وقد شاركني في هذا البحث أخوان كريمان، جمع الأولُ منهما وهو الباحث : محمد بن زيلعي هندي، اختيارات ابن تيمية من أول سورة الفاتحة إلى نهاية سورة النساء في رسالة دكتوراه في القسم تمت مناقشتها، وسجل الثاني وهو زميلي محمد بن عبد العزيز المسند اختياراته من أول سورة المائدة إلى نهاية سورة الإسراء، وكان نصيبي جمع ودراسة اختيارات ابن تيمية في التفسير من أول سورة الكهف إلى آخر القرآن الكريم.
خطة البحث :
هذا الموضوع يشتمل على مقدمة، وتمهيد، وقسمين، وخاتمة.
وهي على النحو التالي :
المقدمة : وفيها : أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، وخطة البحث، ومنهجي فيه.
التمهيد : ابن تيمية، وخصائص تفسيره، ويشمل على ما يلي :
١- ترجمة موجزة لابن تيمية.
٢- خصائص تفسيره.
القسم الأول : منهج ابن تيمية في الاختيار والترجيح. وفيه فصلان :
الفصل الأول : صيغ وأساليب الاختيار والترجيح في التفسير عند ابن تيمية.
وفيه مبحثان :
المبحث الأول : صيغ الاختيار والترجيح عند ابن تيمية.
المبحث الثاني : أساليب الاختيار والترجيح عند ابن تيمية.
الفصل الثاني : قواعد ووجوه وأنواع الاختيار والترجيح عند ابن تيمية.
وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : قواعد الاختيار والترجيح عند ابن تيمية.
المبحث الثاني : وجوه الاختيار والترجيح عند ابن تيمية.
المبحث الثالث : أنواع الاختيار والترجيح عند ابن تيمية.
القسم الثاني : اختيارات ابن تيمية وترجيحاته في التفسير من أول سورة الكهف إلى آخر القرآن الكريم، جمعاً ودراسة.
الخاتمة : وفيها أهم النتائج، مع المقترحات.
الفهارس.
منهج البحث :
هذا وقد سلكت في بحث هذا الموضوع المنهج التالي :
والراجح - واللَّه تعالى أعلم - القول الأول، وهو أن النفخ إنما كان في فرجها المعروف، وليس في فرج ثوبها ؛ لأن هذا هو ظاهر القرآن، ومقتضى قول السلف، ومن قال من السلف : إنه نفخ في جيب درعها فمراده أنه نفخ في جيب درعها فبلغت فرجها، كما في أثر عطاء بن يسار، وأبي صالح، وسعيد بن جبير(١).
وتقدم قول شيخ الإسلام :" إن من نقل أن جبريل نفخ في جيب الدرع فمراده أنه - ﷺ -... نفخ في جيب الدرع فوصلت النفخة إلى فرجها ".
قال الشنقيطي :" وقول من قال : إن فرجها الذي نفخ فيه الملك هو جيب درعها ظاهر السقوط ؛ بل النفخ الواقع في جيب الدرع وصل إلى الفرج المعروف فوقع الحمل " (٢).
هذا ومن المفسرين من عبَّر عن ذلك بألفاظ مجملة لا يمكن إدراجها تحت أحد القولين وإليك نماذج منها :
قال السمرقندي(٣) :" نفخ جبريل في نفسها بأمرنا " (٤).
وقال الماوردي :"، أي : أجرينا فيها روح المسيح كما يجري الهواء بالنفخ... " (٥).

(١) هو سعيد بن جبير الأسدي مولاهم، الكوفي، ثقة، من علماء التابعين، قتله الحجاج عام ٩٥هـ. انظر : حلية الأولياء ٤/٢٧٢، وتقريب التهذيب ص٢٣٤.
(٢) تفسير الشنقيطي ٤/٢٦١.
(٣) هو أبو الليث، نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي، الفقيه الواعظ، من مؤلفاته : تفسير القرآن، وخزائن الفقه، توفي سنة ٣٧٣هـ. انظر : طبقات المفسرين للداوودي ٢/٣٤٥، والأعلام ٨/٢٧.
(٤) تفسير السمرقندي ٣/٣٧٨.
(٥) تفسير الماوردي ٣/٤٦٩.

وقال الزجاج :" فقال : ولا يضره، وقال : ضره أقرب من نفعه، معناه الضر بعبادته أقرب من النفع ؛ فإن قال قائل : كيف يقال : أقرب من نفعه ولا نفع من قبله ألبتة، فالعرب تقول لما لا يكون : هذا بعيد، والدليل على ذلك قوله تعالى :(١) " (٢).
وقال البغوي :" هذه الآية من مشكلات القرآن، وفيها أسئلة :
أولها : قالوا : قد قال الله في الآية السابقة وقال ههنا : فكيف التوفيق بينهما ؟ قيل : قوله في الآية الأولى أي : لا يضره ترك عبادته، وقوله : أي : ضرُّ عبادته... " (٣).
وقال الزمخشري :" فإن قلت : الضرر والنفع منفيان عن الأصنام مثبتان لها في الآيتين وهذا تناقض، قلت : إذا حصل المعنى ذهب الوهم، وذلك أن الله تعالى سفَّه الكافر بأنه يعبد جماداً لا يملك ضراً ولا نفعاً، وهو يعتقد فيه بجهله وضلاله أنه يستنفع به حين يستشفع به، ثم قال يوم القيامة : يقول هذا الكافر بدعاء وصراخ حين يرى استضراره بالأصنام ودخوله النار بعبادتها، ولا يرى أثر الشفاعة التي ادَّعاها لها أو كرَّر يدعو كأنه قال : يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه، ثم قال : بكونه معبوداً بكونه شفيعاً " (٤).
وعلى هذا القول يكون القائل في الجملة الأولى هو الله تعالى إخباراً عن حال الأصنام، والجملة الثانية هي كلام عبَّاد الأصنام، يقولون ذلك في الآخرة وأنهم يثبتون له ضراً بكونهم عبدوه، وأثبتوا له نفعاً بكونهم اعتقدوه شفيعاً، فالنافي هنا غير المثبت هنا، وتَعقَّبه أبو حيان :" بأن الصنم لا نفع فيه ألبتة حتى يقال : ضره أقرب من نفعه " (٥).
(١) سورة ق : الآية ٣.
(٢) معاني القرآن وإعرابه ٣/٤١٥، وبه أجاب الواحدي في الوسيط ٣/٢٦١، والبغوي ٣/٢٧٧، وابن الجوزي ٥/٢٨٣.
(٣) تفسيره ٣/٢٧٧، وهو مأخوذ عن السمعاني ٣/٤٢٥.
(٤) الكشاف ٣/٢٧.
(٥) تفسيره ٦/٣٣١، وانظر : أضواء البيان ٥/٤٦.

معروفات بالزِّنى من أهل الشرك، فأنزل الله تحريمَهنَّ على المؤمنين في هذه الآية، وقد وَرَدَ هذا عن جمع من السلف منهم : عبدالله بن عمرو، وابن عباس - رضي الله عنهم -، وابن المسيِّب، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح(١)، والقاسم بن أبي بزَّة(٢)، وسعيد بن جبير، والشعبي(٣) (٤).
وقد اختلف المفسرون في معنى هذه الآية على أقوال خمسة :
(١) هو عطاء بن أبي رَبَاح أسلم القرشي مولاهم، المكي، ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال، مات سنة أربع عشرة ومائة، وقيل إنه تغير بآخره. انظر : تقريب التهذيب ١/٦٧٤، شذرات الذهب ١/١٤٧.
(٢) القاسم بن أبي بزّة نافع المكي، مولى بني مخزوم، القارئ، ثقة، مات سنة خمس عشرة ومائة، وقيل قبلها. انظر : التاريخ الكبير ٧/١٦٧، وتقريب التهذيب ٢/١٨.
(٣) هو عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار الشعبي الحميري، أبو عمرو، حافظة من الحفاظ، ولد سنة ١٩هـ، وتوفي سنة ١٠٣هـ بالكوفة. انظر : تاريخ بغداد ١٢/٢٢٧ ترجمة (٦٦٨٠)، وتهذيب التهذيب ٥/٦٥.
(٤) أخرجها عنهم ابن جرير ١٧/١٤٩ – ١٥٧ [ ط التركي ] وغيره، انظر : الدر المنثور ٥/٣٨ – ٤٠.

القول السادس : أنه أعياد المشركين ؛ قاله الربيع بن أنس، وأبو العالية، وطاووس(١)، والمثنى بن الصباح(٢)، وقال ابن سيرين :" هو الشعانين ".
القول السابع : أنه مجالس السوء ؛ قاله عمرو بن قيس(٣).
القول الثامن : أنه مجلس كان يشتم فيه النبي - ﷺ - ؛ قاله خالد بن كثير(٤).
القول التاسع : أنه شرب الخمر لا يحضرونه ولا يرغبون فيه ؛ قاله الزهري(٥).
القول العاشر : وقال عمرو بن مرة :" لا يمالئون أهل الشرك على شركهم ولا يخالطوهم "، وروي عن قتادة نحوه.
(١) هو طاووس بن كيسان الخولاني الهمداني بالولاء، أبو عبد الرحمن، ولد باليمن سنة ٣٣هـ، وتوفي حاجاً بمكة سنة ١٠٦هـ، من أكابر التابعين، كان فقيهاً في الدين راوية للحديث. انظر : حلية الأولياء ٤/٣، وتهذيب التهذيب ٥/٨.
(٢) هو المثنى بن الصبَّاح اليماني ثم المكي، الأبناوي، من رجال الحديث المكثرين، توفي بمكة سنة ١٤٩هـ، طال عمره واختلط فعُدّ من الضعفاء. انظر : تهذيب التهذيب ١٠/٣٥، وشذرات الذهب ١/٢٢٥.
(٣) هو عمرو بن قيس بن ثور بن مازن بن خيثمة السكوني الكندي، أبو ثور، تابعي ثقة، كان سيد أهل حمص، ولد سنة ٤٠هـ، وتوفي سنة ١٤٠هـ. انظر : تهذيب التهذيب ٨/٩١، والتقريب ص٤٢٦.
(٤) هو خالد بن كثير الهمداني الكوفي، ليس به بأس، وأخطأ من قال له صحبة. انظر : الثقات ٦/٢٦٠، وتقريب التهذيب ص١٩٠.
(٥) هو الإمام الحافظ، محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، أبو بكر، أول من دون الحديث، عالم الحجاز والشام، ولد سنة ٥٨هـ، وتوفي سنة ١٢٤هـ. انظر : سير أعلام النبلاء ٥/٣٢٦، وتهذيب التهذيب ٩/٤٤٥.

(١)، وكانوا معترفين بأن آلهتهم لم تشارك الله في خلق السموات والأرض ولا خلق شيء ; بل كانوا يتخذونهم شفعاء ووسائط كما قال تعالى :(٢)، وقال عن صاحب يس :(٣)..." (٤).
وقال – رحمه الله – عند هذه الآيات :" يستفهم فيها كلها استفهام إنكار، هل يفعل هذه الأمور أحد من الآلهة التي يعبدون من دون الله ؛ فإن قوله : اسم واحد وقع صفة لإله ؛ ليس هو جملة واحدة كما ظنه طائفة من المفسرين، واعتقدوا أن المعنى : مع الله إله ؛ فإن القوم كانوا يجعلون مع الله آلهة أخرى، وقد ذكر ذلك في السورة بقوله :(٥) فلا يفيد استفهامهم عما هم معترفون به.
وأيضاً فإن جواب المستَفْهَم عنه لا يكون إلا مفرداً لا يكون جملة، فإذا قيل من فعل هذا ؟ فإنه يقال : فلان أم فلان، لا يذكر جملة، بل لو كان كذلك لم ينتظم الكلام، ولكن المقصود أن هذه الآلهة التي تدعونها من دون الله هل هي التي فعلت هذه الامور أم الله وحده فعلها ! فإن القوم كانوا مقرين بأن الله وحده هو الفاعل لهذه الأمور، وهذا شأن استفهام الإنكار فانه يتضمن نفي المستفهم عنه والإنكار على من أثبته، والقوم كانوا معترفين بذلك لكن كانوا مع ذلك مشركين به الآلهة التي يعلمون أنها لم تفعل ذلك فأنكر عليهم ذلك وزجروا عنه ومثل هذا في القرآن كثير... " (٦).
الدراسة :
اختلف المفسرون في معنى الاستفهام الذي ختمت به هذه الآية، والآيات الأربع بعدها على قولين :
القول الأول : أن المعنى : أإله مع الله فعل هذا ؟ والاستفهام هنا إنكاري.
(١) سورة ص : الآية ٥.
(٢) سورة يونس : الآية ١٨.
(٣) سورة يس : الآيتان ٢٢ – ٢٣.
(٤) مجموع الفتاوى ٧/٧٦.
(٥) سورة النمل : الآية ٥٩.
(٦) بيان تلبيس الجهمية ٢/٤٥٦، وانظر : مجموع الفتاوى ١١/٦٨٣.

قال - رحمه الله - :" تفسير الآية بما هو مأثور ومنقول عمن قاله من السلف والمفسرين من أن المعنى : كل شيء هالك إلا ما أُريد به وجهه ؛ فإنه ذكر ذلك بعد نهيه عن الإشراك وأن يدعو معه إلهاً آخر، وقوله : يقتضي أظهر الوجهين، وهو أن كل شيء هالك إلا ما كان لوجهه من الإيمان والأعمال وغيرهما، روي عن أبي العالية قال : إلا ما أريد به وجهه.
وعن جعفر الصادق(١) : إلا دينه(٢).
ومعناهما واحد، وقد روي عن عبادة بن الصامت قال : يجاء بالدنيا يوم القيامة فيقال : ميزوا ما كان لله منها، ثم يؤمر بسائرها فيلقى في النار(٣).
(١) هو جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي، أبو عبد الله، الملقب بالصادق، من أجلاء التابعين، له منْزلة رفيعة في العلم، ولد بالمدينة سنة ٨٠هـ، وتوفي بها سنة ١٤٨هـ. انظر : حلية الأولياء ٣/١٩٢، وسير أعلام النبلاء ٦/٢٥٥.
(٢) تفسير الثعلبي ٧/٢٦٧.
(٣) المرجع السابق ٧/٢٦٧.

وحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول - ﷺ - سئل :" أي العباد أفضل درجةً عند الله يوم القيامة ؟ قال : الذاكرون الله كثيراً والذاكرات، قلت : يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله ؟ قال : لو ضرب بسيفه الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دماً لكان الذاكرون لله أفضل منه درجة " (١).
ويناقش هذا الاستدلال بأنه قد ثبت تفضيل بعض الأعمال على الذكر(٢).
وبأنه قد يراد بالذكر جميع الأعمال الصالحة(٣).
وروى عن ابن عباس أنها محتملة للوجهين جميعاً ؛ أي القولين الأول والثاني حيث قال - رضي الله عنه - عند هذه الآية :" لها وجهان : ذكر الله أكبر مما سواه، وذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه " (٤).
(١) أخرجه الترمذي ٥/٤٢٨ ح٣٣٧٦، كتاب الدعوات، باب : ٥، وقال :" هذا حديث غريب، إنما نعرفه من حديث دارج "، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص٤٤١ ح٦٧٠، وأخرجه أحمد في المسند ٣/٧٥، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص٤٤٢ ح٦٧٠.
(٢) كما في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال :" سألت رسول الله - ﷺ - أي العمل أفضل ؟ قال : الصلاة لوقتها، قلت : ثم أي ؟ قال : بر الوالدين، قال : قلت : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ". أخرجه البخاري ٢/١٣ ح٥٢٧، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها، ومسلم ١/٨٩ ح١٣٧، في كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال.
(٣) كما قالت أم الدرداء - رضي الله عنها - :" فإن صليت فهو من ذكر الله، وإن صمت فهو من ذكر الله، وكل خير تعمله فهو من ذكر الله، وكل شر تجنّبته فهو من ذكر الله، وأفضل من ذلك تسبيح الله " أخرجه ابن جرير ١٠/ ١٤٧.
(٤) تفسير ابن جرير ١٠/١٤٨.

(١) دين الأولين(٢).
القول الثاني : أن معنى الآية : لاتبديل لخلق الله من البهائم بأن يخصى الفحول منها، وبه قال ابن عباس - رضي الله عنهما - ومجاهد، وعكرمة(٣).
ويلاحظ أن هؤلاء قد روي عنهم القول الأول، فيوجه بما ذكره شيخ الإسلام من أنه لا منافاة بين القولين، حيث إن الخصاء من تغيير خلق الله(٤).
والراجح - والله تعالى أعلم - ما ذهب إليه شيخ الإسلام من أنه لا منافاة بين القولين، فيدخل فيها تغيير دين الله، ويدخل فيها الخصاء ؛ إذ الخصاء من تغيير خلق الله.
سورة الروم : الآية ٤٩
قال تعالى :(٥).
رجح شيخ الإسلام أن قوله تعالى : ليس تكراراً وتأكيداً لقوله :
قال - رحمه الله - عند هذه الآية :" فهي من أشكل ما أُورد، ومما أعضل على الناس فَهْمُها، فقال كثير من أهل الإعراب والتفسير : إنه على التكرار المحض والتأكيد "، ثم ذكر قول الزمخشري في الآية وأنه من باب التأكيد ورد عليه ثم قال :" وأما قوله : فليس من التكرار بل تحته معنى دقيق، والمعنى فيه : وإن كانوا من قبل أن ينَزل عليهم الوَدْقُ، من قبل هذا النُّزول لمبلسين ؛ فهنا قبليتان : قبلية لنُزوله مطلقاً، وقبلية لذلك النُزول المعين ألاَّ يكون متقدماً على ذلك الوقت، فيئسوا قبل نزوله يأسين : ياساً لعدمه مرئياً، ويأساً لتأخره عن وقته ؛ فقبل الأولى ظرف لليأس، وقبل الثانية ظرف المجيء والإنزال.
(١) سورة الشعراء : الآية ١٣٧.
(٢) صحيح البخاري ٨/٦٥١، كتاب التفسير، سورة العنكبوت، وانظر : الوجوه والنظائر للقرعاوي ص٣١٦.
(٣) تفسير ابن جرير ١٠/١٨٤، واستغربه الألوسي ٢١/٤١.
(٤) وبنحو ما قاله شيخ الإسلام من عدم المنافاة بين القولين قال ابن القيم، انظر شفاء العليل ص ٢٨٦.
(٥) سورة الروم : الآية ٤٩.

وقال الألوسي :" وجاء في بعض الروايات أنه – عليه الصلاة والسلام – ضمَّ إلى أهل الكساء علياً وفاطمة والحسنين - رضي الله عنهم -، و بقيّة بناته وأقاربه وأزواجه، وصح عن أم سلمة في بعض آخر أنها قالت :" فقلت : يارسول الله أما أنا من أهل البيت ؟ فقال : بلى إن شاء الله تعالى "، وفي بعض آخر أيضاً أنها قالت له - ﷺ - :" ألست من أهلك ؟ قال : بلى "، وأنه عليه الصلاة والسلام أدخلها الكساء بعد ما قضى دعاءه لهم، وقد تكرر كما أشار إليه المحب الطبري(١) منه - ﷺ - الجمع وقول :" هؤلاء أهل بيتي " والدعاء في بيت أم سلمة وبيت فاطمة رضي الله تعالى عنهما وغيرهما.
وبه جمع بين أختلاف الروايات في هيئة الاجتماع وما جلل - ﷺ - به المجتمعين، وما دعا به لهم، وما أجاب به أم سلمة، وعدم إدخالها في بعض المرات تحت الكساء ليس لأنها ليست من أهل البيت أصلاً، بل لظهور أنها منهم حيث كانت من الأزواج اللاتي يقتضي سياق الآية وسباقها دخولهن فيهم، بخلاف من أدخلوا تحته رضي الله تعالى عنهم ؛ فإنه عليه الصلاة والسلام لو لم يدخلهم ويقل ما قال لتوهم عدم دخولهم في الآية لعدم اقتضاء سياقها وسباقها ذلك " (٢).
(١) هو الإمام المحدث فقيه الحرم، أبو العباس، أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر المكي الشافعي، شيخ الشافعية ومحدث الحجاز، ولد سنة ٦١٥هـ، كان إماماً زاهداً صالحاً كبير الشأن، من مؤلفاته : الأحكام الكبرى، توفي سنة ٦٩٤هـ. انظر : تذكره الحفاظ ٤/١٤٧٤، وطبقات الحفاظ ٦/٥١٤.
(٢) تفسيره روح المعاني ٢٢/١٥.

القول الثاني : أن الضمير كناية عن آخر، والمعنى : وما يعمَّر من معمَّر فيطولُ عُمُرُهُ، ولا ينقص من عُمُر آخر غيره عن عُمُر هذا الذي عُمِّر طويلاً، وهذا أسلوب مستعمل عند العرب ؛ فقد ورد عنهم : عندي ثوب ونصفه، والمعنى : ونصف الآخر(١).
وهذا القول مروي عن ابن عباس – رضي الله عنهما -(٢)، ومجاهد(٣)، وعبد الرحمن بن زيد(٤)، وقتادة(٥)، واختار هذا القول النحاس(٦)، والفراء(٧)، وابن كثير(٨)، والألوسي(٩).
قال ابن جرير :" فالهاء التي في قوله : على هذا التأويل وإن كانت في الظاهر أنها كناية عن اسم المعمَّرِ الأول ؛ فهي كناية اسم آخر غيره، وإنما حسن ذلك ؛ لأن صاحبها لو أظهر لظهر بلفظ الأول، وذلك كقولهم : عندي ثوب ونصفه، والمعنى : ونصف الآخر " (١٠).
وقال السَّمين الحلبي :" في هذا الضمير قولان :...
أحدهما : أنه يعود على معمَّر آخر ؛ لأن المراد بقوله : الجنس فهو يعود عليه لفظاً، لا معنىً ؛ لأنه بعد أن فرض كونه معمَّراً استحال أن ينقص من عمره نفسه... ومنه :( عندي درهم ونصفه ) أي : ونصف درهم آخر " (١١).
وقال ابن عاشور :" وضمير عائد إلى على تأويل
بـ( أحد ) كأنه قيل : وما يُعمَّر من أحد ولا ينقص من عمره، أي : عمر أحد آخر، وهذا كلام جار عن التسامح في مثله في الاستعمال واعتماداً على أن السامعين يفهمون المراد " (١٢).
(١) انظر : تفسير ابن جرير ١٠/٤٠٠.
(٢) تفسير ابن جرير ١٠/٤٠٠.
(٣) ذكره في الدر المنثور ٥/٤٦٣، وعزاه لعبد بن حميد.
(٤) تفسير ابن جرير ١٠/٤٠١.
(٥) تفسير ابن أبي حاتم ١٠/٣١٧٦.
(٦) معاني القرآن ٥/٤٤٣.
(٧) تفسيره ٢/٣٦٨.
(٨) تفسيره ٣/٥٥٧.
(٩) تفسيره ٢٢/١٧٧.
(١٠) تفسير ابن جرير ١٠/٤٠١.
(١١) الدر المصون ٩/٢١٩، وانظر : تفسير الشنقيطي ٦/٣٤٩.
(١٢) التحرير والتنوير ٢٢/٢١٨.

وأيضاً : فإن الله ضرب هذا مثلاً لمن أرسل إليه محمداً - ﷺ - يحذرهم أن ينتقم الله منهم، كما انتقم من هؤلاء، ومحمد إنما يضرب له المثل برسوله نظيره لا بمن أصحابه أفضل منهم، فإن أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً أفضل من الحواريين باتفاق علماء المسلمين، ولم يبعث الله بعد المسيح رسولاً بل جعل ذلك الزمان زمان فترة كقوله :(١).
وأيضاً فإنه قال تعالى :(٢)، ولو كانوا رسل رسول لكان التكذيب لمن أرسلهم، ولم يكن في قولهم : إن أنتم إلا بشر مثلنا شبهة، فإن أحداً لا ينكر أن يكون رسل رسل الله بشراً، وإنما أنكروا أن يكون رسول الله بشراً.
وأيضاً فلو كان التكذيب لهما وهما رسل الرسول لأمكنهما أن يقولا : فأرسلوا إلى من أرسلنا أو إلى أصحابه فإنهم يعلمون صدقنا في البلاغ عنه، بخلاف ما إذا كانا رسلَ الله.
وأيضاً فقوله : صريح في أن الله هو المرسل ومن أرسلهم غيره إنما أرسلهم ذلك، لم يرسلهم الله كما لا يقال لمن أرسله محمد بن عبد الله أنهم رسل الله ؛ فلا يقال لدحية بن خليفة الكلبي أن الله أرسله، ولا يقال ذلك للمغيرة بن شعبة، وعبدالله بن حذافة وأمثالهما ممن أرسلهم الرسول وذلك أن النبي - ﷺ - أرسل رسله إلى ملوك الأرض، كما أرسل دحية بن خليفة إلى قيصر وأرسل عبدالله بن حذافة إلى كسرى، وأرسل حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس، كما تقدم ذكر ذلك.
ومعلوم أنه لا يقال في هؤلاء إن الله أرسلهم، ولا يسمون عند المسلمين رسل الله، ولا يجوز باتفاق المسلمين أن يقال هؤلاء داخلون في قوله :
(٣).
(١) سورة المائدة : الآية ١٩.
(٢) سورة يس : الآيتان ١٤ - ١٥.
(٣) سورة الحديد : الآية ٢٥.

٢ – ما ذكره ابن المنيرِّ بقوله :" يتعين حملها على المصدرية وذلك أنهم لم يعبدوا هذه الأصنام من حيث كونها حجارة ليست مصورة، فلو كان كذلك لم يتعاونوا في تصويرها، ولا اختصوا بعبادتهم حجراً دون حجر، فدل أنهم إنما يعبدونها باعتبار أشكالها وصورها التي هي أثر عملهم ففي الحقيقة أنهم عبدوا عملهم... " (١).
٣ – أن القول بالمصدرية أوفق لسياق الآية، حيث إن قوله تعالى : مصدرية فينبغي أن تكون هذه مثلها(٢).
وجوَّز ابن جرير، والماوردي، والنسفي حملها على المعنيين(٣).
وقال ابن كثير :" وكلا القولين متلازم والأول أظهر " (٤).
وجوَّز فيها النحاس(٥)، والسمين(٦)، والشوكاني(٧)، أربعة أوجه :
١– أنها موصولة.
٢ – أنها مصدرية.
٣ – أنها استفهامية، وهو استفهام توبيخ وتحقير لشأنها أي : وأيَّ شيء تعملون ؟.
٤ – أنها نافية، أي : إن العمل في الحقيقة ليس لكم، فأنتم لا تعملون شيئاً.
والراجح – والله تعالى أعلم – القول الأول : أن في الآية موصولة، والقول الثاني قوي، وأما الثالث والرابع فليسا بظاهرين(٨).
سورة الصافات : الآيتان ١٠١ - ١٠٢
قال تعالى :(٩).
اختار شيخ الإسلام أن الابن الذي أُمر إبراهيم - عليه السلام - بذبحه هو إسماعيل - عليه السلام -.
(١) الانتصاف ٣/٣٠٥.
(٢) ذكره ابن المنير في الانتصاف ٣/٣٠٦، وانظر : تفسير الألوسي ٢٣/١٢٥ - ١٢٦.
(٣) تفسير ابن جرير ١٠/٥٠٤، والماوردي ٥/٥٧، والنسفي ٢/٤١٨.
(٤) تفسير ابن كثير ٤/١٥.
(٥) معاني القرآن للنحاس ٦/٤٥.
(٦) الدر المصون ٩/٣٢١، واستظهر كونها موصولة كما تقدم.
(٧) فتح القدير ٤/٥٦٥، ورجح كونها موصولة.
(٨) وردهما الألوسي ٢٣/١٢٦.
(٩) سورة الصافات : الآية ١٠١ – ١٠٢.

ثم قال :" لفظ الآية عام مطلق لا يختص بأبي بكر ولا بعلي، بل كل من دخل في عمومها دخل في حكمها، ولا ريب أن أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً أحقُّ هذه الأمة بالدخول فيها، لكنها لا تختص بهم... والله تعالى مدح الصادق فيما يجئ به، والمصدَّق بهذا الحق، فهذا مدحٌ للنبي - ﷺ - ولكل من آمن به، وبما جاء به، وهو سبحانه لم يقل : والذي جاء بالصدق والذي صدّق به، فلم يجعلهما صنفين، بل جعلهما صنفاً واحداً، لأن المراد مدح نوع الذي يجئ بالصدق ويصَّدق بالصدق، فهو ممدوح على اجتماع الوصفين على ألا يكون من شأنه إلا أن يجئ بالصدق، ومن شأنه أن يصدق بالصدق.
وقوله : اسم جنس لكل صدق، وإن كان القرآن أحقَّ بالدخول في ذلك من غيره، ولذلك صدَّق به، أي بجنس الصدق.. ولمَّا كان قوله : صنفاً من الأصناف لا يُقصد به واحد بعينه، أعاد الضمير بصيغة الجمع فقال :..." (١).
وقال – رحمه الله – عند هذه الآية :" ذكر البخاري في صحيحه تفسير مجاهد – وهو أصح تفسير التابعين – قال :" والذي جاء بالصدق : القرآن، وصدَّق به : المؤمن، يجىء يوم القيامة يقول : هذا الذي أعطيتنى عملتُ بما فيه " (٢).
الدراسة :
اختلف المفسرون في على أقوال سبعة :
القول الأول : أن الذي جاء بالصدق رسول الله - ﷺ -، والصدق الذي جاء به : لا إله إلا الله، والذي صدَّق به أيضاً رسول الله - ﷺ - ؛ وبه قال ابن عباس – رضي الله عنهما -(٣).
(١) منهاج السنة النبوية ٧/١٨٨ – ١٩٤.
(٢) الاستقامة ١/٢٢٤.
(٣) أخرجه ابن جرير ١١/٤، وعزاه في الدر ٥/٦١٥ أيضاً لابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء.

وقد نقل الألوسي عن بعض المحققين أنه قال :" ومقام هذه الآية غير مقام قوله تعالى : ، فإن هذه الآية كما سمعت لبيان الإقرار والاعتراف منهم في الآخرة بما أنكروه في الدنيا، وتلك لبيان الامتنان الذي يستدعى شكر المنعم أو لبيان الدلائل لتصرفهم عن الكفر " (١).
ويناقش هذا القول بأنه أخرج الإحياء الأول من غير قرينة لفظية تدل على خروجه، بل الإطلاق عليه أظهر(٢).
فإن لم يخرجها لزم عليه القول بثلاث إحياءات وهو مخالف لصريح الآية(٣).
القول الثالث : أنهم أُحيوا حين أُخذ عليهم الميثاق من صلب آدم - عليه السلام - ثم خلقهم في الأرحام ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة ؛ وبه قال ابن زيد(٤).
ويناقش بما نوقش به القول الذي قبله، من أنه يلزم عليه القول بثلاث إحياءات وإماتات وهو مردود(٥).
والراجح – والله تعالى أعلم – هو القول الأول ؛ لدلالة القرآن عليه وسلامته من المعارض المعتبر.
سورة غافر : الآية ٦٠
قال تعالى :(٦).
اختار شيخ الإسلام أن الدعاء في الآية يشمل نوعي الدعاء : دعاء العبادة ودعاء المسألة.
(١) تفسير الألوسي ٢٤/٥٢.
(٢) تفسير الألوسي ٢٤/٥٣.
(٣) تفسير الزمخشري ٣/٣٦٣، وابن عطية ١٤/١١٩، وابن كثير ٤/٧٩.
(٤) تفسير ابن جرير ٢٠/٢٩٢ [ ط التركي ]، وانظر : تفسير ابن كثير ٤/٧٩.
(٥) انظر : تفسير ابن عطية ١٤/١١٩، وابن كثير ٤/٧٩.
(٦) سورة غافر : الآية ٦٠.

القول الثالث : أن المعنى : لا يزكون أعمالهم ؛ وبه قال مجاهد، والربيع(١)، وقد تقدم أن شيخ الإسلام ذكر في معناها : لا يطهرونها بالإخلاص.
القول الرابع : أنهم لا يتصدقون ولا ينفقون في الطاعات ؛ قاله الضحاك، ومقاتل(٢).
القول الخامس : أن المعنى : لا يعطون زكاة أموالهم ؛ وبه قال السدي(٣)، وقال ابن السائب :" كانوا يحجون ويعتمرون ولا يزكون ".
واستدل أصحاب هذا القول بأدلة :
١ - لفظ الآية حيث قال تعالى : بمعنى يعطون، ولو كان المراد شهادة ألا إله إلا الله أو التوحيد لقال :( لا يأتون )(٤).
٢ - أن الأولى حمل الزكاة على الأشهر من معانيها(٥)، والصرف عن الحقيقة الشرعية الشائعة من غير موجب لا يجوز(٦).
٣ - ما ذكره ابن جرير من أنه لو كان المراد شهادة ألا إله إلا الله لم يكن
لقوله تعالى : معنى ؛ لأنه معلوم أن من لا يشهد ألا إله إلا الله لا يؤمن بالآخرة(٧).
ويمكن أن يجاب عن هذا بأن المراد التأكيد.
واختار هذا القول جمهور المفسرين، وممن اختاره الزجاج(٨)، والسمرقندي(٩)، والزمخشري(١٠)، وأبوحيان(١١)، والألوسي(١٢)، وابن عاشور(١٣)، وابن جزي(١٤).
ومن المفسرين من حملها على المعنيين، كالسعدي(١٥).
(١) ذكره عنهما الثعلبي ٨/٢٨٦.
(٢) ذكره عنهما الثعلبي ٨/٢٨٦.
(٣) أخرجه ابن جرير ٢٠/٣٨٠ [ ط التركي ].
(٤) ذكر ذلك الألوسي ٢٤/٩٨، وقال :" كما في قوله تعالى :"، وابن عاشور ٢٤/٢٤٠.
(٥) تفسير ابن جرير ٢٠/٢٨٠ [ ط التركي ].
(٦) تفسير الألوسي ٢٤/٩٨، ومن قواعد الترجيح : تقدم الحقيقة الشرعية على الحقيقة العرفية عند الاختلاف.
(٧) تفسير ابن جرير ٢٠/٣٨٠ [ ط التركي ].
(٨) معاني القرآن وإعرابه ٤/٣٨٠.
(٩) تفسيره ٣/١٧٧.
(١٠) تفسيره ٣/٣٨٣.
(١١) تفسيره ٧/٤٨٤.
(١٢) تفسيره ٤/٩٨.
(١٣) تفسيره ٢٤/٢٤٠.
(١٤) تفسيره ٢/٢٨٨.
(١٥) تفسيره ص٦٩١.

وهذا رأي الشنقيطي أيضاً، حيث قال بعد أن رجح القول الأول :" وعلى التفسير الأول، وهو أن الميزان العدل والإنصاف، فالميزان الذي هو آلة الوزن المعروفة داخل فيه ؛ لأن إقامة الوزن بالقسط من العدل والإنصاف" (١).
سورة الشورى : الآية ٢٣
قال تعالى :(٢).
اختار شيخ الإسلام أن معنى الآية : لا أسألكم يا معشر العرب ويا معشر قريش عليه أجراً، لكنْ أسألكم أن تصلوا القرابة التي بيني وبينكم.
قال – رحمه الله – عند هذه الآية، رداً على من قال إنها نزلت في علي وفاطمة وابنيهما - رضي الله عنهم - :" فقد ثبت في الصحيح عن سعيد بن جبير أن ابن عباس – رضي الله عنهما – سئل عن قوله تعالى :. قال : فقلت : إلا أن تودّوا ذوي قربى محمد - ﷺ - فقال ابن عباس : عجلتَ، إنه لم يكن بطنٌ من قريش إلا لرسول الله - ﷺ - منهم قرابة، فقال : قل لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم.
فابن عباس كان من كبار أهل البيت، وأعلمهم بتفسير القرآن، وهذا تفسيره الثابت عنه، ويدل على ذلك أنه لم يقل : إلا المودة لذوي القربى، ولكن قال : إلا المودة في القربى، ألا ترى أنه لما أراد ذوي قرباه قال :(٣)، ولا يُقال : المودة في ذوي القربى، وإنما يقال المودة لذوي القربى، فكيف وقد قال : ؟!.
ويبين ذلك أن الرسول - ﷺ - لا يسأل أجراً أصلاً، إنما أجره على الله، وعلى المسلمين موالاة أهل البيت، لكن بأدلة أخرى غير هذه الآية، وليست موالاتنا لأهل البيت من أجر النبي - ﷺ - في شيء.
وأيضاً فإن هذه الآية مكية، ولم يكن عليّ بعد قد تزوج بفاطمة، ولا وُلد له أولاد(٤).
الدراسة :
(١) تفسيره ٧/١٨٣.
(٢) سورة الشورى : الآية ٢٣.
(٣) سورة الأنفال : الآية ٤١.
(٤) منهاج السنة ٤/٢٥، وانظر : ٤/٥٦٢، ٧/١٠٠.

(١) (٢).
وأما ما اختاره شيخ الإسلام من الجمع بين القولين فهو وجيه، ويكون من باب الاستدلال باللازم، ولا تنافي بين القولين.
وأما القول الثالث، وأن المراد بالجزء الأنثى فهو ضعيف، وقد رده الزمخشري كما سبق، وتبعه على ذلك جمع من المفسرين، وكون المراد بذلك البنات معلوم من أدلة أخرى، وليس من لفظ الجزء، ولذلك لم يرد عن السلف تفسير الجزء بالبنات.
ولو ثبت إطلاق الجزء على الإناث فإنه شاذ غير معروف، والواجب حمل كلام الله تعالى على المعروف والمشهور من لغة العرب.
سورة الزخرف : الآية ٤٤
قال تعالى :(٣).
رجح شيخ الإسلام أن معنى الآية : وإن القرآن ذكر للنبي - ﷺ - وقومه، بمعنى أنهم يذكرونه فيهتدون به.
قال – رحمه الله تعالى – عند هذه الآية :" وقومه قريش، ولا يمنع أنه ذكرٌ لسائر العرب، بل لسائر الناس كما قال تعالى :(٤)، وذكر بعض الآيات في معنى هذه الآية ثم قال :" وهذا على أصح القولين، وأن المراد بقوله : أنه ذكر لهم يذكرونه فيهدون به.
وقيل : إن المراد أنه شرف لهم، وليس بشيء ؛ فإن القرآن هو شرف لمن آمن به من قومه وغيرهم، وليس شرفاً لجميع قومه، بل من كذب به منهم كان أحقَّ بالذم كما قال تعالى :(٥)، وقال تعالى :
(٦)، بخلاف كونه تذكرةً وذكرى فإنه تذكرة لهم ولغيرهم، كما قال تعالى :
(٧)، فعمَّ العالمين جميعَهم، فقال :(٨) " (٩).
الدراسة :
(١) سورة الزخرف : الآية ١٦.
(٢) استدل بالسياق على أن المراد بالجزء الملائكة ابن جرير، وشيخ الإسلام - كما تقدم -.
(٣) سورة الزخرف : الآية ٤٤.
(٤) سورة القلم : الآيتان ٥١ – ٥٢.
(٥) سورة المسد : الآية ١.
(٦) سورة الأنعام : الآية ٦٦.
(٧) سورة الأنعام : الآية ٩٠.
(٨) سورة يوسف : الآية ١٠٤.
(٩) الجواب الصحيح ١/٤٤٤.

هذا وقد أجاب ابن سيرين عن هذا الإشكال بأن السورة مكية والآية مدنية، بقوله :" وكانت الآية تنْزل فيؤمر النبي - ﷺ - أن يضعها بين آيتي كذا وكذا في سورة كذا " (١).
قال الحافظ في الفتح :" ولا مانع أن تكون جميعها مكية، وتقع الإشارة فيها إلى ما سيقع بعد الهجرة من شهادة عبدالله بن سلام " (٢).
وقال أبوحيان :" وهي من الآيات التي تضمنت غيباً أبرزه الوجود " (٣).
قال ابن الجوزي :" فعلى القول الأول يكون ذكر المثل صلة، فيكون المعنى : وشهد شاهد من بني إسرائيل عليه، أي : على أنه من عند الله، الشاهد، وهو ابن سلام يا معشر اليهود.
وعلى الثاني يكون المعنى : وشهد موسى على التوراة التي هي مثل القرآن أنها من عند الله كما شهد محمد على القرآن أنه كلام الله، فآمن من آمن بموسى والتوراة
أنتم يا معشر العرب أن تؤمنوا بمحمد والقرآن " (٤).
القول الثالث : أنها نزلت في ميمون بن يامن(٥) – وكان رأسَ اليهود بالمدينة – حينما أسلم ؛ قاله سعيد بن جبير(٦).
(١) ذكره عنه السيوطي في الدر المنثور ٦/٧، وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر، وانظر : تفسير السمعاني ٥/١٥١.
(٢) فتح الباري ٧/١٦٢ [ ط السلفية ].
(٣) تفسير أبي حيان ٨/٥٨، وانظر : التحرير والتنوير ٢٦/٢١.
(٤) زاد المسير ٧/١٣٤.
(٥) وعند الماوردي ٥/٢٧٣ أن اسمه : آمين بن يامن، ونسب هذا القول للسدي، قال الحافظ في الفتح ٧/١٦٢ [ ط السلفية ] :" وفي تفسير الطبري [ لم أجده ] عن ابن عباس أنها نزلت في ابن سلام وعمير بن وهب بن يامن النضري، وفي تفسير مقاتل اسمه يامين بن يامن، ولا مانع أن تكون نزلت في الجمع ".
(٦) الدر المنثور ٦/٧ وعزاه لعبد بن حميد.

١ – " هؤلاء الروم والفرس ونحوهم، فإنه لابد من قتالهم إذا لم يسلموا، وأول الدعوة إلى قتال هؤلاء عام مؤتة وتبوك، وعام تبوك لم يقاتلوا النبي - ﷺ - ولم يسلموا، ولكن في زمن الصديق والفاروق كان لا بد من أحد الأمرين : إما الإسلام وإما القتال، وبعد القتال أدوا الجزية، لم يصالحوا ابتداءً كما صالح المشركون عام الحديبية " (١).
٢- " لم يقل [ الله تعالى ] : تقاتلونهم أو يسلموا(٢)، ولو كان كذلك لوجب قتالهم
إلى أن يسلموا، وليس الأمر كذلك، بل إذا أدوا الجزية لم يقاتلوا، ولكنهم مُقاتلين أو مسلمين، فإنهم لا يؤدون الجزية بغير القتال ؛ لأنهم أولو بأس شديد، ولا يجوز مهادنتهم بغير جزية... " (٣).
ومما يجاب به عن هذا الاعتراض – أن فارس والروم تقبل منهم الجزية - : أن من العلماء من قال بأن الجزية تقبل من جميع الكفار عرباً وعجماً، وهو قول قوي، وعلى هذا يجري الاعتراض المذكور على بقية الأقوال.
وأجاب بعض المفسرين عن هذا الاعتراض بأن معنى : ينقادون ؛ ليتناول من تقبل منهم الجزية(٤).
وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي :" أي : إما هذا وإما هذا، وهذا هو الأمر الواقع ؛ فإنهم في حال قتالهم ومقاتلتهم لأولئك الأقوام، إذ كانت شدتهم وبأسهم معهم فإنهم في تلك الحال لا يقبلون أن يبذلوا الجزية، بل إما أن يدخلوا في الإسلام، وإما أن يقاتلوا على ما هم عليه، فلما أثخنهم المسلمون، وضعفوا، وذلوا ذهب بأسهم، فصاروا إما أن يسلموا، وإما أن يبذلوا الجزية " (٥).
(١) منهاج السنة ٨/٥١١.
(٢) في المطبوع : أو يسلمون، وهو تصحيف كما هو ظاهر ؛ فلفظ الآية : ، وحذف النون يغير المعنى فيكون : حتى يسلموا، وهناك قراءة شاذة : تقاتلونهم أو يسلموا، انظر : القرطبي ١٦/١٨٠.
(٣) منهاج السنة ٨/٥١٧.
(٤) انظر : تفسير البيضاوي ٢/٤١٠، والألوسي ٢٦/١٠٥.
(٥) تفسير السعدي ص٧٩٣.

قال ابن عاشور عند هذه الآية :" تذييل للمنهيات المتقدمة، وهو تعريض قوي بأن ما نهوا عنه فسوق وظلم ؛ إذ لا مناسبة بين مدلول هذه الجملة وبين الجمل التي قبلها لولا معنى التعريض بأن ذلك فسوق، وذلك مذموم معاقب عليه، فدل قوله : على أن ما نهوا عنه مذموم ؛ لأنه فسوق يعاقب عليه، ولا تزيله إلا التوبة، فوقع إيجاز بحذف جملتين في الكلام اكتفاءً بما دلّ عليه التذييل، وهذا دال على أن اللمز والتنابز معصيتان ؛ لأنهما فسوق، وفي الحديث :" سباب المسلم فسوق " (١).
القول الثاني : أن المعنى : أن تُسَمِّيَهُ كافراً أو فاسقاً وقد آمن ؛ وبه قال ابن زيد(٢)، والحسن(٣)، ومحمد بن كعب القرظي(٤)، واختاره الزجاج(٥)، والسمعاني(٦)، والواحدي(٧).
وقد ناقش شيخ الإسلام – كما تقدم – هذا القول من وجهين :
١ - أن الصحابة - رضي الله عنهم - ما كانوا يقولون : فاسق كافر، بل كان بعضهم يلقِّب بعضاً(٨).
٢ - أن اسم الكفر واليهودية والزنى ليست هي اسم الفاسق ؛ فإن تسميته كافراً أعظم.
والقول الأول أظهر ؛ لدلالة الحديث عليه، ولعل القول الثاني داخل في عمومه ؛ فإن تسمية المسلم كافراً أو فاسقاً من السخرية به.
سورة الحجرات : الآية ١٤
قال تعالى :
(١) التحرير والتنوير ٢٦/٢٤٩.
(٢) أخرجه ابن جرير ١١/٣٩٣.
(٣) ذكره السيوطي في الدر المنثور ٧/٥٦٤، وعزاه لعبد بن حميد.
(٤) ذكره السيوطي في الدر المنثور ٧/٥٦٣، وعزاه لعبد بن حميد.
(٥) معاني القرآن ٥/٣٦.
(٦) تفسيره ٥/٢٢٤.
(٧) الوسيط ٤/١٥٥.
(٨) أخرج ابن جرير في تفسيره ١١/٣٩١ عن أبي جبيرة بن الضحاك قال :" فينا نزلت هذه الآية في بني سلمة، قدم رسول الله - ﷺ - وما منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فكان إذا دعا الرجل بالاسم، قلنا : يا رسول الله إنه يغضب من هذا، فنَزلت هذه الآية ".

الواحدي(١)، والبغوي(٢)، والزمخشري(٣)، والرازي(٤)، والبيضاوي(٥)، وابن جزي(٦)، وأبوحيان(٧)، وأبوالسعود(٨)، والألوسي(٩)، وابن عاشور(١٠).
قال الواحدي :" ونحن أقرب إليه بالعلم... ، وذلك أن أبعاض الإنسان يحجب بعضها بعضاً، ولا يحجب علم الله عنه شيء " (١١).
وقال البيضاوي :" أي : ونحن أعلم بحاله ممن كان أقربَ إليه من حبل الوريد، تجوّز بقرب الذات لقرب العلم ؛ لأنه موجبه " (١٢).
ويستدل لهذا القول بسياق الآية : ، فقوله : معطوف على قوله تعالى :.
وردَّ شيخ الإسلام هذا القول من وجوه تقدم ذكرها، ويمكن إجمالها فيما يلي :
١ - أنه لا يقال لمن كان أعلمَ بالشيء من غيره : إنه أقرب إليه.
٢ - أن الله – سبحانه – عليم بما يُسَرُّ من القول وما يجهر به، لا يخفى عليه من أعمال العبد شيء ظاهرها وباطنها، فلا معنى لتخصيص حبل الوريد.
٣- أن الله – تعالى – ذكر في الآية العلم، وذكر القرب، فأثبت العلم والقرب وجعلهما شيئين.
القول الثالث : وقيل المعنى : نحن أملك به وأقدر عليه، واختاره بعض المفسرين، وممن اختاره الأخفش(١٣)، والسمرقندي(١٤)، وابن عطية(١٥).
قال الأخفش عند هذه الآية :" نحن أملك به، وأقرب إليه في المقدرة عليه " (١٦).
قال شيخ الإسلام – كما تقدم - :" ولا يقال : قريب بعلمه وقدرته ؛ لأنه عالم بكل شيء، قادر على كل شيء ".
(١) الوسيط ٤/١٦٤.
(٢) تفسيره ٧/٣٥٨ [ ط طيبة ].
(٣) الكشاف ٤/٢٠.
(٤) تفسيره ٢٨/١٤٠.
(٥) تفسيره ٢/٤٢٢.
(٦) تفسيره ٢/٣٦٤.
(٧) تفسيره البحر المحيط ٨/١٢٣.
(٨) تفسيره ٨/١٢٨.
(٩) تفسيره روح المعاني ٢٦/١٧٨.
(١٠) تفسيره ٢٦/٣٠١.
(١١) الوسيط للواحدي ٤/١٦٤.
(١٢) تفسير البيضاوي ٢/٤٢٢.
(١٣) معاني القرآن ٢/٥٢٣.
(١٤) تفسيره ٣/٢٧١.
(١٥) تفسيره ٥/١٥٩ [ ط دار الكتب العلمية ].
(١٦) معاني القرآن للأخفش ٢/٥٢٣.

اختار شيخ الإسلام أن معنى الآية : كانوا يهجعون قليلاً من الليل، والمراد أنه قليل بالنسبة إلى مجموع ساعات الليل والنهار.
قال – رحمه الله – عند هذه الآية :" هذا على أصح الأقوال : معناه كانوا يهجعون قليلا فـ منصوب بـ و مؤكدة. وهذا مثل قوله :
(١)، وقوله : هو مفسر في سورة المزمل بقوله :(٢)، فهذا المستثنى من الأمر هو القليل المذكور في تلك السور وهو قليل بالنسبة إلى مجموع الليل والنهار، فإنهم إذا هجعوا ثلثه أو نصفه أو ثلثاه ؛ فهذا قليل بالنسبة إلى ما لم يهجعوه من الليل والنهار، وسواء ناموا بالنهار أو لم يناموا، وقد قيل : لم يأت عليهم ليلة إلا قاموا فيها، فالمراد هجوع جميع الليلة وهذا ضعيف ; لأن هجوع الليل محرم فإن صلاة العشاء فرض " (٣).
الدراسة :
هذه الآية وردت في سياق الثناء على المتقين، كما قال تعالى :(٤).
والمراد بالهجوع : النوم بالليل(٥)، وقال بعضهم : هو النوم الخفيف(٦).
وقد اختلف المفسرون في معنى هذه الآية على أقوال أربعة :
القول الأول : أن المعنى : كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، وعلى هذا تكون نافية(٧)، أي : لا يهجعونه.
(١) سورة البقرة : الآية ٨٨.
(٢) سورة المزمل : الآيات ٢ – ٤.
(٣) مجموع الفتاوى ٢٣/٨٥.
(٤) سورة الذاريات : الآيات ١٥ – ١٧.
(٥) الوسيط للواحدي ٤/١٧٥، والمفردات ص٨٣٤.
(٦) انظر : تفسير ابن جرير ١١/٤٥٢، وابن كثير ٤/٢٥٠.
(٧) التحرير والتنوير ٢٦/٣٤٩.

لكن الجواب المحقق في ذلك أن الله تعالى لم يقل : إن الإنسان لا ينتفع إلا بسعي نفسه وإنما قال : فهو لا يملك إلا سعيه ولا يستحق غير ذلك، وأما سعي غيره فهو له كما أن الإنسان لا يملك إلا مال نفسه ونفع نفسه، فمال غيره ونفع غيره هو كذلك للغير ; لكن إذا تبرع له الغير بذلك جاز، وهكذا هذا إذا تبرع له الغير بسعيه نفعه الله بذلك كما ينفعه بدعائه له والصدقة عنه وهو ينتفع بكل ما يصل إليه من كل مسلم سواء كان من أقاربه أو غيرهم كما ينتفع بصلاة المصلين عليه ودعائهم له عند قبره " (١).
وقال - رحمه الله – :" ظن قوم أن انتفاع الميت بالعبادات البدنية ينافي قوله : فليس الأمر كذلك ; فإن انتفاع الميت بالعبادات البدنية من الحي بالنسبة إلى الآية كانتفاعه بالعبادات المالية، ومن ادعى أن الآية تخالف أحدهما دون الآخر فقوله ظاهر الفساد ؛ بل ذلك بالنسبة إلى الآية كانتفاعه بالدعاء والاستغفار والشفاعة، وقد بينا في غير هذا الموضع نحواً من ثلاثين دليلاً شرعياً يبين انتفاع الإنسان بسعي غيره ; إذ الآية إنما نفت استحقاق السعي وملكه ; وليس كل ما لا يستحقه الإنسان ولا يملكه لا يجوز أن يحسن إليه مالكه ومستحقه بما ينتفع به منه، فهذا نوع وهذا نوع، وكذلك ليس كل ما لا يملكه الإنسان لا يحصل له من جهته منفعة ; فإن هذا كذب في الأمور الدينية والدنيوية " (٢).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على أقوال ثمانية :
القول الأول : أن الإنسان لا يملك إلا سعي نفسه، وأما سعي غيره فهو لصاحبه، لكنْ إذا تبرع له به جاز، وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام كما تقدم، وهو رأي ابن عطية حيث قال :" والتحرير عندي في هذه الآية أن ملاك المعنى هو في اللام من قوله :
(١) مجموع الفتاوى ٢٤/٣٦٦.
(٢) مجموع الفتاوى ١٨/١٤٣، وانظر : ٧/٤٩٩، والروح لابن القيم ص١٥٧.

وهذا القول هو قول جمهور المفسرين(١)، واختاره الرازي(٢)، والنسفي(٣) (٤)، وأبوالسعود(٥).
وذكر الواحدي عن المبرد أنه قال :" لا يمس ذلك اللوح المحفوظ إلا الملائكة الذين وصفوا بالطهارة " (٦).
واستدل له الرازي بقوله تعالى :(٧) (٨).
وقد رد ابن العربي هذا القول، وقال عنه :" هو باطل ؛ لأن الملائكة لا تناله في وقت، ولا تصل إليه بحال ؛ فلو كان المراد به ذلك لما كان للاستثناء فيه محل " (٩).
القول الثاني : أن المراد بالكتاب المكنون(١٠) : المصحف، ومعنى مكنون : محفوظ، واختلف في معنى على هذا القول على أقوال يأتي ذكرها.
قال ابن عطية :" وقيل : أراد مصاحف المسلمين ولم تكن المصاحف حين نزلت الآية موجودة ؛ فهي على هذا إخبار بغيب، وكذلك هو في كتاب مصون إلى يوم القيامة، ويؤيد هذا لفظة المس ؛ فإنها تشير إلى المصاحف، أو هي استعارة من مس الملائكة " (١١).
القول الثالث : أن المراد بالكتاب المكنون : التوراة والإنجيل، فإن فيهما ذكرَ القرآن، وذكر من ينْزل عليه ؛ وبه قال عكرمة(١٢).
(١) نسبه الواحدي في الوسيط ٤/٢٣٩ لأكثر المفسرين، وقال السمعاني ٥/٣٥٩ :" أكثر المفسرين على أن المراد به أنه لا يمس ذلك الكتاب إلا الملائكة المطهرون ".
(٢) تفسيره ٢٩/١٦٧.
(٣) هو عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، أبو البركات، حافظ الدين، فقيه، مفسر، توفي سنة ٧١٠هـ، من مؤلفاته : مدارك التنْزيل، وكنْز الدقائق في الفقه. انظر : الدرر الكامنة ٢/٣٥٢، والأعلام ٤/٦٧.
(٤) تفسيره ٢/٦٤٢.
(٥) تفسيره ٨/٢٠٠.
(٦) الوسيط ٤/٢٣٩.
(٧) سورة البروج : الآيتان ٢١ – ٢٢.
(٨) تفسير الرازي ٢٩/١٦٧.
(٩) أحكام القرآن ٤/١٧٣٧.
(١٠) ومعنى مكنون على هذا القول : مصون من التبديل والتغيير. تفسير أبي حيان ٨/٢١٣.
(١١) تفسيره ١٥/٣٨٦، بتصرف يسير.
(١٢) تفسير ابن جرير ١١/٦٦٠.

و( سورة الفتح ) التي فيها ذلك أنزلها الله قبل أن تفتح مكة ; بل قبل أن يعتمر النبي - ﷺ -، وكان قد بايع أصحابه تحت الشجرة عام الحديبية سنة ست من الهجرة، وصالح المشركين صلح الحديبية المشهور، وبذلك الصلح حصل من الفتح ما لا يعلمه إلا الله ; مع أنه قد كان كرهه خلق من المسلمين ; ولم يعلموا ما فيه من حسن العاقبة " (١).
وقال أيضاً :" والمراد بالفتح هنا صلح الحديبية، ولهذا سئل النبي - ﷺ - أوَ فتح هو ؟ فقال : نعم، وأهل العلم يعلمون أن فيه أنزل الله تعالى :(٢) " (٣).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بالفتح في الآية على قولين :
القول الأول : أن المراد بالفتح في الآية صلح الحديبية(٤) ؛ وروي عن عامر الشعبي(٥).
ومن أدلة هذا القول :
(١) مجموع الفتاوى ٣٥/٦٠.
(٢) سورة الفتح : الآية ١.
(٣) منهاج السنة ٢/٢٥، وانظر : نفس المرجع ٧/١٥٥، ومجموع الفتاوى ١١/٥٦، ٢٢٢، والعقيدة الواسطية بشرح الفوزان ص١٨٧.
(٤) الحُدَيْبِيَة : اسم بئر وقعت فيه الغزوة المشهورة سنة ست من الهجرة، وهي الآن بلدة معروفة على حدود الحرم إلى الشمال الغربي من مكة، وتعرف الآن بالشميسي، على الطريق المؤدي إلى جدة. معجم البلدان ٢/٢٢٩، والسيرة النبوية الصحيحة ٢/٤٣٤.
(٥) أخرجه عنه ابن جرير ١١/٦٧٤، وذكره عنه الثعلبي ٩/٢٣٢، وابن الجوزي ٧/٣٠، وابن كثير ٤/٣٢٨.

وذكر ابن بطة(١) في الإبانة، هذه الآية دليلاً على رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة، وذكر عندها قول الحسن :" معاينة " (٢).
وقول الحسن هذا أخرجه ابن جرير في تفسيره كما تقدم(٣)، وليس فيه التصريح أو الإشارة إلى أن الضمير يعود إلى الله تعالى، والمتبادر إلى الذهن أنه يعني ما وعدوا به من عذاب الآخرة، وهذا ما فهمه منه ابن جرير وغيره من المفسرين، ولذلك لا يصح أن ينسب إليه هذا القول.
والراجح – والله تعالى أعلم – القول الأول : أن الضمير يعود إلى عذاب الله في الآخرة ؛ لأنه هو الذي يدل عليه سياق الآية كما تقدم، ولأنه قول جمهور المفسرين.
(١) هو عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان، أبو عبد الله العكبري، المعروف بابن بطة، عالم بالحديث، فقيه من كبار الحنابلة، ولد بعكبرا سنة ٣٠٤هـ، وتوفي بها سنة ٣٨٧هـ، من مؤلفاته : الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة. انظر : طبقات الحنابلة ٢/١٤٤ ترجمة رقم (٦٢٢)، وسير أعلام النبلاء ١٦/٢٩.
(٢) الإبانة لابن بطة ٣/٥١.
(٣) اخرجه ابن جرير عنه من طريقين، وقال عنه محقق الإبانة ٣/٥١ :" إسناده صحيح ".

القول الأول : أن المعنى : بأيكم المجنون ؛ وروي عن مجاهد(١)، والمراد على هذا القول : في أي الفريقين المجنون، في فريقك يا محمد - ﷺ - أو فريقهم، وتكون الباء بمعنى ( في )(٢).
القول الثاني : أن المعنى : بأيكم الجنون، وقد روي عن مجاهد أنه قال :" الشيطان " (٣)، وروي عن ابن عباس والضحاك(٤) أنهما قالا :" الجنون "، وعلى هذا القول يكون المفتون مصدراً بمعنى الفتنة، كما قيل : ليس له معقول، ولا معقود، أي : ليس له عقل ولا عقد(٥).
ورجحه ابن جرير، وقال :" لأن ذلك أظهر معاني الكلام، إذا لم يُنوَ إسقاطُ الباء، وجعلنا لدخولها وجهاً مفهوماً، وقد بيَّنا أنه غير جائز أن يكون في القرآن شيء لا معنى له " (٦).
القول الثالث : أن المعنى : أيكم أولى بالشيطان ؛ وروي عن قتادة(٧)، وعلى هذا تكون الباء زائدة(٨).
القول الرابع : أن معنى المفتون : المعذَّب، قال الماوردي :" من قول العرب : فتنتُ الذهب بالنار، إذا أحميته، ومنه قوله تعالى :(٩) " (١٠).
وقد قال ابن تيمية عن هذا القول :" ليس مأثوراً عن السلف ".
وقد اختلف أهل اللغة في الباء في قوله تعالى : على قولين :
القول الأول : أنها مزيدة لتأكيد تعلق الفعل بمفعوله، والأصل :( أيكم المفتون ) كما زيدت في نحو : بحسبك زيد، وكما في قول الشاعر :
(١) تفسير ابن جرير ١٢/١٨٠.
(٢) تفسير ابن جرير ١٢/١٨٠.
(٣) أخرجه ابن جرير ١٢/١٨١، وصحح إسناده شيخ الإسلام كما تقدم.
(٤) تفسير ابن جرير ١٢/١٨٠.
(٥) تفسير ابن جرير ١٢/١٨١.
(٦) تفسيره ١٢/١٨١.
(٧) أخرجه عبد الرزاق ٣/٣٣٠ [ ط محمود عبده ]، وابن جرير ١٢/١٨١.
(٨) انظر : تفسير ابن جرير ١٢/١٨١، وإعراب القرآن للنحاس ٥/٧، والدر المصون ١٠/٤١٠.
(٩) سورة الذاريات : الآية ١٣.
(١٠) تفسير الماوردي ٦/٢٦.

قال ابن جرير - بعد أن حكى هذا القول - :" قالوا : وإنما ذلك كقول ذي السلطان إذا أراد الاستخفاف ببعض من بين يديه لبعض أعوانه : خذ بيده فأقمه، وافعل به كذا وكذا، قالوا : وكذلك معنى قوله :: أي لأهناه كالذي يفعل بالذي وصفنا حاله " (١).
وقال الزمخشري :" والمعنى : ولو ادّعى علينا شيئاً لم نقله لقتلناه صبراً، كما يفعل الملوك بمن يتكذَّب عليهم معاجَلةً بالسخط والانتقام، فصوَّر قتل الصَّبْر بصورته ليكون أهولَ، وهو أن يؤخذ بيده وتضرب رقبته، وخص اليمين عن اليسار ؛ لأن القاتل إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيساره، وإذا أراد أن يوقعه في جِيْده وأن يكفحه بالسيف وهو أشد على المصبور لنظره إلى السيف أخذ بيمينه، ومعنى لأخذنا بيمينه، كما أن قوله :(٢) لقطعنا وتينه(٣)، وهذا أبين " (٤).
واختار هذا القول بعض العلماء، وممن اختاره الزمخشري(٥)، والبيضاوي(٦)، وشيخ الإسلام كما تقدم، والألوسي(٧).
القول الثاني : أن المعنى : لأخذنا منه بالقوة والقدرة، ثم لقطعنا منه نياط القلب، وإنما يعني بذلك أنه كان يعاجله بالعقوبة، ولا يؤخره بها(٨) ؛ وروي عن ابن عباس(٩).
قال ابن قتيبة :" وإنما أقام اليمين مُقام القوة ؛ لأن قوة كل شيء في ميامنه " (١٠).
(١) تفسير ابن جرير ١٢/٢٢٣.
(٢) سورة الحاقة : الآية ٤٦.
(٣) الوَتين : عرق الدم، الذي إذا انقطع مات صاحبه. مختار الصحاح ص٣٠٩.
(٤) الكشاف ٤/١٣٧، وانظر : تأويل مشكل القرآن ص١٥٤، وابن جزي ٢/٤٨٢، وابن عاشور ١٩/١٤٦.
(٥) تفسيره ٤/١٣٧.
(٦) تفسيره ٢/٥٢٤.
(٧) تفسيره ٢٩/٥٤.
(٨) تفسير ابن جرير ١٢/٢٢٣.
(٩) ذكره السيوطي في الدر ٦/٤١٣، وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر.
(١٠) تأويل مشكل القرآن ص١٥٤.

وقال الألوسي :" ولعل ترك الالتفات، والأداء في الوقت يتضمنه ما يأتي من المحافظة " (١).
وأما ما ذهب إليه شيخ الإسلام من أن المراد العموم : المواظبة على أدائها في أوقاتها والسكينة في أفعالها فهو قول وجيه، وتحتمله الآية، واختاره السعدي(٢) ؛ ولكن لمّا ذكر الله تعالى بعد هذه الآية أن من صفات هؤلاء المذكورين أنهم على صلاتهم يحافظون، كان حمل كل آية على معنى أولى.
(١) تفسير الألوسي ٢٩/٦٣.
(٢) تفسيره ص٨٨٧، فقال :" مداومون عليها في أوقاتها بشروطها ومكمّلاتها ".

القول الثالث : أنها القيام بعد النوم، وروي عن عائشة - رضي الله عنها –(١)، واختاره ابن الأعرابي(٢) (٣)، والإمام أحمد(٤)، والزمخشري(٥)، والسعدي(٦).
قال ابن عاشور :" ووصف الصلاة بالناشئة ؛ لأنها أنشأها المصلى فنشأت بعد هدأة الليل فأشبهت السحابة التي تنشأ من الأفق بعد صحوه، وإذا كانت الصلاة بعد النوم فمعنى النشء فيها أقوى، ولذلك فسرتها عائشة بالقيام بعد النوم " (٧).
القول الرابع : أنها ما بعد العشاء ؛ وبه قال أبو مِجْلزَ(٨)، وأبو رجاء(٩)، والحسن(١٠)، وقتادة(١١).
(١) ذكره عنها الثعلبي ١٠/٦١، والزمخشري ٤/١٥٣، والقرطبي ١٩/٢٨.
(٢) هو أبو عبد الله، محمد بن زياد الكوفي، كان إليه المنتهى في معرفة لسان العرب، توفي بسامراء سنة ٢٣١هـ، من مؤلفاته : كتاب النوادر، وأسماء الخيل. انظر : شذرات الذهب ٢/٧٠، والأعلام ٦/١٣١.
(٣) كما ذكر ذلك ابن الجوزي في زاد المسير ٨/١١٤، والسمعاني في تفسيره ٦/٧٨ وغيرهما.
(٤) كما ذكره ابن الجوزي ٨/١١٤.
(٥) تفسيره ٤/١٥٣.
(٦) تفسيره ص٨٩٣.
(٧) التحرير والتنوير ٢٩/٢٦٢.
(٨) هو لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري، أبو مِجْلَز، مشهور بكنيته، أحد علماء البصرة، لحق كبار الصحابة، توفي سنة ١٠٦هـ. انظر : تقريب التهذيب ص٥٨٦، وشذرات الذهب ١/١٣٤.
(٩) هو الإمام الكبير شيخ الإسلام، عمران بن ملحان التميمي البصري، أبو رجاء العطاردي، من كبار المخضرمين، أسلم بعد الفتح ولم ير النبي - ﷺ -، توفي سنة ١٠٧هـ أو ١٠٥هـ عن مائة وعشرين عاماً. انظر : سير أعلام النبلاء ٤/٢٥٣، وشذرات الذهب ١/١٣٠..
(١٠) أخرجه البيهقي ٣/٢٩، وانظر : الدر ٦/٤٤٤.
(١١) أخرجه عنهم ابن جرير ١٢/٢٨٣، وانظر : الدر ٦/٤٤٤، وأخرجه عن أبي مجلز البيهقي ٣/٣٠.

وقال ابن عطية :" وقال الجمهور : هذه الألفاظ استعارة في تنقية الأفعال والنفس والعرض " (١).
وهذا القول بمعنى القول الأول.
القول الخامس : أن المعنى : وأهلك فطهرهم من الخطايا بالوعظ والتأديب، والعرب تسمي الأهل ثوباً ولباساً وإزاراً(٢).
القول السادس : أن المعنى : وخُلُقَك فحسِّن ؛ قاله الحسن(٣).
القول السابع : أن المعنى : وثيابك فقصِّر ؛ وروي عن طاووس(٤).
وعند التأمل في هذه الأقوال نرى أنها ترجع إلى قولين :
أحدهما : تطهير النفس والعمل.
والثاني : تطهير الثياب الملبوسة.
وشيخ الإسلام يرى أن المقصود بها أصلاً النوع الأول وهو تطهير العمل، ولكنها تشمل النوع الثاني بالاستلزام.
وقبله ابن العربي فقد جعل الخلاف في هذه الآية على قولين :
أحدهما : أنه أراد نفسك فطِّهر، والثاني : أن المراد به الثياب الملبوسة، وقال :" ليس بممتنع أن تحمل الآية على عموم المراد فيها بالحقيقة والمجاز " (٥).
ووافقهم ابن القيم أيضاً حيث يرى أن الآية تعمُّ كل ما قيل فيها وتدل عليه بطريق التنبيه واللزوم، وإن لم تتناول ذلك لفظاً، فإن المأمور به إن كان طهارة القلب فطهارة الثوب وطيب مكسبه تكميل لذلك، وإن كان المأمور به طهارةَ الثوب، وكونها من مكسب طيب فهو تمام طهارة القلب وكمالها(٦).
(١) تفسير ابن عطية ١٦/١٥٥.
(٢) انظر : تفسير الثعلبي ١٠/٦٩، والماوردي ٦/١٣٦، والقرطبي ١٩/٤٢ – ٤٤.
(٣) ذكره في الدر ٦/٤٥٢، وعزاه لابن المنذر، وانظر : تفسير الثعلبي ١٠/٦٩، وابن الجوزي ٨/١٢١، وابن كثير ٤/٤٧٠.
(٤) ذكره عنه الثعلبي ١٠/٦٩، والماوردي ٦/١٣٧، وابن الجوزي ٨/١٢١.
(٥) أحكام القرآن لابن العربي ٤/١٨٨٧.
(٦) إغاثة اللهفان ١/٥٢.

وقال عكرمة وسعيد بن جبير :" تلوم على الخير والشر " (١).
وقال الحسن :" إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه، ما أردت بكلمتي، ما أردت بأكلتي، ما أردت بحديثي نفسي، ولا أراه إلا يعاتبها، وإن الفاجر يمضي قُدماً ولا يعاتب نفسه " (٢).
وقال الزمخشري :" النفس المتَّقية التي تلوم النفوس فيه، أي في يوم القيامة على تقصيرهن في التقوى، أو التي لا تزال تلوم نفسها وإن اجتهدت في الإحسان " (٣).
وقال السمعاني :" الأصح : أنها المؤمنة تلوم نفسها على ما تفعل من المعاصي " (٤).
وقال ابن جزي :" هي التي تلوم نفسها على فعل الذنوب أو التقصير في الطاعات، فإن النفوس على ثلاثة أنواع، فخيرها النفس المطمئنة، وشرها النفس الأمارة بالسوء، وبينهما النفس اللوامة " (٥).
قال ابن عاشور :" وتعريف ( النفس ) تعريف الجنس، أي الأنفس اللوامة، والمراد نفوس المؤمنين، ووصف اللوامة مبالغة ؛ لأنها تكثر لوم صاحبها على التقصير في التقوى والطاعة، وهذا اللوم هو المعبَّر عنه في الاصطلاح بالمحاسبة، ولومها يكون تفكيرها وحديثها النفسي " (٦).
وقال ابن عطية :" وكل نفس متوسطة ليست بالمطمئنة، ولا بالأمارة بالسوء فإنها لوامة في الطرفين، مرة تلوم على ترك الطاعة، ومرة تلوم على فوت ما تشتهي، فإذا اطمأنت خلصت وصفت " (٧).
(١) أخرجه عنهما ابن جرير ١٢/٣٢٧، كما أخرجه عن عكرمة ابن أبي حاتم ١٠/٣٣٨٦.
(٢) ذكره السيوطي في الدر المنثور ٦/٤٦٤، وعزاه لعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في محاسبة النفس.
(٣) الكشاف ٤/١٦٣، بتصرف يسير.
(٤) تفسيره ٦/١٠٢.
(٥) تفسير ابن جزي ٢/٥١٢.
(٦) التحرير والتنوير ٢٩/٣٣٨.
(٧) تفسيره ١٧/١٧٢.

قال السهيلي :" وهذا ضعيف، لأن الباء إنما تزاد في مواضع ليس هذا منها " (١).
القول الثاني : أنها بمعنى ( مِنْ )، أي يشرب منها ؛ واختاره السمعاني(٢)، والقاسمي(٣).
واستُدل له بالبيت السابق ؛ أي : شربن من ماء البحر(٤).
قال السَّمين الحلبي - بعد أن ذكر البيت - :" فهذه تحتمل الزيادة، وتحتمل أن تكون بمعنى ( من ) " (٥).
القول الثالث : أنها حالية، أي : ممزوجةً بها(٦).
القول الرابع : أنها متعلقة بـ( يَشْرب ) والضمير يعود على الكأس، أي يشربون العين بتلك الكأس، والباء للإلصاق(٧)، واختاره الزمخشري حيث قال :" فإن قلت لم وصل فعل الشرب بحرف الابتداء أولاً(٨)، وبحرف الإلصاق آخراً ؟ قلت : لأن الكأس مبدأ شربهم وأول غايته، وأما العين فبها يمزجون شرابهم، فكان المعنى : يشرب عبادُ الله بها الخمرَ، كما تقول : شربت الماءَ بالعسل " (٩).
واختاره الرازي(١٠) حيث نقل كلام الزمخشري، والسهيلي(١١) وقال :" إنما يعني كقولك : شربت الماء بالعسل، لأن العين المذكورة تمزج بها الكأس من الخمر "، واختاره
البقاعي(١٢)، والسعدي(١٣) حيث قال :" ذلك الكأس الذي يشربون به ".
وقال ابن عاشور :" وعَدَّى فعل ( يشرب ) بالباء وهي باء الإلصاق ؛ لأن الكافور يمزج به شرابهم، فالتقدير : عيناً يشرب عبادُ الله خمرَهم بها، أي مصحوباً بمائها" (١٤).
(١) تفسيره التسهيل ٢/٥١٨.
(٢) تفسيره ٦/١١٥.
(٣) محاسن التأويل ١٧/٧.
(٤) انظر : تأويل مشكل القرآن ص٥٧٥.
(٥) انظر : الدر المصون ١٠/٦٠١.
(٦) ذكره السمين ١٠/٦٠٠، والعكبري في الإملاء ص٥٢٤.
(٧) الدر المصون ١٠/٦٠٠.
(٨) يعني في قوله تعالى : الإنسان : ٥.
(٩) الكشاف ٤/١٦٦.
(١٠) انظر : تفسيره ٣٠/٢١٣.
(١١) انظر : التسهيل ٢/٥١٨.
(١٢) انظر : نظم الدرر ٢١/١٣٦.
(١٣) تفسيره ص٩٠١.
(١٤) التحرير والتنوير ٢٩/٣٨١.

القول الثاني : أن المعنى لا يملكون الشفاعة إلا بإذنه ؛ وبه قال محمد بن السائب الكلبي(١)، واختاره بعض المفسرين، كالسمرقندي(٢)، والقاسمي(٣).
وقد ردّ هذا القول شيخ الإسلام كما تقدم.
مسألة : أكثر المفسرين على أنّ الضمير في قوله تعالى : عام لجميع الخلق أهل السموات والأرض(٤).
واستدل له شيخ الإسلام - كما تقدم - بالنصوص الدالة على خشوع الخلائق جميعاً لله - تعالى -، كما استدل بسياق الآية.
وقال الرازي :" والصواب أنه ضمير لأهل السموات والأرض ؛ فإن أحداً من المخلوقين لا يملك مخاطبة الله، ومكالمته، وأما الشفاعات الواقعة بإذنه فغير واردة على هذا الكلام ؛ لأنه نفي الملك، والذي يحصل بفضله وإحسانه فهو غير مملوك، فثبت أن هذا السؤال غير لازم " (٥).
وقال ابن عاشور :" وفعل يعم لوقوعه في سياق النفي، كما تعم النكرة المنفية، و عام أيضاً وكلاهما من العام المخصوص بمخصص منفصل كقوله عقب هذه الآية، وقوله :(٦)، وقوله :(٧)، وقوله :(٨) " (٩).
وقيل : للناس خاصة(١٠) وقيل للمؤمنين(١١)، وقيل للمشركين ؛ وروي عن ابن عباس
- رضي الله عنهما –(١٢).
(١) ذكره عنه الثعلبي ١٠/١١٩، وابن الجوزي ٨/١٦٧.
(٢) تفسيره ٣/٤٤١.
(٣) تفسيره ١٧/٣٦.
(٤) انظر : تفسير الرازي ٣٠/٢١، والبيضاوي ٢/٥٦٣، والنسفي ٢/٧٦٩، والألوسي ٣٠/١٩، والسعدي ص٩٠٨، وابن عاشور ٣٠/٥٠.
(٥) تفسير الرازي ٣٠/٢٢ بتصرف يسير.
(٦) سورة هود : الآية ١٠٥.
(٧) سورة البقرة : الآية ٢٥٥.
(٨) سورة الأنبياء : الآية ٢٨.
(٩) التحرير والتنوير ٣٠/٥٠.
(١٠) انظر : تفسير السهيلي ٢/٥٣٠، وعلى هذا القول تخرج الملائكة.
(١١) ذكره الرازي في تفسيره ٣١/٢١.
(١٢) ذكره عنه الرازي ٣١/٢١، وأبو حيان ٨/٤٠٧.

وعن قتادة أنه قال عند هذه الآية :" تكبَّرت في الدنيا عن طاعة الله، فأعملها وأنصبها في النار " (١).
وعن أبي زيد في قوله : قال :" لا أحدَ أنصبُ ولا أشدُّ من أهل النار " (٢).
وعن سعيد بن جبير :"، قال : يعني في الآخرة " (٣)، وعنه أنه قال :" لم تعمل لله - سبحانه وتعالى - في الدنيا فأعملها وأنصبها في النار لمعالجة السلاسل والأغلال " (٤).
وقال الضحاك :" يكلفون ارتقاء جبل في النار " (٥).
واختاره بعض المفسرين، وممن اختاره البيضاوي(٦)، وابن عاشور(٧).
قال النحاس عن هذا القول :" فعلى هذا يكون من نعت أو يكون خبراً، وهذا جواب حسن ؛ لأنه لا يحتاج فيه إلى إضمار ولا تقديم ولا تأخير ".
وقد استدل شيخ الإسلام لهذا القول بوجوه تقدم ذكرها.
وقال السعدي :" أي : تاعبة في العذاب، تُجرُّ على وجوهها، وتغشى وجوههم النار، وهذا هو الصواب المقطوع به ؛ لأنه قيده بالظرف، وهو يوم القيامة، ولأن المقصود هنا بيان وصف أهل النار عموماً، وذلك الاحتمال
- أي المراد بها عاملة في الدنيا - جزء قليل من أهل النار بالنسبة إلى أهلها ؛ ولأن الكلام في بيان حال الناس عند غشيان الغاشية، فليس فيه تعرض لأحوالهم في الدنيا " (٨).
القول الثاني : أن المعنى : وجوه في الدنيا خاشعة عاملة ناصبة، والمراد بها وجوه الكفار(٩).
(١) أخرجه ابن جرير ١٢/٥٥١، وابن أبي حاتم ١٠/٣٤٢٠، وعبد الرزاق ٣/٤٢٠ [ ط محمود عبده ]، بلفظ :" خاشعة في النار، عاملة ناصبة في النار ".
(٢) أخرجه ابن جرير ١٢/٥٥١.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم ١٠/٣٤٢٠، وقال الثعلبي ١٠/١٨٧ : يعني : يوم القيامة، وقيل : في النار.
(٤) ذكره عنه الثعلبي ١٠/١٨٧.
(٥) ذكره الثعلبي ١٠/١٨٧.
(٦) تفسيره ٢/٥٩١.
(٧) تفسيره ٣٠/٢٩٦ - ٣٠٣.
(٨) تفسيره ص٩٢٢.
(٩) ذكرابن الجوزي ٨/٢٣٣ عن يحيى بن سلام أنه جميع الكفار.

واختاره جمهور المفسرين، وممن اختاره ابن جرير - كما تقدم -،
والثعلبي(١)، والسهيلي(٢)، والواحدي(٣)، والبغوي(٤)، والزمخشري(٥)،
والرازي(٦)، وأبو حيان(٧)، والشوكاني(٨)، والقاسمي(٩)، والألوسي(١٠)، وابن عاشور(١١).
قال أبو حيان عند هذه الآية :" وقيل الضمير عائد إلى الأرض، والذي تقتضيه الفصاحة أن الضمائر كلها إلى قوله عائدة إلى الشمس " (١٢).
القول الثاني : أن الضمير يعود إلى الأرض، وهو اختيار ابن كثير، وتقدم ذكر كلامه في المسألة الأولى.
وهناك أقوال أخرى في مرجع الضمير لم أجد من اختارها(١٣)، فقيل : للأرض(١٤)، وقيل : يغشى الدنيا بالظُّلم فتظلم الآفاق(١٥)، ولعل المراد بالدنيا هنا الأرض.
والراجح - والله أعلم - القول الأول ؛ لأنه هو ظاهر السياق، وقول جمهور المفسرين، بل حكى بعضهم الاتفاق على ذلك.
سورة الشمس : الآيات ٥ - ٧
قال تعالى :(١٦).
رجح شيخ الإسلام أن ( ما ) في الآيات الثلاث موصولة بمعنى ( الذي ).
(١) تفسيره ١٠/٢١٣.
(٢) تفسيره ٢/٥٧٦.
(٣) تفسيره الوسيط ٤/٤٩٤.
(٤) تفسيره ٨/٤٣٧ [ ط طيبة ].
(٥) الكشاف ٤/٢١٤.
(٦) تفسيره ٣١/١٩١.
(٧) تفسيره ٨/٤٧٣.
(٨) فتح القدير ٥/٦٤٤.
(٩) تفسيره ١٧/٦١٦٨.
(١٠) تفسيره ٣٠/١٤١.
(١١) التحرير والتنوير ٣٠/٣٦٨.
(١٢) تفسيره ٨/٤٧٣.
(١٣) انظر : تفسير القرطبي ٢٠/٥٠.
(١٤) قال السعدي ص٨٥٦ :" أي يغشى وجه الأرض فيكون ما عليها مظلماً ".
(١٥) انظر : تفسير أبي السعود ٩/١٦٣، والقرطبي ٢٠/٥٠.
(١٦) سورة الشمس : الآيات ٥ – ٧.

(١)، فالهدى وقصد السبيل والصراط المستقيم إنما يدل على عبادته وطاعته، لا يدل على معصيته وطاعة الشيطان، فالكلام تضمن معنى ( الدلالة ) ؛ إذ ليس المراد ذكر الجزاء في الآخرة، فإن الجزاء يعم الخلق كلهم، بل المقصود بيان ما أمر الله به من عبادته وطاعته وطاعة رسله فكأنه قيل : الصراط المستقيم يدل على الله على عبادته وطاعته، وذلك يبين أن من لغة العرب أنهم يقولون :( هذه الطريق على فلان ) إذا كانت تدل عليه، وكان هو الغاية المقصود بها ; وهذا غير كونها ( عليه )، بمعنى أن صاحبها يمر عليه... " (٢).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن من سلك الهدى فعلى الله سبيله، وهذا ما قرره شيخ الإسلام
- كما تقدم -.
قال الفراء عند هذه الآية :" من سلك الهدى فعلى الله سبيله، ومثله قوله :
، يقول من أراد اللهَ فهو على السبيل القاصد، ويقال : إن علينا للهدى والإضلال، فترك الإضلال كما قال :(٣) وهي تقي الحر والبرد " (٤).
(١) سورة الحجر : الآية ٤١.
(٢) مجموع الفتاوى ١٥/١٩٨ – ٢١٦ بتصرف واختصار، وانظر : المدارج ١/٢٥.
(٣) سورة النحل : الآية ٨١.
(٤) معاني القرآن ٣/٢٧١.

وممن اختاره ابن كثير، وقال :" أي : إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها، وقطعت علائقها فانصب إلى العبادة، وقم إليها نشيطاً فارغ البال، وأخلص لربك النية والرغبة، ومن هذا القبيل قوله - ﷺ - في الحديث المتفق على صحته :" لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان " (١)، وقوله - ﷺ - :" إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدأوا بالعشاء " (٢) " (٣).
والسعدي، حيث قال :" أي : إذا تفرغت من أشغالك، ولم يبق في قلبك ما يعوقه، فاجتهد في العبادة والدعاء وحده أي أعظم الرغبة في إجابة دعائك وقبول عبادتك، ولا تكن ممن إذا فرغوا وتفرغوا لعبوا وأعرضوا عن ربهم وعن ذكره فتكون من الخاسرين " (٤).
واختاره الألوسي أيضاً، قال :" وأشعرت الآية بأن اللائق بحال العبد أن يستغرق أوقاته بالعبادة، أو بأن يفرغ إلى العبادة بعد أن يفرغ من أمور دنياه " (٥).
وممن اختار العموم ابن عاشور، وقال - بعد أن ذكر أقوال المفسرين من السلف في تعيين المفروغ منه - :" وإنما هو خلاف في الأمثلة، فحذف المتعلَّق هنا لقصد العموم " (٦).
القول الثاني : فإذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء ؛ وروي عن ابن عباس
(١) الحديث انفرد به مسلم ١/ ٣٩٣ ح٥٦٠، كتاب المساجد، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال، عن عائشة رضي الله عنها.
(٢) أخرجه البخاري ٩/٧٢٣ ح٥٤٦٥، كتاب الأطعمة، باب إذا حضر العشاء فلا يعجل عن عشائه، عن عائشة – رضي الله عنها -.
(٣) تفسيره ٤/٥٦٢.
(٤) تفسيره ص٩٢٩.
(٥) تفسيره ٣٠/١٧٢.
(٦) التحرير والتنوير ٣٠/٤١٧.

٤ - أن الله سبحانه لما أراد ذلك لم يخصه بالكفار بل جعله لجنس بني آدم فقال :
(١)، فجعلهم قسمين : قسماً متوفى قبل الكبر، وقسماً مردوداً إلى أرذل العمر، ولم يسمه أسفل سافلين.
٥ - أنه لا تحسن المقابلة بين أرذل العمر وبين جزاء المؤمنين، وهو سبحانه قابل بين جزاء هؤلاء وجزاء أهل الإيمان، فجعل جزاء الكفار أسفل سافلين، وجزاء المؤمنين أجراً غير ممنون.
٦ - أنه سبحانه ذكر حال الإنسان في مبدأه ومعاده ؛ فمبدؤه خلقه في أحسن تقويم، ومعاده رده إلى أسفل سافلين أو إلى أجر غير ممنون، وهذا موافق لطريقة القرآن وعادته في ذكر مبدأ العبد ومعاده " (٢).
وعلى هذا القول تكون الآية في الكفار أو في كافر بعينه(٣).
وعلى هذا القول يكون انتصاب على نزع الخافض، أي إلى أسفل، أو صفةٌ لمصدر محذوف أي مكاناً أسفل سافلين، أو حال أو مفعول ثان لرَدَّ(٤).
واختاره بعض المفسرين، وممن اختاره الفراء(٥)، وشيخ الإسلام وابن القيم - كما تقدم -، وابن كثير(٦)، والسعدي(٧)، وابن عاشور(٨).
والنار أسفل سافلين ؛ لأن جهنم - أعاذنا الله منها - بعضَها أسفلُ من بعض، والمعنى : إلى أسفل سافلين(٩).
أو أن المقصود : أسفل سافلين في الاعتقاد بخالقه، وحقيقة السفالة انخفاض المكان، وتطلق على الخسة والحقارة في النفس(١٠).
(١) سورة الحج : الآية ٥.
(٢) التبيان ص٣١.
(٣) تفسير السمعاني ٦/٢٥٣.
(٤) انظر : السمين ١١/٥٢، والألوسي ٣٠/١٧٥.
(٥) المعاني ٣/٧٧.
(٦) تفسيره ٤/٥٦٣.
(٧) تفسيره ص٩٢٩.
(٨) التحرير والتنوير ٣٠/٤٢٧.
(٩) الوسيط للواحدي ٤/٥٢٤.
(١٠) انظر : التحرير والتنوير ٣٠/٤٢٧.

القول الأول : أن المعنى : لم يكونوا – أي اليهود والنصارى والمشركون – منفكين عن الكفر حتى أتتهم البينة، قال مجاهد :"لم يكونوا لينتهوا حتى يتبيَّن لهم الحق " (١).
والمراد بها الرسول محمد - ﷺ - (٢)، وروي عن ابن عباس، ومقاتل(٣)، وابن جريج(٤)، وقال قتادة :" القرآن "، واختاره ابن جرير (٥).
وقال قتادة في قوله :: " منتهين عما هم فيه " (٦)، واختاره
الزجاج(٧)، والثعلبي(٨)، والواحدي(٩)، والزمخشري(١٠)، وابن
(١) أخرجه ابن جرير ١٢/٦٥٥، وعزاه في الدر المنثور ٦/٦٤٢ أيضاً للفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم بلفظ :" لم يكونوا ليؤمنوا ".
(٢) انظر : النحاس ٥/٢٧٢، وابن عطية ١٦/٣٤٣، وزاد المسير ٨/٢٨٩، ومجموع الفتاوى ١٦/٤٨٢.
(٣) ذكره الواحدي في الوسيط ٤/٥٣٩.
(٤) أخرجه ابن المنذر، انظر الدر ٦/٦٤٢، واختاره الواحدي في الوسيط ٤/٥٣٩، والزمخشري ٤/٢٢٦، وابن كثير ٤/٥٧٤، لقوله بعدها، وابن تيمية في الجواب ٣/١١١، وقال الفراء :" يعني بعثة محمد - ﷺ - والقرآن " ٣/٢٨١، والقولان متلازمان.
(٥) تفسره ١٢/٦٥٥، وانظر : الدر ٦/٦٤٢.
(٦) أخرجه عبد الرزاق ٣/٤٤٧ [ ط محمود ]، وابن جرير ١٢/٦٥٥، وعزاه في الدر ٦/٦٤٢ أيضاً لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله : قال :" بَرحين " ذكره السيوطي في الدر ٦/٦٤٢، وعزاه لابن المنذر ( ).
(٧) معاني القرآن وإعرابه ٥/٣٤٩.
(٨) تفسيره ١٠/٢٦٠.
(٩) تفسيره الوسيط ٤/٥٣٩.
(١٠) تفسيره ٤/٢٢٦.

ليذهب الوهم كلَّ مذهب فيكون التهويلُ أعظمَ، وكأنه قال : لو علمتم علم اليقين لفعلتم ما لا يوصف ولا يكتنه، ولكنكم ضلال وجهلة، وأما قوله : فاللام يدل على أنه جواب لقسم محذوف، والقسم لتوكيد الوعيد، وأن ما أوعدوا به مما لا مدخل فيه للريب، وكرره معطوفاً ثمَّ تغليظاً للتهديد، وزيادة في التهويل " (١).
القول الثاني : أن جواب قوله تعالى – في الآية التي بعدها – :.
قال الثعلبي :" يصلح أن يكون في معنى المضي جواباً لـ، تقديره : لو تعلمون علم اليقين لرأيتم الجحيم بقلوبكم، ثم رأيتموه بالعين اليقين " (٢).
وهذا القول ضعيف، ولم أرَ من اختاره.
قال ابن عاشور :" وليس قوله : جوابَ على معنى : لو تعلمون علم اليقين لكنتم كما ترون الجحيم، أي : لترونَّها بقلوبكم ؛ لأن نظم الكلام صيغة قسم بدليل قرْنه بنون التوكيد، فليست هذه اللامُ لامَ جواب لأن جواب ممتنع الوقوع، فلا تقترن به نون التوكيد " (٣).
وتقدم اعتراض الرازي على هذا القول.
والراجح – والله أعلم – ما ذهب إليه عامة المفسرين من أن جواب محذوف، وذلك لأن قوله تعالى : لا يصلح أن يكون جواباً لها لا من جهة اللفظ، ولا من جهة المعنى.
(١) تفسيره ٣٢/٧٥، وانظر : الألوسي ٣٠/٢٢٥.
(٢) تفسيره ١٠/٢٧٧، وانظر : الألوسي ٣٠/٢٢٥.
(٣) تفسيره ٣٠/٥٢٢.

ورجح هذا القول ابنُ جرير، وأيده بحديثين مرفوعين إلى النبي - ﷺ -، حيث قال :" وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب بقوله : لاهون يتغافلون عنها، وفي اللهو عنها والتشاغل بغيرها تضييعها أحياناً، وتضييع وقتها أخرى، وإذا كان ذلك كذلك، صح بذلك قول من قال : عُني بذلك ترك وقتها، وقول من قال : عنى به تركها ؛ لما ذكرت من أن في السهو عنها المعاني التي ذكرت، وقد روي عن رسول الله بذلك خبران يؤيدان صحة ما قلنا في ذلك :
أحدهما : حديث سعد بن أبي وقاص، قال : سألت النبي عن قال :" هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ".
والآخر منهما : حديث أبي برزة الأسلمي، قال : قال رسول الله - لما نزلت هذه الآية - :" الله أكبر ! هذه خير لكم من أن لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا، هو الذي إن صلى لم يرج خير صلاته وإن تركها لم يخف ربه ".
وكلا المعنيين اللذين ذكرت في الخبرين اللذين روينا عن رسول الله محتمل معنى السهو في الصلاة " (١).
وكذا اختاره النحاس وقوَّاه بحديث سعد(٢)، والزمخشري(٣)، و ابن القيم، وقال :" وليس السهو عنها تركها، وإلا لم يكونوا مصلين، وإنما هو السهو عن واجبها، إما عن الوقت كما قال ابن مسعود وغيره، وإما عن الحضور والخشوع. والصواب : أنه يعمُّ النوعين، فإنه سبحانه أثبت لهم الصلاة ووصفهم بالسهو عنها، فهو السهو عن وقتها الواجب، أو عن إخلاصها وحضورها الواجب، ولذلك وَصَفهم بالرياء، ولو كان السهوُ سهوَ ترك لما كان هناك رياء " (٤).
واختاره السعدي أيضاً(٥).
(١) تفسيره ١٢/٧٠٨، باختصار.
(٢) انظر : إعراب القرآن ٥/٢٩٦.
(٣) تفسيره ٤/٢٣٦.
(٤) المدارج ١/٥٦٥.
(٥) تفسيره ص٩٣٥.

وإن قيل : في المستقبل قد يعبدون الله بالانتقال عن الكفر فهو في الحال والاستقبال لا يعبد ما عبدوه ؛ قيل : فعلى هذا لا يقال لهؤلاء ولا أنتم عابدون في المستقبل ما عبدت في الماضي، بل قد يعبدون في المستقبل إذا انتقلوا ربه الذي عبده فيما مضى.
وإن قيل : قول هؤلاء هو القول الثاني لا أعبد في الحال ما تعبدون في الحال ولا أعبد في المستقبل ما تعبدون في المستقبل ؛ قيل : ولفظ الآية ليس لفظها ( ولا أنا عابد ما تعبدون ). فقوله : إن أريد به الماضي الذي أراده هؤلاء فسد المعنى، وإن أريد به المستقبل بطل ما ذكروه من أن المضارع بمعنى الماضي في قوله : فإن الماضي هنا بمعنى المضارع، فإذا كان المضارع مطابقاً له بقي مضارعاً لم ينقل إلى الماضي، فيكون عكس المقصود.
والقول الرابع الذي ذكره قول من جعل مصدرية في الجملة الثانية دون الأخرى، وهذا أيضاً ليس في الكلام ما يدل على الفرق بينهما، وإذا جعلت في الجمل كلها مصدرية كان أقرب إلى الصواب مع أن هذا المعنى الذي تدل عليه المصدرية حاصل بقوله : ؛ فإنه لم يقل :( ولا أنتم عابدون من أعبد )، بل قال : ، ولفظ ( ما ) يدل على الصفة بخلاف ( من ) فإنه يدل على العين كقوله :
(١) أي : الطيب، (٢) أي : وبانيها، ونظيره قوله :(٣)، ولم يقل :( من تعبدون من بعدي )، وهذا نظير [ قوله ] : سواء ؛ فالمعنى : لا أعبد معبودكم ولا أنتم عابدون معبودي، فقوله : يتناول شركهم ؛ فإنه ليس بعبادة لله، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، فإذا أشركوا به لم يكونوا عابدين له وإن دعوه وصلوا له.
(١) سورة النساء : الآية ٣.
(٢) سورة الشمس : الآية ٥.
(٣) سورة البقرة : الآية ١٣٣.

واستدل أصحاب هذا القول أيضاً باللغة، وقالوا : إن العرب يطلقون الصمد على السيد الذي ينتهي إليه السؤدد، كما قال الشاعر :
لقد بكَّر الناعي بِخَيْرَيْ بني أسد
بعمرو بن مسعود وبالسيد الصَّمد(١)
وقول الآخر(٢) :
علوته بُحسام ثم قلت له
خذها حُذَيفُ فأنت السيد الصَّمدُ
ورجح هذا القول ابن جرير، وقال :" الصَّمَدَ عند العرب هو السيد الذي يُصْمَدُ إليه، الذي لا أحد فوقه، وكذلك تسمي أشرافها، ومنه قول الشاعر :
ألا بكَّر الناعي بِخَيْرَيْ بني أسد
بعمرو بن مسعود وبالسيد الصَّمد
وقال الزبرقان :
ولا رهينة إلا سيد صمد
فإذا كان ذلك كذلك فالذي هو أولى بتأويل الكلمة المعنى المعروف من كلام من نزل القرآن بلسانه ولو كان حديث بن بريدة عن أبيه صحيحاً كان أولى الأقوال بالصحة ؛ لأن
رسول الله أعلم بما عنى الله جل ثناؤه وبما أُنزل عليه " (٣).
كما اختاره ابن عطية، وقال :" في كلام العرب السَّيد الذي يُصمد إليه في الأمور، ويستقل بها " (٤).
وممن اختاره الزمخشري(٥)، وقال :" فعل بمعنى مفعول "، والقرطبي(٦)، والبيضاوي(٧)، وابن جُزي(٨)، والألوسي(٩).
(١) اختلف في قائله، فقيل : لسبرة بن عمرو الأسدي، انظر : اللسان مادة ( صَمَدَ ) ٤/٢٤٩٥، وقال :" والصَمَدُ بالتحريك : السيد المطاع الذي لا يقضى دونه أمر، وقيل : الذي يصمد إليه في الحوائج، أي : يقصد "، وانظر : مجاز القرآن ٢/٣١٦.
(٢) لم أعرف قائله، وهو في اللسان مادة ( صَمَدَ ) ٤/٢٤٩٥.
(٣) تفسيره ١٢/٧٤٤.
(٤) تفسيره ١٧/٣٨٣.
(٥) الكشاف ٤/٢٤٢.
(٦) تفسيره ١٧/١٦٨.
(٧) تفسيره ٢/٦٣١.
(٨) تفسيره ٢٥/٦٢٥.
(٩) تفسيره ٣٠/٢٧٤.

يا ليلةً لم أنمها بتُّ مُرتقباً أرعى النجوم إلى أن قُدَّ الفَلق(١)
وهو فعل بمعنى مفعول، كالقبض، أي : مفلوق(٢).
والفَلَق في اللغة يُطلق على : الخلْق كلِّه، ويطلق على الصبح مشتق من الفَلْق، وهو الشَّق(٣).
واختاره الشوكاني، وقال :" لأن المعنى وإن كان أعمَّ منه وأوسع مما تضمنه لكنه المتبادر عند الإطلاق " (٤).
القول الثالث : أنه سِجْنٌ في جهنم، ورُوي عن ابن عباس(٥) – رضي الله
عنهما –، وعن السدي أنه جُبٌّ في جهنم(٦)، وعن كعب الأحبار أنه بيت في جهنم إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره(٧)، وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه شجرة في النار، وعن ابن السائب أنه واد في جهنم(٨)، وعن أبي عبدالرحمن الحُبُليُّ(٩) (١٠) : أنه اسم من أسماء جهنم.
(١) استدل به الماوردي ٦/٣٧٤، والقرطبي ١٧/١٧٤، وأبو حيان ٨/٥٣٢، ولم أعرف قائله، وقُدَّ : شقَّ. انظر المعجم الوسيط ٢/٧١٨ مادة (قدَّ).
(٢) البحر المحيط ٨/١٥٧.
(٣) انظر : اللسان ٦/٣٤٦٢ مادة ( فَلَق ).
(٤) تفسيره ٥/٧٥٨.
(٥) أخرجه عنه ابن جرير ١٢/٧٤٦، من طريقين في كليهما مجهول، ورُوي مرفوعاً عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ذكره في الدر بنحوه ٦/٧١٧ وعزاه لابن مردويه والديلمي.
(٦) أخرجه ابن جرير ١٢/٧٤٦، ورُوي عن النبي - ﷺ - أنه قال :" الفلق جُبٌّ في جهنّم مُغطَّى " أخرجه ابن جرير ١٢/٧٤٦ عن أبي هريرة، وعزاه السيوطي في الدر ٦/٧١٧ لابن مردويه عن عمرو بن عَبَسَة مرفوعاً بنحوه، قال ابن كثير في تفسيره ٤/٦١٣ :" منكر، إسناده غريب ولا يصح رفعه ".
(٧) أخرجه ابن جرير ١٢/٧٤٧.
(٨) ذكرها ابن الجوزي ٨/٣٣٣.
(٩) هو عبد الله بن يزيد المعافري، أبو عبد الرحمن الحُبُليُّ، تابعي ثقة، توفي سنة مئة. انظر : معرفة الثقات ٢/٦٦، والتقريب ص ٣٢٩.
(١٠) أخرجه ابن جرير ١٢/٧٤٧.

وأيضاً فإنه إذا تقدم المعطوف اسماً كان عطفه على القريب أولى ؛ كما أن عود الضمير إلى الأقرب أولى، إلا إذا كان هناك دليل يقتضي العطف على البعيد، فعطف ( الناس ) هنا على ( الجنة ) المقرون به أولى من عطفه على ( الوسواس )، ويكفي أن المسلمين كلهم يقرءون هذه السورة من زمن نبيهم، ولم ينقل هذان القولان إلا عن بعض النحاة، والأقوال المأثورة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ليس فيها شيء من هذا ؛ بل إنما فيها القول الذي نصرناه كما في تفسير معمر عن قتادة قال : إن في الجن شياطين، وإن في الإنس شياطين، فنعوذ بالله من شياطين الإنس والجن. فبين قتادة أن المعنى الاستعاذة من شياطين الإنس والجن. وروى ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : قال : الخناس الذي يوسوس مرة ويخنس مرة من الجن والإنس. فبين ابن زيد أن من الصنفين، وكان يقال : شياطين الإنس أشد على الناس من شياطين الجن ؛ شيطان الجن يوسوس ولا تراه وهذا يعاينك معاينة. وعن ابن جريج : قال : إنما وسواسان ؛ فوسواس من الجنة فهو، ووسواس من نفس الإنسان فهو قوله : ، وهذا القول الثالث وإن كان يشبه قول الزجاج فهذا أحسن منه ؛ فإنه جعل من الناس الوسواس الذي من نفس الإنسان فمعناه أحسن، ذكر الثلاثة ابن أبي حاتم في تفسيره " (١).
وقال – رحمه الله – :" والقول الصحيح الذي عليه أكثر السلف أن المعنى : من شر الموسوس من الجنة ومن الناس من شياطين الإنس والجن " (٢).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على ثلاثة أقوال :
(١) مجموع الفتاوى ١٧/٥٠٩ – ٥١٣.
(٢) الرد على المنطقيين ١/٥٠٦.

The most important results with suggestions.
Indexes:
I have made clear indexes to facilitate searching in the paper. Other than،
I compiled Ibn Taimiah's Selections and Preferences related to the specified part for me based on all his printed books with paying attention to what has been published of them at the time of preparing this research. Further، I looked closely at Ibn ﷺlqaim's books and Ibn Katheer's Interpretation and I took some quotations in a few cases.
Then، I have studied these Selections on the basis of the following method:
A) Mentioning the verse ( ﷺayah ) that was a subject of controversy.
B) Mentioning ﷺl Shaiekh's Selection of the verse.
C) Mentioning ﷺl Shaiekh's opinions in Selection or Preferring word for word if it was few، or its brevity and content if it was long.
D) If there is some texts for ﷺl Shaiekh concerning a certain case، I select one or more example and make reference to the others at
the annotation.
E) Comparison between ﷺl Shaiekh's Selections and other jurists' Selections، with evidences for every opinion and mentioning its arguments، the more probable opinion comes first unless it requires other than that، as if the more probable is the bringing of the all opinions together and interpreted the verse on the basis of what mentioned in it.
ملخص رسالة ( اختيارات ابن تيمية وترجيحاته في التفسير جمعاً ودراسة)
إعداد : إبراهيم بن صالح بن عبد الله الحميضي
إشراف : الدكتور ناصر بن محمد الحميد
الأستاذ المشارك بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة القصيم
عدد الصفحات : ٨٣٢ في مجلدين
نوع الرسالة : دكتوراه
العام الجامعي : ١٤٢٥/ ١٤٢٦ هـ
٤٥... ٥٧٤، ٥٧٧، ٥٧٩، ٥٨٣
(سورة الذاريات)
٣... ٦٠، ٣٩٨، ٤٠٠
١٣... ٤٩١
١٥... ٤٠٣
١٦... ٤٠٣، ٤٠٥
١٧... ٤٠٢، ٤٠٣، ٤٠٤، ٤٠٥
٢١... ٥٦٨
٢٣... ٦٠٢
٢٨-٢٩... ٢٦٤
٣٥-٣٦... ٣٧٦
٥٤... ٥٧٣، ٥٧٦
٥٥... ٤١٥، ٥٧٣، ٥٧٦، ٥٧٧
٥٦... ١٦٩، ٤٠٨، ٤٠٩، ٤١١، ٤١٢، ٤١٣، ٤١٤
٥٧... ٤٠٩
٥٩... ٤٠٩
(سورة الطور)
٢١... ٤٢٧
٢٥-٢٧... ٣٠٩
٣٥... ٤١٧، ٤١٨، ٤١٩
(سورة النجم)
١... ١٣٢، ١٣٦
٢... ١٣٢
٣-٤... ١٤١
٥-٦... ٥٥٧
١٩... ١٣١، ١٣٢، ٤٢١
٢٠... ١٣٢، ٤٢١
٢١... ١٣١، ٤٢٢
٢٣... ١٤١
٢٦... ٣٤٠
٢٧... ٤٢١، ٤٢٣
٣١... ٦٢١
٣٨... ٤٢٨
٣٩... ٤٢٤، ٤٢٥، ٤٢٧
٥٥... ٤٣٢
٥٦... ٤٣٠، ٤٣١، ٤٣٢
٥٧... ٤٣٢
(سورة القمر)
٦... ٧٢٠
١٧... ٥٧٩
٤٢... ٥١٣
(سورة الرحمن)
١... ٤٣٧
٧-٩... ٣١٨
٧٨... ٤٩، ٦٧، ٤٣٤، ٤٣٦، ٤٣٧، ٥٥٨
(سورة الواقعة)
٨ - ١٢... ٢٤٧
٧٤... ٥٥٩، ٥٦٢، ٥٦٣، ٥٦٥
٧٧... ٦٤، ٤٣٨، ٤٤٤، ٤٤٩
٧٨... ٦٤، ٤٣٨، ٤٣٩، ٤٤٤، ٤٤٩
٧٩... ٦٤، ٤٣٨، ٤٣٩، ٤٤٢، ٤٤٤، ٤٤٥، ٤٤٦، ٤٤٧، ٤٤٨، ٤٥٠، ٤٥١
٨٠... ٤٤٤، ٤٤٥
٨٣... ٣٨١، ٤٥٤
٨٤... ٣٨١، ٤٥٤
٨٥... ٧١، ٣٨١، ٣٨٤، ٤٥٤، ٤٥٥
٩٣... ٤٦٦
٩٥... ٣٩٢
(سورة الحديد)
٧... ٤٥٦
٨... ٤٥٦، ٤٥٧، ٤٥٨
٩... ٤٥٦
١٠... ٤٥٧، ٤٦٠، ٤٦١
٢٥... ٦٦، ٢٥٢، ٣١٨، ٤٦٥
٢٧... ٤٧٠، ٤٧٢، ٤٧٣، ٤٧٤، ٤٧٥، ٤٧٦
٢٨... ٤٥٦، ٤٧٧، ٤٧٨
٢٩... ٤٥٦، ٤٧٨
(سورة المجادلة)
٢... ١٢٣
(سورة الحشر)
١٧... ٢٢٢
(سورة الممتحنة)
٤... ٥٥٢
١٢
(سورة الجمعة)
٣... ٥٦٨
٩... ٢٠٨، ٢١٢
١١... ٣٢٧
(سورة الملك)
١... ٤٣٥
٢... ٤١٣
٢٤... ٤٨٦
٢٥... ٤٨٣، ٤٨٥
٢٦... ٤٨٣
٢٧... ٤٨٣، ٤٨٤، ٤٨٥
(سورة القلم)
٣... ٣٠٨
٥... ٦٧، ٤٨٧، ٤٨٨، ٤٨٩، ٤٩٠، ٤٩٢، ٤٩٣، ٥٠٧
٦... ٦٥، ٦٦، ٦٧، ٤٨٧، ٤٨٨، ٤٨٩، ٤٩٠، ٤٩١، ٤٩٢، ٤٩٣، ٤٩٤، ٤٩٥
٩... ٦٨٢
٣٠-٣١... ٥٣٤
٤٢... ٣٤، ٣٥، ٤٩٦، ٤٩٨، ٥٠١، ٥٠٢
٤٨... ٥٠٤، ٥٠٦، ٥٠٧
٥١... ٣٣٤، ٤٨٨، ٥٧٤
٥٢... ٣٣٤، ٥٧٤
(سورة الحاقة)
١١... ٣٩٩
-... ٣٨-٣٩... ٥٠٩
٤٠... ٥٠٩، ٥١٠
٤١-٤٢... ٥٠٩، ٥١٠، ٥١١
٤٣... ٥٠٩، ٥١٠
٤٤... ١٣٧، ٥١٠، ٥١١
٤٥... ١٣٧، ٥١٠، ٥١٣، ٥١٤، ٥١٦
٤٦... ١٣٧، ٥١٠، ٥١٤
٤٧... ٥١٠
(سورة المعارج)
١... ٥٤٥
٢٢... ٥١٧
٢٣... ٧٤، ٥١٧، ٥١٨
٣٤... ٥١٨، ٥٢٠
(سورة نوح)
١٤... ٢٩٦
(سورة الجن)
١... ٧٢٠
٤... ٥٢١، ٥٢٢
٦... ٧٢٠، ٧٢١
١٩... ٦٢٧
٢٦... ١٨٣
(سورة المزمل)
١... ٦٢٦
٢... ٤٠٢، ٤٠٣، ٦٢٦


الصفحة التالية
Icon