسير ابن جرير ١١/٣٣٩، وابن الجوزي ٧/١٦٤، وابن كثير ٤/٢٠٣.
(٣) نظم الدرر للبقاعي ١٨/٣١١.
(٤) ذكره السيوطي في الدر المنثور ٦/٦٦، وعزاه لابن مردويه.
وقال عبد الرحمن بن زيد : هو تسمية الرجل بالأعمال كقوله : يا زاني يا سارق يا فاسق.
وفي تفسير العوفي عن ابن عباس قال : هو تعيير التائب بسيئات كان قد عملها.
ومعلوم أن اسم الكفر واليهودية والزاني والسارق وغير ذلك من السيئات ليست هي اسم الفاسق، فعلم أن قوله : لم يرد به تسمية المسبوب باسم الفاسق، فإن تسميته كافراً أعظم، بل إن الساب يصير فاسقاً لقوله :" سباب المسلم فسوق وقتاله كفر "، ثم قال : فجعلهم ظالمين إذا لم يتوبوا من ذلك وإن كانوا يدخلون في اسم المؤمنين " (١).
الدراسة :
المراد بالاسم في الآية الذكر، قال الزمخشري :" من قولهم : طار اسمه في الناس بالكرم أو باللؤم ؛ كما يقال : طار ثناؤه وصيته، وحقيقته : ما سَمَا من ذكره وارتفع بين الناس، ألا ترى إلى قولهم : أشاد بذكره.
كأنه قيل بئس الذكر المرتفع للمؤمنين، بسبب ارتكاب هذه الجرائر، أن يذكروا بالفسق " (٢).
وقال ابن عاشور :" وإيثار لفظ الاسم هنا من الرَّشاقة بمكان ؛ لأن السياق تحذير من ذكر الناس بالأسماء الذميمة ؛ إذ الألقاب أسماءٌ، فكان اختيار لفظ الاسم للفسوق مشاكلةً معنوية " (٣).
وقد اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى : على قولين :
(٢) تفسير الزمخشري ٤/٣٧٠ [ ط دار الريان ]، وانظر : تفسير أبي حيان ٨/١١٣، والألوسي ٢٦/١٥٥.
(٣) تفسيره ٢٦/٢٤٩.
ثم قال :" ومما يدل على أن القرب ليس المراد به العلم أنه قال تعالى :(١)، فأخبر أنه يعلم ما توسوس به نفسه، ثم قال : ، فأثبت العلم، وأثبت القرب، وجعلهما شيئين، فلا يجعل أحدهما هو الآخر.
وقيد القرب بقوله : وأما من ظن أن المراد بذلك قرب ذات الرب من حبل الوريد أو أن ذاته أقرب إلى الميت من أهله ؛ فهذا في غاية الضعف، وذلك أن الذين يقولون : إنه في كل مكان أو أنه قريب من كل شيء بذاته، لا يخصون بذلك شيئاً دون شيء، ولا يمكن مسلماً أن يقول : إن الله قريب من الميت دون أهله، ولا أنه قريب من حبل الوريد دون سائر الأعضاء... ".
ثم قال :" وسياق الآيتين يدل على أن المراد الملائكة، فإنه قال :(٢).
فقيد القرب بهذا الزمان، وهو زمان تلقي المتلَقِّيَيْنِ قعيدٍ عن اليمين وقعيدٍ عن الشمال، وهما الملكان الحافظان اللذان يكتبان كما قال :
، ومعلوم أنه لو كان المراد قرب ذات الرب لم يختص ذلك بهذه الحال، ولم يكن لذكر القعيدين والرقيب والعتيد معنى مناسب.
وكذلك قوله في الآية الأخرى :(٣)، فلو أراد قرب ذاته لم يخص ذلك بهذا الحال، ولا قال : ، فإن هذا إنما يقال إذا كان هناك من يجوز أن يبصر في بعض الأحوال، ولكن نحن لا نبصره، والرب – تعالى – لا يراه في هذه الحال لا الملائكة ولا البشر.
ولا يجوز أن يراد به قربُ الرب الخاص كما في قوله :(٤)، فإن ذاك إنما هو قربه إلى من دعاه أو عبده، وهذا المحتضَر قد يكون كافراً أو فاجراً أو مؤمناً أو مقرباً... ".
ثم قال :" ومما يدل على ذلك : أنه ذكره بصيغة الجمع فقال :
، ، وهذا كقوله سبحانه :(٥)، وقال :(٦).
(٢) سورة ق : الآية ١٦ – ١٨.
(٣) سورة الواقعة : الآيات ٨٣ – ٨٥.
(٤) سورة البقرة : الآية ١٨٦.
(٥) سورة القصص : الآية ٣.
(٦) سورة يوسف : الآية ٣.
كثير(١) لابن عمر وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي، وبه قال عامة المفسرين، وممن اختاره الفراء(٢)، وأبو عبيدة(٣)، وابن جرير(٤)، والزجاج(٥)، والسمرقندي(٦)، والواحدي(٧)، والبغوي(٨)، والزمخشري(٩)، وابن عطية(١٠)، وابن الجوزي(١١)، والشوكاني(١٢)، والألوسي(١٣)، وغيرهم.
قال الزجاج :" والمفسرون جميعاً يقولون بقول علي هكذا " (١٤).
قال الشنقيطي :" ويدل لهذا القول كثرة إطلاق الوصف بالجري على السفن، كقوله تعالى :(١٥)، وقوله تعالى :(١٦)، وقوله تعالى :(١٧)، وقوله :(١٨)، إلى غير ذلك من الآيات " (١٩).
القول الثاني : أنها الكواكب، واختاره شيخ الإسلام - كما تقدم -، وابن القيم
- كما يأتي -، والسعدي(٢٠).
وقد استدل شيخ الإسلام على ذلك بأنه جاء إطلاق الجواري على الكواكب في القرآن كما في قوله تعالى :.
(٢) معاني القرآن ٣/٨٢.
(٣) المجاز ٢/٢٢٥.
(٤) تفسيره ١١/٤٤٢.
(٥) معاني القرآن وإعرابه ٥/٥١.
(٦) تفسيره ٣/٢٧٥.
(٧) الوسيط ٤/١٧٣.
(٨) تفسيره ٧/٣٧١ [ ط طيبة ].
(٩) تفسيره ٤/٢٦.
(١٠) تفسيره المحرر الوجيز ١٥/١٩٨.
(١١) تفسيره ٧/٢٠٤.
(١٢) تفسيره فتح القدير ٥/١١٧.
(١٣) تفسيره ٢٧/٢.
(١٤) معاني القرآن ٥/٥١.
(١٥) سورة الشورى : الآية ٣٢.
(١٦) سورة الحاقة : الآية ١١.
(١٧) سورة الجاثية : الآية ١٢.
(١٨) سورة الحج : الآية ٦٥.
(١٩) أضواء البيان ٧/٦٦٠.
(٢٠) تفسيره ص٨٠٨.
القول الأول : أن المعنى : أم خلقوا من غير خالق، وقد روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال :" من غير رب خلقهم وقدرهم " (١)، واختاره السمعاني(٢)، وشيخ الإسلام كما تقدم، وابن القيم(٣)، وابن كثير(٤)، والألوسي(٥)، والسعدي(٦).
وقال الألوسي :" ويؤيده قوله تعالى : أي : الذين خلقوا أنفسهم، فلذلك لا يعبدون الله عزوجل ولا يلتفتون إلى رسوله - ﷺ - ؛ إذْ على القولين لا يظهر حسن المقابلة " (٧).
القول الثاني : أن المعنى : أم خلقوا من غير آباء ولا أمهات فهم كالجماد
لا يعقلون، ولا يفهمون لله حجة، ولا يعتبرون له بعبرة، ولا يتعظون بموعظة(٨) ؛ قاله
ابن عطاء(٩).
و هنا لابتداء الغاية(١٠).
وقد ضعه شيخ الإسلام – كما تقدم ؛ لأن الله قال بعد ذلك :
فدل على أن التقسيم : أم خلقوا من غير خالق، ولأن كونهم خلقوا من غير مادة ليس فيه تعطيل وجود الخالق، ولأنهم لم يظنوا ذلك، بل يعرفون أنهم خلقوا من آبائهم وأمهاتهم.
(٢) تفسيره ٥/٢٧٨.
(٣) الصواعق المرسلة ٢/٤٩٣.
(٤) تفسيره ٤/٢٦١.
(٥) تفسيره ٢٧/٣٧.
(٦) تفسيره ص٨١٧.
(٧) تفسير الألوسي ٢٧/٣٧.
(٨) انظر : تفسير ابن جرير ١١/٤٩٥، وقد ذكر ابن الجوزي قولاً آخر بمعنى هذا القول، قال :" كالسموات والأرض "، فجعل الأقوال أربعة، ولم أرَ من نحا نحوه، وعامة المفسرين ذكروا في الآية ثلاثة أقوال، وبعضهم ذكر قولين كابن جرير والزجاج والسمعاني وابن عطية.
(٩) ذكره عنه الثعلبي ٩/١٣١.
(١٠) انظر : تفسير أبي حيان ٨/١٤٩، والدر المصون ١٠/٧٧.
ورُوي عن ابن السائب أنه قال :" إن مشركي قريش قالوا للأصنام والملائكة : بنات الله، وكان الرجل منهم إذا بُشِّر بالأنثى كره، فقال الله تعالى مُنكراً عليهم : يعني الأصنام وهي إناث في أسمائها " (١)، واختاره الثعلبي(٢)، وابن عطية(٣).
وقال السمعاني :" هذا على طريق الإنكار عليهم ؛ لأنهم كانوا يقولون : هذه الأصنام على صور الملائكة، والملائكة بنات الله، وهذا قول بعضهم " (٤) واختاره الرازي(٥).
وقال الزمخشري :" ويجوز أن يراد : أن اللات والعزى، ومناة، إناث، وقد جعلتموهنَّ لله شركاء ومن شأنكم أن تحتقروا الإناث، وتستنكفوا من أن يولدن لكم وينسبن إليكم فكيف تجعلون هؤلاء الإناث أنداداً لله وتسمونهن آلهة " (٦)، واختاره أيضاً أبو حيان(٧)، وابن عاشور(٨)، واستدل له بالسياق.
القول الثاني : أن المراد بذلك قول المشركين : هذه الأصنام : اللات، والعزى، ومناة، والملائكة، بنات الله، قاله الكلبى(٩)، واختاره الفراء(١٠)، والزجاج(١١)، والواحدي(١٢)، والزمخشري(١٣)، والقرطبي(١٤)، وابن جُزي(١٥).
(٢) تفسيره ٩/١٤٦.
(٣) تفسيره المحرر الوجيز ١٥/٢٦٧.
(٤) تفسيره ٥/٢٩٥.
(٥) تفسيره ٢٨/٢٥٦.
(٦) الكشاف ٤/٤٠.
(٧) تفسيره ٨/١٥٩.
(٨) تفسيره التحرير والتنوير ٢٧/١٠٣.
(٩) ذكره عنه الواحدي في الوسيط ٤/١٩٩.
(١٠) معاني القرآن ٣/٩٨.
(١١) معاني القرآن وإعرابه ٥/٧٢.
(١٢) تفسيره الوسيط ٤/١٩٩.
(١٣) تفسيره الكشاف ٤/٤٠.
(١٤) تفسيره ١٧/٦٧.
(١٥) تفسيره التسهيل ٢/٣٨٢.
ثم قال في آخر السورة : أي : هذا الاسم الذي افتتح به هذه السورة... " (١).
القول الثاني : أنه صلة - أي : زائد -، والمعنى : تبارك ربك، قالوا : والاسم يزاد في مثل هذا، كما قال لبيد :
إلى الحولِ ثم اسمُ السَّلام عليكما... ومن يَبْكِ حولاً كاملاً فقد اعتذر(٢)
أي : السلام عليكما(٣).
وإلى هذا القول ذهب من قال إن الاسم هو المسمى(٤).
واستُدل لهذا القول بقراءة ( ذو الجلال والإكرام ) بالرفع(٥)، وصفاً للاسم، والمراد المسمى.
واختاره جمع من المفسرين، كابن عطية(٦)، والسمعاني(٧)، وابن جزي (٨)، وأبو حيان(٩)، والقاسمي(١٠).
قال أبو حيان :" ويدل عليه إسناد تبارك لغير الاسم في مواضع كقوله :(١١)، (١٢)،
(١٣)، وقد صح الإسناد إلى ( الاسم ) لأنه بمعنى العلو، فإذا علا الاسم فما ظنك بالمسمى " (١٤).
(٢) انظر : الأغاني ١٤/١٠١.
(٣) تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص٢٥٥.
(٤) انظر : تفسير السمعاني ٥/٣٤، والقرطبي ١٧/١٢٥، والسهيلي ٢/٣٩٧.
(٥) وهي قراءة ابن عامر، انظر النشر ٢/٣٨٢، وانظر : التفسير الوسيط ٤/٢٣٠، والقرطبي ١٧/١٢٥.
(٦) تفسيره ١٥/٣٥٣.
(٧) تفسيره ٥/٣٤.
(٨) تفسيره التسهيل ٢/٣٩٧.
(٩) تفسيره ٨/١٩٨.
(١٠) تفسيره ١٥/٣٠١.
(١١) سورة المؤمنون : الآية ١٤.
(١٢) سورة الفرقان : الآية ١٠.
(١٣) سورة الملك : الآية ١.
(١٤) البحر المحيط ٨/١٩٨.
قد ثبت واستقر أبلغ منه بما يحدث ويكون، نعم الوجه في هذا - والله أعلم - : أن
القرآن الذي في اللوح المحفوظ هو القرآن الذي في المصحف، كما أن الذي في هذا المصحف هو الذي في هذا المصحف بعينه سواء كان المحل ورقاً أو أديماً أو حجراً أو لخافاً(١)، فإذا كان من حكم الكتاب الذي في السماء أن لا يمسه إلا المطهرون وجب أن يكون الكتاب الذي في الأرض كذلك ؛ لأن حرمته كحرمته، أو يكون الكتاب اسم جنس يعمُّ كل ما فيه القرآن سواء كان في السماء أو الأرض وقد أوحى إلى ذلك قوله تعالى :(٢)، وكذلك قوله تعالى :(٣)، فوصفها أنها مطهرة، فلا يصلح للمحدث مسها " (٤).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بالكتاب المكنون(٥) في الآية، وفي مرجع الضمير في قوله : ، والمراد بـ.
المسألة الأولى : اختلف المفسرون في المراد بالكتاب في قوله تعالى :
على أقوال ثمانية :
(٢) سورة البينة : الآيتان ٢ – ٣.
(٣) سورة عبس : الآيتان ١٣ – ١٤.
(٤) شرح العمدة، كتاب الطهارة، ص٣٨١ – ٣٨٥، وانظر : مجموع الفتاوى ٢١/٢٦٥ – ٢٦٧.
(٥) المكنون : المصون، وقيل : المعظم المحفوظ، وقيل : المستور، انظر : تفسير ابن جرير ١١/٦٥٩، والواحدي في الوسيط ٤٢٣٩، وابن عطية ١٥/٣٨٥.
٢ - أن الله تعالى قال في الآية التي بعدها، ولعل مما يُستدل به أيضاً لهذا القول سياق الآيات حيث قال تعالى بعد هذه الآية :(١)، فهذه آية معطوفة على تلك والخطاب هنا للمؤمنين بلا خلاف.
واختاره بعض المفسرين، كابن عطية(٢)، وشيخ الإسلام - كما تقدم -، وابن كثير(٣).
القول الثاني : أن الخطاب لكفار مكة، واختاره بعض المفسرين، كابن جرير(٤)، والواحدي(٥)، والبغوي(٦)، وابن عاشور(٧).
وقد استدل له ابن عاشور بقوله :" والآية مكية، حسب ما رُوي في إسلام عمر، وهو الذي يلائم اتصال قوله :(٨).
ويجاب عن قوله إن الآية مكية بأن هذا ليس عليه دليل صحيح، فالجمهور على أن السورة كلها مدنية، بل نقل بعضهم الإجماع على ذلك(٩)، وأما ما روي أن سبب إسلام عمر اطلاعه على صحيفة فيها آيات من أول سورة الحديد فغير ثابت(١٠).
وأما قوله عن هذا القول بأنه يلائم اتصال قوله تعالى : ، فيجاب بأنه لا يمنع أن يكون هذا خطاباً للمؤمنين، والمعنى : وأي شيء يمنعكم من الإيمان والرسول بين أظهركم يدعوكم إلى ذلك، ويبيّن لكم الحجج والبراهين على صحة ما جاءكم به(١١).
وهو من باب التوطئة لدعائهم، وهذا أسلوب مستعمل(١٢).
(٢) تفسيره ٥/٢٥٨.
(٣) تفسيره ٤/٣٢٧.
(٤) تفسيره ١١/٦٧١.
(٥) الوسيط ٤/٢٤٥.
(٦) تفسيره ٨/٣٢ [ ط طيبة ].
(٧) تفسيره ٢٧/٣٦٨.
(٨) تفسيره ٢٧/٣٦٨.
(٩) انظر : تفسير ابن عطية ١٥/٣٩٦، والقرطبي ١٧/١٥٥، والإتقان للسيوطي ١/٣٣، والدر المنثور ٦/٢٤٥.
(١٠) انظر : السيرة النبوية الصحيحة لأكرم العمري ١/١٨٠، وصحيح السيرة النبوية لإبراهيم العلي ص٨٠.
(١١) تفسير ابن كثير ٤/٣٢٧.
(١٢) انظر : تفسير ابن عطية ٥/٢٥٨.
وهذا الذي اختاره الزجاج وقال :" المعنى : لا يعصينك في جميع ما تأمرهن به بالمعروف " (١)، والواحدي(٢)، والرازي(٣)، وشيخ الإسلام - كما تقدم -، وابن جُزي(٤)، والشوكاني(٥)، والقاسمي(٦)، والسعدي(٧)، وأبو سليمان الدمشقي(٨).
القول الثاني : أن المراد بذلك النياحة، وبه قال ابن عباس – رضى الله عنهما -(٩)، وجابر بن عبدالله - رضي الله عنه - (١٠)، وأبو العالية(١١)، وسالم بن أبي الجعد(١٢) (١٣)،
وقتادة(١٤)، وأبو صالح(١٥)، وأم عطية(١٦)، ورُوى ذلك مرفوعاً(١٧).
(٢) تفسيره الوسيط ٤/٢٨٨.
(٣) تفسيره ٢٩/٢٦٧.
(٤) تفسيره ٢/٤٣٩.
(٥) فتح القدير ٥/٣٠٧.
(٦) تفسيره ١٦/١٣٥.
(٧) تفسيره ص٨٥٨.
(٨) ذكره عنه ابن الجوزي ٨/١٣.
(٩) أخرجه ابن جرير ١٢/٧٣.
(١٠) ذكره عنه السيوطي في الدر ٦/٣١٤، وعزاه لابن مردويه.
(١١) ذكره في الدر ٦/٣١٣، وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد.
(١٢) هو سالم بن أبي الجعد الأشجعي الغطفاني مولاهم الكوفي، الفقيه أحد الثقات، توفي سنة ١٠٠هـ. انظر : سير أعلام النبلاء ٥/١٠٨، وتهذيب التهذيب ٣/٤٣٢.
(١٣) أخرجه ابن جرير ١٢/٧٣، وانظر : الدر المنثور ٦/٣١٣.
(١٤) أخرجه عبد الرزاق ٣/٣٠٥، وابن جرير ١٢/٧٤.
(١٥) أخرجه ابن جرير ١٢/٧٣.
(١٦) أخرجه ابن جرير ١٢/٧٦، وانظر : الدر المنثور ٦/٣١٢.
(١٧) أخرجه ابن جرير ١٢/٧٥ عن أم عطية، وأحمد ٦/٣٢٠، والترمذي ٥/٣٨٣، ح٣٣٠٧، كتاب تفسير القرآن، باب (٦٠)، وحسَّنه، وابن ماجه ١/٥٠٣، ح١٥٧٩، كتاب الجنائز، باب النهي عن النياحة عن أم سلمة – رضي الله عنها – وصححه الألباني في صحيح الترمذي ٣/١١٧
واختاره جمهور المفسرين، وممن اختاره الأخفش(١)، وابن جرير(٢)، والزجاج(٣)، والثعلبي(٤) ونسبه لأكثر المفسرين، والواحدي(٥)، والسمعاني(٦)، والبغوي(٧) ونسبه لأكثر المفسرين، وابن عطية(٨)، وابن الجوزي(٩)، وابن جزي(١٠)، وأبو حيان(١١)، وأبو السعود(١٢)، والقاسمي(١٣)، والسعدي(١٤).
قال ابن جرير عند هذه الآية :" فلما رأى هؤلاء المشركون عذاب الله زلفة، يقول : قريباً، وعاينوه، ، يقول : ساء الله بذلك وجوه الكافرين " (١٥).
وقال ابن عطية :" الضمير للعذاب الذي تضمنه الوعد، وهذه حكاية حال تأتي المعنى :( فإذا رأوه ) " (١٦).
وقال أبوحيان :" أي رأوا العذاب، وهو الموعود به " (١٧).
وقال القرطبي :" وأكثر المفسرين على أن المعنى : يعني العذاب، وهو عذاب الآخرة " (١٨).
ودليل هذا القول سياق الآية، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام.
القول الثاني : أن المعنى : لما رأوا العذاب يوم بدر، وروي عن مجاهد(١٩).
قال الرازي :" اعلم أن قوله : إخبار عن الماضي، فمن حمل الوعد
في قوله : على مطلق العذاب سهل تفسيره الآية، فلهذا
(٢) تفسيره ١٢/١٧٢.
(٣) معاني القرآن وإعرابه ٥/٢٠١.
(٤) تفسيره ٩/٣٦١.
(٥) الوسيط ٤/٣٣٠.
(٦) تفسيره ٦/١٤.
(٧) تفسيره ٨/١٨٠ [ ط طيبة ].
(٨) المحرر الوجيز ١٦/٧٠.
(٩) زاد المسير ٨/٦٣.
(١٠) تفسيره ٢/٤٧٠.
(١١) البحر المحيط ٨/٢٩٨.
(١٢) تفسيره ٩/١٠.
(١٣) محاسن التأويل ٦/٢٤٩.
(١٤) تفسيره ص٨٧٨.
(١٥) تفسيره ١٢/١٧٢.
(١٦) المحرر الوجيز ١٦/٧٠.
(١٧) تفسيره ٨/٢٩٨.
(١٨) تفسيره ١٧/٢٢٠.
(١٩) ذكره عنه الثعلبي ٩/٣٦١، والبغوي في تفسيره ٨/١٨٠ [ ط طيبة ]، والقرطبي ١٧/١٤٣.
وهم إنما نسبوا الأنبياء إلى الجنون لمخالفتهم ما عليه أهل العقل في نظرهم، كما يقال :( ما لفلان عقل معيشي )، فإن الأنبياء أتوا بخلاف ما يعرفونه، وهو عندهم يضر صاحبه في عقله، ويفارق به دينه الذي هم [ عليه ]، وكما قال تعالى في آخر السورة :(١).
وقد ذكر أنهم رموه بالجنون في غير موضع من كتابه، وكذلك الأنبياء قبله، فرد الله ذلك على المشركين، وأخبر أنه ليس بمجنون، ثم قال : أي أيكم هو المجنون الذي به المفتون، وهو الشيطان ؟.
وهذا الأمر قد رمي به أتباع الرسل [ من ] مثل هؤلاء...
ويدل أيضاً على هذا المعنى في الآية أن قراءة أُبي بن كعب، والجوني(٢)، وابن أبي عبلة(٣)، ( في أييكم المفتون )، والشيطان مفتون بلا ريب.
والذين لم يفهموا هذا قالوا : الباء زائدة، كما قال أبو عبيدة، وابن قتيبة، وأبو بكر، وكذلك نحاة البصرة والكوفة، ثم ذكروا قولين :
أحدهما : أن المفتون مصدر، كما زعموا أن المعقور، والمعقود، والمجلود يكون مصدراً.
ومنهم من قال : أي : بأي الفريقين المفتون، [ أي : المجنون، أبالفريق الذي أنت فيهم أم بفريق الكفار ؟.
وهذه أقوال ضعيفة، وكون المفتون ] بمعنى الفتنة لا أصل له في اللغة البتة، وجعل المصدر على زنة ( مفعول ) لو صح لم يكن قياساً، بل مقصوراً على السماع، كيف وفيما ذكروه كلام ليس هذا موضعه ؟ وكذلك قول من يقول :( بأي الفريقين ؟ ).
(٢) هو أبو عمران، عبد الملك بن حبيب البصري، الإمام الثقة، روى عن أنس بن مالك وعبد الله بن الصامت، توفي سنة ١٢٣هـ عن سن عالية. انظر : سير أعلام النبلاء ٥/٢٥٥، وتهذيب التهذيب ٦/٣٨٩.
(٣) هو أبو إسحاق، إبراهيم بن أبي عبلة العقيلي الشامي المقدسي، من بقايا التابعين، الإمام القدوة، ولد بعد الستين، وتوفي سنة ١٥٢هـ. انظر : سير أعلام النبلاء ٦/٣٢٣، وتهذيب التهذيب ١/١٤٢.
القول الأول : أنه محمد - ﷺ - ؛ وبه قال أكثر المفسرين(١).
قال السمعاني :" فإن قال قائل : كيف قال : وإنما هو قول الله تعالى ؟.
والجواب من وجهين : أحدهما : أن معناه تلاوة رسول كريم، والثاني : قول الله، وإبلاغ رسول كريم، فاتسع الكلام، واكتفى بالفحوى " (٢).
واستدلوا بسياق الآية، حيث قال الله تعالى بعد هذه الآية :.
قال الرازي :" واعلم أنه تعالى ذكر في سورة (٣) مثل هذا الكلام، والأكثرون هناك على أن المراد منه جبريل - عليه السلام - والأكثرون ههنا على أن المراد منه محمد - ﷺ -، واحتجوا على الفرق بأن ههنا لما قال : ذكر بعده أنه ليس بقول شاعر، ولا كاهن، والقوم ما كانوا يصفون جبريل - عليه السلام - بالشعر والكهانة، بل كانوا يصفون محمداً بهذين الوصفين، وأما في سورة لما قال :(٤)، ثم قال بعده :(٥)، كان المعنى : أنه قول ملك كريم، لا قول شيطان رجيم، فصح أن المراد من الرسول الكريم ههنا محمد - ﷺ -، وفي تلك السورة هو جبريل - عليه السلام - " (٦).
واستدل له ابن عاشور أيضاً بقوله تعالى :(٧).
(٢) تفسيره ٦/٤٢، وانظر : تفسير ابن عطية ١٦/١٠٣، والقرطبي ١٧/١٧٨، وابن كثير ٤/٤٤٥، وابن عاشور ٢٩/١٣١.
(٣) سورة التكوير : الآية ١.
(٤) سورة التكوير : الآية ١٩.
(٥) سورة التكوير : الآية ٢٥.
(٦) تفسير الرازي ٣٠/١٣٠، وبذلك استدل شيخ الإسلام كما تقدم، وأبو حيان ٨/٣٢١، وابن كثير ٤/٤٤٥.
(٧) تفسيره ٢٩/١٤١.
قال ابن جرير :" إلا الذين يطيعون الله بأداء ما افترض عليهم من الصلاة، وهم على أداء ذلك مقيمون، لا يضيِّعون منها شيئاً، فأولئك غير داخلين في عداد من خلق هلوعاً، وهو مع ذلك بربه كافر لا يصلي " (١).
وقال الزمخشري :" فإن قلت : كيف قال : ، ثم (٢)، قلت : معنى دوامهم عليها أن يواظبوا على أدائها لا يخلون بها ولا يشتغلون عنها بشيء من الشواغل، ومحافظتهم عليها أن يراعوا إسباغ الوضوء لها ومواقيتها ويقيموا أركانها، ويكملوها بسننها وآدابها، فالدوام يرجع إلى أنفس الصلوات والمحافظة إلى أحوالها " (٣).
وقال ابن عطية :" قال الجمهور المعنى : مواظبون قائمون لا يملُّون في وقت من الأوقات فيتركونها، وهذا في المكتوب، وأما النافلة فالدوام عليها الإكثار منها بحسب الطاقة " (٤).
وقال ابن عاشور :" أي : مواظبون على صلاتهم لا يتخلفون عن أدائها ولا يتركونها. والدوام على الشيء : عدم تركه، وذلك كل عمل بحسب ما يعتبر دواماً فيه " (٥).
وإلى هذا القول ذهب جمهور المفسرين، واختاره ابن جرير والزمخشري
وابن عطية وابن عاشور كما تقدم، والبيضاوي(٦)، والشوكاني(٧)، والألوسي(٨)، والقاسمي(٩).
القول الثاني : أن المعنى : يحافظون على مواقيتها ؛ وبه قال ابن مسعود - رضي الله عنه - (١٠)، ومسروق(١١).
(٢) سورة المعارج : الآية ٣٤.
(٣) تفسيره ٤/١٤٠ بتصرف واختصار، وبنحوه قال الرازي ٣٠/١١٤، وانظر : تفسير ابن جزي ٢/٤٨٧، وأبي حيان ٨/٣٢٩، وابن عاشور ٢٩/١٧٤.
(٤) تفسيره ١٦/١١٣.
(٥) التحرير والتنوير ٢٩/١٧١.
(٦) تفسيره ٢/٥٢٧.
(٧) تفسيره ٥/٤١٧.
(٨) روح المعاني ٢٩/٦٣.
(٩) تفسيره ١٦/٢٨٩.
(١٠) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ١/٢٠٨.
(١١) ذكره في الدر المنثور ٦/٤٢٠، وعزاه لعبد بن حميد.
وقال البقاعي :" الجنس، فيتناول إبليس رأس الجنس تناولاً أولياً، وكل من تبعه ممن لا يعرف الله ؛ لأن ثمرة العقل العلم، وثمرة العلم معرفة الله، فمن لم يعرفه فهو الذي يلازم الطيش والغي " (١). ويفهم من كلامه أنه يدخل سفهاء الإنس، وهذا مخالف لظاهر الآية.
القول الثاني : أنه إبليس ؛ وبه قال مجاهد، وقتادة(٢)، وعكرمة والسدي(٣)، وابن جريج(٤).
وقد روي عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - مرفوعاً، ولكنه ضعيف(٥).
واختار هذا القول بعض العلماء، وممن اختاره ابن جرير(٦)، والبغوي(٧)، وعزاه الألوسي(٨) للجمهور.
والأظهر - والله تعالى أعلم - القول الأول وأن المراد بالسفيه في الآية كل عاص متمرد من الجن، ومن قال من السلف إنه إبليس فيحمل على أنه أراد التمثيل لا التخصيص، وتقدم قول ابن عطية :" ولا محالة أن إبليس صدرٌ في السفهاء ".
(٢) أخرجه ابن جرير ١٢/٢٦٢، وذكره عن مجاهد ابن أبي حاتم ١٠/٣٣٧٧.
(٣) ذكره عنهما ابن كثير ٤/٤٥٧.
(٤) ذكره عنه القرطبي في تفسيره ١٩/٨.
(٥) ذكره السيوطي في الدر ٦/٤٣٠، وعزاه لابن مردويه والديلمي بسند واه.
(٦) تفسيره ١٢/٢٦٢.
(٧) معالم التنْزيل ٤/٤٠١.
(٨) تفسيره ٢٩/٨٥.
القول الأول : أنها جميع الليل، فجميع ساعات الليل تسمى ناشئة، فالقيام في أي ساعة من ساعاته يسمى ناشئة ؛ وبه قال ابن عباس، وابن الزبير - رضي الله عنهم -، ومجاهد، وعكرمة، وابن زيد والضحاك وأبو نجيح(١).
واختار هذا القول أهلُ اللغة وجمهور المفسرين، وممن اختاره مالك(٢)،
والفراء(٣)، وابن قتيبة والزجاج كما سيأتي، وابن جرير(٤)، والسمرقندي(٥)، والواحدي(٦)، والبغوي(٧)، وشيخ الإسلام كما تقدم، وابن القيم(٨)، وابن كثير(٩)، والقرطبي(١٠).
قال ابن قتيبة :" وهي آناؤه وساعاته، مأخوذة من نَشَأَتْ تَنْشأ نشئاً، نشأت أي : ابتدأت، وأقبلت شيئاً بعد شيء... فكأنه قال : إن ساعات الليل الناشئة، فاكتفى بالوصف من الاسم " (١١).
وقال الزجاج :" ساعات الليل كلها، كلما نشأ منه، أي : كل ما حدث منه فهو ناشئة " (١٢).
وقال ابن العربي :" وهو الذي يعطيه اللفظ وتقتضيه اللغة " (١٣).
القول الثاني : أن ناشئة الليل ما بين المغرب والعشاء.
(٢) ذكره عنه ابن العربي في أحكام القرآن ٤/١٨٧٧.
(٣) معاني القرآن ٣/١٩٧.
(٤) تفسيره ١٢/٢٨٢.
(٥) تفسيره ٣/٤١٦.
(٦) الوسيط ٤/٣٧٣.
(٧) تفسيره ٤/٤٠٨.
(٨) شفاء العليل ص١٣٣.
(٩) تفسيره ٤/٤٦٤.
(١٠) تفسيره ١٩/٢٧.
(١١) تأويل مشكل القرآن ص٣٦٥.
(١٢) معاني القرآن وإعرابه ٥/٢٤٠.
(١٣) أحكام القرآن ٤/١٨٧٧.
ثم قال :" والأشبه – والله أعلم – أن الآية تعّم نوعي الطهارة، وتشمل هذا كله، فيكون مأموراً بتطهير الثياب المتضمنة تطهير البدن والنفس، من كل ما يُستقذر شرعاً، من الأعيان والأخلاق، والأعمال ؛ لأن تطهيرها أن تجعل طاهرة، ومتى اتصل بها وبصاحبها شئ من الأنجاس لم تكن مطهرةً على الإطلاق، فإنها متى أُزيل عنها نَجَس دون نَجس لم تكن قد طُهِّرت، حتى يزال عنها كل نَجس، بل كل ما أمرَ الله باجتنابه من الأرجاس وجب التطهر منه، وهو داخل في عموم هذا الخطاب " (١).
الدراسة :
اختلف المفسّرون في معنى هذه الآية على أقوال سبعة :
القول الأول : أن المعنى : وعَمَلك فأصلح، وبه قال مجاهد(٢)، وقال أبو رَزِين(٣) - :" وكان الرجل إذا كان خبيث العمل، قالوا : فلان خبيث الثياب، وإذا كان حسن العمل قالوا : فلان طاهرُ الثياب " (٤).
القول الثاني : أن المعنى : لا تلبس ثيابك من مكسب غيرِ طيب، وقد رُوي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال عند هذه الآية :" لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب غير طائب، ويقال : لا تلبس ثيابك على معصية " (٥).
(٢) أخرجه ابن جرير ١٢/٢٩٩، وأخرج عنه أنه قال :" لست بكاهن ولا ساحر، فأعرض عما قالوا "، وانظر : الدر ٦/٤٥١ – ٤٥٢.
(٣) هو مسعود بن مالك الأسدي الكوفي، ثقة فاضل، مات سنة ٨٥، انظر تهذيب التهذيب ١٠/١١٨، والتقريب ص ٥٢٨..
(٤) أخرجه ابن جرير ١٢/٢٩٩، وانظر : الدر ٦/٤٥١.
(٥) أخرجه ابن جرير ١٢/٢٩٩، وعزاه في الدر ٦/٤٥١ أيضاً لابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بالنفس اللوامة في الآية على أقوال ثلاثة :
القول الأول : أنها جميع النفوس، وروي عن الحسن أنه قال :" ليس أحد من أهل السموات والأرضين إلا يلوم نفسه يوم القيامة " (١).
قال الفراء :" ليس من نفس برّةٍ ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها، إن كانت عملت خيراً قالت : هلا ازددت، وإن كانت عملت سوءاً قالت : ليتني قصرت، ليتني لم أفعل " (٢).
وقال الزجاج :" والنفس اللوامة تفسيرها : أن كل نفس تلوم صاحبها في الآخرة ؛ إن كان عمل شراً لامته نفسه، وإن كان عمل خيراً لامته على ترك الاستكثار منه " (٣).
وعلى هذا فالمراد جنس النفس الشاملة للتقية والفاجرة.
واستدل له بحديث :" ليس من نفس برةٍ ولا فاجرة إلا وتلوم نفسها يوم القيامة، إن عملت خيراً قالت : كيف لم أزد منه، وإن عملت شراً قالت : ليتني قصرت " (٤).
وقال السعدي :" وهي جميع النفوس الخيرة والفاجرة، سميت لوامة لكثرة تردُّدها وتلوِّمها، وعدم ثبوتها على حالة من أحوالها، ولأنها عند الموت تلوم صاحبها على ما عملت " (٥).
(٢) معاني القرآن وإعرابه ٣/٢٠٨.
(٣) معاني القرآن للزجاج ٥/٢٥١.
(٤) استدل به الألوسي ٢٩/١٣٦، ولم أقف عليه مرفوعاً ولا موقوفاً.
(٥) تفسيره ص٨٩٨.
ومن كلامه رحمه الله في ( تلخيص الاستغاثة ) :" التضمين المعروف في اللغة إنما هو ضم معنى لفظ معروف إلى آخر مع بقاء معنى اللفظ الأول، كما في قوله :
، فإنه ضُمِّن معنى الاستغاثة، فعُدِّي بحرف ( عن ) مع أنه فتنة، وكذلك قوله :
، فإنه ضُمِّن معنى الضم والجمع، فعدي بحرف الغاية مع أن معنى السؤال موجود، وكذلك قوله : ، ضَمَّنه معنى ( نجيناه ) مع بقاء معنى النصر، وقوله : ضُمِّن معنى ( يروى ) بحرف الباء مع بقاء معنى الشرب " (١).
الدراسة :
قبل أن أذكر أقوال المفسرين في معنى الآية، أُبين معنى التضمين وموقف العلماء منه.
التضمين : أن تقصد بلفظ فعلٍ معناه الحقيقيَّ، ويلاحظ معه معنى فعل آخر يناسبه ويدل عليه، بذكر شيء من متعلقاته(٢)، وتقدم ذكر بعض الأمثلة له في ثنايا كلام شيخ الإسلام.
وللتضمين قرينة، وهي تعدية الفعل بالحرف وهو يتعدى بنفسه، أو تعديته بنفسه وهو يتعدى بالحرف، وله شرط وهو وجود مناسبة بين الفعلين(٣).
وفائدة التضمين : أن تؤدي كلمةٌ مؤدى كلمتين، فالكلمتان مقصودتان معاً قصداً وتبعاً(٤).
وقد قال بالتضمين نحاةُ البصرة، وأما نحاة الكوفة، فقال جمهورهم : إن ذلك محمول على إنابة حروف الجر بعضها مناب بعض، فقد تأتي ( مِنْ ) بمعنى ( على ) كقوله تعالى : ، وقد تأتي الباء بمعنى ( عن ) كقوله تعالى :
(٥).
وحجة البصريين : أن الأصل في ألفاظ اللغة أن يكون لكل منها معناه الخاص، وما جاء مخالفاً لذلك، فإنما جاء لزيادة فائدة.
(٢) الدراسات اللغوية في مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية ص٣٧١، وانظر : النحو الوافي ٢/٥٦٤.
(٣) النحو الوافي ٢/٥٨٤.
(٤) النحو الوافي ٢/٥٦٥.
(٥) سورة المعارج : الآية ١.
قال ابن عطية : قوله : الضمير للكفار، أي لا يملكون - من إفضاله وإكماله - أن يخاطبوه بمعذرة ولا غيرها. وهذا مبتدع، وهو خطأ محض، والصحيح : قول الجمهور والسلف : أن هذا عام كما قال في آية أخرى :(١) وفي حديث التجلي الذي في الصحيح - لما ذكر مرورهم على الصراط - قال - ﷺ - :" ولا يتكلم أحد إلا الرسل ودعوى الرسل : اللهم سلم سلم " (٢)، فهذا في وقت المرور على الصراط، وهو بعد الحساب والميزان، فكيف بما قبل ذلك ؟ وقد طلبت الشفاعة من أكابر الرسل وأولي العزم وكل يقول :" إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني فعلت كذا وكذا نفسي نفسي نفسي " (٣)، فإذا كان هؤلاء لا يتقدمون إلى مخاطبة الله تعالى بالشفاعة فكيف بغيرهم ؟.
(٢) أخرجه البخاري ١٣/٥١٣ ح٧٤٣٧، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى : ، ومسلم ١/١٦٣ ح١٨٢، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، عن أبي هريرة.
(٣) أخرجه البخاري ١٣/٤٧٩ ح٧٤١٠، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى : ، ومسلم ١/١٨٠، ح٣٢٢، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منْزلة، عن أبي هريرة.
وقال ابن جزي :" الأظهر أنه جبريل ؛ لأنه وصفه بقوله : ، وقد وصف جبريل بهذا لقوله :(١) " (٢).
القول الثاني : أن المراد بالرسول في الآية محمد - ﷺ - (٣).
قال ابن جزي :" لا يجوز أن يقال إنّه محمد - عليه السلام - ؛ لأن الآية نزلت في الرد على الذين قالوا إن محمداً قال القرآن، فكيف يخبر الله أنه قوله، وإنما أراد جبريل، وأضاف القرآن إليه لأنه جاء به، وهو في الحقيقة قول الله - تعالى - " (٤).
والراجح - والله تعالى أعلم - القول الأول، لدلالة السياق عليه، ولأنه قول عامة المفسرين، والقول الثاني شاذ(٥).
(٢) تفسير ابن جزي ٢/٥٤٢.
(٣) ذكره الماوردي ٦/٢١٨، ونسبه لابن عيسى، وانظر : السمعاني ٦/٦٦٩، وابن عطية ١٦/٢٤٢.
(٤) تفسيره ٢/٥٤٢.
(٥) انظر الكلام على آية الحاقة ص٥٠٩.
الثالث : أن نظير هذا التقسيم قوله :(١)، وقوله :(٢)، وهذا كله وصف للوجوه لحالها في الآخرة لا في الدنيا.
الرابع : أن وصف الوجوه بالأعمال ليس في القرآن وإنما في القرآن ذكر العلامة كقوله :(٣)، وقوله :(٤)، وقوله :(٥)، وذلك لأن العمل والنصب ليس قائما بالوجوه فقط ; بخلاف السيما والعلامة.
الخامس : أن قوله : لو جعل صفة لهم في الدنيا لم يكن في هذا اللفظ ذم، فإن هذا إلى المدح أقرب، وغايته أنه وصف مشترك بين عباد المؤمنين، وعباد الكفار، والذم لا يكون بالوصف المشترك، ولو أريد المختص لقيل : خاشعة للأوثان مثلاً، عاملة لغير الله، ناصبة في طاعة الشيطان، وليس في الكلام ما يقتضي كون هذا الوصف مختصاً بالكفار ولا كونه مذموماً، وليس في القرآن ذم لهذا الوصف مطلقاً، ولا وعيد عليه، فحمله على هذا المعنى خروج عن الخطاب المعروف في القرآن.
السادس : أن هذا الوصف مختص ببعض الكفار، ولا موجب للتخصيص ؛ فإن الذين لا يتعبدون من الكفار أكثر، وعقوبة فساقهم في دينهم أشد في الدنيا والآخرة ؛ فإن من كف منهم عن المحرمات المتفق عليها وأدى الواجبات المتفق عليها لم تكن عقوبته كعقوبة الذين يدعون مع الله إلها آخر ويقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ويزنون، فإذا كان الكفر والعذاب على هذا التقدير في القسم المتروك أكثر وأكبر ؛ كان هذا التخصيص عكس الواجب.
السابع : أن هذا الخطاب فيه تنفير عن العبادة والنسك ابتداء، ثم إذا قيد ذلك بعبادة الكفار والمبتدعة وليس في الخطاب تقييد كان هذا سعياً في إصلاح الخطاب بما لم يذكر فيه " (٦).
(٢) سورة عبس : الآيات ٣٨ – ٤٢.
(٣) سورة الفتح : الآية ٢٩.
(٤) سورة محمد : الآية ٣٠.
(٥) سورة الحج : الآية ٧٢.
(٦) مجموع الفتاوى ١٦/٢١٧ – ٢٢٠.
قال مجاهد(١)، وعكرمة(٢)، والضحاك(٣)، وُروى مرفوعاً(٤).
واختاره الفراء(٥)، وشيخ الإسلام كما تقدم، وابن جرير، وقال :" وأولى القولين بالصواب في ذلك عندنا قول من قال : عُنى بذلك طريق الخير، والشر، وذلك أنه لا قول في ذلك نعلمه غير القولين اللذين ذكرنا [ الأول والثاني ]، والثديان وإن كانا سبيلي اللبن، فإن الله – تعالى ذكره - إذْ عدّد على العبد نعمه بقوله :
(٦) إنما عدَّد عليه هدايته إياه إلى سبيل الخير من نعمه، فكذلك قوله :
(٧).
واختاره الزجاج(٨)، ونسبه الثعلبي لأكثر المفسرين(٩)، والسمعاني ونسبه لأكثر
المفسرين(١٠)، والبغوي ونسبه لأكثر المفسرين(١١)، والرازي ونسبه لعامة المفسرين(١٢)، والقرطبي(١٣)، وابن جزي(١٤)، والشوكاني(١٥)، والقاسمي(١٦)، والسعدي(١٧)، وابن عاشور(١٨).
(٢) أخرجه ابن جرير ١٢/٥٩١.
(٣) أخرجه ابن جرير ١٢/٥٩١.
(٤) أخرجه عبد الرزاق ٣/٤٢٩، وابن جرير ١٢/٥٩١ – ٥٩٢ عن الحسن مرسلاً من طرق، وأخرجه ابن جرير ١٢/٥٩٢ عن قتادة مرسلاً، وذكره السيوطي في الدر ٦/٥٩٥ عن أبي هريرة مرفوعاً، وعزاه لابن مردويه.
(٥) معاني القرآن ٣/٢٦٤.
(٦) سورة الإنسان : الآيتان ٢ – ٣.
(٧) تفسيره ١٢/٥٩٢.
(٨) معاني القرآن وإعرابه ٥/٣٢٩.
(٩) تفسيره ١٠/٢٠٩.
(١٠) تفسيره ٦/٢٢٨.
(١١) معالم التنْزيل ٤/٤٨٩.
(١٢) تفسيره ٣١/١٦٦.
(١٣) تفسيره ٢٠/٤٤.
(١٤) تفسيره ٢/٥٧٤.
(١٥) تفسيره فتح القدير ٥/٦٣٨.
(١٦) تفسيره ١٧/١٥٨.
(١٧) تفسيره ص٩٢٥.
(١٨) التحرير والتنوير٠/٣٥٤.
قال ابن جرير بعد أن حكى هذا القول :" والصواب عندي في ذلك ما قال أهلُ العلم الذين حكينا قولهم ؛ لأنهم أعلمُ بذلك وإن كان للذي قاله من ذكرنا قوله من أهل العربية وجه " (١)، ومراده بأهل العلم مجاهد وقتادة.
وقال الزمخشري :" عند انتفاخ النهار وانبساطه ؛ لأن الشمس تنجلي في ذلك الوقت تمام الانجلاء " (٢).
وقال الألوسي عن هذا القول :" أولى لذكر المرجع، واتساق الضمائر " (٣).
واختاره جمهور المفسرين، وممن اختاره ابن جرير(٤)، والثعلبي(٥)، والسهيلي(٦)، والزمخشري(٧)، والألوسي(٨)، والقاسمي(٩)، وابن عاشور(١٠).
القول الثاني : أنه يعود إلى الظُّلمة، والمعنى : إذا كشف الظُّلمةَ، قال الفراء :
" جلّى الظلمة، فجاز الكناية عن الظلمة، ولم تذكر ؛ لأن معناها معروف، ألا ترى أنك تقول : أصبحت باردةً، وأمست باردةً، وهبت شمالاً، فكنَّى عن مؤنثات لم يجر لهن ذكر، لأن معناها معروف " (١١).
واختاره بعض المفسرين، وممن اختاره الفراء كما تقدم، والزجاج(١٢)، والبغوي(١٣)، والواحدي(١٤)، وأبو حيان(١٥)، والشوكاني(١٦).
القول الثالث : أنه يعود إلى الأرض واختاره ابن كثير، وقال :" ولو أن هذا القائل
(٢) الكشاف ٤/٢١٤، وانظر : تفسير أبي السعود ٩/١٦٣.
(٣) تفسيره ٣٠/١٤١.
(٤) تفسيره ٢٤/٤٣٦ [ ط التركي ].
(٥) تفسيره ١٠/٢١٢.
(٦) تفسيره ٢/٥٧٦.
(٧) الكشاف ٤/٢١٤.
(٨) تفسيره ٣٠/١٤١.
(٩) محاسن التأويل ١٧/٦١٦٨.
(١٠) تفسيره ٣٠/٣٧٦.
(١١) معاني القرآن ٣/٢٦٦، وانظر : معاني الزجاج ٥/٣٣٢، والوسيط ٤/٤٩٤، والكشاف ٤/٢١٤، وففسير ابن عطية ١٦/٣١١.
(١٢) تفسيره ٥/٢٣٢.
(١٣) تفسيره ٨/٤٣٧ [ ط طيبة ].
(١٤) الوسيط ٤/٤٩٤.
(١٥) تفسيره ٨/٤٧٣.
(١٦) فتح القدير ٥/٦٤٤.
قلت : هذا القول هو من الأقوال المحدثة التي لم تعرف عن السلف، وكذلك ما أشبهه. فإنهم قالوا : معناه بيدك الخير والشر والنبي - ﷺ - في الحديث الصحيح يقول :" والخير بيديك والشر ليس إليك " (١)، والله تعالى خالق كل شيء - لا يكون في ملكه إلا ما يشاء - والقدر حق، لكن فهم القرآن ووضع كل شيء موضعه وبيان حكمة الرب وعدله مع الإيمان بالقدر هو طريق الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
ثم قال :" فقد تبين أن جمهور المتقدمين فسروا الآيات الثلاث بأن الطريق المستقيم لا يدل إلا على الله، ومنهم من فسرها بأن عليه بيان الطريق المستقيم، والمعنى الأول متفق عليه بين المسلمين، وأما الثاني فقد يقول طائفة : ليس على الله شيء، لا بيان هذا ولا هذا ؛ فإنهم متنازعون هل أوجب على نفسه كما قال :(٢)، وقوله :(٣)، وقوله :(٤)، إذا كان عليه بيان الهدى من الضلال، وبيان حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته، فهذا يوافق قول من يقول : إن عليه إرسال الرسل، وإن ذلك واجب عليه، فإن البيان لا يحصل إلا بهذا، وهذا يتعلق بأصل آخر وهو أن كل ما فعله فهو واجب منه أوجبته مشيئته وحكمته وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فما شاءه وجب وجوده، وما لم يشأه امتنع وجوده، وبسط هذا له موضع آخر، ودلالة الآيات على هذا فيها نظر.
(٢) سورة الأنعام : الآية ٥٤.
(٣) سورة الروم : الآية ٤٧.
(٤) سورة هود : الآية ٦.
ثم ذكر بعض الأحاديث الواردة في ذلك، ثم قال :" مع أن تفسير قوله : أي : فرغت من الصلاة قول ضعيف ؛ فإن قوله :( إذا فرغت ) مطلق، ولأن الفارغ إن أريد به الفارغ من العبادة فالدعاء أيضا عبادة، وإن أريد به الفراغ من أشغال الدنيا بالصلاة فليس كذلك، يوضح ذلك أنه لا نزاع بين المسلمين أن الصلاة يدعى فيها كما كان النبي - ﷺ - يدعو فيها... فإذا كان الدعاء مشروعاً في الصلاة لا سيما في آخرها فكيف يقول : إذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء، والذي فرغ منه هو نظير الذي أمر به، فهو في الصلاة كان ناصباً في الدعاء، لا فارغاً.
ثم إنه لم يقل مسلم إن الدعاء بعد الخروج من الصلاة يكون أوكد وأقوى منه في الصلاة ثم لو كان قوله : في الدعاء لم يحتج إلى قوله : فإنه قد علم أن الدعاء إنما يكون لله، فعلم أنه أمره بشيئين : أن يجتهد في العبادة عند فراغه من أشغاله، وأن تكون رغبته إلى ربه لا إلى غيره ؛ كما في قوله :(١)، فقوله : موافق لقوله : ، وقوله : موافق لقوله : ومثله قوله :(٢)، وذلك أن دعاء الله المذكور في القرآن نوعان : دعاء عبادة ودعاء مسألة ورغبة فقوله : يجمع نوعي دعاء الله قال تعالى :(٣)، وقال تعالى : الآية(٤)، ونظائره كثيرة " (٥).
الدراسة :
معنى ( انْصَبْ ) اِدْأَب في العمل، من النَّصب، والنَّصب : التعب، والدؤوب في العمل(٦).
واختلف المفسرون في معنى الآية على أقوال :
القول الأول : فإذا فرغت من أمر دنياك فانصب في عمل آخرتك.
(٢) سورة هود : الآية ١٢٣.
(٣) سورة الجن : الآية ١٩.
(٤) سورة المؤمنون : الآية ١١٧.
(٥) مجموع الفتاوى ٢٢/٤٩٥ – ٤٩٨، وانظر : الفتاوى الكبرى ١/١٦٣ – ١٦٥.
(٦) زاد المسير ٨/٢٧٣، وانظر : تفسير ابن عطية ١٦/٣٢٧، ومختار الصحاح ص٢٨٨، مادة (نصب).
فيقال : هذا مخصوص بقارئ القرآن، والآية استثنت الذين آمنوا وعملوا الصالحات، سواء قرءوا القرآن أو لم يقرءوه، وقد قال النبي - ﷺ - في الحديث الصحيح :" مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها " (١).
وأيضاً فيقال : هرم الحيوان ليس مخصوصاً بالإنسان، بل غيره من الحيوان إذا كبر هرم، وأيضاً فالشيخ وإن ضعف بدنه فعقله أقوى من عقل الشاب، ولو قدر أنه ينقص بعض قواه فليس هذا رداً إلى أسفل سافلين، فإنه سبحانه إنما يصف الهرم بالضعف كقوله :(٢)، وقوله :(٣)، فهو يعيده إلى حال الضعف، ومعلوم أن الطفل ليس هو في أسفل سافلين فالشيخ كذلك وأولى، وإنما في أسفل سافلين من يكون في سجين لا في عليين كما قال تعالى :(٤).
(٢) سورة الروم : الآية ٥٤.
(٣) سورة يس : الآية ٦٨.
(٤) سورة النساء : الآية ١٤٥.
وأيضاً فهو لم يذكر لـ خبراً كما يقال : ما انفكوا يذكرون محمداً، وما زالوا يؤمنون به، ونحو ذلك، وهذه التي هي من أخوات ( كان ) لا يقال فيها :( ما كنت منفكاً )، بل يقال :( ما انفككت أفعل كذا ) فهو يلي حرف ( ما ).
وأيضاً فليس في اللفظ ما يدل على أن الانفكاك عن أمر محمد خاصة، وأيضا فهذا المعنى مذكور في قوله : ، فلو أريد بهذه لكان تكريراً محضاً، فقول من قال : لم يكن المشركون وأهل الكتاب تاركين لمعرفة محمد ولذكره ولم يكونوا متفرقين فيه بل متفقين على الإيمان به حتى جاءتهم البينة فتركوا الإيمان به وتفرقوا غير مراد قطعاً.
ومما يبين ذلك قوله : ولم يقل :( حتى أتتهم )، وأولئك لما لم يفهموا معنى الآية ظنوا أن الموضع موضع الماضي، وأن المراد : ما انفكوا عما كانوا عليه إما من كفر وإما من إيمان حتى أتتهم البينة، فلما قيل : أشكل عليهم، وقال بعضهم : لما تأتهم كلها. وأما على المعنى الصحيح فالموضع موضع المضارع كقوله تعالى :(١)، فإن المراد : ما كانوا مفكوكين متروك حتى تأتيهم البينة.
والقول الأول أشهر عند المفسرين، ومنهم من [ لم ] يذكر غيره كالبغوي وغيره ؛ فإنه معروف عن مجاهد والربيع بن أنس كما في التفسير المعروف عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : قال : منافقين لم يكونوا ليؤمنوا حتى تبين لهم الحق. وقال الربيع بن أنس : لم يزالوا مقيمين على الشك والريبة حتى جاءتهم البينة والرسل. وهذا القول يتضمن مدحهم والثناء عليهم بعد مجيء البينة ولهذا احتاج من قاله إلى أن يقول : هذا فيمن آمن من الفريقين في أنه بيان لنعمة الله عليهم، وجعلوا قوله : فيمن لم يؤمن منهم بمحمد - ﷺ -، وهذا أيضاً ضعيف ؛ فإن أهل الكتاب تفرقوا واختلفوا قبل إرسال محمد إليهم كما أخبر الله بذلك في غير موضع ".
والأول هو المشهور، ومن المفسرين من لم يذكر سواه، وهو الذي أثروه عن متقدميهم، ويدل على صحته وأنه الحق أن قوله : ،
(١) معطوف على ما قبله فيكون داخلاً في حيزه، فلو كان الأول معلقاً بالشرط لكان المعطوف عليه كذلك، وهو باطل ; لأن رؤيتها عين اليقين، والمسألة عن النعيم ليس معلقاً بأن يعلموها في الدنيا علم اليقين، وأيضاً فتفسير الرؤية المطلقة برؤية القلب ليس هو المعروف من كلام العرب، وأيضاً فيكون الشرط هو الجواب فإن المعنى حينئذ : لو علمتم علم اليقين لرأيتم بقلوبكم، وذلك هو العلم، فالمعنى : لو علمتم لعلمتم، وهذا لا يفيد، ولو أريد بمشاهدة القلب قدر زائد على مجرد العلم فهذا معلوم أن من علم الشيء أمكنه أن يجعل مشاهداً له بقلبه، وأيضاً فهذا المعنى لو كان مفيداً لم يكن مما يستحق القسم عليه فإنه ليس بطائل.
وأيضاً فقوله : لم يذكر المعلوم حتى يستلزم العلم به العلم بالجحيم، فإن أريد معلوم خاص فلا دليل في الشرط عليه حتى يصح الارتباط، وإن أريد المعلوم العام وهو ما بعد الموت فذاك يستلزم العلم بالجحيم وغيرها وهذا فيه نظر، فقد يسأل ويقال قوله :(٢) لم يذكر فيه المعلوم بل أطلق، ومعلوم أن كل أحد سوف يعلم شيئاً لم يكن علمه، وجوابه : أن سياق الكلام يقتضي الوعيد والتهديد حيث افتتحه بقوله :(٣).
وأيضاً فمثل هذا الكلام قد صار في العرف يستعمل في الوعيد غالبا أو في الوعد، وإذا كان العلم مقيدا بالسياق اللفظي وبالوضع العرفي. فقوله : هو ذاك العلم أخبر بوقوعه مستقبلاً ثم علق بوقوعه حاضرا، وقيد المعلق به بعلم اليقين، فإنهم قد يعلمون ما بعد الموت لكن ليس علماً هو يقين " (٤).
الدراسة :
اختلف المفسرون في جواب في الآية على قولين :
(٢) سورة التكاثر : الآيتان ٣ – ٤.
(٣) سورة التكاثر : الآية ١.
(٤) مجموع الفتاوى ١٦/٥١٧ - ٥٢٠ باختصار.
وقال – رحمه الله – عند هذه الآية :" فقد ذمَّ الله تعالى في كتابه الذين يصلون إذا سهوا عن الصلاة، وذلك على وجهين : أحدهما : أن يؤخرها عن وقتها. الثاني : أن لا يكمل واجباتها : من الطهارة، والطمأنينة، والخشوع، وغير ذلك. كما ثبت في الصحيح أن النبي - ﷺ - قال :" تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق - ثلاث مرار -، يترقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعاً، لا يذكر الله فيها إلا قليلاً " (١)، فجعل النبي - ﷺ - صلاة المنافقين التأخير، وقلة ذكر اسم الله سبحانه، وقد قال تعالى :(٢)، وقال :(٣) " (٤).
وقال – رحمه الله – أيضاً :" ذمهم مع أنهم يصلون ؛ لأنهم سهو عن حقوقها الواجبة من فعلها في الوقت وإتمام أفعالها المفروضة... " (٥).
وقال – رحمه الله – :" وهم الذين يؤخرونها حتى يخرج الوقت " (٦).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بالسهو عن الصلاة المذكور في هذه الآية على قولين :
القول الأول : أن المراد بالسهو عن الصلاة في الآية إضاعة حقوقها وواجباتها.
(٢) سورة النساء : الآية ١٤٢.
(٣) سورة النساء : الآيتان ١٤٥ – ١٤٦.
(٤) مجموع الفتاوى ٢٢/٢٤، وانظر : ص٣٩، ٥٤.
(٥) مجموع الفتاوى ٧ /٦١٥، وانظر : ٣/٤٢٨، ٣٢/٢١٧، ومنهاج السنة ٥/٢١٠، ٣٥/١٠٦، وشرح العمدة ص٥٣، والفتاوى الكبرى ٢/٨.
(٦) مجموع الفتاوى ٣/٤٢٨، ٢٢/٥٧٢.
وبيَّن أنه ليس في القرآن تكرار للفظ بعينه عَقِب الأول، وأنه لا يذكر فيه لفظ زائد إلا لمعنى زائد، وإن كان في ضمن ذلك التوكيد، وقال عن القول الثاني :" هذا أجود من الذي قبله من جهة بيانهم لمعنى زائد على التكرير، لكن فيه نقض من جهة أخرى، وهو جَعْلهم هذا خطاباً لمعينين، فنقضوا معنى السورة من هذا الوجه، وهذا غلط، فإن قوله : خطاب لكل كافر، وكان يقرأ بها في المدينة بعد أولئك المُعيَّنين، ويأمر بها ويقول هي براءة من الشرك، فلو كانت خطاباً لأولئك المعينين أو لمن عُلم منهم أنه يموت كافراً، لم يخاطب بها من لم يعلم ذلك منه.
وأيضاً فأولئك الْمُعَيَّنُون إن صحَّ أنه إنما خاطبهم فلم يكن إذْ ذاك عَلِمَ أنهم يموتون على الكفر، والقولُ بأنه إنما خاطب بها مُعَيَّنِين قولٌ لم يقله مَنْ يُعْتَمَدُ عليه، ولكن قد قال مقاتل بن سليمان : إنها نزلت في أبي جهل والمستهزئين ولم يؤمن من الذين نزلت فيهم أحد. ونَقْلُ مقاتل وحده مما لا يعتمد عليه باتفاق أهل الحديث، كنقل الكلبي، ولهذا كان المصنفون في التفسير من أهل النقل لا يذكرون عن واحد منهما شيئاً كمحمد بن جرير وعبد الرحمن بن أبي حاتم وأبي بكر بن المنذر فضلا عن مثل أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ".
ثم قال :" وقد ذكر المهدوي هذا القول، وذكر معه قولين آخرين، فقال : الألف واللام ترجع إلى معهود وإن كانت للجنس حيث كانت صفة ؛ لأن لامها مخاطبة لمن سبق في علم الله أن يموت كافراً، فهي من الخصوص الذي جاء بلفظ العموم، وتكرير ما كرر فيها ليس بتكرير في المعنى ولا في اللفظ سوى موضع واحد منها ؛ فإنه تكرير في اللفظ دون المعنى، بل معنى : في الحال في الحال في الاستقبال في الاستقبال. قال : فقد اختلف اللفظ والمعنى في قوله : وما بعده
، وتكرر في اللفظ دون المعنى.
قال :" الصمد الذي لم يلد ولم يولد ; لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله لا يموت ولا يورث " (١).
ثم قال :" وأما تفسيره بأنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج فهو أيضاً مروي عن ابن عباس موقوفاً ومرفوعاً، فهو من تفسير الوالبي عن ابن عباس قال : الصمد السيد الذي كمل في سؤدده.
وهذا مشهور عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال : هو السيد الذي انتهى سؤدده. وعن عكرمة : الصمد الذي ليس فوقه أحد. ويروى هذا عن علي، وعن كعب الأحبار(٢) : الذي لا يكافئه من خلقه أحد. وعن السدي أيضا : هو المقصود إليه في الرغائب والمستغاث به عند المصائب ".
ثم ذكر عن بعض السلف وأهل اللغة نحو هذا المعنى، ثم قال :" وقال قتادة : الصمد الباقي بعد خلقه. وقال مجاهد ومعمر(٣) : هو الدائم.
وقد جعل الخطابي(٤) وأبو الفرج ابن الجوزي الأقوال فيه أربعة هذين واللذين تقدما، وسنبيِّن – إن شاء الله – أن بقاءه ودوامه من تمام الصمدية " (٥).
(٢) هو كعب بن ماتع بن ذي هجين الحميري، أبو إسحاق، تابعي ثقة، كان في الجاهلية من كبار علماء اليهود، أسلم زمن أبي بكر، وقدم المدينة زمن عمر، توفي بحمص سنة ٣٢هـ عن مائة وأربع سنين. انظر : حلية الأولياء ٥/٣٦٤، والتقريب ص٤٦١.
(٣) هو معمر بن راشد الأزدي مولاهم، أبو عروة، ثقة فقيه حافظ للحديث، ولد بالبصرة سنة ٩٥هـ، نزل اليمن، وتوفي سنة ١٥٣هـ، وهو أول من صنف باليمن. سير أعلام النبلاء ٧/٥، والتقريب ص٥٤١.
(٤) هو الإمام العلامة المفيد المحدث الرحال، أبو سليمان، حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي، من مؤلفاته : شرح البخاري، ومعالم السنن، توفي سنة ٣٨٨ هـ. انظر : طبقات الحفاظ ١/٤٠٤، وسير أعلام النبلاء ١٧/٢٣.
(٥) مجموع الفتاوى ١٧/٢١٤ – ٢١٨، باختصار.
– رضي الله عنهما –(١)، وعن الحسن أنه قال :" كل ما انفلق عن جميع ما خَلق من الحيوان، والصبح، والحبِّ، والنَّوى، وكل شيء من نبات وغيره " (٢).
وبه قال الضحاك(٣).
واستُدل له بقول الشاعر(٤) :
وَسْوس يدعو مخلصاً ربَّ الفلق | سِراً وقد أوَّن تأْوين العُقق |
كما رجحه ابن جرير، وقال :" والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله جل ثناؤه أمر نبيه محمداً أن يقول : أعوذ برب الفلق، والفلق في كلام العرب : فلق الصبح، تقول العرب : هو أبين من فلق الصبح ومن فرق الصبح، وجائز أن يكون في جهنم سجن اسمه فلق، وإذا كان ذلك كذلك ولم يكن جل ثناؤه وضع دلالة على أنه عنى بقوله :
بعض ما يدعى الفلق دون بعض، وكان الله تعالى ذكره رب كل ما خلق من شيء وجب أن يكون معنياً به كل ما اسمه الفلق إذْ كان ربُّ جميع ذلك " (٧)، واختاره الرازي(٨).
(٢) ذكره الماوردي ٦/٣٧٤.
(٣) نسبه إليه الماوردي ٦/٣٧٤، والقرطبي ١٧/١٧٤، وابن كثير ٤/٦١٣.
(٤) لم أعرفه، وقد استدل به القرطبي ٢٠/١٧٤.
(٥) وهناك أقوال أخرى هي أمثلة أخرى لهذا القول، انظر : الثعلبي ١٠/٣٣٩.
(٦) معاني القرآن وإعرابه ٥/٣٧٩.
(٧) تفسير ابن جرير ١٢/٧٤٨.
(٨) تفسيره ٣٢/١٧٦.
وقال – رحمه الله – عند هذه السورة :" فيها أقوال، ولم يذكر ابن الجوزي إلا قولين، ولم يذكر الثالث وهو الصحيح، وهو أن قوله : لبيان الوسواس، أي : الذي يوسوس من الجنة ومن الناس في صدور الناس، فإن الله تعالى قد أخبر أنه جعل لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، وإيحاؤهم هو وسوستهم، وليس من شرط الموسوس أن يكون مستتراً عن البصر ; بل قد يشاهد قال تعالى :(١)، وهذا كلام من يعرف قائله ليس شيئاً يلقى في القلب لا يدري ممن هو، وإبليس قد أمر بالسجود لآدم فأبى واستكبر، فلم يكن ممن لا يعرفه آدم، وهو ونسله يرون بني آدم من حيث لا يرونهم، وأما آدم فقد رآه، وقد يرى الشياطين والجن كثير من الإنس ؛ لكن لهم من الاجتنان والاستتار ما ليس للإنس... فالذي يوسوس في صدور الناس نفوسهم، وشياطين الجن وشياطين الإنس، والوسواس الخناس يتناول وسوسة الجنة ووسوسة الإنس، وإلا أي معنى للاستعاذة من وسوسة الجن فقط ؛ مع أن وسوسة نفسه وشياطين الإنس هي مما تضره، وقد تكون أضر عليه من وسوسة الجن.
وأما قول الفراء : أن المراد من شر الوسواس الذي يوسوس في صدور الناس : الطائفتين من الجن والإنس، وأنه سمى الجن ناساً كما سماهم رجالاً وسماهم نفراً. فهذا ضعيف ؛ فإن لفظ الناس أشهر وأظهر وأعرف من أن يحتاج إلى تنويعه إلى الجن والإنس، وقد ذكر الله تعالى لفظ الناس في غير موضع.
١ – أوصي إخواني طلاب العلم بمواصلة دراسة تراث هذا الإمام الكبير أبي العباس ابن تيمية – رحمه الله -، فإنه رغم الكم الهائل من الدراسات والبحوث التي كتبت حوله، ما زالت هناك كنوز لم تكتشف في تركته.
٢ – أوصي بدراسة منهجه في التعارض والترجيح ولا سيما في التفسير، فإن دراسة ذلك من خلال تمهيد قصير لا تفي بالغرض.
٣ – أوصي بالعناية بكتب الشيخ وفتاويه ورسائله، وتحقيقها، وتصحيحها، ولا سيما المجاميع الكبار، حيث إن فيها سقطاً وتصحيفاً، وتكراراً، وتداخلاً، وقد سبقت الإشارة إلى أن هناك جهود متعددة بذلت في ذلك، وما زالت، ولكن المأمول أكبر.
٤ – أوصي بالعمل على إعداد موسوعة شاملة لأقوال السلف في التفسير، وتمييز الصحيح منها من السقيم، حيث إنها من أقوى المرجحات.
وفي الختام أسأل الله تعالى التوفيق والسداد، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
++++++++++++
IN THE NAME OF ﷺLLAH، MOST GRACIOUS، MOST MERCIFUL
Summary of the paper
Ibn Taimiah's Selections and Preferences in Interpretation
( Compiling & Studying )
Prepared by
IBRAHIM IBN SALEH IBN ﷺBDULLAH ﷺL- HOMIDI
Under Supervision of:
DR. NASER IBN MOHAMEتعالى ﷺL- HOMAID
Assistant professor at the faculty of Islamic Law & Religion Fundamentals
AL QASSIM UNIVERSIT
Numbers of pages : ٨٣٢ in two volumes
Kind of the paper : تعالىoctorate degree
Academic :ear : ١٤٢٥ – ١٤٢٦ ﷺ.H.
٧٣... ١٣٢، ١٣٨، ٥٤٣
٧٤... ١٣٢
٧٥... ١٣٢، ١٣٧
٧٨... ٧٠٩
٧٩... ٤٠٦
١٠٢... ١٧٠، ١٧٢
-... ١٠٧ - ١٠٨... ٣٤٨
(سورة الكهف)
٦... ١٥١
٧... ٤١٣
٢١... ٥٦
٢٢... ٧٨، ٧٩، ٨٠، ٨١، ٩٦
٢٣-٢٤... ٣٦١
٢٩... ٩٦
١٠٣... ٥١، ٨٢، ٨٣، ٨٤، ٨٥
١٠٤... ٨٢، ٨٣
١٠٥... ٨٥
(سورة مريم)
٥... ٨٨، ٨٩، ٩٠، ٩٢
٦... ٨٨، ٩٠، ٩١، ٩٢، ٩٣
١٨... ٥١، ٩٤
٣٤... ٧٠، ٩٦
٥٤... ٢٧١
٥٩... ٥٢، ١٠٠، ٦٦٨
٦٠... ١٠٢
(سورة طه)
١٥... ١٣٨
٥٠... ٥٧١
٥٥... ٢٩٤
١٠٨... ٥٥١
١٠٩... ٥٥٠
١١٠... ١٠٤، ١٠٥
١٣٣... ٦٦٠
(سورة الأنبياء)
١٠... ٣٣٧
٢٢... ٢٠٤
٢٨... ٥٥٤
٤٢... ١٠٦، ١٠٧
٤٥... ٥٧٧
٧٢... ٢٦٥
٧٧... ٥٤٣، ٥٤٤، ٥٤٥
٨٣... ١١٣
٨٥... ٢٦٥، ٢٧١
٩١... ١٠٩، ١١١
٩٨... ١٤٨
(سورة الحج)
٥... ٦٣٥، ٦٣٨
١١... ١١٣
١٢... ١١٣، ١١٤، ١١٦، ١١٨
١٣... ١١٣، ١١٤، ١١٦، ١١٧، ١١٨
١٨... ١١٩، ١٢٠، ١٢٢
٣٠... ٥٧، ٧٤، ١٢٣، ١٢٤
٣١... ١٢٣، ١٢٤
٣٩... ٦٩١
٤٠... ٥٣، ١٢٦
٥٢... ٦٤، ١٢٨، ١٣٠، ١٣٢، ١٣٤، ١٤٦، ١٤٨، ١٥٠
٥٣... ١٢٨، ١٣٠، ١٤٩
٥٤... ١٢٨، ١٣٠، ١٤٩
٥٥... ١٣٢
٦٢... ٩٨
٦٥... ٣٩٩
٧٢... ٥٨٦
(سورة المؤمنون)
١٤... ٤٣٥، ٤٣٦
٢٠... ٣٩٣
٤٠... ٥٥٨
٤٩... ٢٨١
٦٨... ٢٧٦
٧١... ٣٣٧
٧٥... ٣٥، ٤٩٦
١١٥... ٤١٩
١١٧... ٦٢٨
(سورة النور)
٢... ٥٤، ١٥٥
٣... ٦٩، ١٥٣، ١٥٥، ١٥٧، ١٥٨
٤... ٣٦٤
٢٥... ٩٨
٣٢... ١٥٥، ١٦٠، ١٦١
٤٣... ١٣٨
٤٥... ٦٨٨
(سورة الفرقان)
١... ٥٧٤
١٠... ٤٣٥
١١... ٦٤٤
١٩... ٦٤٤
٧٢... ١٦٣، ١٦٤، ١٦٦، ١٦٧
٧٧... ١٦٨
(سورة الشعراء)
٢٣... ٥٠، ١٧٠، ١٧٢
٢٤... ١٧٠
٢٩... ١٧٠، ١٧٢
١٠٥... ٦٤٤
١٣٧... ٥١٠
١٩٣... ٥١٠
١٩٤... ٥١٠
١٩٥... ٦٥، ٥١٠
٢١٠... ٤٤٩
٢١١... ٤٤١، ٤٤٩
٢١٢... ٤٤١
٢١٤... ٣٣٦، ٣٣٧
٢١٥... ٣٣٦
٢٢١... ١٤١، ٤٨٩
٢٢٢... ١٤١
(سورة النمل)
١٤... ١٧١، ١٧٢
١٦... ٥٣، ٨٨، ١٧٤، ١٧٦
١٧... ١٧٦
٥٩... ١٧٩
٦٠... ٤٩، ٦٠، ١٧٨، ١٧٩، ١٨٠
٦٥... ٥٣، ٧٣، ١٨٣، ١٨٤
٨٠... ١٨٦، ١٨٧، ١٨٨، ٥٧٧
٨١... ١٨٨، ٦٧٩
٨٧... ١٩٠
٨٩... ١٩٢، ١٩٣، ١٩٥، ١٩٦
٩٠... ١٩٣، ١٩٥، ١٩٧، ١٩٨
(سورة القصص)
٣... ٣٨١
٢٣... ١٩٩
٣٨... ١٧٢
٤١... ٤٧١
٤٣... ٢٥٣
٥١... ٢٧٧
٥٢... ٤٧٧، ٤٧٨
٥٣... ٣٤٨، ٤٧٨
٥٤... ٤٧٧، ٤٧٨
٥٦... ٦٢٥
٨٨... ٢٠٣، ٢٠٤، ٢٠٧
(سورة العنكبوت)
٢٧... ٢٦٥
٤٥... ٢٠٨، ٢٠٩، ٢١٢
٤٦... ٢١٣، ٢١٤، ٢١٥، ٢١٦
٦٥... ١٦٩
...... (سورة الروم)
٣٠... ٢١٧، ٢١٨، ٢١٩، ٢٢٠
٤٧... ٦٣٠
٤٩... ٢٢١، ٢٢٢
٥٤... ٦٣٣
(سورة لقمان)
٢٠... ٢٩٢