هذا، وقد رأيت أن أكتب في هذا الموضوع لأسباب أهمها ما يلي :
١- أهمية الموضوع – كما تقدم – وحاجة المكتبة القرآنية إلى دراسة وافية مستقلة فيه.
٢- تَعَلُّق الموضوع بشخصية علمية كبيرة، لها قوتها في الاختيار والترجيح، وأثرها في النقد، والتصحيح، لا سيما وأن كثيراً من اختيارات شيخ الإسلام واقعة في الآيات المشكلة.
٣- تقريب علم هذا الإمام – شيخ الإسلام – حيث إنه لم يَكتب كتاباً مستقلاً في تفسير القرآن، ولكنْ تفسيرُه مبثوث في ثنايا كتبه الكثيرة، لا سيما وأن مَن جَمع تفسيره لم يستوعب جميع أقواله فيه(١)، ثم إنه لا يتبين ترجيحه في بعض الآيات إلا بعد قراءة عشرات الصفحات، مع التأمل فيها، ومراجعة أقوال المفسرين حولها.
٤- الاستفادة من الوجوه والقواعد الترجيحية التي استعملها شيخ الإسلام في ترجيحاته، وإبرازها.
٥- أن في بحث هذا الموضوع، فائدةً كبيرة للباحث ؛ حيث يتمكن من الإطلاع على مؤلفات هذا الإمام الكبير، والنهل من بحر علمه الغزير.
مجال البحث وحدوده :
هذا البحث يُعنى بجمع اختيارات، وترجيحات ابن تيمية في التفسير، ودراستها، وموازنتها بأقوال غيره من المفسرين، وذكر الراجح منها مع الاستدلال له، ومناقشة الأقوال الأخرى، مع مراعاة قواعد الترجيح عند المفسرين، والوقوف على ما يحسن الوقوف عليه من بيان مصطلح، أو شرح قاعدة، أو ذكر فائدة، ونحو ذلك من الأمور التي تثري البحث وتقويه.
والمقصود إنما هو النفخ في الفرج ؛ كما أخبر اللَّه به في آيتين، وإلا فالنفخ في الثوب فقط من غير وصول النفخ إلى الفرج مخالف للقرآن، مع أنه لا تأثير له في حصول الولد، ولم يقل ذلك أحد من أئمة المفسرين، ولا نقله أحد عن عالم معروف من السلف " (١).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بالموضع الذي نفخ جبريل - عليه السلام - من مريم على قولين :
القول الأول : أن المراد به فرج نفسها ؛ أي موضع الولد منها(٢) ؛ وبه قال مقاتل(٣)، وأبو صالح(٤)، وهو ظاهر الآية، وهو اختيار الشيخ، والشنقيطي.
القول الثاني : أنه نفخ في جيب درعها ؛ قاله ابن جريج(٥)، وقتادة(٦) (٧)، وبه قال أكثر المفسرين(٨).
(٢) تفسير ابن الجوزي ٥/٢٦٧.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم انظر الدر المنثور ٤/٦٠٢.
(٤) تفسير ابن ابي حاتم ٧/٢٤٠٣، وفي بعض الآثار لبس فيها تصريح بذلك ولكن كناية كما ورد عن سعيد بن جبير وعطاء بن يسار حيث قالا :" نفخ جبريل في جيب درعها فبلغت ". تفسير ابن أبي حاتم ٧/٢٤٠٣. وعن وهب بن منبه أنه قال : نفخ - يعني جبريل - في جيب درعها حتى وصلت النفخة إلى الرحم، تفسير ابن جرير ٨/٣٢٢، وقال السدي : نفخ في جيب درعها، وكان مشقوقاً من قدامها، فدخلت النفخة صدرها، فحملت.
(٥) تفسير ابن جرير ٨/٣٢٣.
(٦) هو قتادة بن دعامة بن عزيز السَّدوسي، البصري، روى عن أنس وأبي الطفيل وغيرهما، حافظ مفسر، مات بواسط سنة ١١٧هـ. انظر : تهذيب التهذيب ٨/٣٥١، وتقريب التهذيب ص٤٥٣.
(٧) تفسير ابن جرير ١٢/١٦٣، وابن أبي حاتم ٨/٢٤٦٦.
(٨) انظر : تفسير الواحدي ٣/٢٥٠، والبغوي ٣/٢٦٧، والزمخشري ٣/٢٠، والقرطبي ١١/٢٢٤، والخازن ٣/٢٤٢، والبقاعي ٢٠/٢١٢، والشنقيطي ٥/٣٦٤، وصديق حسن خان ٨/٣٦٩.
وفي الصحيحين عن عمرو بن عوف عن النبي - ﷺ - أنه قال :" والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخاف أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتتنافسوا فيها كما تنافسوا فيها وتهلككم كما أهلكتهم " (١).
فجعل الدنيا المبسوطة هي المهلكة لهم : وذلك بسبب حبها والحرص عليها والمنافسة فيها وإن كانت مفعولاً بها لا اختيار لها، فهكذا المدعو المعبود من دون الله الذي لم يأمر بعبادة نفسه إما لكونه جماداً وإما لكونه عبداً مطيعا لله من الملائكة والأنبياء والصالحين من الإنس والجن، فما يدعى من دون الله هو لا ينفع ولا يضر، لكن هو السبب في دعاء الداعي له وعبادته إياه، وعبادة ذاك ودعاؤه هو الذي ضره فهذا الضر المضاف إليه غير الضر المنفي عنه فضرر العابد له بعبادته يحصل في الدنيا والآخرة..." (٢).
الدراسة :
هذه الآية فيها إشكال، وذلك أن الضرَّ والنفع منفيان عن الأصنام في الآية الأولى مثبتان في الآية الثانية، وقد اختلف المفسرون في التوفيق بينهما، وإليك أشهر الأقوال في توجيه هذه الآية :
قال السُّدي :" في قوله : إن عصاه في الدنيا
إن أطاعه، وهو الصنم يقول : ضره في الآخرة من أجل عبادته إياه في الدنيا " (٣)، واختاره ابن جرير(٤).
(٢) مجموع الفتاوى ١٥/٢٦٩ - ٢٧٥.
(٣) ذكره في الدر ٤/٦٢٤، وعزاه لابن أبي حاتم، وهو قول ابن جرير ٩/٤١٥.
(٤) تفسيره ٩/٤١٧.
ومعلوم أن هذه الآية لم تتعرض للصفات التي بها تحرم المرأة مطلقاً أو مؤقتاً ; وإنما أمر بإنكاح الأيامى من حيث الجملة ; وهو أمر بإنكاحهن بالشروط التي بينها وكما أنها لا تنكح في العدة والإحرام لا تنكح حتى تتوب... ".
ثم قال :" فإن قيل : ما معنى قوله : ؟ قيل : المتزوج بها إن كان مسلماً فهو زان، وإن لم يكن مسلماً فهو كافر. فإن كان مؤمناً بما جاء به الرسول من تحريم هذا وفعله فهو زان ; وإن لم يكن مؤمناً بما جاء به الرسول فهو مشرك كما كانوا عليه في الجاهلية كانوا يتزوجون البغايا. يقول : فإن تزوجتم بهن كما كنتم تفعلون من غير اعتقاد تحريم ذلك فأنتم مشركون، وإن اعتقدتم التحريم فأنتم زناة ؛ لأن هذه تمكن من نفسها غير الزوج من وطئها فيبقى الزوج يطؤها كما يطؤها أولئك، وكل امرأة اشترك في وطئها رجلان فهي زانية ; فإن الفروج لا تحتمل الاشتراك ; بل لا تكون الزوجة إلا محصنة " (١).
الدراسة :
سبب نزول الآية استئذانُ بعض الصحابة رضي الله عنهم رسولَ الله - ﷺ - في نكاح نساء
ووجه تفسير التابعِين المذكورِين أن الزور هو المحسَّن المموَّه حتى يظهر بخلاف ما هو عليه في الحقيقة... فالشاهد بالزور يظهر كلاماً يخالف الباطن، ولهذا فسره السلف تارة بما يظهر حسنه لشبهة، أو لشهوة، وهو قبيح في الباطن. فالشرك ونحوه : يظهر حسنه للشبهة، والغناء ونحوه يظهر حسنه للشهوة " (١).
الدراسة :
اختلفت عباراتُ المفسرين في بيان المراد بالزور في الآية وإليك أقوالهم :
القول الأول : أنه صنم كان لقريش ؛ وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.
القول الثاني : أنه الغناء ؛ قاله مجاهد، ومحمد بن الحنفية(٢)، ومكحول(٣). وقال الحسن :" الغناء والنياحة ".
القول الثالث : أنه الشرك ؛ قاله الضحاك، وابن زيد.
القول الرابع : أنه لعب كان لهم في الجاهلية ؛ قاله عكرمة.
القول الخامس : أنه الكذب ؛ قاله قتادة، وابن جريج.
(٢) هو أبو عبد الله وأبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب القرشي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، أمه خولة بنت جعفر الحنفية، فنسب إليها، ولد بالمدينة سنة ٢١هـ، وتوفي بها سنة ٨١هـ. انظر : سير أعلام النبلاء ٤/١١٠، والتقريب ص٤٩٧ رقم (٦١٥٧).
(٣) هو الحافظ مكحول بن أبي مسلم، أبو عبد الله، الهذلي بالولاء، عالم أهل الشام، توفي بدمشق سنة بضع عشرة ومائة، ويقال له : مكحول الشامي. انظر : تهذيب التهذيب ١٠/٢٨٩، والتقريب ص٥٤٥ رقم (٦٨٧٥).
٣ - ما أشار إليه شيخ الإسلام من أن فرعون استفهم بـ( ما ) فقال : فدل على أنه منكر للرب - تعالى -، ولو أراد السؤال عن تعيين شيء يقرُّ بوجوده لاستفهم بـ( مَن ) فقال :( ومن رب العالمين )(١).
القول الثاني : أنه سؤال عن ماهية(٢) الربِّ - تعالى - واختاره البغوي(٣)، وابن عطية(٤)، وابن الجوزي(٥)، والرازي(٦)، والقرطبي(٧)، والبيضاوي(٨)، وابن عاشور(٩)، وغيرهم. واستدلوا بأن ( ما ) سؤال عن الماهية، أو عن الجنس(١٠)، ويناقش بأنه غير مسلم، وتقدم بيانُ ذلك.
والراجح - والله تعالى أعلم - القول الأول، لقوة أدلته.
(٢) الماهية مصطلح منطقي، قال الجرجاني :" الأظهر أنه نسبة إلى ( ما هو ) جعلت الكلمتان ككلمة واحدة ". التعريفات ص ١٩٥، وقال الكفوي :" مقول في جواب ( ما هو ) بمعنى : أي جنس ". الكليات ص٧٥٢.
(٣) تفسيره ٣/٣٨٤.
(٤) تفسيره ١٢/٥٦.
(٥) تفسيره ٦/٣٥.
(٦) تفسيره ٢٤/١١١.
(٧) تفسيره ١٣/٦٧.
(٨) تفسيره ٢/١٥٣.
(٩) تفسيره ١٩/١١٦.
(١٠) انظر : تفسير ابن عطية ١٢/٥٧، والبرهان في علوم القرآن للزركشي ٤/٥١، وابن عاشور ١٩/١١٦.
٤ - أن داود كان له أولاد غير سليمان - عليهما السلام - ؛ فلو كان المراد المال لم يخص سليمان من بينهم(١).
٥ - ما ذكره شيخ الإسلام في كلامه المتقدم من أن كونه ورث ماله ليس صفة مدح لا لداود ولا لسليمان ؛ فإن اليهودي والنصراني يرث أباه ماله، والآية سيقت في بيان المدح لسليمان وما خصه الله به من النعمة.
٦ - ما ذكره شيخ الإسلام أيضاً من أن إرث المال هو من الأمور العادية المشتركة بين الناس كالأكل والشرب ودفن الميت، ومثل هذا لا يقص على الأنبياء ؛ إذ لا فائدة فيه، وإنما يقص ما فيه عبرة وفائدة تستفاد، وإلا فقول القائل : مات فلان وورث ابنه ماله، مثل قوله : ودفنوه، ومثل قوله : أكلوا وشربوا وناموا ونحو ذلك، مما لا يحسن أن يجعل من قصص القرآن.
٧ - وأما قول الحسن :" النبوة والعلم من فضل الله، لا يكون بالميراث " ؛ فيناقش بأن المال إذا ورثه الولد فهو فضل من الله - تعالى -(٢).
سورة النمل : الآية ٦٠
قال تعالى :(٣).
رجح شيخ الإسلام أن معنى قوله تعالى : أإله مع الله فعل هذا.
قال – رحمه الله – عند هذه الآيات :" أي : أإله مع الله فعل هذا ؟ وهذا استفهام إنكار، وهم مقرُّون بأنه لم يفعل هذا إله آخر مع الله.
ومن قال من المفسرين إن المراد : هل مع الله إله آخر، فقد غلط ; فإنهم كانوا
يجعلون مع الله آلهة أخرى كما قال تعالى :
(٤)، وقال تعالى :
(٥)، وقال تعالى عنهم :
(٢) انظر : تفسير الرازي ٢٤/١٦٠.
(٣) سورة النمل : الآية ٦٠.
(٤) سورة الأنعام : الآية ١٩.
(٥) سورة هود : الآية ١٠١.
وقال ابن الجوزي :" وعلى هذا أكثر أهل التفسير " (١).
واختاره ابن جزي(٢)، والقرطبي، ونسبه للجمهور، وقال :" وهو ظاهر القرآن " (٣)، واختاره الشوكاني(٤).
وقد ردَّ هذا القول الحسنُ، وشيخُ الإسلام كما تقدم.
والراجح – والله تعالى أعلم – أن هذا الرجل من أهل مدين لكنه لا يعرف، لعدم وجود الدليل على تعيينه، واختاره ابن جرير، وقال بعد أن ذكر بعض الأقوال في تعيين اسمه :" وهذا مما لا يدرك علمُه إلا بخبر، ولا خبر بذلك تجب حُجَّته " (٥)، وهو اختيار شيخ الإسلام - كما تقدم -.
سورة القصص : الآية ٨٨
قال تعالى :(٦).
اختار شيخ الإسلام أن معنى قوله تعالى : إلا ما أريد به وجهُه(٧).
(٢) تفسيره ٢/١٤٢، ونسبه للجمهور، وكذا أبو حيان ٧/١٠٩.
(٣) تفسيره ١٣/٢٨١.
(٤) تفسيره ٤/٢٣٧.
(٥) تفسيره ١٨/٢٢٤ [ ط التركي ].
(٦) سورة القصص : الآية ٨٨.
(٧) قال الشيخ مناع القطان - رحمه الله - :" وهذا لا يتعارض مع ما ذ كره شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية من الاستدلال بالآية على إثبات صفة الوجه لله - تعالى - على ما يليق به ؛ لأن إضافة الوجه إلى الله - تعالى - أو إلى ضميره يحمل فيها الوجه على الحقيقة بما يليق به
- سبحانه -، أما المعنى الإسنادي للجملة وحمل المراد به على ما أريد به وجه الله فإنه لا يعارض ذلك ؛ فإن السلف يفسرون المعنى الإسنادي باللازم ولا ينفون حقيقة الصفة، وهذا لا بأس به. بخلاف من يفسرون باللازم وينفون الصفة ". قواعد الترجيح عند المفسرين ١/١٧٥ هامش (٢).
وقال الشيخ محمد العثيمين :" وعلى طريقة من يقول بجواز استعمال المشترك في معنييه ؛ نقول : يمكن أن نحمل الآية على المعنيين ؛ إذ لا منافاة بينهما، فتحمل على هذا وهذا، فيقال : كل شيء يفنى إلا وجه الله عز وجل، وكل شيء من الأعمال يذهب هباءً إلا ما أريد به وجه الله عز و جل. وعلى أي التقديرين ؛ ففي الآية دليل على ثبوت الوجه لله عز وجل ". شرح العقيدة الواسطية للعثيمين ١/٢٨٦.
وقد روي هذا التفسير مرفوعاً إلى النبي - ﷺ - (١)، واختار هذا القول ابن جرير(٢).
القول الثاني : أن المعنى : ولذكر الله أفضل من كل شيء سواه ؛ وهو قول أبي الدرداء، وسلمان - رضي الله عنهما -(٣)، وقتادة(٤)، وابن زيد(٥).
واستدل أصحاب هذا القول بالأحاديث الدالة على أن الذكر أفضل الأعمال(٦) ومنها :
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : كان رسول الله - ﷺ - يسير في طريق مكة، فمر على جبل يقال له جُمْدان، فقال :" سيروا، هذا جمدان سبق المفرِّدون، قالوا : وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : الذاكرون الله كثيراً والذاكرات " (٧).
وحديث أبي الدرداء أن النبي - ﷺ - قال :" ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا : بلى، قال : ذكر الله تعالى " (٨).
(٢) تفسيره ١٠/١٤٨.
(٣) وقد رُوي عنهما القول الأول، قال الألوسي :" ولعل ذلك إحدى روايتين عنهما " تفسيره ٢٠/١٦٥.
(٤) تفسير ابن جرير ١٠/١٤٧، واختار هذا القول ابن عطية ١٢/٢٢٧.
(٥) ذكره عنه ابن عطية ١٢/٢٢٧.
(٦) انظر : تفسير البغوي ٣/٤٦٩، والدر المنثور ٥/٢٨١.
(٧) أخرجه مسلم ٤/٢٠٦٢ ح٢٦٧٦، كتاب الذكر والدعاء، باب الحث على ذكر الله تعالى.
(٨) أخرجه الترمذي ٥/٤٢٨ ح٣٣٧٧، كتاب الدعوات، باب : ٦، وابن ماجه ٢/١٢٤٥ ح٣٧٩٠، كتاب الأدب، باب فضل الذكر، وأحمد ٦ / ٤٤٧، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ٣/١٣٩.
قال - رحمه الله - بعد أن ذكر القولين :" قلت : مجاهد وعكرمة رُوِيَ عنهما القولان ؛ إذ لا منافاة بينهما كما قال تعالى :(١)، فتغيير ما خلق الله عليه عباده من الدين تغيير لخلقه، والخصاء وقطع الأذن أيضاً تغيير لخلقه.
ولهذا شبه النبي - ﷺ - أحدهما بالآخر في قوله :" كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصِّرانه ويمجِّسانه، كما تَنْتُج البهيمة بهيمةً جَمْعَاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟ " (٢) (٣)، فأولئك يغيرون الدين، وهؤلاء يغيرون الصورة بالجدع والخصاء، هذا تغيير لما خلقت عليه نفسه، وهذا تغيير ما خُلق عليه بَدَنهُ " (٤).
واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى : على قولين :
القول الأول : أن معنى قوله تعالى : لا تبديل لدين الله ؛ وبه قال ابن عباس - رضي الله عنهما -(٥)، وإبراهيم النخعي، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن زيد(٦).
قال الزجاج :" أكثر ما جاء في التفسير أن معناه لا تبديل لدين الله، وما بعده يدل عليه، وهو قوله - عز وجل - : ، أي : لا يعلمون بحقيقة ذلك " (٧).
وقال البخاري في صحيحه :" لدين الله،
(٢) أي كما تلد البهيمة بهيمة جمعاء : مجتمعة الأعضاء سليمة من كل نقص، لا يوجد منها جدعاء وهي مقطوعة الأذن أو غيرها من الأعضاء، وإنما يحصل النقص بعد ولادتها. انظر : فتح الباري ٣/٣١٦.
(٣) أخرجه البخاري ٣/٣١٢، ح١٣٨٥، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين.
(٤) درء التعارض ٨/٣٧٧.
(٥) تفسير ابن أبي حاتم ٩/٣٠٩١.
(٦) أخرجها عنهم ابن جرير ١٠/١٨٣ – ١٨٤.
(٧) معاني القرآن للزجاج ٤/١٨٥، واقتصر عليه ابن كثير ٣/٤٤٢، والسعدي ص٦٤١.
وحديث أم سلمة، قالت : لما نزلت هذه الآية : دعا رسول الله - ﷺ - علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فجلّل عليهم كساءً خيبريَّاً، فقال :" اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم اذهب عنهم الرجس، وطهرهم تطهيراً "، قالت أم سلمة : ألستُ منهم ؟ قال :" أنتِ إلى خير " (١).
ويناقش بأن هذه الأحاديث لا تمنع دخول أزواجه في آل البيت، بل تدلُّ على أن هؤلاء المذكورين أولى من يستحق هذا الوصف كما أشار إلى ذلك الشيخ(٢).
القول الثاني : أن المراد بأهل البيت في الآية أزواج النبي - ﷺ - خاصَّة ؛ وبه قال عكرمة، فقد رُوي عنه أنه كان ينادي في السوق : قال :" نزلت في نساء النبي - ﷺ - خاصة " (٣)، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما -(٤)، وعروة بن الزبير(٥).
قال ابن كثير بعد أن أورد قول ابن عباس وعكرمة :" فإن كان المراد أنهنّ كنَّ سببَ النُّزول دون غيرهن فصحيح، وإن أُريد أنهن المراد فقط دون غيرهن، ففي هذا نظر، فإنه قد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعمُّ من ذلك " ثم ذكرها(٦).
وقال أبو حيان عن قول ابن عباس :" فلعله لا يصح " (٧).
(٢) وانظر : قواعد التفسير ٢/٨٥٧.
(٣) أخرجه ابن جرير ١٩/١٠٨ ط التركي، وعزاه في الدر ٥/٣٧٦ أيضاً لابن مردويه.
(٤) ذكره في الدر ٥/٣٧٦، وعزاه لابن أبي حاتم وابن عساكر من طريق عكرمة، وأخرجه ابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عنه.
(٥) ذكره في الدر ٥/٣٧٦، وعزاه لابن سعد.
(٦) تفسيره ٣/٤٩١ - ٤٩٢.
(٧) تفسيره ٧/٢٢٤.
القول الأول : أن الضمير في قوله تعالى : يعود على المعمَّر الأول نفسِه، والمعنى : ما يكتب لمُعمَّر من الأجل ولا ينقص منه مكتوب عند الله تعالى، وهذا القول مروي عن أبي مالك(١) (٢)، والسُّدي، وعطاء الخرساني(٣)، وهو ما اختاره شيخ الإسلام كما تقدم، واختاره أبو حيان(٤)، والشوكاني(٥)، والسعدي(٦).
قال الزجاج :" وتأويل الآية : أن الله – جل وعز – قد كتب عُمرُ، كل معمر وكتب يعمَّر كذا وكذا سنة، وكذا وكذا شهراً، وكذا وكذا يوماً، وكذا وكذا ساعة، فكل ما نقص من عمره من سنة أو شهر أو يوم أو ساعة كتب ذلك حتى يبلغ أجله " (٧).
قال الشوكاني عند هذه الآية :" والأولى أن يقال : ظاهر النظم القرآني أن تطويل العمر وتقصيره هما بقضاء الله وقدره لأسباب تقتضي التطويل، وأسباب تقتضي التقصير.
فمن أسباب التطويل ما ورد في صلة الرحم عن النبي - ﷺ - ونحو ذلك، ومن أسباب التقصير الاستكثار من معاصي الله عز وجل، فإذا كان العمر المضروب للرجل مثلاً سبعين سنة فقد يزيد الله له عليها إذا فعل أسباب الزيادة، وقد ينقصه منها إذا فعل أسباب النقصان والكل في كتاب مبين، فلا تخالف بين هذه الآية وبين قوله سبحانه :(٨)، ويؤيد هذا قوله سبحانه :(٩).
(٢) أخرجه ابن جرير ١٠/٤٠١.
(٣) أخرجه عنهما ابن أبي حاتم ١٠/٣١٧٥، ٣١٧٦.
(٤) تفسيره ٧/٢١٩.
(٥) تفسيره ٤/٤٨٠.
(٦) تفسيره ص٦٨٦.
(٧) معاني القرآن للزجاج ٤/٢٦٦.
(٨) سورة النحل : الآية ٦١.
(٩) سورة الرعد : الآية ٣٩.
قال أبو الفرج ابن الجوزي : وهذا ظاهر القرآن وهو مروي عن ابن عباس وكعب ووهب بن منبه. قال : وقال المفسرون في قوله :(١). أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة وصاح بهم صيحة واحدة فإذا هم ميتون لا يسمع لهم حس كالنار إذا أطفئت وذلك قوله : أي : ساكنون كهيئة الرماد الخامد(٢).
ومعلوم عند الناس أن أهل أنطاكية لم يصبهم ذلك بعد مبعث المسيح بل آمنوا قبل أن يبدل دينه، وكانوا مسلمين مؤمنين به على دينه إلى أن تبدل دينه بعد ذلك، ومما يبين ذلك أن المعروف عند أهل العلم أنه بعد نزول التوراة لم يهلك الله مكذبي الأمم بعذاب من السماء يعمهم، كما أهلك قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط، وفرعون وغيرهم، بل أمر المؤمنين بجهاد الكفار، كما أمر بني إسرائيل على لسان موسى بقتال الجبابرة، وهذه القرية أهلك الله أهلها بعذاب من السماء، فدل ذلك على أن هؤلاء الرسل المذكورين في يس كانوا قبل موسى - عليه السلام -، وأيضاً فإن الله لم يذكر في القرآن رسولاً أرسله غيره، وإنما ذكر الرسل الذين أرسلهم هو، وأيضاً فإنه قال :(٣).
فأخبر أنه أرسلهم، كما أخبر أنه أرسل نوحاً وموسى وغيرهما، وفي الآية :(٤).
ومثل هذا هو خطاب المشركين لمن قال : إن الله أرسله وأنزل عليه الوحي لا لمن جاء رسولاً من عند رسول، وقد قال بعد هذا :(٥) وهذا إنما هو في الرسل الذين جاءوهم من عند الله لا من عند رسله.
(٢) زاد المسير ٦/٢٦٦ – ٢٦٨.
(٣) سورة يس : الآية ١٤.
(٤) سورة يس : الآية ١٥.
(٥) سورة يس : الآية ٣٠.
وأجيب بأنه يمكن أن تجعل الأولى على المصدرية أيضاً فإنهم في الحقيقة إنما عبدوا نحتهم(١).
٣ – حديث حذيفة - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - قال :" إن الله خالق كل صانع وصنعته "، وقد استدل به شيخ الإسلام كما تقدم، واستدل به ابن كثير للقول بأنها مصدرية، والحديث يحتمل القولين.
القول الثاني : أن في الآية مصدرية والتقدير : خلقكم
وأعمالكم، واختاره مكي (٢) (٣)، وابن المنيِّر(٤) (٥)،
والقرطبي(٦)، والعكبري(٧).
ومن أدلة هذا القول ما يلي :
١ – حديث حذيفة المتقدم :" إن الله خلق كل صانع وصنعته " (٨).
... وقد تقدم أن الاستدلال به غير ظاهر.
(٢) هو مكي بن أبي طالب حَمُّوش بن محمد بن مختار الأندلسي القيسي، أبو محمد، مقرئ عالم بالتفسير والعربية، من مؤلفاته : مشكل إعراب القرآن، ، والإيضاح للناسخ والمنسوخ، توفي بقرطبة سنة ٤٣٧هـ. انظر : بغية الوعاة ٢/٢٩٨ ترجمة (٢٠١٨)، وطبقات المفسرين للداوودي ٢/٣٣١.
(٣) إعراب القرآن ص٦١٥.
(٤) هو أحمد بن محمد بن منصور، ابن الْمُنَيِّر الإسكندراني، من مؤلفاته : تفسير حديث الإسراء، والانتصاف من الكشاف، توفي سنة ٦٨٣هـ. انظر : شذرات الذهب ٥/٣٨١، وفوات الوفيات ١/١٤٩.
(٥) الانتصاف ٣/٣٠٥.
(٦) تفسيره ١٥/٦٥.
(٧) إملاء ما من به الرحمن ص٤٤٩.
(٨) تقدم تخريجه، وقد استدل به ابن كثير ٤/١٥، والقرطبي ١٥/٦٥.
واختاره السعدى أيضاً وقال :" وهذا جنس يشمل كل قول ؛ فهم يستعملون جنس القول ليميزوا بين ما ينبغي إيثاره، مما ينبغى اجتنابه، فلهذا من حزمهم وعقلهم أنهم يتبعون أحسنه، وأحسنُه على الإطلاق كلام الله وكلام رسوله كما قال في هذه السورة :(١) الآية " (٢).
القول الثالث : أنه الوحي من الكتاب والسنَّة، واختاره الشنقيطي(٣).
هذا ولم يتبين لي رجحان شيء من الأقوال، وكل منها له وجه، وأما قول شيخ الإسلام :" إن تعميمها في كل قول باطل بإجماع المسلمين "، فمراده : الاستدلال بها على جواز استماع الكلام المحرم ؛ حيث قال ذلك في سياق حديثه عن استماع الغناء، وإلا فقد اختار تعميمها بعض المفسرين كما تقدم، ولكنْ لا يلزمهم القول بأنهم يبيحون استماع القول المحرم، بل هو مستثنى بأدلة أخرى – والله أعلم -.
سورة الزمر : الآية ٣٣
قال تعالى :(٤).
اختار شيخ الإسلام أن لفظ الآية علم مطلق، فالصَّدق يشمل كل صدْق، والذي صدَّق به يشمل كل من آمن بالنبي ﷺ وبما جاء به.
قال – رحمه الله – ردَّاً على من قال إن الذي جاء بالصدق محمد - ﷺ -، والذي صدَّق به علي بن أبي طالب :" إن هذا ليس منقولاً عن النبي - ﷺ -، وقول مجاهد وحده ليس بحجة يجب اتَّباعها على كل مسلم، لو كان هذا النقل صحيحاً عنه، فكيف إذا لم يكن ثباتاً عنه ؛ فإنه قد عُرف بكثرة الكذب عليه.
والثابت عن مجاهد خلاف هذا، وهو أن الصدق هو القرآن، والذي صدق هو المؤمن الذي عمل به، فجعلها عامة... ".
(٢) تفسيره ص٧٢١.
(٣) تفسيره ٧/٤٧، وانظر : تفسير القرطبي ١٥/١٥٩.
(٤) سورة الزمر : الآية ٣٣.
وقد استدل أصحاب هذا القول من السلف، ومن بعدهم، بأن هذه الآية مفسَّرة بآية البقرة(١).
قال الشنقيطي :" الدليل من القرآن على أن هذا القول في الآية هو التحقيق أن الله صرح به واضحاً في قوله جلَّ علا : ، وبذلك تعلم أن ما سواه من الأقوال [ في ] الآية لا معوَّل عليه.
والأظهر عندي أن المسوِّغ الذي سوغ إطلاق اسم الموت على العلقة والمضغة مثلاً في بطون الأمهات، أن عين ذلك الشيء الذي هو نفس العلقة والمضغة له أطوار كما قال تعالى :(٢)، (٣)، ولما كان ذلك الشيء تكون فيه الحياة في بعض تلك الأطوار، وفي بعضها لا حياة له صح إطلاق الموت والحياة عليه من حيث إنه شيء واحد، ترتفع عنه الحياة تارة وتكون فيه أخرى " (٤).
ومن قواعد الترجيح عند المفسرين :" القول الذي تؤيده آيات قرآنية مقدم على ما عدم ذلك " (٥).
القول الثاني : أنهم أُميتوا في الدنيا، ثم أُحيوا في قبورهم سئلوا أو خوطبوا، ثم أُميتوا في قبورهم، ثم أُحيوا في الآخرة ؛ قاله السدي(٦).
(٢) سورة نوح : الآية ١٤.
(٣) سورة الزمر : الآية ٦.
(٤) تفسير الشنقيطي ٧/٧٣، وانظر : تفسير الزمخشري ٣/٣٦٣، وابن عاشور ٤/٩٧، وابن الوزير في العواصم ٧/٢٧٠ حيث قرروا جواز إطلاق الموت على حال ما قبل نفخ الروح، وبذلك يردُّ على الرازي الذي قال في تفسيره ٢١/٤١ :" إن لفظ الإماتة مشروط بسبق حصول الحياة ؛ إذ لو كان الموت حاصلاً قبل هذه الحالة امتنع كون هذا إماتة "، وقد فرَّق بين هذه الآية وآية البقرة.
(٥) قواعد الترجيح عند المفسرين ١/٣١٢.
(٦) تفسير ابن جرير ٢٠/٢٩٢ [ ط التركي ]، واختاره الرازي ٢٧/٤٠ – ٤١، وأبو السعود ٧/٢٦٩.
قال ابن كثير عن القول بأن المراد زكاة الأموال :" وهذا هو الظاهر عند كثير من المفسرين، واختاره ابن جرير، وفيه نظر ؛ لأن إيجاب الزكاة إنما كان في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة على ما ذكره غير واحد، وهذه الآية مكية، اللهم إلا أن يقال : لا يبعد أن يكون أصل الصدقة والزكاة كان مأموراً في ابتداء البعثة، كقوله تعالى :(١)، فأما الزكاة ذات النُّصب والمقادير فإنما بيّن أمرها بالمدينة، ويكون هذا جمعاً بين القولين " (٢).
قالوا : وقد ورد في القرآن إطلاق الزكاة على الطهارة من الشرك، كما قال تعالى :(٣)، (٤)،
(٥) (٦)، واختار هذا القول ابن عطية(٧)، وشيخ الإسلام - كما تقدم -، وابن القيم(٨)، ونسبه إلى أكثر المفسرين من السلف ومن بعدهم، وابن كثير - كما تقدم -، والدامغاني(٩) (١٠).
القول الثاني : أن المعنى : لا يؤمنون بالزكاة، ولا يقرون بها ؛ وبه قال الحسن(١١)، وقتادة(١٢).
(٢) تفسير ابن كثير ٤/٩٩، وقد أجاب بذلك الألوسي ٢٤/٩٩، والطاهر ابن عاشور ٢٤/٢٤٠.
(٣) سورة الشمس : الآية ٩.
(٤) سورة الأعلى : الآية ١٤.
(٥) سورة النازعات : الآية ١٨.
(٦) ذكر ذلك ابن عطية ١٤/١٦٤، وشيخ الإسلام كما تقدم، وابن كثير.
(٧) تفسيره ١٤/١٦٤.
(٨) إغاثة اللهفان ص٥٦.
(٩) هو محمد بن علي بن محمد بن حسن بن عبد الملك بن عبد الوهاب الدامغاني، أبو عبد الله، شيخ الحنفية في زمانه، من مؤلفاته : الأشباه والنظائر، والزوائد والنظائر في غريب القرآن، توفي سنة ٤٧٨هـ. انظر : الوافي بالوفيات ٤/١٣٩، والأعلام ٦/٢٧٦.
(١٠) الوجوه والنظائر ١/٣٩٧.
(١١) ذكره الثعلبي في تفسيره ٨/٢٨٦.
(١٢) أخرجه عبد الرزاق ٢/١٨٤، وابن جرير ٢٠/٣٨٠ [ ط التركي ].
وقال ابن عاشور :" والميزان هنا مستعار للعدل والهدى بقرينة قوله : فإن الدِّين هو المنَزَّل، والدين يدعو إلى العدل والإنصاف في المجادلة في الدين، وفي إعطاء الحقوق، فشبهه بالميزان... " (١).
القول الثاني : أن المراد بالميزان في الآية : الذي يوزن به ؛ آلة الوزن(٢)، ولم أر من اختاره.
قال السمعاني :" وقيل الميزان نفسه، ومعنى الإنزال : أن الله أنزل الحديد من السماء، ومن الحديد لسان الميزان، وصنخاته " (٣).
وقيل : إن الله أنزل الميزان الذي يوزن به من السماء، وعلّم العباد الوزن، لئلا يكون بينهم تظالم(٤).
وهناك أقوال أخرى غير مشهورة، وكأنها تفسير للعدل، فقيل : الميزان محمد - ﷺ - يقضي بينكم بكتاب الله، وقيل : الميزان ما بيِّن في الكتب مما يجب على الإنسان أن يعمل به، وقيل : الميزان العدل فيما أُمر به، ونهي عنه، وقيل : هو الجزاء على الطاعة بالثواب وعلى المعصية بالعقاب(٥).
والراجح – والله أعلم – ما ذهب إليه شيخ الإسلام، وأن المراد بالميزان في الآية العدل، ويدخل فيه الميزان الذي يوزن به فهما متلازمان، وقد وافق شيخ الإسلام على هذا الرأي ابن عطية، حيث قال :" ولا شك أنه – أي الميزان الذي يوزن به – داخل في العدل وجزء منه، وكل شيء من الأمور، فالعدل فيه إنما بوزن وتقدير مستقيم، فيحتاج في الأجرام إلى آلة وهي العمود والكفتان التي بأيدي البشر، ويحتاج في المعاني إلى هيئات النفوس، وفهوم توازن بين الأشياء " (٦).
(٢) ذكره الثعلبي ٨/٣٠٧، والماوردي ٥/٢٠٠، والزمخشري ٣/٤٠١، وابن الجوزي ٧/٧٧، وغيرهم.
(٣) تفسيره ٥/٧٠.
(٤) انظر : تفسير القرطبي ١٦/١٢، وانظر : الألوسي ٢٥/٢٦.
(٥) تفسير القرطبي ١٦/١٢.
(٦) تفسيره ١٤/٢١٣.
إن أجْزأتْ حُرَّةٌ يوماً فلا عجب | قد تجزئ الحرة المذْكارُ أحيانا(١) |
قال الشنقيطي :" وظاهر كلامه... أن قولهم : أجزأت المرأة : إذا ولدت الإناث معروف، ولذا ذكره وذكر البيت الذي أنشده له أبوحنيفة(٣) كالمسلِّم له " (٤).
ورد هذا القول الزمخشري، وقال :" ومن بدع التفاسير تفسير الجزء بالإناث " (٥).
وقال السَّمين :" وأغرب ما قيل : الجزء الأنثى " (٦)، وقد نصر هذا القول الشوكاني، وأجاب عن رد الزمخشري بقوله :" ويجاب عنه بأنه قد رواه الزجاج والمبرد ".
وقال ابن عاشور :" ولما كانت عقيدة المشركين معروفة لهم ومعروفة للمسلمين كان المراد من الجزء البنات ؛ لقول المشركين : إن الملائكة بنات الله " (٧).
والراجح – والله أعلم – القول الأول، وأن المراد بالولد الملائكة ؛ لأنه يصح أن يطلق على الولد جزءاً كما تقدم، ولدلالة السياق، حيث قال تعالى في الآية التي بعدها :
(٢) معاني القرآن وإعرابه ٤/٤٠٦، وانظر : اللسان ١/٦١٣ مادة ( جزأ ).
(٣) هو العلاّمة أبو حنيفة، أحمد بن داود الدَّينوري الحنفي النحوي، من أئمة اللغة، له كتاب : الأخبار الطول، والنبات، وغيرها، مات سنة ٢٨٢هـ. انظر : سير أعلام النبلاء ٣/٤٢٢، وبغية الوعاة ١/٣٠٦.
(٤) تفسيره ٧/٢١٦، وقال الرازي في تفسيره ٢٧/٢٠٢ :" وزعم الزجاج والأزهري وصاحب الكشاف أن هذه اللغة فاسدة، وأن هذه الأبيات مصنوعة ".
(٥) تفسير الزمخشري ٣/٤١٣، وقد استشهد بقول الزمخشري هذا صاحب قواعد الترجيح ٢/٣٧٧ لقاعدة : حمل الكلام على المشهور من كلام العرب.
(٦) الدر المصون ٩/٥٧٧.
(٧) تفسيره ٢٥/١٧٦.
وفي سنن الترمذي عن عبدالله بن سلام - رضي الله عنه - أنه قال :" نزل فيَّ آيات من كتاب الله، نزلتْ فيَّ، ونزلت فيَّ :(١) " (٢).
وإلى هذا القول ذهب جمهور المفسرين، وممن اختاره ابن جرير(٣)، والسمرقندي(٤)، والواحدي(٥)، والزمخشري(٦)، وأبوحيان(٧)، وأبوالسعود(٨)، والألوسي(٩)، والشوكاني(١٠).
القول الثاني : أن المراد بالشاهد موسى - عليه السلام - شهد على مثل القرآن وهو التوراة ؛ وبه قال مسروق والشعبي(١١).
قال مسروق – رحمه الله – عند هذه الآية :" والله ما نزلت في عبدالله بن سلام، ما نزلت إلا بمكة، وما أسلم عبدالله إلا بالمدينة، ولكنها خصومة خاصم محمد - ﷺ - بها قومه، قال : فنَزلت : ، قال : فالتوراة مثل القرآن، وموسى مثل محمد - ﷺ -، فآمنوا بالتوراة وبرسولهم وكفرتم " (١٢).
(٢) أخرجه الترمذي ٥/٣٥٥ ح٣٢٥٦، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الأحقاف، وقال :" هذا حديث حسن غريب "، وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي ص٤١٥، وقد روي عن الشعبي أنه قال :" ما نزل في عبدالله بن سلام - رضي الله عنه - شيء من القرآن "، ذكره السيوطي في الدر ٦/٧ وعزاه لابن المنذر.
(٣) تفسيره ١١/٢٨١.
(٤) تفسيره ٣/٢٣١.
(٥) الوسيط ٤/١٠٤.
(٦) الكشاف ٣/٤٤٤.
(٧) تفسيره ٨/٥٨.
(٨) تفسيره ٨/٨٠.
(٩) تفسيره ١٢/٢٦.
(١٠) تفسيره ٥/٢٣.
(١١) أخرجه ابن جرير ١١/٢٧٨.
(١٢) أخرجه ابن جرير ١١/٢٧٨، وعزاه في الدر ٦/٨ لسعيد بن منصور، وروي نحو هذا القول عن عكرمة والحسن، انظر : الدر ٦/٧.
وابن زيد، وابن أبي ليلى، وقتادة(١)، والحسن(٢)، واختاره شيخ الإسلام - كما تقدم - مستدلاً على ذلك بأن الله وصفهم بأنهم أولو بأس شديد، وبأنه لابد فيهم من أحد أمرين : إما أن يسلموا وإما أن يقاتلوا، وهذا الوصف ينطبق على فارس والروم، بخلاف العرب الذين قوتلوا في حنين والفتح وحروب الردة، فإنهم من جنس الذين دُعوا إلى قتالهم في الحديبية، ليسوا أشدَّ بأساً منهم.
وقد اعترض على هذا القول جماعة من المفسرين(٣) ؛ لأن فارس مجوس، والروم نصارى، وهم تقبل منهم الجزية(٤)، فلا يقاتلون حتى يمتنعوا عنها، والآية تقول تقاتلونهم أو يسلمون، والمعنى كما يقول الفراء : تقاتلونهم أبداً حتى يسلموا(٥).
وقد أجاب عنه شيخ الإسلام بجوابين :
(٢) أخرجه عبد الرزاق ٢/٢٢٦، وابن جرير ١١/٣٤٤.
(٣) منهم النحاس في معاني القرآن ٦/٥٠٤، والسمعاني ٥/١٩٩، والزمخشري ٣/٤٦٥، والبيضاوي ٢/٤١٠، والبقاعي ١٨/٣١١، وابن عاشور ٢٦/١٧١.
(٤) اختلف العلماء فيمن تؤخذ منهم الجزية، بعد أن اتفقوا على أنها تؤخذ من أهل الكتاب والمجوس، فالجهمور على أنها لا تؤخذ من غيرهم، وقيل يستثنى من ذلك مشركو العرب، وقيل تؤخذ من الكفار مطلقاً إذا أبوا الإسلام، وهو الراجح – والله أعلم -، واختاره شيخ الإسلام. انظر : المغني لابن قدامة ٣/٢٠٣، ومنهاج السنة ٨/٥١٤.
(٥) معاني القرآن للفراء ٣/٦٦، وانظر : تفسير القاسمي ١٥/٨٢.
القول الأول : أن المعنى : من فعل ما نهيناه عنه من السخرية بالمؤمنين، وعَيبهم، ونبزهم بالألقاب(١)، فهو فاسق، فلا ينبغي له أن يفعل شيئاً يستحق أن يسمى بفعله فاسقاً(٢)، واختاره ابن جرير(٣)، وابن الجوزي(٤)، والرازي(٥)، وابن كثير(٦)، والألوسي(٧)، والسعدي(٨).
واستدل له ابن جرير بسياق الآية حيث إن الله تعالى نهى في أولها عن بعض الأعمال، فكان الأولى أن يختمها بالوعيد لمن ارتكب ما نُهي عنه(٩).
ومن أدلة هذا القول قوله - ﷺ - :" سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر " (١٠).
(٢) تفسير ابن جرير ١١/٢٩٣.
(٣) الموضع السابق.
(٤) تفسيره ٧/١٨٣.
(٥) تفسيره ٢٨/١١٤.
(٦) تفسيره ٤/٢٢٧.
(٧) تفسيره ٢٦/١٥٥.
(٨) تفسيره ص٨٠١.
(٩) تفسير ابن جرير ١١/٣٩٣.
(١٠) تقدم تخريجه، واستدل بهذا الحديث شيخ الإسلام كما تقدم، وابن عاشور ٢٦/٣٩٣.
فإن مثل هذا اللفظ إذا ذكره الله تعالى في كتابه دل على أن المراد أنه سبحانه يفعل ذلك بجنوده وعبيده من الملائكة، فإن صيغة ( نحن ) يقولها المتبوع المطاع العظيم، الذي له جنود يتبَّعون أمره، وليس لأحد جند يطيعونه كطاعة الملائكة ربَّهم " (١).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بالقرب المذكور في الآية على أقوال :
القول الأول : أن المراد بذلك قرب الملائكة من الإنسان، واختاره شيخ الإسلام
- كما تقدم -، وابن القيم(٢)، وابن كثير(٣)، وابن عثيمين(٤).
وقد استدل له شيخ الإسلام بعدة أدلة، سبق ذكرها، ويمكن إجمالها فيما يلي :
١- لم يرِد وصف الله – تعالى – بقرب عام من كل موجود.
٢- أن الله – تعالى – ذكر القرب بصيغة الجمع ( ونحن )، ومثل هذا اللفظ إذا ذكره الله – تعالى – في القرآن فإن المراد بذلك الملائكة.
٣- أن سياق الآية يدل على أن المراد الملائكة، حيث قيد القرب بزمان تلقي المتلقيين.
القول الثاني : أن المراد القرب بالعلم، وبه قال عامة المفسرين، وممن اختاره
(٢) مدارج السالكين ٢/٣٠٢.
(٣) تفسيره ٤/٢٣٩.
(٤) القواعد المثلى ص٦٩.
وقال ابن القيم :" واختار شيخنا – رحمه الله – القول الأول – يعني أنها النجوم -، وقال :- يعني شيخ الإسلام - : هو أحسن في الترتيب، والانتقال من السافل إلى العالي ؛ فإنه بدأ بالرياح، وفوقها السحاب، وفوقه النجوم، وفوقها الملائكة المقسمات أمرَ الله الذي أمرت بين خلقه " (١).
القول الثالث : أنها الرياح التي تجري بالسحب بعد حملها، واختاره السمعاني(٢)، والرازي حيث استظهر أن الأقرب أن الأربع : الذاريات، الحاملات، الجاريات، المقسمات صفات للرياح(٣)، واختاره ابن عاشور وقال :" وهو الأنسب ؛ لعطف الصفات بالفاء " (٤).
قال ابن عاشور :" و الرياح تجري بالسحاب بعد تركُّمِه، وقد صار ثقيلاً بماء المطر، فالتقدير : فالجاري بذلك الوقر يسراً.
ومعنى اليسر : اللين والهُون، أي الجاريات جرياً ليناً هيناً شأن السير بالثقل " (٥).
القول الرابع : أنها السحاب، يسيرها الله تعالى من البقاع والبلاد بيسر وسهولة(٦).
والراجح – والله أعلم – القول الأول ؛ لدلالة القرآن عليه، ولم يرد إطلاق الجوار على الكواكب إلا في موضع واحد، هو ما ذكره شيخ الإسلام(٧)، ومما يرجح هذا القول ثبوته عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، ووروده عن جمع من السلف – رحمهم الله -.
سورة الذاريات : الآية ١٧
قال تعالى :(٨).
(٢) تفسيره ٥/٢٥٠.
(٣) تفسيره ٢٨/١٦٨.
(٤) تفسيره ٢٦/٣٣٧.
(٥) ذكره الماوردي ٥/٣٦١، والقرطبي ١٧/٢١، وغيرهما، ولم أرَ من اختاره.
(٦) التحرير والتنوير ٢٦/٣٣٨.
(٧) وهذا الموضع فيه خلاف، لكن الأرجح أن المراد بها النجوم، انظر : تفسير الماوردي ٦/٢١٦.
(٨) سورة الذاريات : الآية ١٧.
القول الثالث : أن المعنى : أم خلقوا من غير شيء، فتكون بمعنى اللام، والمعنى : ما خلقوا عبثاً، فلا يؤمرون ولا ينهون ؛ وروي عن ابن كيسان(١).
قال السمعاني :" وهو مثل قوله تعالى :(٢)، ومثل قوله تعالى :(٣) " (٤).
و هنا للسببية، على معنى : من غير علة ولا لغاية ثواب ولا عقاب(٥).
والراجح – والله تعالى أعلم – القول الأول ؛ لأنه ظاهر الآية، وعليه يدل ختامها
قال ابن القيم عند هذه الآية :" تأمل هذا الترديد والحصر المتضمن لإقامة الحجة بأقرب طريق وأفصح عبارة، بقوله تعالى : هؤلاء مخلوقون بعد أن لم يكونوا فهل خلقوا من غير خالق خلقهم، فهذا من المحال الممتنع عند كل من له فهم وعقل أن يكون مصنوع من غير صانع، ومخلوق من غير خالق... ".
ثم قال :" أم هم الخالقون : وهذا أيضاًَ من المستحيل أن يكون العبد موجداً خالقاً لنفسه، وإذا بطل القسمان تعين أن لهم خالقاً خلقهم، وفاطراً فطرهم، فهو الإله الحق الذي يستحق عليهم العبادة والشكر، فكيف يشركون به إلهاً غيره وهو وحده الخالق لهم " (٦).
(٢) سورة المؤمنون : الآية ١١٥.
(٣) سورة القيامة : الآية ٣٦.
(٤) تفسير السمعاني ٥/٢٧٨.
(٥) تفسير أبي حيان ٨/١٤٩، والدر المصون ١٠/٧٧.
(٦) الصواعق المرسلة ٢/٤٩٣، وانظر : تفسير البغوي ٧/٣٩٣ [ ط طيبة ]، وشرح حديث النُّزول لابن تيمية، وتفسير السعدي ص٨١٧.
القول الثالث : أن المراد بذلك قول المشركين : إن الملائكة بنات الله – تعالى الله عن ذلك -، وهذا المعروف عنهم، وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام - كما تقدم -، وأجازه النحاس، وقال :" يجوز أن يكون مقدَّماً ما يُنوى به التأخير، ويكون المعنى : أي : يقولون هم بنات الله – عز وجل – ألكم الذكر الذي ترضونه وله الأنثى التي لا ترضونها " (١).
والأظهر – والله أعلم – القول الأول، لدلالة السياق عليه، حيث لا ذكر للملائكة هنا، وأمَّا قول شيخ الإسلام : إن المشركين لم يكونوا يقولون للأصنام بنات الله، فيجاب عنه بأنهم صوّروا هذه الأصنام الثلاثة على صور الملائكة التي يزعمون أنها بنات الله، أو يقال : إنهم جعلوا هذه الأصنام إناثاً، وهم يحتقرون الإناث، والآية ليس فيها ذكر للبنات، بل فيها الإناث.
سورة النجم : الآية ٣٩
قال تعالى :(٢).
اختار شيخ الإسلام أن المراد بهذه الآية : أن الإنسان لا يملك إلا سعيه، وأما سعيُ غيره فهو لصاحبه، لكن إذا تبرع له غيره بذلك جاز.
قال – رحمه الله – بعد أن صوَّب وصول ثواب جميع العبادات، المالية والبدنية إلى الميت :" وأما احتجاج بعضهم بقوله تعالى : فيقال له : قد ثبت بالسنة المتواترة، وإجماع الأمة أنه يُصلى عليه، ويدعى له، ويستغفر له، وهذا من سعي غيره، وكذلك قد ثبت ما سلف من أنه ينتفع بالصدقة عنه والعتق وهو من سعي غيره، وما كان من جوابهم في موارد الإجماع فهو جواب الباقين في مواقع النِّزاع، وللناس في ذلك أجوبة متعددة.
(٢) سورة النجم : الآية ٣٩.
وقال ابن عاشور :" وأسند إلى وهو ما يُعرفُ به المسمى دون أن يقول : تبارك ربك، كما قال : لقصد المبالغة في وصفه تعالى بصفة البركة على طريقة الكناية ؛ لأنها أبلغ من التصريح كما هو مقرر في علم المعاني، وأطبق عليه البلغاء ؛ لأنه إذا كان اسمه قد تبارك، فإن ذاته تباركت لا محالة ؛ لأن الاسم دال على المسمى، وهذا على طريقة قوله تعالى :(١) فإنه إذا كان التنْزيه متعلقاً باسمه فتعلق التنْزيه بذاته أولى " (٢).
وقال أيضاً :" وقرأ الجمهور بالياء مجروراً صفة لـ، وقرأه ابن عامر ( ذو الجلال ) صفة لـ كما في قوله :(٣)، والمعنى واحد على الاعتبارين " (٤).
ويناقش بأن الأصل عدم الزيادة، ورده شيخ الإسلام كما تقدم بأن مقتضى هذا القول أن تكون أسماء الله تعالى لا بركة فيها، ومعلوم أن أسماءه مباركة.
والراجح - والله تعالى أعلم - القول الأول وأن الاسم في الآية مقصودٌ ليس بصلة ؛ لأن الأصل عدم الزيادة، ولأن إضافة البركة إلى الاسم لها معنى شريف، وليس هناك ما يمنع من إرادة هذا المعنى.
(٢) التحرير والتنوير ٢٧/٢٧٦، وانظر : ص٢٧٧.
(٣) سورة الرحمن : الآية ٢٧.
(٤) التحرير والتنوير ٢٧/٢٧٧.
القول الأول : أن المراد به اللوح المحفوظ، والمطهرون : الملائكة(١) ؛ وبه قال ابن عباس(٢)، وأنس(٣) - رضي الله عنهم -، وأبو العالية، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك، وجابر بن زيد، وأبو نَهيك(٤)، وسعيد بن جبير، وقتادة(٥).
قال الزجاج :" يعني به الملائكة لا يمسه في اللوح المحفوظ إلا الملائكة " (٦).
وقال الضحاك :" زعموا أن الشياطين تنَزلت به على محمد، فأخبرهم الله أنها لا تقدر على ذلك، ولا تستطيعه، وما ينبغي لهم أن ينزلوا بهذا، وهو محجوب عنهم، وقرأ قول الله :(٧) " (٨).
قال ابن كثير :" وهذا قول جيد، وهو لا يخرج عن الأقوال التي قبله " (٩).
(٢) أخرجه عنه ابن جرير في تفسيره ١١/٦٥٩.
(٣) ذكره عن أنس السيوطي في الدر ٦/٢٣٢، وعزاه لسعيد بن منصور، وابن المنذر. قال ابن القيم بعد إيراده :" وهو في حكم المرفوع... ". التبيان ص١٤٢.
(٤) هو عثمان بن نَهِيك الأزدي الفراهيدي البصري، أبو نهيك، القارئ، ثقة، روى عن ابن عباس. انظر : تقريب التهذيب ص٣٨٧، وتهذيب التهذيب ٧/٥٧.
(٥) أخرجه عبد الرزاق ٢/٢٧٣، وابن جرير ١١/٦٥٩. وروي عنه أنه قال عند هذه الآية :" ذاكم عند رب العالمين، فأما عندكم فيمسه المشرك النجس، والمنافق الرَّجِس " تفسير ابن جرير ١١/٦٦١.
(٦) معاني القرآن وإعرابه ٥/١١٦.
(٧) سورة الشعراء : الآيتان ٢١١ – ٢١٢.
(٨) أخرجه ابن جرير ١١/٦٥٩.
(٩) تفسيره ٤/٣١٩.
ومما يدل على ذلك ما روي أن الرسول - ﷺ - قال يوماً لأصحابه: " أي المؤمنين أعجب إليكم إيماناً ؟ قالوا : الملائكة، قال : وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم ؟ قالوا : الأنبياء، قال : وما لهم لا يؤمنون والوحي ينْزل عليهم، قالوا : فنحن، قال : ما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟، ولكن أعجب المؤمنين إيماناً قوم يجيئون بعدكم، يجدون صحفاً يؤمنون بما فيها " (١).
ومن المفسرين من أجاز إرادة الجميع بهذا الخطاب(٢).
والراجح – والله تعالى أعلم – القول الأول لقوة أدلته، وضعف أدلة القول الثاني.
سورة الحديد : الآية ١٠
قال تعالى :(٣).
رجح شيخ الإسلام أن المراد بالفتح في هذه الآية صلح الحديبية.
قال – رحمه الله – عند هذه الآية :" المراد بـ فتح الحديبية لما بايع النبي - ﷺ - أصحابه تحت الشجرة، وكان الذين بايعوه أكثر من ألف وأربعمائة، وهم الذين فتحوا خيبر، وقد ثبت في الصحيح عن النبي - ﷺ - أنه قال :" لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة " (٤).
(٢) منهم الشوكاني ٥/٢٣٦، وقال :" ويكون المراد بالأمر بالإيمان في حق المسلمين الاستمرار عليه، أو الازدياد منه ".
(٣) سورة الحديد : الآية ١٠.
(٤) أخرجه مسلم ٤/١٩٤٢ ح٢٤٩٦، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة، عن أم مبشر – رضي الله عنها -.
وقال زيد بن أسلم :" لا يخدشن وجهاً، ولا يشققن جيباً، ولا يَدْعُونَّ ويلاً، ولا ينشدن شعراً " (١).
واختاره السمعاني(٢).
القول الثالث : أن المراد بذلك خلوة الرجل بالمرأة، ورُوي عن زهير(٣)، وعن قتادة :" لا يُحدِّثن رجلاً " (٤).
والراجح – والله أعلم – القول الأول، وما ورد عن السلف من تفسيره بالنياحة يحمل على أنهم أرادوا بذلك التمثيل، لا الحصر، لا سيما وأن الحاجة داعية إلى النهي عن النياحة وقت التنْزيل.
(٢) تفسيره ٥/٤٢١.
(٣) أخرجه ابن جرير ١٢/٧٦ عن عمر بن أبي سلمة عنه.
(٤) أخرجه ابن جرير ١٢/٧٤.
قال أبو مسلم في قوله : يعني : أنه لما أتاهم عذاب الله المهلك لهم الذي نزل بعاد وثمود سيئت وجوههم عند قربه منهم، وأما من فسر ذلك الوعد بالقيامة كان قوله : معناه فمتى ما رأوه زلفة، وذلك لأن قوله : إخبار عن الماضي، وأحوال القيامة مستقبلة لا ماضية، فوجب تفسير اللفظ بما قلناه " (١).
قال أبوالسعود عن هذا القول :" وهو بعيد " (٢).
القول الثالث : أن المعنى : لما رأوا عملهم السيء قريباً، وروي عن ابن عباس(٣).
القول الرابع : أن المعنى : لما رأوا ما وعدوا من الحشر قريباً منهم، واستدل له بقوله تعالى :(٤) (٥).
وهذان القولان لا يعارضان القول الأول، بل هما من لوازمه(٦).
القول الخامس : أن الضمير يعود إلى الله تعالى، والمعنى : لما رأوا الله عياناً، وهذا القول ذكره شيخ الإسلام كما تقدم دليلاً لمن أثبت رؤية الله – جل جلاله – لجميع الناس يوم القيامة، ولم أرَ من قال به من المفسرين، ولكنْ استدل به عبدالله بن الإمام أحمد(٧) في إثبات رؤية الله تعالى يوم القيامة(٨).
(٢) تفسير أبي السعود ٩/١٠.
(٣) ذكره عنه القرطبي ١٧/١٤٤.
(٤) سورة الملك : الآية ٢٤.
(٥) ذكره والاستدلال له القرطبي ١٧/١٤٣.
(٦) قال ابن كثير ٤/٤٢٦ :" لما قامت القيامة وشاهدها الكفار، ورأوا الأمر كان قريباً ".
(٧) هو الإمام عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني البغدادي، أبو عبد الرحمن، حافظ للحديث، له زوائد على مسند أبيه، ومسند أهل البيت، وتوفي سنة ٢٩٠هـ. انظر : تهذيب التهذيب ٥/١٤١، والأعلام ٤/٦٥.
(٨) كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ٢/٥٢٠.
والمقصود أن جميع الكفار مفتونون بالشيطان، وفيهم الشيطان [ المفتون ]، ليس المقصود أن يعاب الفريق بواحد منهم.
وقد كان بعض الكفار يقول : إن الذي يأتي محمداً شيطان لا ملك، ولهذا قال تعالى :(١)، وقال (٢)، وقال فيمن كذب رسوله :(٣)، فهذا الكاذب الفاجر هو الذي فيه الشيطان الذي إنما يقترن بكل أفاك أثيم... " (٤).
الدراسة :
قوله تعالى : منهم من حمله على ظاهره، وهو أن المراد الرؤية البصرية، ومنهم من ضمّنه معنى تعلم، والتقدير : فستعلم ويعلمون، أو فستُخبر ويخبرون، والمفتون : من افْتَتَن عن الحق وضلّ عنه.
وهو اسم مفعول، وقيل إنه مصدر على وزن المفعول ؛ مثل المعقول، والميسور، بمعنى العقل واليُسْر.
قال ابن كثير :" ومعنى المفتون ظاهر، أي الذي قد افْتَتَن عن الحق، وضلَّ عنه، وإنما دخلت الباء في قوله : لتدلَّ على تضمين الفعل في قوله : ، وتقديره : فستعلم ويعلمون، أو فستُخبر ويُخبرون، بأيكم المفتون والله أعلم " (٥).
وقال ابن عاشور :" المفتون : اسم مفعول، وهو الذي أصابته فتنة، فيجوز أن يراد بها هنا الجنون، فإن الجنون يعدّ في كلام العرب من قبيل الفتنة، ويقولون للمجنون ( فتنته الجن )، ويجوز أن يراد ما يصدق على المضطرب في أمره المفتون في عقله حيرة وتقلقلاً... والباء على هذا الوجه مزيدة لتأكيد تعلق الفعل بمفعوله، والأصل : أيكم المفتون " (٦).
وقد اختلف المفسرون في معنى قوله : في الآية على أقوال أربعة :
(٢) سورة الشعراء : الآية ٢٢١.
(٣) سورة العلق : الآيتان ١٥ – ١٦.
(٤) تفسير آيات أشكلت ١/١٤٦ – ١٥٩، وانظر : مجموع الفتاوى ١٦/٧٢، فقد ذكرها مختصرة جداً.
(٥) تفسير ابن كثير ٤/٤٣٠.
(٦) تفسير ابن عاشور ٢٩/٦٦.
القول الثاني : أن المراد به جبريل - عليه السلام -، وروي عن الحسن والسدي ومقاتل(١)،
واختاره ابن قتيبة(٢)، والسمرقندي(٣)، وابن جزي(٤)، وأجازه ابن عاشور(٥).
واستُدل لهذا القول بآية التكوير وأن المراد بهما واحد(٦).
ويناقش بأنه ليس كذلك، فسياق الآيتين يدل على التفريق.
والراجح - والله أعلم - القول الأول لدلالة السياق عليه، ولأنه قول جمهور المفسرين، وتفسير جمهور المفسرين مقدم على كل تفسير شاذ(٧).
سورة الحاقة : الآية ٤٥
قال تعالى :(٨).
اختار شيخ الإسلام أن معنى الآية : لأخذنا بيده اليمنى، كما يُفعل بمن يهان عند القتل.
قال - رحمه الله - :" قوله : ، قيل : لأخذنا بيمينه كما يُفعل بمن يُهان عند القتل، فيقال : خذ بيده ؛ فيجرُّ بيده، ثم يقتل، فهذا هلاك بعزة وقدرة من الفاعل وإهانة وتعجيل هلاك للمقتول، وقيل : أي : بالقوة والقدرة فإن الميامن أقوى ممن يأخذ بشماله، كما قال :
(٩)، وكما قال :(١٠)، لكنه قال : أخذنا منه، ولم يقل لأخذناه، فهذا يقوي القول الأول " (١١).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى : على قولين :
القول الأول : أن المعنى : لأخذنا منه باليد اليمنى.
(٢) غريب القرآن ص ٤٨٤.
(٣) تفسيره ٣/٤٠٠.
(٤) تفسيره التسهيل ٢/٤٨٢.
(٥) تفسيره ٢٩/١٤٢.
(٦) ذكره القرطبي في تفسيره ١٨/١٧٩.
(٧) قواعد الترجيح ١/٢٨٨.
(٨) سورة الحاقة : الآية ٤٥.
(٩) سورة القمر : الآية ٤٢.
(١٠) سورة البروج : الآية ١٢.
(١١) النبوات ١/٢٤٢.
القول الثالث : أن المعنى : لا يلتفتون فيها، قال عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عند هذه الآية :" هم الذين إذا صلوا لم يلتفتوا خلفهم، ولا عن أيمانهم ولا عن شمائلهم " (١).
وروي هذا القول عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - (٢).
قال الزجاج :" ويجوز أن يكون الذين لا يزيلون وجوههم عن سمت القبلة، ولا يلتفتون، فيكون اشتقاقه من الدائم، وهو الساكن كما جاء النهي عن البول في الماء الدائم " (٣).
القول الرابع : أن المعنى : يكثرون فعل التطوع منها ؛ وبه قال الحسن(٤)، وابن جريج(٥).
وهذا يخالف ما روي عن إبراهيم النخعي من طرق أن المراد بها المكتوبة(٦).
والأظهر - والله أعلم - القول الأول - قول جمهور المفسرين - وأن المراد بذلك المواظبة على أدائها، وأما القول الثاني، وهو ما روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ومسروق فالظاهر لي أنه بمعنى القول الأول فيكون مرادهم : المواظبةَ على أدائها في مواقيتها.
وأما السكون فيها وعدم الالتفات فهو داخل في المحافظة عليها المذكورة في الآية الثانية، كما ذهب إلى ذلك الزمخشري ومن تبعه وتقدم ذكر كلامه(٧).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ١/٣٩٦، وزاد السيوطي في الدر ٦/٤٢٠ عزوه لابن المنذر.
(٣) معاني القرآن ٥/٢٢٢، وانظر : الوسيط للواحدي ٤/٣٥٣، وزاد المسير ٨/٩٤ فقد نصّا على أنه اختاره.
(٤) ذكره عنه القرطبي ١٨/١٨٨.
(٥) ذكره عنه الماوردي ٦/٩٥، والقرطبي ١٨/١٨٨.
(٦) أخرجه ابن جرير ١٢/٢٣٥، وعبد بن حميد، انظر : الدر ٦/٤٢٠.
(٧) وقال الطبري عند قوله تعالى : ١٢/٢٣٩ :" يقول : والذين هم على مواقيت صلاتهم التي فرضها الله عليهم وحدودها التي أوجبها عليهم يحافظون ولا يضيعون لها ميقاتاً ولا حداً ".
وروي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - (١)، وسعيد بن جبير(٢)، وعلي بن الحسين (٣)، وابن المنكدر(٤) وأبي حازم(٥) (٦).
وروي عن ابن عباس وابن الزبير - رضي الله عنهم - أنهما قالا :" أول الليل بعد المغرب " (٧).
وعن عكرمة أنه قال :" ما قمت من أول الليل فهو ناشئة " (٨).
وعن عطاء :" بدء الليل " (٩)، قالوا : لأن ناشئة الليل هي الساعة التي يبتدأ فيها سواد الليل(١٠)، واختار هذا القول الكسائي(١١) (١٢).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ٢/١٥، والثعلبي ١٠/٦١.
(٣) أخرجه ابن نصر في المختصر ص٨٧، والبيهقي في السنن ٣/٣٠.
(٤) هو محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهُدَيِّر القرشي التيمي المدني، زاهد من رجال الحديث، أدرك بعض الصحابة وروى عنهم، ولد سنة ٥٤هـ، وتوفي سنة ١٣٠هـ. انظر : تاريخ الإسلام ٨/٥٣٣، وتهذيب التهذيب ٩/٤٧٣.
(٥) هو سلمة بن دينار المخزومي، أبو حازم، ويقال له : الأعرج، عالم المدينة وقاضيها، توفي سنة ١٤٠هـ. انظر : حلية الأولياء ٣/٢٢٩، وتهذيب التهذيب ٤/١٤٣.
(٦) أخرجه عنهما ابن نصر في قيام الليل، المختصر ص٨٦.
(٧) أخرجه عنهما البيهقي في السنن ٣/٢٩.
(٨) ذكره عنه الثعلبي في تفسيره ١٠/٦١، والماوردي ٦/١٢٧.
(٩) ذكره عنه الماوردي ٦/١٢٧.
(١٠) انظر : تفسير الرازي ٣٠/١٥٥.
(١١) هو علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي بالولاء، الكوفي، أبو الحسن، إمام في اللغة والقراءة، توفي سنة ١٨٩هـ، من مؤلفاته : معاني القرآن، والمتشابه في القرآن. انظر : تاريخ بغداد ١١/٤٠٣، وغاية النهاية ١/٥٣٥.
(١٢) انظر : البحر ٨/٣٥٤.
القول الثالث : أن المعنى : اغسلها بالماء، وطهرها من النجاسة ؛ وبه قال محمد بن سيرين(١)، وابن زيد(٢).
واختاره الشوكاني وقال :" المراد بها الثياب الملبوسة، على ما هو المعنى اللغوي، أمره - سبحانه – بتطهير ثيابه وحفظها عن النجاسات، وإزالة ما وقع فيها منها، وهذا أولى لأنه المعنى الحقيقي، وليس في استعمال الثياب مجاز عن غيرها لعلاقة مع قرينة ما يدل على أنه المراد عند الإطلاق، وليس مثل هذا الأصل، أعني الحملَ على الحقيقة عند الإطلاق خلاف " (٣).
القول الرابع : أن المعنى : لا تلبس ثيابك على معصية ولا على غدره ؛ ورُوي عن ابن عباس - رضي الله عنهما – واستشهد بقول غيلان بن سلمة الثقفي - رضي الله عنه - :
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر | لبستُ ولا من غَدرة أتقنَّعُ(٤) |
الثياب " (٧)، وروي هذا القول أيضاً عن الضحاك، وعطاء(٨).
قال ابن قتيبة عن هذه الآية :" أي طهِّر نفسك من الذنوب، فكنَّى عن الجسم بالثياب، لأنها تشتمل عليه " وذكر شواهد من كلام العرب وأشعارهم في التعبير عن النفس بالثوب والإزار(٩).
(٢) أخرجه ابن جرير ١٢/٣٠٠.
(٣) تفسيره ٥/٤٦١.
(٤) أخرجه ابن جرير ١٢/٢٩٨ - ٢٩٩ من طرق، وفي بعض الروايات عنه :" من الذنوب "، وفي بعضها :" من الإثم "، وانظر : الدر المنثور ٦/٤٥١.
(٥) أخرجه ابن جرير ١٢/٢٩٩.
(٦) أخرجه ابن جرير ١٢/٢٩٨.
(٧) أخرجه ابن جرير ١٢/٢٩٩.
(٨) أخرجه عنهما عبد الرزاق ٣/٣٦١ [ ط محمود ]، وابن جرير ١٢/٢٩٩.
(٩) تأويل مشكل القرآن ص١٤٢ – ١٤٣.
وقال ابن القيم بعد أن ذكر الأقوال في النفس اللوامة :" وهذه الأقوال كلها حق، ولا تنافي بينها، فإن النفس موصوفة بهذا كله وباعتباره سميت لوامة، لكن اللوامة نوعان : لوامة ملومة، وهي النفس الجاهلة الظالمة التي يلومها الله وملائكته، ولوامة غير ملومة، وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله، مع بذله جهده، فهذه غير ملومة، وأشرف النفوس من لامت نفسها في طاعة الله واحتملت ملام اللائمين في مرضاته، فلا تأخذها فيه لومة لائم، فهذه تخلصت من لوم الله، وأما من رضيت بأعمالها ولم تلم نفسها ولم تحتمل في الله ملام اللوام، فهي التي يلومها الله عز وجل " (١).
وهو ظاهر اختيار ابن جرير، حيث قال - بعد أن ذكر أقوال السلف - :" وهذه الأقوال التي ذكرناها عمّن ذكرناها عنه وإن اختلفت بها ألفاظ قائليها فمتقاربات المعاني، وأشبه القول في ذلك بظاهر التنْزيل أنها تلوم صاحبها على الخير والشر، وتندم على ما فات " (٢).
واختاره بعض العلماء، وممن اختاره شيخ الإسلام ووافقه ابن القيم والسعدي كما تقدم، والشوكاني(٣)، وهو قول الفراء والزجاج كما مضى.
القول الثاني : أنها النفس المؤمنة.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - :" هي النفس اللؤوم " (٤).
وقال - أيضاً - :" تندم على ما فات، وتلوم عليه "، وقال - رضي الله عنه - :" التي تلوم على الخير والشر، تقول : لو فعلت كذا وكذا " (٥)، وقيل : إنها النفس المتَّقية التي تلوم النفوس يوم القيامة على تقصيرهن في التقوى(٦). وروي عن مجاهد مثله(٧).
(٢) تفسيره ١٢/٣٣٧.
(٣) فتح القدير ٥/٤٧٧.
(٤) أخرجه ابن جرير ١٢/٣٢٧.
(٥) ذكره السيوطي في الدر ٦/٤٦٣، وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر.
(٦) تفسير الرازي ٣٠/١٩١، وأبي حيان ٨/٣٧٥.
(٧) أخرجه ابن جرير ١٢/٣٢٧.
وحجة الكوفيين : أن ما ذهبوا إليه قد ورد به الكلام العربي الفصيح(١).
وشيخ الإسلام يرجح مذهب البصريين في قولهم بالتضمين، ويرى أن مذهب الكوفيين في إنابة الحروف بعضها عن بعض غلط كما تقدم(٢).
وما ذهب إليه شيخ الإسلام هو ما رجحه ابن جرير الطبري، حيث قال مقعداً لما رجحه بقاعدة :" لكل حرف من حروف المعاني وجهه هو به أولى من غيره، فلا يصلح تحويل ذلك عنه إلى غيره إلا بحجة يجب التسليم بها " (٣).
وقد اختلف المفسرون في توجيه الباء في قوله تعالى : على أقوال ستة :
القول الأول : أنها مزيدة، أي يشربها، ويدل له قراءة ابن أبي عبلة ( يَشْرَبُها )(٤) فعُدَّى إلى الضمير بنفسه.
ويدل له أيضاً قول الشاعر :
شربن بماء البحر ثم ترفَّعت | متى لُجج خُضْرٍ لهنَّ نَئِيْجُ(٥) |
واختار هذا القول بعض المفسرين كالفراء(٧)، وابن عطية(٨)، وأجازه ابن قتيبة(٩).
(٢) وانظر : الدراسات اللغوية والنحوية في مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية ص٣٧٢.
(٣) تفسير ابن جرير ١/٣٩٩ [ ط شاكر ]، وانظر : قواعد التفسير ١/٣٨٦.
(٤) ذكرها ابن عطية ١٦/١٨٥، واستدل بها، وأبو حيان ٨/٣٨٧.
(٥) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، يصف السحاب، انظر : ديوان الهذليين ص٥١، ومعاني القرآن للفراء ٣/٢١٥، و(متى) بمعنى (في) في لغة هذيل، ولُجَج : جمع لُجة، ولجة البحر : حيث لا يدرك قَعْره. اللسان ٧/٣٩٩٩، مادة (لجج. ونئيج : سريع مع صوت، انظر : المعجم الوسيط ٢/٨٩٥، مادة (نأَج).
(٦) استدل بهذا البيت الفراء ٣/٢١٥، وابن عطية ١٦/١٨٥.
(٧) معاني القرآن ٣/٢١٥.
(٨) تفسيره ١٦/١٨٥.
(٩) تأويل مشكل القرآن ص٢٤٨، ٥٧٥.
وأيضاً فإن هذه الآية مذكورة بعد ذكر المتقين وأهل الجنة، وبعد أن ذكر الكافرين، فقال : ثم قال :(١)، فقد أخبر أن الروح والملائكة يقومون صفاً لا يتكلمون، وهذا هو تحقيق قوله : والعرب تقول : ما أملك من أمر فلان أو من فلان شيئا أي لا أقدر من أمره على شيء، وغاية ما يقدر عليه الإنسان من أمر غيره خطابه ولو بالسؤال، فهم في ذلك الموطن لا يملكون من الله شيئاً ولا الخطاب، فإنه لا يتكلم أحد إلا بإذنه، ولا يتكلم إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً، قال تعالى :(٢)، فقد أخبر الخليل أنه لا يملك لأبيه من الله من شيء فكيف غيره ؟ " (٣).
الدراسة :
اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى : على قولين :
القول الأول : أن المعنى : لا يقدر الخلق أن يكلموا الرب - تعالى - إلا بإذنه ؛ وبه قال مجاهد، وابن زيد، وقتادة(٤)، ومقاتل(٥)، واختاره جمهور المفسرين، وممن اختاره ابن جرير(٦)، والواحدي(٧)، والزمخشري(٨)، والرازي(٩)، والبيضاوي(١٠)، والسهيلي(١١)، وابن كثير(١٢)، والألوسي(١٣)، والسعدي(١٤).
ويدل لهذا القول عموم الآية، فإن قوله تعالى : نكرة في سياق النفي فتعمُّ، وتقدم كلام شيخ الإسلام في تقرير هذا المعنى.
(٢) سورة الممتحنة : الآية ٤.
(٣) مجموع الفتاوى ١٤/٣٩٦ - ٣٩٩.
(٤) أخرجه عنهم ابن جرير ١٢/٤١٤، وانظر : الدر ٦/٥٠٥.
(٥) ذكره عنه الواحدي في الوسيط ٤/٢١٧، والبغوي ٤/٤٤٠، وابن الجوزي ٨/١٦٧.
(٦) تفسيره ١٢/٤١٤.
(٧) الوسيط ٤/٢١٧.
(٨) الكشاف ٤/١٧٩.
(٩) تفسيره ٣٠/٢١.
(١٠) تفسيره ٢/٥٦٣.
(١١) التسهيل ٢/٥٣٠.
(١٢) تفسيره ٤/٤٩٦.
(١٣) روح المعاني ٣٠/١٩.
(١٤) تفسيره ص٩٠٨.
وقال - رحمه الله - أيضاً عند هذه الآيات :" وهذا يكون يوم القيامة، وهو الصواب من القولين بلا ريب، كما قال في القسم الآخر :" (١).
الدراسة :
قوله تعالى : أي : ذليلة(٢)، وقوله : ، والمراد بالوجوه : أصحابها، قال الرازي :" المراد بالوجوه أصحاب الوجوه، وهم الكفار، بدليل أنه تعالى وصف الوجوه بأنها خاشعة عاملة ناصبة، وذلك من صفات المكلف، لكن الخشوع يظهر في الوجه، فعلقه بالوجه لذلك، وهو كقوله : ، وقوله : أي ذليلة، قد عراهم الخزي والهوان، كما قال :(٣)، وقال :(٤)، وإنما يظهر الذل في الوجه لأنه ضد الكبر الذي محله الرأس والدماغ، وأما العاملة فهي التي تعمل الأعمال، ومعنى النَّصب : الدؤوب في العمل مع التعب " (٥).
وقد اختلف المفسرون في معنى الآيتين على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنها خاشعة، أي : ذليلة يوم القيامة، عاملة في النار ناصبة فيها.
قال قتادة :" خاشعة في النار " (٦).
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال :" فإنها تعمل وتنصب في النار " (٧).
وعن الحسن أنه قال :" أنه قرأ قال : لم تعمل لله في الدنيا، فأعملها في النار " (٨).
(٢) وهذا مروي عن قتادة، أخرجه ابن جرير ١٢/٥٥١، وانظر : معاني القرآن للزجاج ٥/٣١٧، وابن عطية ١٦/٢٨٦.
(٣) سورة السجدة : الآية ١٢.
(٤) سورة الشورى : الآية ٤٥.
(٥) تفسيره ٣١/١٣٨، وانظر : إعراب القرآن للنحاس ٥/٢١٠، وتفسير الثعلبي ١٠/١٨٧، والوسيط للواحدي ٤/١٧٣، وابن عطية ١٦/٢٨٦، والنسفي ٢/٧٩٩.
(٦) أخرجه ابن جرير ١٢/٥٥١، وابن أبي حاتم ١٠/٣٤٢٠ بلفظ :" ذليلة في النار ".
(٧) أخرجه ابن جرير ١٢/٥٥١، وهي رواية العوفي عنه.
(٨) أخرجه ابن جرير ١٢/٥٥١.
القول الثاني : أن المعنى : وهديناه الثَّديين، سبيلي اللّبن الذي يتغذى به، وروي عن ابن عباس – رضي الله عنهما –(١)، والضحاك(٢)، لأنهما كالطريقين لحياة الولد(٣).
وقد ردَّ هذا التفسير الربيع بن خُثيم(٤) وقال :" أما إنهما ليسا بالثديين " (٥).
القول الثالث : أن المراد التنويع، فهدى قوماً لطريق الهدى، وقوماً لطريق الضلال. وهذا القول ذكره شيخ الإسلام كما تقدم، ولم أره في كتب التفسير، وسبق قول ابن جرير :" لا قول في ذلك نعلمه غير القولين اللذين ذكرنا "، ولعلَّه لبعض أهل الكلام.
والراجح – والله أعلم – القول الأول لدلالة القرآن عليه، ولأنه قول عامة المفسرين، وأما القول الثاني فلم يثبت عن ابن عباس، بل الثابت عنه الأول.
(٢) أخرجه ابن جرير ١٢/٥٩٢.
(٣) انظر : تفسير القرطبي ٢٠/٤٤.
(٤) هو الربيع بن خُثيم بن عائذ، أبو يزيد الثوري الكوفي، الإمام القدوة العابد، أحد الأعلام، أدرك زمن النبي - ﷺ -، وكان يعد من عقلاء الرجال، توفي قبل سنة ٦٥هـ. انظر : سير أعلام النبلاء ٤/٢٥٨، وتهذيب التهذيب ٣/٢٤٢.
(٥) أخرجه ابن جرير ١٢/٥٩١.
- يعني من قال : جلا الظلمة - تأول ذلك بمعنى أي البسيطة، لكان أولى، ولصح تأويله في قوله تعالى : ، فكان أجود وأقوى - والله أعلم - ولهذا قال مجاهد : إنه كقوله :(١) " (٢).
وهناك أقوال أخرى في مرجع الضمير، فقيل ( جلَّى ) للدنيا(٣)، وقيل : جلَّى ما في الأرض(٤) من حيوانها حتى ظهر(٥).
قال السهيلي - بعد أن ذكر الأقوال سوى القول الأول - :" وهذا كله بعيد ؛ لأنه لم يتقدم ما يعود الضمير عليه " (٦).
والراجح - والله أعلم - القول الأول ؛ لأنه ظاهر السياق، ولأنه لم يجر لغير الشمس ذكر، وإن صح أن يعود الضمير إلى ما لم يذكر، كما قال الفراء، فهذا إذا كان ظاهر السياق يقتضيه كما في الأمثلة التي ذكرها.
المسألة الثانية : اختلف المفسرون في مرجع الضمير في قوله تعالى : على قولين :
القول الأول : أنه يعود على الشمس ؛ ويروى عن قتادة(٧)، ومجاهد(٨).
قال ابن جرير :" والليل إذا يغشى الشمس حتى تغيب فتظلم الآفاق " (٩).
قال ابن عاشور :" والغَشى : التغطية، وليس الليل بمُغطٍّ للشمس على الحقيقة، ولكنه مسبَّب عن غَشِي نصف الكرة الأرضية لقرص الشمس ابتداءً من وقت الغروب، وهو زمن ذلك الغَشى، فإسناد الغشى إلى الليل مجاز عقلي من إسناد الفعل إلى زمنه، أو إلى مسبَّبه " (١٠).
(٢) تفسيره ٨/٤١٠ [ ط طيبة ].
(٣) قال الألوسي ٣٠/١٤١ :" والمراد بها وجه الأرض، وما عليه ".
(٤) قال السعدي ص٨٥٦ :" أي جلّى ما على وجه الأرض وأوضحه ".
(٥) انظر : تفسير الزمخشري ٤/٢١٤، والسهيلي ٢/٥٧٦، والقرطبي ٢٠/٥٠، وأبي حيان ٨/٤٧٣.
(٦) تفسيره ٢/٥٧٦.
(٧) أخرجه ابن جرير ٢٤/٤٣٧ [ ط التركي ] حيث قال :" إذا غشاها الليل ".
(٨) ذكره عنه القرطبي ٢٠/٥٠.
(٩) تفسير ابن جرير ٢٤/٤٣٧ [ ط التركي ]، وانظر : الوسيط ٤/٤٩٤.
(١٠) التحرير والتنوير ٣٠/٣٦٨.
وأما المعنى المتفق عليه فهو مراد من الآيات الثلاث قطعاً، وأنه أرشد بها إلى [ الطريق ] المستقيم، وهي الطريق القصد، وهي الهدى إنما تدل عليه - وهو الحق - طريقه على الله لا يعرج عنه، لكن نشأت الشبهة من كونه قال : بحرف الاستعلاء(١) ولم يقل ( إلينا )، والمعروف أن يقال لمن يشار إليه أن يقال :( هذه الطريق إلى فلان )، ولمن يمر به ويجتاز عليه أن يقول :( طريقنا على فلان )، وذكر هذا المعنى بحرف الاستعلاء، وهو من محاسن القرآن الذي لا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء ؛ فإن الخلق كلهم مصيرهم ومرجعهم إلى الله على أي طريق سلكوا، كما قال تعالى :(٢)، (٣)، أي : إلينا مرجعهم... فأي سبيل سلكها العبد فإلى الله مرجعه ومنتهاه، لا بد له من لقاء الله (٤)، وتلك الآيات قصد بها أن سبيل الحق والهدى وهو الصراط المستقيم هو الذي يسعد أصحابه وينالون به ولاية الله ورحمته وكرامته، فيكون الله وليهم دون الشيطان، وهذه سبيل من عبد الله وحده وأطاع رسله، فلهذا قال :
، ،
(٢) سورة آل عمران : الآية ٢٨.
(٣) سورة الغاشية : الآية ٢٥.
(٤) سورة النجم : الآية ٣١.
قال مجاهد :" إذا فرغت من أمر دنياك فانصب، فصلِّ " (١)، وعنه :" إذا فرغت من أمر دنياك وقمت إلى الصلاة فاجعل رغبتك ونيتك له " (٢).
وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام - كما تقدم -، كما اختاره النحاس حيث قال :
" ومن أحسن ما قيل فيه، وهو جامع لجميع الأقوال أنه ينبغي إذا فرغ الإنسان من شغله أن ينتصب لله - جل وعز - وأن يرغب إليه وأن لا يشتغل بما يلهيه عن ذكر الله
- سبحانه - فهذا أدب الله - عز وجل - وقد قال عبد الله بن مسعود : ما يعجبني الإنسان أراه فارغاً لا يشتغل بأمر الدنيا ولا بأمر الآخرة " (٣).
ورجح هذا القول ابن جرير في تفسيره، وقال :" وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : إن الله - تعالى ذكره - أمر نبيه أن يجعل فراغه من كل ما كان به مشتغلاً من أمر دنياه وآخرته إلى النصب في عبادته، والاشتغال فيما قربه إليه، ومسألته حاجاته، ولم يخصص بذلك حالاً من أحوال فراغه دون حال، فسواء كل أحوال فراغه من صلاة، أو جهاد، أو أمر دنيا، لعموم الشرط في ذلك... " (٤).
(٢) المصدر السابق.
(٣) إعراب القرآن ٥/٢٥٣.
(٤) تفسير ابن جرير ١٢/٦٢٩ باختصار وتصرف.
ومما يبين ذلك قوله :(١)، فإنه يقتضي ارتباط هذا بما قبله لذكره بحرف الفاء، ولو كان المذكور إنما هو رده إلى الهرم دون ما بعد الموت لم يكن هناك تعرض للدين والجزاء، بخلاف ما إذا كان المذكور أنه بعد الموت يرد إلى أسفل سافلين غير المؤمن المصلح ؛ فإن هذا يتضمن الخبر بأن الله يدين العباد بعد الموت فيكرم المؤمنين ويهين الكافرين، وأيضاً فإنه سبحانه أقسم على ذلك بأقسام عظيمة بالتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين، وهي المواضع التي جاء منها محمد والمسيح وموسى، وأرسل الله بها هؤلاء الرسل مبشرين ومنذرين، وهذا الإقسام لا يكون على مجرد الهرم الذي يعرفه كل أحد ؛ بل على الأمور الغائبة التي تؤكد بالأقسام... " (٢).
الدراسة :
في هاتين الآيتين مسألتان :
المسألة الأولى : المراد بـ، وقد اختلف المفسرون في ذلك على قولين :
القول الأول : أن المراد بذلك النار ؛ وبه قال أبو العالية(٣)، ومجاهد(٤)، والحسن(٥)، وابن زيد(٦).
وقد رجحه ابن القيم لوجوه عشرة منها :
١ - أن أرذل العمر لا يسمى أسفل سافلين لا في لغة ولا عرف، وإنما أسفل سافلين هو سجين الذي هو مكان الفجار كما أن عليين مكان الأبرار.
٢ - أن المردودين إلى أسفل العمر بالنسبة إلى نوع الإنسان قليل جداً، فأكثرهم يموت ولا يرد إلى أرذل العمر.
٣ - أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستوون هم وغيرهم في رد من طال عمره منهم إلى أرذل العمر، فليس ذلك مختصاً بالكفار حتى يستثنى منهم المؤمنين.
(٢) مجموع الفتاوى ١٦/٢٧٩ – ٢٨٣.
(٣) أخرجه ابن جرير ٢٤/٥١٥ [ ط التركي ]، وانظر : الثعلبي ١٠/٢٤٠.
(٤) أخرجه ابن جرير ٢٤/٥١٥ [ ط التركي ]، وانظر : الدر ٦/٦٢٠.
(٥) أخرجه عبد الرزاق ٣/٤٤١ [ ط محمود ]، وابن جرير ٢٤/٥١٥ [ ط التركي ].
(٦) أخرجه ابن جرير ٢٤/٥١٥ [ ط التركي ].
ثم ذكر الآيات والأحاديث الدالة على ذلك... ثم قال :" القول الثالث : وهو أصح الأقوال لفظاً ومعنى، أما من جهة اللفظ ودلالته وبيانه فإن هذا اللفظ هو مستعمل فيما يلزم به الإنسان بغير اختياره ويقهر عليه إذا تخلص منه، يقال : انفك منه كالأسير والرقيق المقهور بالرق والأسر، يقال : فككت الأسير فانفك وفككت الرقبة... " إلى قوله :" وفككت الرقبة... ".
ثم قال :" فقول : أي : لم يكونوا متروكين باختيار أنفسهم يفعلون ما يهوونه لا حجر عليهم كما أن المنفك لا حجر عليه. وهو لم يقل :( مفكوكين ) بل قال : ، وهذا أحسن فإنه نفي لفعلهم، ولو قال :( مفكوكين ) كان التقدير : لم يكونوا مسيبين مخلين، فهو نفي لفعل غيرهم، والمقصود أنهم لم يكونوا متروكين لا يؤمرون ولا ينهون ولا ترسل إليهم رسل بل يفعلون ما شاءوا مما تهواه الأنفس، والمعنى أن الله ما يخليهم ولا يتركهم، فهو لا يفكهم حتى يبعث إليهم رسولاً، وهذا كقوله :
(١)، لا يؤمر ولا ينهى... " (٢).
الدراسة :
قال الواحدي :" وهذه الآية من أصعب ما في القرآن نظماً وتفسيراً، وقد تخبَّط فيها الكبار من العلماء وسلكوا في تفسيرها طرقاً لا تفضي بهم إلى الصواب، والوجه ما أخبرتك به فاحمد الله إذْ أتاك بيانُها من غير لبس ولا إشكال " (٣).
واختلف المفسرون في معنى هذه الآية على أقوال ستة :
(٢) مجموع الفتاوى ١٦/٤٨٢ - ٥١٠، بتصرف واختصار.
(٣) الوسيط ٤/٥٣٩، وهو يرجح القول الأول، وانظر : تفسير الرازي ٣٢/٣٧، وابن عاشور ٣٠/٤٦٩.
القول الأول : ذهب عامة المفسرين إلى أن جواب في الآية محذوف، والتقدير : لو تعلمون الأمر علماً يقيناً لشغلكم عن التكاثر والتفاخر ؛ قاله مقاتل(١)، أو لعلمتم أمراً عظيماً(٢).
قال الزجاج :" المعنى : لو علمتم الشيء حقَّ علمه، وصرفتم التفهُّم إليه لارتدعتم " (٣).
وقال النحاس :" والتقدير : لو تعلمون أنكم ترون الجحيم لما تكاثرتم في الدنيا بالأموال، وغيرها. قال الكسائي : جواب في أول السورة، أي : لو تعلمون عليم اليقين ما ألهاكم التكاثر " (٤).
واختار هذا القول الواحدي(٥)، والسمعاني(٦)، والبغوي(٧)،
والزمخشري(٨)، وابن عطية(٩)، وابن الجوزي(١٠)، وابن جزي(١١)، وأبو حيان وقال :" لدلالة ما قبله عليه وهو " (١٢)، والسَّمين(١٣)، وابن كثير(١٤)، وغيرهم.
وقال الرازي :" اتفقوا على أن جواب محذوف، وأنه ليس قوله :
جوابَ، ويدل عليه وجهان :
أحدهما : أن ما كان جواب فنفيه إثبات، وإثباته نفي، فلو كان قوله :
جواباً لـ لوجب ألا تحصل الرؤية، وذلك باطل ؛ فإن هذه الرؤية واقعة قطعاً...
والثاني : أن قوله : إخبار عن أمر سيقع قطعاً، فعطفه على ما لا يوجد ولا يقع قبيح في النظم، ثم ذكر أن من وجوه حذف جواب
(٢) انظر : زاد المسير ٨/٣٠١.
(٣) معاني القرآن ٥/٣٥٧.
(٤) إعراب القرآن ٥/٢٨٤.
(٥) تفسيره الوسيط ٤/٥٤٩.
(٦) تفسيره ٦/٢٧٦.
(٧) تفسيره ٤/٥٢١.
(٨) الكشاف ٤/٢٣١.
(٩) تفسيره ١٦/٣٥٩.
(١٠) زاد المسير ٨/٣٠١.
(١١) تفسيره ٢/٦٠٦.
(١٢) البحر المحيط ٨/٥٠٦.
(١٣) الدر المصون ١١/٩٨.
(١٤) تفسيره ٤/٥٨٣.
وقد رُوي عن سعد بن أبي وقاص، وابن عباس - رضي الله عنهم -، ومصعب بن سعد، وابن أبْزى، ومسروق، وأبي الضُّحى(١) أنهم قالوا في السهو عن الصلاة في هذه الآية هو تأخيرها عن وقتها(٢).
وعن مجاهد في قوله :" لاهون ". وعنه :" يتهاونون ". وعن قتادة :" غافلون "، وعن ابن زيد :" يصلون وليست الصلاة من شأنهم " (٣).
وعن قتادة :" ساهٍ عنها، لا يبالي صلى أم لم يصل " (٤). وعن أبي العالية :" هو الذي يصلي، ويقول : هكذا، يعني : يلتفت عن يمينه ويساره " (٥). وعن عطاء بن يسار(٦) قال :" الحمد لله الذي قال ولم يقل : في صلاتهم " (٧). أي : إن السهو في الصلاة لا يسلم منه أحد.
(٢) أخرجه عنهم ابن جرير ١٢/٧٠٦ - ٧٠٧، وأخرجه عن مسروق أيضاً ابن أبي حاتم كما في الدر ٦/٦٨٣.
(٣) أخرجه عنهم ابن جرير ١٢/٧٠٧ - ٧٠٨، وعن مجاهد أيضاً وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر ٦/٦٨٣، وعن زيد بن أسلم أيضاً ابن أبي حاتم كما في الدر ٦/٦٨٣.
(٤) أخرجه عبدالرزاق ٣/٤٦٣ [ ط : محمود ]، وابن جرير ١٢/٧٠٧.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم ٦/٦٨٣.
(٦) هو الإمام الفقيه الواعظ المذكر الثبت الحجة كبير القدر، عطاء بن يسار الهلالي المدني، مولى ميمونة، حدث عن عائشة وأبي هريرة، توفي سنة ١٠٣هـ، وقيل غير ذلك. انظر : سير أعلام النبلاء ٤/٤٤٨، وتهذيب التهذيب ٧/٢١٧.
(٧) أخرجه ابن جرير ١٢/٧٠٨، بدون قوله :" ولم يقل "، وذكره في الدر ٦/٦٨٣ بهذا اللفظ.
قال : وقيل إن معنى الأول : ولا أنتم عابدون ما عبدت، ومعنى الثاني : ولا أنتم عابدون ما أعبد. فعدل عن لفظ ( عبدت ) للإشعار بأن ما عبد في الماضي هو الذي يعبد في المستقبل قد يقع أحدهما موقع الآخر، وأكثر ما يأتي ذلك في إخبار الله تعالى، ويجوز أن تكون والفعل مصدراً، وقيل : إن معنى الآيات وتقديرها : قل يا أيها الكافرون لا أعبد الأصنام الذي تعبدون، ولا أنتم عابدون الذي أعبده لإشراككم به واتخاذكم معه الأصنام ؛ فإن زعمتم أنكم تعبدونه فأنتم كاذبون لأنكم تعبدونه مشركين به، فأنا لا أعبد ما عبدتم، أي : مثل عبادتكم، فهو في الثاني مصدر. وكذلك هو في الثاني مصدر أيضاً معناه : ولا أنتم عابدون مثل عبادتي التي هي توحيد.
قلت : القول الثالث هو في معنى الثاني لكن جعل قوله :
معنيين ؛ أحدهما : بمعنى ( ما عبدت )، والآخر : بمعنى ( ما أعبد ) ليطابق قوله لهم : ، ؛ فلما تبرأ من أن يعبد في الحال والاستقبال ما يعبدونه في الماضي والحال، كذلك برأهم من عبادة ما يعبد في الحال والاستقبال، لكن العبارة عنهم وقعت بلفظ الماضي، قال هؤلاء : وإنما لم يقل في حقه :( ما عبدت ) للإشعار بأن ما أعبده في الماضي هو الذي أعبده في المستقبل.
قلت : أصحاب هذا القول أرادوا المطابقة كما تقدم. لكن إذا أريد بقوله :[ ما أريد ] بقوله : في أحد الموضعين الماضي كان التقدير على ما ذكروه : لا أنا عابد في المستقبل ما عبدتم في الماضي. فيكون قد نفى عن نفسه في المستقبل عبادة ما عبدوه في الماضي دون ما يعبدونه في المستقبل، وكذلك إذا قيل :
أي في الماضي فسواء أريد بما يعبدون الحال أو الاستقبال إنما نفى عبادة ما عبدوه في الماضي، وهذا أنقص لمعنى الآية، وكيف يتبرأ في المستقبل من عبادة ما عبدوه في الماضي فقط ؟ وكذلك هم ؟.
ثم ذكر جملة كبيرة من أقوال السلف واللغويين في معنى هذا الاسم الكريم، ونقل عن ابن أبي حاتم وابن جرير ما روياه بأسانيدهما عن بعض السلف في هذا المعنى(١).
وكان من ضمن ما قال :" قلت : الاشتقاق يشهد للقولين جميعاً، قول من قال : إن الذي لا جوف له، وقول من قال : إنه السيد، وهو على الأول أدلُّ ؛ فإن الأول أصل للثاني، ولفظ يقال على ما لا جوف له في اللغة " (٢).
وقال – رحمه الله – :" قال ابن مسعود، وابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير وخلق من السلف : الذي لا جوف له. وقال آخرون : هو السيد الذي كمل في سؤدده. وكلا القولين حق ; فإن لفظ في اللغة يتناول هذا وهذا، والصمد في اللغة : السيد ; والصمد أيضا المصمد، والمصمد : المصمت، وكلاهما معروف في اللغة " (٣).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بـ على أقوال خمسة :
القول الأول : أنه السيد الذي يُصْمَدُ إليه في الحوائج، أو السيد الذي قد انتهى سؤدده.
قال ابن عباس - رضي الله عنه - مبيناً معناه :" السيد الذي كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد عظم في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه هذه صفته لا تنبغي إلا له " (٤).
وعن أبي وائل قال :" : السيد الذي قد انتهى سؤدده " (٥).
(٢) مجموع الفتاوى ١٧/٢٢٦.
(٣) مجموع الفتاوى ٥/٣٥٣، وانظر : مجموع الفتاوى ٨/١٤٩، والجواب الصحيح ٤/٤٠٧، والمنهاج ٨/٢٩، وبيان تلبيس الجهمية ٢/٢٤٨.
(٤) أخرجه ابن جرير ١٢/٧٤٤، وهي رواية علي بن أبي طلحة عنه.
(٥) أخرجه عبد الرزاق ٣/٤٧٥ [ ط محمود عبده ]، وابن جرير ١٢/٧٤٣، ٧٤٤.
قال القرطبي :" قلت : هذا القول يشهد له الاشتقاق ؛ فإن الفلْق الشَّق، فَلَقْت الشيء فلقاً أي شققته، والتفليق مثله، يقال : فلقته، فانفلق وتفلَّق، فكل ما انفلق عن شيء من حيوان وصبح وحبٍّ ونوى وماء فهو فَلْق قال الله تعالى : ، وقال :
الحب والنوى " (١).
القول الثاني : أن المراد بالفلق الصُّبح ؛ وبه قال ابن عباس(٢)، وجابر بن عبد الله - رضي الله عنهم -، ومجاهد، وسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب القرظي، والحسن، وقتادة، وابن زيد(٣)، وقرأ :(٤).
واختاره الفراء وقال :" الفلق : الصبح، يقال : هو أبين من فَلق الصبح، وفَرَق الصبح " (٥)، كما اختاره النحاس، حيث ذكر الأقوال فيه، ثم قال :" وإذا وقع الاختلاف وجب أن يُرجع إلى اللسان الذي نزل به القرآن، والعرب تقول : هو أبينُ من فلق الصبح، وفرقه، يعنون الفجر " (٦).
واختاره السمعاني(٧)، والبغوي ونسبه لأكثر المفسرين(٨)، وابن القيم(٩)، وابن كثير(١٠)، وابن عاشور(١١).
واستدل لهذا القول بقول الشاعر :
(٢) وهي رواية العوفي عنه.
(٣) أخرجه عنهم ابن جرير ١٢/٧٤٧ – ٧٤٨، وأخرجه عن قتادة أيضاً عبد الرزاق ٣/٧٤٦ [ ط محمود عبده ].
(٤) سورة الأنعام : الآية ٩٦، واستدل بالآية أيضاً الثعلبي ١٠/٣٣٩، والسمعاني ٦/٣٠٥، والبغوي ٤/٥٤٧.
(٥) معاني القرآن ٣/٣٠١.
(٦) إعراب القرآن ٥/٣١٣.
(٧) تفسيره ٦/٣٠٥.
(٨) تفسيره ٤/٥٤٧، ونسبه الرازي ٣٢/١٧٥ أيضاً لأكثر المفسرين، والشوكاني ٥/٧٥٧.
(٩) بدائع الفوائد ٢/٣٥٩.
(١٠) تفسيره ٤/٦١٣.
(١١) تفسيره ٣٠/٦٢٦.
وأيضاً فكونه يوسوس في صدور الطائفتين صفة توضيح وبيان، وليس وسوسة الجن معروفة عند الناس، وإنما يعرف هذا بخبر ولا خبر هنا، ثم قد قال : ، فكيف يكون لفظ الناس عاماً للجنة والناس، وكيف يكون قسيم الشيء قسماً منه، فهو يجعل الناس قسيم الجن، ويجعل الجن نوعاً من الناس، وهذا كما يقول : أكرم العرب من العجم والعرب، فهل يقول هذا أحد ؟! وإذا سماهم الله تعالى رجالاً لم يكن في هذا دليل على أنهم يسمون ناساً ؛ وإن قدر أنه يقال جاء ناس من الجن فذاك مع التقييد ؛ كما يقال : إنسان من طين وماء دافق، ولا يلزم من هذا أن يدخلوا في لفظ الناس، وقد قال تعالى :(١)، فالناس كلهم مخلوقون من آدم وحواء ؛ مع أنه سبحانه يخاطب الجن والإنس، والرسول - ﷺ - مبعوث إلى الجنسين ؛ لكن لفظ الناس لم يتناول الجن، ولكن يقول : يا معشر الجن والإنس. وكذلك قول الزجاج : أن المعنى
الذي هو الجنة، ومن شر الناس فيه ضعف، وإن كان أرجح من الأول ; لأن شر الجن أعظم من شر الإنس ؛ فكيف يطلق الاستعاذة من جميع الناس ولا يستعيذ إلا من بعض الجن.
وأيضاً فالوسواس الخناس إن لم يكن إلا من الجنة فلا حاجة إلى قوله : من الجنة ومن الناس، فلماذا يخص الاستعاذة من وسواس الجنة دون وسواس الناس.
This research is concerned with the compiling of Ibn Taimiah's Selections in Interpretation from the beginning of the surah (chapter of Holy Qur'aan) of ﷺlkahf till the end of the The Holy Qur'aan، their studying، comparing them with the opinions of other elucidators، mentioning the more probable of them with evidences، discussing the other opinions taking into consideration the rules of preference of the elucidators.
This topic includes an introduction، preface، two sections and a conclusion.
as follows:
Introduction: includes the following:
The importance of the topic، the reasons of selecting it، the research plan، my research method and the difficulties that confronted me at the time of preparing it.
Preface: includes the following:
Briefed translation for Ibn Taimiah and the characteristics that his Interpretation is distinguished by.
The first section: includes the following:
Ibn Taimiah's method in Selecting and Preferring (includes two chapters)
* The first chapter: includes the following:
Ibn Taimiah's methods in Selecting and Preferring in Interpretation with giving examples on the basis of the cases I have studied.
* The second chapter: includes the following :
Ibn Taimiah's rules and kinds of Selecting and Preferring concerning Interpretation with giving examples on the basis of the cases I have studied.
The second section: includes the following:
Ibn Taimiah's Preferences and Selections in Interpretation from the beginning of the surah (chapter of Holy Qur'aan) of ﷺlkahf till the end of the The Holy Qur'aan.
The conclusion: includes the following:
٢٥... ٤١٠
(سورة السجدة)
١٢... ٥٨٧
١٣... ٣٩٦
(سورة الأحزاب)
١٤... ٣٠٣
٣٣... ٣٦، ٦٣، ٧١، ٢٢٥، ٢٢٦، ٢٢٧، ٢٢٩
٣٤... ٥١، ٢٣٢، ٢٣٤
٣٧... ١٣٠
٧٠... ٥١، ٢٣٥
(سورة سبأ)
٢١... ١٤١
٢٢... ٣٤١
٢٣
٢٤... ١١٨
٣٣... ١١٤
٤٧... ٣٢٥
(سورة فاطر)
١١... ٢٣٧، ٢٤٠، ٢٤١
٢٢... ٦٧٩
٣٢... ٢٤٣، ٢٤٥، ٢٤٦، ٥٦٨
٣٣... ٢٤٥
٣٦... ٢٤٦
(سورة يس)
١٣... ٥٢، ٢٤٨، ٢٥٢
١٤... ٢٤٨، ٢٥٠، ٢٥١، ٢٥٢، ٢٥٥، ٢٥٦
١٥... ٢٥١، ٢٥٥، ٢٥٦
٢٢... ١٧٩
٢٣... ١٧٩
٢٩... ٢٥٠
٣٠... ٢٥١
٤٠... ٦٠٢
٦٠... ١٩٣
٦١... ١٩٣
٦٨... ٦٣٣
(سورة الصافات)
- -... ١-٣... ٦٠٢
٤٩... ٤٤٩
٩٥... ٢٥٨، ٢٦٠، ٢٦١، ٢٦٢
٩٦... ٥٠، ٢٥٨
٩٩... ٢٧٤
١٠١... ٧١، ٢٦٣، ٢٦٤، ٢٦٨، ٢٦٩، ٢٧٣، ٢٧٤
١٠٢... ٢٦٣، ٢٦٤، ٢٦٥، ٢٧٤
١٠٧ –١١١... ٢٦٤
١١٢... ٧١، ٢٦٤، ٢٦٩
١١٣... ٢٦٤
(سورة ص)
٥... ٦١، ١٧٨
٢٤... ٥٤٣، ٥٤٤
٥٤... ٣١٠
٨٤-٨٥... ٣٩٦
٨٦... ٣٢٥
(سورة الزمر)
١... ٢٧٧، ٤٦٦
٢... ٢٧٧
٦... ٢٩٦، ٤٦٦، ٤٦٩
١٨... ٧٠، ٢٧٦
٢٣... ٢٧٨
٢٨... ٦٥
٣٢... ٢٨٣
٣٣... ٢٨٠، ٢٨١، ٢٨٢، ٢٨٣
٣٥... ٢٨٢
٤٢... ٦٩، ٢٨٥، ٢٨٦، ٢٨٧، ٢٨٨
٦٤... ٦٨٣
٦٦... ٦٨٣
٦٧... ٣٥، ٢٨٩، ٢٩٢، ٢٩٣
(سورة غافر)
١١... ٢٩٤
٣٧... ١٧٠
٦٠... ٢٩٩، ٣٠١، ٣٠٢
(سورة فصلت)
٣... ٤٣٠
٤... ٤٣٠
٦ - ٧... ٣٠٣، ٣٠٤، ٣٠٧
٧... ٣٠٣، ٣٠٧
٨... ٣٠٨، ٣٠٩، ٣١٢
١١... ١٢٠
١٧... ٦٠٨
٢٦... ٥٧٧
٣٧... ٦٠٢
٤١-٤٢... ١٤٢
٤٥... ٦٥٨
٥٢... ٣١٣، ٣١٤
٥٣... ٣١٣، ٣١٤
(سورة الشورى)
١١... ٤٩٧
١٧... ٥١، ٣١٦
٢٣... ٦٤، ٧٢، ٣٢٠، ٣٢١، ٣٢٢، ٣٢٥
٢٦... ٢٩٩
٣٢... ٣٩٨، ٣٩٩
٤٥... ٥٨٨
٥٢... ٣٢٦، ٣٢٧، ٣٢٨، ٦٢٥
(سورة الزخرف)
١٥... ٣٣٠، ٣٣١، ٣٣٢
١٦
١٧
٤٣
٤٤... ٣٣٤، ٣٣٥، ٣٣٦، ٣٣٧، ٥٧٤
٥٠... ٣٥، ٤٩٦
٦٠... ١٠٦
٨٦... ٣٣٩، ٣٤٠، ٣٤١، ٣٤٢، ٣٤٣، ٥٥٠
٨٧... ٤١٦
(سورة الجاثية)
١٢... ٣٩٩
١٣... ٤١٧
(سورة الأحقاف)
١٠... ٧٢، ٣٤٤، ٣٤٥، ٣٤٦، ٣٤٧، ٣٤٨
(سورة محمد)
٣٠... ٥٨٦
(سورة الفتح)
١... ٤٦٠، ٤٦٢
٨... ٤٣٠
١٦... ٣٥٠، ٣٥١، ٣٥٣، ٥٦٨
٢٧... ٣٥٨، ٣٦١، ٣٦٢، ٣٦٣
٢٩... ٥٨٦
(سورة الحجرات)
٦... ٣٦٤
١١... ٣٦٤، ٣٦٥، ٣٦٦، ٣٦٧
١٤... ٣٦٩، ٣٧٠، ٣٧١، ٣٧٢، ٣٧٥، ٣٧٦، ٣٧٧
١٥... ٣٧٢
١٦... ٣٧٢
١٧... ٣٠٨، ٣٧١
(سورة ق)
١٦... ٤٩، ٧١، ٣٧٩، ٣٨٠، ٣٨١، ٣٨٣، ٣٨٤، ٣٨٥، ٤٥٤
١٧... ٣٨٠
١٨... ٣٨٠، ٣٨١، ٣٨٦، ٣٨٧، ٣٨٨، ٣٨٩
١٩... ٣٩١، ٣٩٢، ٣٩٣
٣٠... ٦٢، ٣٩٤