١- جمع اختيارات وترجيحات ابن تيمية في التفسير – في الجزء المحدد لي – وذلك من جميع كتبه المطبوعة، مع متابعة ما نُشر منها أثناء إعداد البحث، وما تم النقل منه من كتبه يأتي ذكر طبعته في قائمة المراجع، كما رجعت إلى كتب ابن القيم، وتفسير ابن كثير، ونقلت منها في مواضع قليلة.
٢- دراسة هذه الاختيارات وفق المنهج التالي :
أ - ذكر الآية التي ورد فيها الخلاف.
ب - ذكر اختيار الشيخ في الآية.
جـ - ذكر كلام الشيخ في الاختيار أو الترجيح بنصه إن كان قليلاً، أو اختصاره، وذكر مضمونه، إن كان طويلاً.
د - إذا كان للشيخ عدة نصوص في اختيار مسألة معينة، فإني أختار نموذجاً، أو أكثر منها، وأشير إلى بقيتها في الحاشية.
هـ - المقارنة بين اختيارات الشيخ واختيارات غيره من أئمة التفسير، مع الاستدلال لكل قول من الأقوال، وذكر ما يرد عليه من اعتراضات. مبتدأً بالقول الراجح، ما لم يقتض الأمر خلاف ذلك، كأن يكون الراجح الجمع بين الأقوال وحمل الآية على كل ما ذكر فيها.
٣- عزوت الآيات إلى سورها، ووثقت القراءات من مصادرها الأصلية.
٤- خرجت الأحاديث من مصادرها المعتمدة، ونقلت أحكام الأئمة على ما ليس في الصحيحين منها.
٥- خرجت الآثار من مصادرها الأصلية إن وجدت، وإلا إلى الكتب التي عُنيت بجمع أقوال السلف في التفسير، ولا سيما الدر المنثور للسيوطي.
٦- اعتنيت بذكر أقوال السلف من الصحابة والتابعين في معاني الآيات، ولا سيما أقوالهم في الكتب المسندة.
٧- وثقت النصوص من مصادرها الأصلية.
٨- شرحت الغريب، ووضحت الغامض، وضبطت المشكل.
٩- ترجمت للأعلام غير المشهورين عند أول ذكرهم، ولأن الشهرة ليس لها ضابط معين فقد اجتهدت في ذلك، مع الأخذ بالاحتياط عند التردد.
١٠- عزوت الشواهد الشعرية إلى دواوينها إن وجدت، وإلا إلى مصادرها المعتمدة.
١١- عرَّفت بالفرق، والطوائف، و الأماكن التي تحتاج إلى تعريف.
وقال البيضاوي(١) :" أي : أحييناه في جوفها، وقيل : فعلنا النفخ فيها " (٢).
وهناك من أنكر النفخ وأوله بإحياء عيسى عليه السلام في بطن أمه.
قال أبو حيان :" والظاهر أن قوله كناية عن إيجاد عيسى حياً في بطنها ولا نفخ هناك حقيقة، وأضاف الروح إليه تعالى على جهة التشريف " (٣).
وقال الألوسي(٤) :" ونفخ الروح عبارة عن الإحياء وليس هناك نفخ حقيقة " (٥).
ولا شك أن هذا مذهب باطل مخالف لظاهر القرآن، وأقوال السلف.

(١) هو أبوسعيد، عبد الله بن عمر بن محمد البيضاوي الشيرازي القاضي، مفسر أصولي، من تصانيفه : تفسيره المسمى أنوار التنْزيل، ومنهاج الوصول في علم الأصول، توفي عام ٦٨٥هـ. انظر : طبقات المفسرين للداوودي ١/٢٤٢، والأعلام ٤/١١٠.
(٢) تفسير البيضاوي ٢/٧٨، وانظر : تفسير النسفي ٢/٩٩.
(٣) تفسير أبي حيان ٦/٣١٢.
(٤) هو محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي البغدادي، أبو الثناء، شهاب الدين، مفسر محدث فقيه لغوي، توفي سنة ١٢٧٠هـ، من مؤلفاته : روح المعاني في التفسير، ودقائق التفسير. انظر : الأعلام ٧/١٧٦، ومعجم المؤلفين ١٢/١٧٥.
(٥) تفسير الألوسي ١٧/٨٨.

ويرى الأخفش(١) أيضاً أن بمعنى يقول(٢).
وقال ابن جزي :" إن الضرَّ المنفي أولاً يراد به ما يكون من فعلها، وهي لا تفعل شيئاً، والضرَّ الثاني يراد به ما يكون بسببها من العذاب وغيره " (٣).
وقال أبو حيان :" ونَفَى هنا الضر والنفع، وأثبتهما في قوله : وذلك لاختلاف المتعلَّق، وذلك أن قوله : هو الأصنام والأوثان، ولذلك أتى التعبير عنها بـ( ما ) التي لا تكون لآحاد من يعقل، وقوله :
هو من عبد باقتضاء وطلب من عابديه من المدَّعين الإلهية كفرعون وغيره " (٤).
قال أبو حيان :" وقال آخرون : هي في الحقيقة لا تضر ولا تنفع بيَّن ذلك في الآية الأولى، ثم أثبت له الضرر والنفع في الثانية على طريق التسليم، أي : ولو سلمنا كونها ضارة نافعة لكان ضرها أكثر من نفعها " (٥).
وقال الشوكاني :" بمعنى : يقول، .. والأصنام لا نفع فيها بحال من الأحوال، بل هي ضرر بحت لمن يعبدها، لأنه دخل النار بسبب عبادتها، وإيراد صيغة التفضيل مع عدم النفع بالمرَّة للمبالغة في تقبيح حال ذلك الداعي، أو ذلك من باب
(٦) " (٧).
(١) هو سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء، البلخي، ثم البصري، أبو الحسن، الأخفش الأوسط، نحوي عالم باللغة والأدب، من مؤلفاته : معاني القرآن، والاشتقاق، توفي سنة ٢١٥هـ. انظر : بغية الوعاة ١/٥٩٠ ترجمة رقم (١٢٤٤)، والأعلام ٣/١٠١.
(٢) معاني القرآن ٢/٤٥٠.
(٣) تفسيره ٢/٥١، وانظر : البحر المحيط لأبي حيان ٦/٣٣١.
(٤) تفسيره ٦/٣٣٠، وقوَّاه الشنقيطي في تفسيره ٥/٤٧.
(٥) تفسيره ٦/٣٣١.
(٦) سورة سبأ : الآية ٢٤.
(٧) تفسيره ٤/٦٢٣.

القول الأول : أن المراد بالنكاح في الآية عقد الزواج(١)، وأن هذه الآية نزلت في قوم من فقراء المسلمين همُّوا بأن يتزوجوا بغايا كنَّ بالمدينة ليعنَّهم بما يأخذنه من الأجرة(٢)، ومعنى الآية على هذا : الزاني من المؤمنين لا يتزوج إلا زانية أو مشركة، لأنهن كذلك، والزانية من أولئك البغايا لا ينكحها إلا زان من المؤمنين أو المشركين، أو مشرك مثلها، فحرَّم الله نكاحَهنَّ بهذه الآية(٣).
ويدلُّ لهذا القول سبب النُّزول ؛ فعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - أنه قال عند هذه الآية :" كُنَّ نساءً معلوماتٍ فكان الرجلُ من فقراء المسلمين يتزوج المرأة منهن لتنفق عليه، فنهاهم الله عن ذلك " (٤).
(١) واختلف العلماء في جواز نكاح العفيف الزانيةَ، ونكاح العفيفة الزاني، فأجازه الجمهور، ومنعه آخرون إلا بعد التوبة، انظر : الأم للشافعي ٥/١٨ وما بعدها، والمغني ٩/٥٦١ – ٥٦٤، وتفسير القرطبي ١٢/١١٣، وكلام شيخ الإسلام في الموضع السابق، وزاد المعاد ٥/١١٤، وأضواء البيان ٦/٧٢ - ٨٢.
(٢) ونسبه الزجاج لأكثر أهل التفسير، انظر : معاني القرآن وإعرابه ٤/٢٩.
(٣) انظر : تفسير ابن جرير ١٧/١٤٩ [ ط التركي ].
(٤) أخرجه ابن جرير ١٧/١٥٠ [ ط التركي ]، والحاكم ٢/٣٩٦ وصححه ووافقه الذهبي.

القول الحادي عشر : أنه شهادة الزور ؛ قاله علي بن طلحة(١) (٢).
وعند التأمل في هذه الأقوال نجد أنه ليس بينها تناقض، بل هي أنواع متعددة تدخل تحت جنس الزور، ولذلك ذهب جمع من المفسرين إلى أن كل هذه الأقوال المذكورة داخلة في معنى الزور.
قال ابن جرير :" وأصل الزور تحسين الشيء، ووصفه بخلا ف صفته، حتى يخيَّل إلى من يسمعه أو يراه أنه خلاف ما هو به... فإذا كان كذلك ؛ فأولى الأقوال بالصواب في تأويله أن يقال : والذين لا يشهدون شيئاً من الباطل، لا شركاً ولا غناء ولا كذبا ًولا غيره، وكل ما لزمه اسم الزور ؛ لأن الله عمّ في وصفه إياهم أنهم لا يشهدون الزور، فلا ينبغي أن يُخصّ من ذلك شيء إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل " (٣).
وقال الرازي بعد أن ذكر الأقوال في معنى الزور :" واعلم أن كل هذه الوجوه محتملَة ولكن استعماله في معنى الكذب أكثر " (٤).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي عند هذه الآية :" أي : لا يحضرون الزور، أي : القول والفعل المحرم... وإذا كانوا لا يشهدون الزور، فمن باب أولى وأحرى ألا يقولوه ويفعلوه، وشهادة الزور داخلة في قول الزور، تدخل في هذه الآية بالأولوية " (٥).
وقال ابن عاشور بعد أن ذكر بعض الأقوال في معنى الآية :" ويجوز أن يكون فعل
(١) هو علي بن أبي طلحة واسمه سالم بن المخارق الهاشمي، يكنى أبا الحسن، روى عن ابن عباس ولم يسمع منه، توفي سنة ١٤٣هـ، له صحيفة مشهورة يرويها عن ابن عباس. انظر : تاريخ بغداد ١١/٤٢٨، وتهذيب التهذيب ٧/٣٣٩.
(٢) ذكر هذه الأقوال عن السلف ابن جرير ٩/٤٢٠، وابن أبي حاتم ٨/٢٧٣٧، والماوردي ٤/١٥٩، والواحدي في الوسيط ٣/٣٤٨، وابن الجوزي ٦/٢٧، وابن كثير ٣/٣٤١.
(٣) تفسير ابن جرير ٩/٤٢١.
(٤) تفسير الرازي ٢٤/٩٩.
(٥) تفسير السعدي ص٥٨٧.

وهذا ما اختاره شيخ الإسلام – كما تقدم – وهو اختيار ابن جرير، وقال :" وقوله : يقول تعالى ذكره : أمعبود مع الله أيها الجهلة خلق ذلك، وأنزل من السماء الماء فأنبت به لكم الحدائق ".
وقال عند الآية الثانية :" أإله مع الله سواه فعل هذه الأشياء، فأشركتموه في عبادتكم إياه ؟ " (١).
واختاره الواحدي(٢)، والبغوي(٣).
القول الثاني : أن المعنى : هل مع الله إله آخر ؟.
وأجازه الفراء، حيث قال :" وقوله مردود على قوله : كذا وكذا، ثم قال : خَلَقَه، وإن شئت جعلت رفعه بمع ؛ كقولك : أمع الله وليكم إله " (٤).
و اختاره الزمخشري، وقال :" أغيره يقرن به ويجعل شريكاً له " (٥).
واختاره أيضاً السمعاني(٦)، والرازي(٧)، والشوكاني(٨).
هذا ويرى ابن كثير أن القولين متلازمان، حيث ذكر القولين : أإله مع الله يعبد، أإله مع الله فعل هذا، ثم قال :" وهو يرجع إلى معنى الأول ؛ لأن تقدير الجواب أنهم يقولون ليس ثمَّ أحد فعل هذا معه، بل هو المتفرد به، فيقال : فكيف تعبدون معه غيره، وهو المستقلُّ المتفرد بالخلق والتدبير ؟ كما قال :(٩) " (١٠).
وما ذهب إليه ابن كثير هو الظاهر ؛ لأنه إذا أمكن حَمل الآية على المعنيين فهو أولى، وتقدم أن الفراء أجاز ذلك.
سورة النمل : الآية ٦٥
قال تعالى :(١١).
اختار شيخ الإسلام أن الاستثناء في الآية متصل بدليل أن المستثنى مرفوع، وقد بيَّن
(١) تفسيره ١٧/١٠١ – ١٠٢ [ ط التركي ].
(٢) الوسيط ٣/٣٨٢.
(٣) تفسيره ٣/٤٢٥.
(٤) معاني القرآن ٢/٢٩٧.
(٥) تفسيره الكشاف ٣/٤٦٥ [ ط العبيكان ].
(٦) تفسيره ٤/١٠٨.
(٧) تفسيره ٢٤/٢٠٦.
(٨) تفسيره ٤/٢٠٧.
(٩) سورة النحل : الآية ١٧.
(١٠) تفسيره ٦/٢٠٢.
(١١) سورة النمل : الآية ٦٥.

وقد روي عن علي ما يعمُّ، ففي تفسير الثعلبي عن صالح بن محمد(١)، عن سليمان بن عمرو(٢)، عن سالم الأفطس(٣)، عن الحسن وعن سعيد بن جبير، عن علي بن أبي طالب : أن رجلا سأله فلم يعطه شيئا فقال : أسألك بوجه الله، فقال له علي : كذبت ليس بوجه الله سألتني إنما وجه الله الحق ألا ترى إلى قوله : يعني الحق، ولكن سألتني بوجهك الخلق(٤). وعن مجاهد : إلا هو(٥). وعن الضحاك : كل شيء هالك إلا الله والجنة والنار والعرش(٦). وعن ابن كيسان : إلا ملكه(٧).
وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية ؛ كالجنة والنار والعرش وغير ذلك، ... " ثم بيَّن بطلان قول من قال بفناء جميع المخلوقات(٨).
(١) هو صالح بن محمد بن عمرو بن حبيب الأسدي بالولاء، أبو علي المعروف بجَزَرَةَ، من أئمة أهل الحديث، ولد بالكوفة سنة ٢١٠هـ، وتوفي ببخارى سنة ٢٩٣هـ، كان أحفظ الناس في عصره. انظر : تاريخ بغداد ٩/٣٢٢ ترجمة رقم (٤٨٦٢)، وسير أعلام النبلاء ١٤/٢٣.
(٢) هو سليمان بن عمرو بن الأحوص الجُشَمي الكوفي، روى عن أبيه وأمه ولهما صحبة. انظر : تهذيب التهذيب ٤/٢١٢، وتقريب التهذيب ص٢٥٣.
(٣) هو سالم بن عجلان الأفطس الأُموي مولاهم الجزري، ثقة في الحديث، روى له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه، توفي سنة ١٣٢هـ. انظر : تهذيب التهذيب ٣/٤٤١، والوافي بالوفيات ١٥/٨٧.
(٤) في تفسير الثعلبي ٧/٢٦٧ :( الخالق ).
(٥) المرجع السابق ٧/٢٦٧، وسيأتي أن الثابت عنه هو القول الآخر :" إلا ما أريد به وجهه "، وقد ذكره عنه شيخ الإسلام في تفسير آيات أشكلت ١/٤١١.
(٦) ذكره أبو حيان في تفسيره ٧/١٣٣.
(٧) ويأتي ذكر من قال به.
(٨) بيان تلبيس الجهمية ١/٥٨٠.

القول الثالث : أن معنى الآية : ولذكر الله في الصلاة أكبر مما نهتك عنه الصلاة من الفحشاء والمنكر ؛ وبه قال ابن عون(١) (٢)، وهو اختيار شيخ الإسلام كما تقدم.
القول الرابع : أن المعنى : ولذكر الله العبد - ما دام في صلاته - أكبر من الصلاة ؛ وبه قال أبو مالك(٣).
القول الخامس : أن المعنى وللصلاة أكبر من غيرها من الطاعات فالمراد بالذكر هنا الصلاة، قال الزمخشري :" وسماها بذكر الله كما قال :(٤) وإنما قال : ليستقل بالتعليل كأنه قال : وللصلاة أكبر لأنها ذكر الله " (٥).
وقال ابن عاشور :" وقوله : يجوز أن يكون عطف علة على علة، ويكون المراد بذكر الله هو الصلاة كما في قوله تعالى :
أي : صلاة الجمعة، ويكون العدول عن لفظ الصلاة الذي هو كالاسم لها إلى التعبير عنها بطريقة الإضافة للإيماء إلى تعليل أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أي : إنما كانت ناهية عن الفحشاء والمنكر ؛ لأنها ذكر الله، وذكر الله أمر كبير، فاسم التفضيل مسلوب المفاضلة مقصود به قوة الوصف " (٦).
وهذا القول هو ظاهر اختيار السعدي(٧).
وهناك أقوال أخرى داخلة فيما سبق(٨).
والراجح - والله تعالى أعلم – هو القول الأول لأنه قول أكثر السلف.
سورة العنكبوت : الآية ٤٦
(١) هو الإمام الحافظ أبو عَوْن بن أَرْطَبان المزني مولاهم البصري، ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، توفي عام ١٥٠هـ. انظر : سير أعلام النبلاء ٦/٣٦٤، والتقريب ص٣١٧.
(٢) تفسير ابن جرير ١٠/١٤٨.
(٣) تفسير ابن جرير ١٠/١٤٨.
(٤) سورة الجمعة : الآية ٩.
(٥) الكشاف ٣/١٩٢، وقال ابن جزي : ٢/١٦١ :" وسماها ذكراً لأن الذكر أعظم ما فيها "، وانظر : تفسير الشوكاني ٤/٣٨٧.
(٦) تفسير ابن عاشور ٢٠/٢٦٠.
(٧) تفسيره ص٦٣٢.
(٨) انظر : تفسير السمرقندي ٢/٤٥٠، والماوردي ٤/٢٨٥، والقرطبي ١٣/٢٣١، وأبي حيان ٧/١٥٠.

ففي الآية ظرفان معمولان وفعلان مختلفان عاملان فيهما، وهما الإنزال والإبلاس، فأحد الظرفين متعلق بالإبلاس، والثاني متعلق بالنُّزول، وتمثيل هذا أن تقول : إذا كنت معتاداً للعطاء من شخص فتأخر عن ذلك الوقت ثم أتاك به قد كنت آيساً " (١).
الدراسة :
ذهب عامة المفسرين، والنحويين إلى أن قوله تعالى : تكرير
وتأكيد لقوله : ، وممن اختاره ابن جرير(٢)، والأخفش(٣)، والزجاج(٤)، والزمخشري(٥)، وابن عطية(٦)، والواحدي(٧)، وأبو حيان(٨)، والألوسي(٩)، وابن عاشور(١٠).
قال الزمخشري :" من باب التكرير والتوكيد كقوله تعالى :(١١)، ومعنى التوكيد فيه الدلالة على أن عهدهم بالمطر قد تطاول وبَعُد فاستحكم يأسهم، وتمادى إبلاسهم، فكان الاستبشار على قدر اغتمامهم بذلك " (١٢).
وقال ابن عطية :" وقوله تعالى : تأكيد أفاد سرعة تقلب قلوب البشر من الإبلاس إلى الاستبشار وذلك أن قوله : يحتمل الفسحة في الزمان، أي : من قبل بكثير كالأيام ونحوه، فجاء قوله : بمعنى أن ذلك متصل بالمطر فهو تأكيد مفيد " (١٣).
(١) مجموع الفتاوى ١٥/٢٧٨.
(٢) تفسيره ١٠/١٩٦.
(٣) معاني القرآن ٢/٤٧٦.
(٤) معاني القرآن ٤/١٨٩.
(٥) تفسيره ٣/٢٠٧.
(٦) تفسيره ١٢/٢٦٩.
(٧) تفسيره ٣/٤٣٧.
(٨) تفسيره ٧/١٧٤.
(٩) تفسيره ٢١/٥٣.
(١٠) تفسيره ٢١/١٢٢.
(١١) سورة الحشر : الآية ١٧.
(١٢) تفسير الزمخشري ٣/٢٠٧.
(١٣) تفسير ابن عطية ١٢/٢٦٩، واختار هذا التوجيه الألوسي ٢١/٥٣.

ومن أدلة هذا القول أن سياق الآيات متعلق بأزواج النبي - ﷺ - (١)، ولأنهن أهل بيته(٢).
واعتُرض على هذا القول بأن جمع المؤنث بالنون، فكيف قال : ،
و بالميم(٣)، وأُجيب : بأن رسول الله - ﷺ - فيهنَّ فغُلِّب المذكَّر(٤).
وقيل باعتبار لفظ الأهل، كما في قوله تعالى :(٥).
القول الثالث : أنهم أهل رسول الله - ﷺ - وأزواجه ؛ وبه قال الضحاك(٦)، وزيد بن أرقم - رضي الله عنه -، فقد سأله رجل فقال :" أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرم الصدقة بعده، قال ومن هم : قال : هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال : كل هؤلاء حُرم الصدقة ؟ قال : نعم " (٧).
واستدل شيخ الإسلام – كما تقدم – بحديث أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - أنهم قالوا :
" يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ فقال رسول الله - ﷺ - : قولوا : اللهم صلِّ
على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه
(١) استدل بذلك كثير من المفسرين، وانظر : الواحدي في الوسيط ٤/٤٧٠.
(٢) انظر : تفسير البغوي ٣/٥٢٨، وقال ابن عطية ١٣/٧٢ :" وذهبوا إلى أن البيت أريد به مساكن النبي - ﷺ - ".
(٣) ضعّفه بذلك ابن جزي ٢/١٨٨.
(٤) ذكره النحاس في الإعراب ٣/٣١٤، وابن الجوزي ٦/١٩٨، وأبو حيان ٧/٢٢٤ وغيرهم.
(٥) ذكره الشوكاني ٤/٣٩٢.
(٦) ذكره عنه ابن الجوزي ٦/١٩٨.
(٧) أخرجه مسلم ٤/١٨٧٣ ح٢٤٠٨، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.

واستدل ابن كثير لهذا القول بأن من كتب الله تعالى له طول العمر لا ينقص من عمره.
قال - رحمه الله - :" الضمير عائد على الجنس لا على العين لأن الطويل العمر في الكتاب وفي علم الله – تعالى – لا ينقص من عمره وإنما عاد الضمير على الجنس " (١).
والأظهر – والله أعلم – القول الأول وهو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ومن وافقه ؛ لأنه ظاهر الآية.
هذا وقد اختلف العلماء في القدر هل يتغير أم لا، وسبب اختلافهم ورود النصوص الصحيحة التي ظاهرها التعارض حيث دل بعضها على أن القدر لا يتغير ودل بعضها الآخر على ثبوت التغيير في أقدار الله تعالى، وقد اختلف العلماء في الجمع بين هذه النصوص وتوجيهها على ثلاثة أقوال إجمالاً(٢) :
القول الأول : أن القدر قد يتغير.
القول الثاني : أن القدر لا يتغير أبداً.
القول الثالث : أن التغيير والمحو والإثبات إنما يقع فيما في صحف الملائكة الموكَّلين ببني آدم، أما في علم الله – تعالى – مما هو مثبت في اللوح المحفوظ فلا يتغير ولا يقع فيه المحو والإثبات(٣).
وهذا ما رجحه شيخ الإسلام كما تقدم، واختاره السعدي(٤)، وهو الأظهر – والله تعالى أعلم -.
سورة فاطر : الآية ٣٢
قال تعالى :
(٥).
رجح شيخ الإسلام أن المراد بالظالم لنفسه هو المسلم المفرط بترك مأمور أو فعل محظور.
(١) تفسيره ٣/٥٥٧.
(٢) تفسير الشوكاني ٤/٤٨١، وانظر : تفسير السعدي ص٦٨٦.
(٣) انظر : فتح الباري لابن حجر ١١/٥٩٤، والقضاء والقدر للدكتور عبدالرحمن المحمود ص٣٩٥ وما بعدها.
(٤) تفسير السعدي ص٤٢٠.
(٥) سورة فاطر : الآية ٣٢.

فإذا كانت رسل محمد - ﷺ - لم يتناولهم اسم رسل الله في الكتاب الذي جاء به فكيف يجوز أن يقال : إن هذا الاسم يتناول رسل رسول غيره، والمقصود هنا بيان معاني القرآن وما أراده الله تبارك وتعالى بقوله : هل مراد الله ورسوله محمد - ﷺ - من أرسلهم الله، أو من أرسلهم رسوله، وقد علم يقيناً أن محمد - ﷺ - لم يدخل في مثل هذا فمن قال : إن محمداً - ﷺ - أراد بذلك من أرسله رسولٌ فقد كذب على محمد - ﷺ - عمداً أو خطأ " (١).
الدراسة :
المسألة الأولى : تعيين القرية المذكورة في الآية الأولى : ذهب عامة المفسرين إلى أن المراد بالقرية المذكورة في الآية هي أنطاكية(٢)، بل حكى بعضهم الإجماع على ذلك.
قال الماوردي :" هذه القرية هي أنطاكية في قول جميع المفسرين " (٣).
(١) الجواب الصحيح ٢/٢٤٤ – ٢٥٥، وانظر : نفس المرجع ٢/٩٦، ٥/١٢٦، وجامع الرسائل ١/٦٦.
(٢) أَنْطَاكِيَة : بفتح الهمزة وسكون النون وتخفيف الياء، مدينة تاريخية معروفة، تقع الآن في جنوب تركيا على امتداد نهر أورنتس، على بعد ١٠كم من البحر الأبيض المتوسط، عدد سكانها ٨٢١ و٧١٠ نسمة، انظر : مراصد الاطلاع ١/١٢٤، الموسوعة العربية العالمية ٣/٢٥٩.
(٣) تفسير الماوردي ٥/١٠، ونقله عنه القرطبي ١٥/١١، وعنه الشوكاني ٤/٥١١.

قال – رحمه الله تعالى – وقد سُئل عن الذَّبيح مِن وَلَدِ خليل الله إبراهيم - عليه السلام - ؟ :" وفي الجملة فالنِّزاع فيها مشهور، لكن الذي يجب القطع به أنه إسماعيل، وهذا الذي عليه الكتاب والسنة والدلائل المشهورة وهو الذي تدل عليه التوراة التي بأيدي أهل الكتاب، وأيضاً فإن فيها أنه قال لإبراهيم : اذبح ابنك وحيدك. وفي ترجمة أخرى : بكرك. وإسماعيل هو الذي كان وحيده وبكره باتفاق المسلمين وأهل الكتاب، لكن أهل الكتاب حرفوا فزادوا إسحاق، فتلقى ذلك عنهم من تلقاه، وشاع عند بعض المسلمين أنه إسحاق وأصله من تحريف أهل الكتاب.
ومما يدل على أنه إسماعيل قصة الذبيح المذكورة في سورة الصافات،
قال تعالى : وقد انطوت البشارة على ثلاث، على
أن الولد غلام ذكر وأنه يبلغ الحلم وأنه يكون حليماً، وأي حلم أعظم من
حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح فقال : ؟
وقيل : لم ينعت الله الأنبياء بأقل من الحلم وذلك لعزة وجوده، ولقد نعت إبراهيم
به في قوله تعالى :(١)،
(٢) ؛ لأن الحادثة شهدت بحلمهما :- إلى قوله – :(٣). فهذه القصة تدل على أنه إسماعيل من وجوه :-
أحدها : أنه بشره بالذبيح وذكر قصته أولا فلما استوفى ذلك قال : فبين أنهما بشارتان : بشارة بالذبيح وبشارة ثانية بإسحاق وهذا بين.
(١) سورة التوبة : الآية ١١٤.
(٢) سورة إبراهيم : الآية ٧٥.
(٣) سورة الصافات : الآيات ١٠٧ – ١١٣.

القول الثاني : أن الذي جاء بالصدق رسول الله - ﷺ - وصدَّق به المؤمنون، وبه قال قتادة، ومقاتل(١)، وابن زيد(٢)، والواحدي(٣)، ، قال الزمخشري :" هو رسول الله - ﷺ - جاء الصدق وآمن به، وأراد به إياه ومن تبعه كما أراد بموسى إياه وقومه، في قوله :
(٤) فلذلك قال : إلا أن هذا في الصفة، وذاك في الاسم، ويجوز أن يريد الفوج أو الفريق الذي جاء بالصدق وصدَّق به، وهم الرسول الذي جاء بالصدق وصحابته الذين صدقوا به " (٥)، واختاره الألوسي(٦)، والسعدي(٧).
القول الثالث : أن الذي جاء بالصدق رسول الله - ﷺ - والذي صدق به أبو بكر رضي الله عنه ؛ قاله علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (٨)، وروي عن أبي العالية والكلبي(٩).
القول الرابع : أن الذي جاء بالصدق جبريل، والصدق القرآن الذي جاء به من عند الله، وصدق به رسول الله - ﷺ - ؛ قاله السدي(١٠)، وضُعَّف ؛ لقوله تعالى :(١١) (١٢). وصحح هذه الوجوه الثلاثة الزجاج(١٣).
(١) نسبه إليهما الثعلبي في تفسيره ٨/٢٣٦، قال :" واستدلا بقوله :".
(٢) ذكره عنه القرطبي في تفسيره ١٥/١٦٧، وابن كثير ٤/٥٩.
(٣) الوسيط ٣/٥٨١.
(٤) سورة المؤمنون : الآية ٤٩.
(٥) الكشاف ٣/٣٤٧، وانظر : تفسير أبي حيان ٧/٤١٢.
(٦) تفسيره ٢٤/٢.
(٧) تفسيره ص ٧٢٤.
(٨) أخرجه ابن جرير ١١/٥، وانظر : الدر المنثور٥/٦١٥.
(٩) ذكره عنها الثعلبي ٨/٢٣٦.
(١٠) أخرجه ابن جرير ١١/٥، وعزاه في الدر ٥/٦١٥ لابن أبي حاتم.
(١١) سورة الزمر : الآية ٣٥.
(١٢) تفسير الألوسي ٢٤/٣.
(١٣) معاني القرآن وإعرابه ٤/٣٥٤.

قال – رحمه الله – في أثناء حديثه عن نوعي الدعاء في القرآن وأنهما متلازمان :" ومن ذلك قوله تعالى : فالدعاء يتضمن النوعين، وهو في دعاء العبادة أظهر، ولهذا أعقبه : الآية، ويفسَّر الدعاء في الآية بهذا، وهذا، ورَوى الترمذي عن النعمان بن بشير، قال : سمعت رسول الله - ﷺ - يقول – على المنبر – :" إن الدعاء هو العبادة، ثم قرأ قوله تعالى :" الآية، قال الترمذي : حسن صحيح " (١).
وقال أيضاً في سياق حديثه عن نوعي الدعاء في القرآن :" وقد فُسِّر قوله تعالى :
بالوجهين، قيل : اعبدوني، وامتثلوا أمري أستجب لكم، كما قال تعالى :(٢) أي يستجيب لهم، وهو معروف في اللغة، يقال استجابه، واستجاب له، كما قال الشاعر :
وداعٍ دعا يا من يُجيبُ إلى النَّدى فلم يَسْتَجِبه عند ذاك مُجيبُ
وقيل : سلوني أُعطكم " (٣).
وقال – رحمه الله – عند هذه الآية :" قيل : ادعوني، أي : اعبدوني وأطيعوا أمري، استجب دعاءكم، وقيل سلوني أعطكم، وكلا المعنيين حق " (٤).
الدراسة :
ينقسم الدعاء - باعتبار معناه(٥) - في القرآن الكريم إلى قسمين :
الأول : دعاء المسألة : وهو طلب ما ينفع الداعي، وطلب كشف ما يضره أو دفعه(٦).
(١) مجموع الفتاوى ١٥/١٢، وانظر : ص١٠ من نفس الجزء وما بعدها، ويأتي تخريجه.
(٢) سورة الشورى : الآية ٢٦.
(٣) مجموع الفتاوى ١٠/٢٣٩.
(٤) اقتضاء الصراط المستقيم ٢/٧٧٩، وانظر : شرح العمدة، الصلاة ص٢٨.
(٥) مجموع الفتاوى ١٥/١٠، وبدائع الفوائد ٣/٣.
(٦) وينقسم إلى تقسيمات أخرى باعتبارات أخرى، انظر : رسالة الدعاء ومنْزلته من العقيدة الإسلامية لجيلان بن خضر العروسي ١/٢٠٥.

هذا، ولم يظهر لي رجحان واحد من القولين، والله تعالى أعلم.
سورة فصلت : الآية ٨
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن معنى غير مقطوع ولا منقوص.
قال – رحمه الله – عند هذه الآية :" قال عامة المفسرين : غير مقطوع ولا منقوص، كما قال :(٢)، قالوا : ومنه المنون ؛ لأنه يقطع عمر الإنسان. وذكروا عن ابن عباس أنه قال : غير مقطوع. وعن مقاتل : غير منقوص
– أيضاً –.
وعن مجاهد : غير محسوب. وهذا يوافق ذلك، لأن ما ينتهي مقدَّر محسوب، بخلاف ما لا نهاية له فإنه غير محسوب.
وقد شذَّ بعض الناس فقال : غير ممنون عليهم من جنس قوله :(٣)، وهذا القول مع مخالفته لأقوال السلف والجمهور هو خطأ لوجوه :
أحدها(٤) : أن الله يمنُّ علينا بكل نعمة أنعم بها علينا، حتى بالإيمان والعمل الصالح، قال تعالى : ، وقال تعالى :(٥)، وقال أهل الجنة ما أخبر الله تعالى به في قوله :
(٦)، والله تعالى في غير موضع يذكر آلاءه وإحسانه ونعمه على عباده، ويأمرهم أن يذكروها، ويأمرهم أن يشكروها.
والعبد قد نُهي أن يمنَّ بصدقته بقوله تعالى :
(٧) ؛ لأن المتصدق في الحقيقة إنما أحسن إلى نفسه لا إلى المتصدق عليه، فإنه لولا أن له في ذلك منفعةً وأجراً وعوضاً لم يتصدق عليه، فصار كالذي يخدم المماليك بأجرة يأخذها من سيدهم ليس بمحسن إليهم.
(١) سورة فصلت : الآية ٨.
(٢) سورة القلم : الآية ٣.
(٣) سورة الحجرات : الآية ١٧.
(٤) لم يذكر غيره.
(٥) سورة آل عمران : الآية ١٦٤.
(٦) سورة الطور : الآية ٢٥ – ٢٧.
(٧) سورة البقرة : الآية ٢٦٤.

اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى : على أقوال :
القول الأول : أن المعنى : إلا أن تودُّوني لقرابتي منكم ؛ وبه قال أكثر السلف، فقد أخرج البخاري عن طاوس أن ابن عباس – رضي الله عنهما – سئل عن قوله : فقال سعيد بن جبير :" قُربى آل محمد - ﷺ -، فقال ابن عباس : عجلتَ، إن النبي - ﷺ - لم يكن بطنٌ من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة " (١).
وبهذا القول قال مجاهد، وعكرمة، والضحاك، وقتادة، والسدي، وأبو مالك، وعبدالرحمن بن زيد، وعطاء بن دينار(٢)، واختاره أكثر المفسرين، وممن اختاره ابن جرير(٣)، والزجاج(٤)، والسمعاني(٥) ونسبه إلى عامة المفسرين، وابن الجوزي(٦)، وشيخ الإسلام كما تقدم، وابن القيم(٧)، والحافظ ابن حجر(٨)، والشوكاني(٩)، والشنقيطي(١٠)، وغيرهم.
(١) أخرجه البخاري ٨/٧١٦ ح٤٨١٨، كتاب التفسير، باب، وفي رواية عنه
- ﷺ - عند الطبري قال :" كان لرسول الله - ﷺ - قرابة في جميع قريش، فلما كذبوه وأبوا أن يبايعوه، قال : يا قوم إذ أبيتم أن تبايعوني فاحفظوا قرابتي فيكم، ولا يكن غيركم من العرب أولى بحفظي ونصرتي منكم "، تفسير الطبري ٢٠/٤٩٥ [ ط التركي ]، وابن أبي حاتم ١٠/٣٢٧٥.
(٢) أخرجه عنهم ابن جرير ٢٠/٤٩٦ – ٤٩٨ [ ط التركي ]، وانظر : الدر ٥/٦٩٩.
(٣) تفسيره ٢٠/٥٠١ [ ط التركي ].
(٤) معاني القرآن وإعرابه ٤/٣٩٨.
(٥) تفسيره ٥/٧٣.
(٦) تفسيره ٧/٧٩.
(٧) بدائع الفوائد ٣/١٠٣.
(٨) فتح الباري ٨/٧١٧.
(٩) تفسيره ٤/٧٥٣.
(١٠) تفسيره ٧/١٩٠ - ١٩٢.

الضمير في قوله تعالى : يعود إلى القرآن كما هو ظاهر السياق، قال تعالى في الآية التي قبلها :(١).
وقد اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى : على قولين :
القول الأول : ذهب عامة المفسرين إلى أن معنى شرف لك ولقومك، وبه قال ابن عباس – رضي الله عنهما -، ومجاهد، والسدي، وابن زيد(٢)، وممن اختاره الفراء وقال :" وسوف تسألون عن الشكر عليه " (٣)، ابن جرير(٤)، والزجاج(٥)، والسمعاني(٦)، والواحدي(٧)، والبغوي(٨)، وابن الجوزي(٩)، والرازي(١٠)، والبيضاوي(١١)، والألوسي(١٢)، والسيوطي(١٣).
قال مجاهد :" يقول للرجل من أنت ؟ فيقول : من العرب، فيقال : من أي العرب ؟ فيقول : من قريش " (١٤).
وقال ابن عباس :" يقول إن القرآن شرف لك " (١٥).
وقال ابن جرير :" يقول تعالى ذكره : وإن هذا القرآن الذي أوحي إليك يا محمد الذي أمرناك أن تتمسك به لشرف لك ولقومك من قريش(١٦)، يقول : وسوف يسألك ربك وإياهم عما عملتم فيه، وانتهيتم عما نهاكم عنه فيه " (١٧).
(١) سورة الزخرف : الآية ٤٣.
(٢) أخرجه ابن جرير ١١/١٩١.
(٣) معاني القرآن ٣/٣٤.
(٤) تفسيره ١١/١٩١.
(٥) معاني القرآن ٤/٤١٣.
(٦) تفسيره ٥/١٠٥.
(٧) تفسيره ٤/٧٤.
(٨) تفسيره ٧/٢١٥ [ ط طيبة ].
(٩) تفسيره ٧/٩٩.
(١٠) تفسيره ٢٧/١٨٥.
(١١) تفسيره ٢/٣٧٣.
(١٢) تفسيره ٢٥/٨٥.
(١٣) الإتقان ١/١٤٧.
(١٤) أخرجه ابن جرير ١١/١٩١، وعبدالرزاق ٢/١٩٩، وابن أبي حاتم ١٠/٣٢٨٣ وزادا :" فيقال من أي قريش ؟ فيقال : من بني هاشم ".
(١٥) أخرجه ابن جرير ١١/١٩١، وابن أبي حاتم ١٠/٣٢٨٣.
(١٦) وفي المراد بقومه هنا ثلاثة أقوال، انظر : زاد المسير ٧/٩٩.
(١٧) تفسير ابن جرير ١١/١٩١.

القول الرابع : أن الشاهد المذكور في الآية اسم جنس يعمُّ عبدَالله بنَ سلام وغيرَه ممن آمن بموسى والتوراة من بني إسرائيل ؛ ويروى عن الشعبي(١)، وهو اختيار شيخ الإسلام
– كما تقدم -.
واختاره ابن كثير وقال :" وهذه كقوله تبارك وتعالى :(٢)، وقال :(٣) " (٤).
وكذلك اختاره البقاعي(٥)، والسعدي(٦) ؛ لدلالة السياق، حيث إن السورة تتحدث عن المشركين، لا ذكرَ لليهود فيها، ولأن السورة مكية كلها، وعبدالله بن سلام إنما أسلم في المدينة، وتقدم الجواب عن ذلك.
والراجح – والله أعلم – القول الأول، وأن الآية نزلت في عبدالله بن سلام - رضي الله عنه - ؛ لأنه قول جمهور السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وفهمهم مقدم ومعتبر وإن خالف السياق(٧).
(١) نسبه إليه الماوردي ٥/٢٧٣، وأبو حيان ٨/٥٨، والمعروف عنه كمسروق.
(٢) سورة القصص : الآية ٥٣.
(٣) سورة الإسراء : الآيتان ١٠٧ – ١٠٨.
(٤) تفسير ابن كثير ٤/١٦٨.
(٥) نظم الدرر ١٨/١٣٧.
(٦) تفسيره ص٧٨٠.
(٧) انظر : قواعد التفسير ٢/٦٥٥، وقواعد الترجيح عند المفسرين ١/٦٤.

القول الثاني : أنهم أهل فارس ؛ وروي عن ابن عباس – رضي الله عنهما -(١)، ومجاهد(٢)، وعطاء ابن أبي رباح(٣)، وعكرمة(٤)، وابن جريج(٥).
القول الثالث : أنهم الروم ؛ وبه قال كعب الأحبار(٦).
القوال الرابع : أنهم هوازن وثقيف بحنين ؛ وبه قال عكرمة، وسعيد بن جبير(٧)، وقتادة(٨)، وضعفه البقاعي، وقال :"من قال : إنهم ثقيف فضعيف ؛ لأن الدعاء لم يكن إليهم، وإنما كان المقصود بالذات فتح مكة، وكان أمر هوازن وثقيف وغيرهما تبعاً له في غزوته، لم يكن بينهم شيء، وأيضاً فإن ثقيف لما عسر أمرهم تركهم النبي - ﷺ - حتى أسلموا بعد ذلك، وترك أيضاً فلاَّل هوازن، فلم يتبعهم ولم يؤمر باتباعهم، فظاهر الآية أنه إذا انتشب القتال لم يترك إلا إن حصل الإسلام " (٩).
وقال :" تأويله بأنه إسلام لغوي، لا داعٍ له مع إمكان الحقيقة " (١٠).
القول الخامس : أنهم قوم لم يأتوا بعد ؛ وروي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (١١).
قال القرطبي :" وظاهر الآية يرده " (١٢).
القول السادس : أنهم البَارَزُوْن ؛ يعني الأكراد ؛ وروي عن أبي هريرة(١٣).
(١) أخرجه ابن جرير ١١/٣٤٤، وابن أبي حاتم ١٠/٣٣٠٠.
(٢) أخرجه ابن جرير ١١/٣٤٥.
(٣) ذكره عنه النحاس في المعاني ٦/٥٠٤، وابن كثير ٤/٢٠٤.
(٤) ذكره عنه ابن كثير ٤/٢٠٤.
(٥) ذكره السيوطي في الدر المنثور ٦/٦٠٦، وعزاه لابن المنذر.
(٦) أخرجه ابن جرير ١١/٣٤٦.
(٧) أخرجه عنهما ابن جرير ١١/٣٤٥.
(٨) أخرجه عبد الرزاق ٢/٢٢٦، وابن جرير ١١/٣٤٥.
(٩) تفسير البقاعي نظم الدرر ١٨/٣١١.
(١٠) نظم الدرر ١٨/٣١٢.
(١١) أخرجه عبد الرزاق ٢/٢٢٦، وابن جرير ١١/٣٤٥.
(١٢) تفسيره ١٦/١٨٠، وانظر : تفسير أبي حيان ٨/٩٤.
(١٣) أخرجه ابن أبي حاتم ١٠/٣٣٠٠، وانظر : ابن كثير ٤/٢٠٤.

(١).
اختار شيخ الإسلام أن الإيمان المنفي عن الأعراب في هذه الآية هو الإيمان الكامل، وأن الإسلام المثبت لهم هو الإسلام الشرعي الذي يثابون عليه(٢).
قال – رحمه الله – عند هذه الآية :" فهذا الإسلام الذي نفى الله عن أهله دخول الإيمان في قلوبهم هل هو إسلام يثابون عليه ؟ أم هو من جنس إسلام المنافقين ؟ فيه قولان مشهوران للسلف والخلف :
أحدهما : أنه إسلام يثابون عليه يخرجهم من الكفر والنفاق.
والقول الثاني : أن هذا الإسلام : هو الاستسلام خوف السبي والقتل مثل إسلام المنافقين، قالوا : وهؤلاء كفار فإن الإيمان لم يدخل في قلوبهم ومن لم يدخل الإيمان في قلبه فهو كافر. والسلف مختلفون في ذلك ".
ثم ذكر أدلة هذا القول الثاني، وأجاب عنها، ورجح القول الأول واستدل له.
فأجاب عن قول عن مجاهد : استسلمنا، بأنه منقطع.
ثم ذكر دليل أصحاب القول الثاني : إن الله نفى عنهم الإيمان، ومن نفي عنه الإيمان فهو كافر، والإسلام هو الإيمان وكل مسلم مؤمن...
وأجاب عن ذلك بأن " من قال من السلف : إنهم خرجوا من الإيمان إلى الإسلام لم يقولوا : إنه لم يبق معهم من الإيمان شيء، بل معهم إيمانٌ يخرجون به من النار، لكن لا يطلق عليهم اسم الإيمان المطلق الذي يستحق صاحبه الثواب ودخول الجنة، فإن هؤلاء ليسوا من أهله، ولكنهم يدخلون في الخطاب بالإيمان ؛ لأن الخطاب بذلك هو لمن دخل في الإيمان وإن لم يستكمله.
(١) سورة الحجرات : الآية ١٤.
(٢) استدل شيخ الإسلام بهذه الآية على التفريق بين الإيمان والإسلام، وهي مسألة اختلف فيها أهل السنة والجماعة على قولين : أحدهما : أنهما اسمان لمسمى واحد، والثاني : أن مسماهما يختلف بحسب الإفراد والاقتران، فإذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا. انظر : الإيمان لابن تيمية ص ٢٢٥، وتعظيم قدر الصلاة للمروزي ٢/٤٤٣، وشرح الطحاوية ٢/٤٨٨.

كما أجاب عن ذلك أيضاً : بأن من كان أقدرَ على الشيء من غيره لا يقال : إنه أقرب إليه من غيره.
القول الرابع : أن المراد بالقرب في الآية قربُ الله تعالى بنفسه(١)، وقد روي عن الضحاك أنه قال :" ليس شيء أقرب إلى ابن آدم من حبل الوريد، والله أقرب إليه منه " (٢)، واختاره بعض العلماء، كالسمعاني(٣)، والسعدي(٤).
ويستدل لهذا القول بظاهر الآية، فإن الضمائر في أول الآية تعود إلى الله تعالى :
وقد أجاب عن ذلك شيخ الإسلام بأن خلق الله تعالى للإنسان إنما هو بالأسباب وتخليق الملائكة(٥).
كما رد شيخ الإسلام هذا القول من وجوه تقدم ذكرها، ويمكن إجمالها فيما يلي :
١ - أن الله تعالى قيد القرب بأحوال وأعيان وأزمان مخصوصة، ولو كان المراد قربَ الذات لم يختص ذلك بحال دون حال، أو زمان دون زمان، ولم يكن لذكر القعيدين والرقيب والعتيد معنى مناسب.
٢- أن الله قال في آية الواقعة : ، ولو كان المراد قرب ذاته لم يخص ذلك بهذه الحال ؛ لأن الله تعالى لا يبصره أحد في هذه الدنيا.
والراجح – والله تعالى أعلم – القول الأول، وأن المراد قرب الملائكة، وذلك لقوة أدلته، ومناقشة أدلة الأقوال الأخرى.
سورة ق : الآية ١٨
قال تعالى :(٦).
رجح شيخ الإسلام أن الملكين الموكَّلين بالإنسان يكتبان كل شيء يقوله.
(١) وقد فسّر شيخ الإسلام القرب الثابت لله - تعالى – في نصوص أخرى، كقوله تعالى : ، بأنه قرب الرب قرباً يقوم بفعله القائم بنفسه، وذكر أنه قول السلف وأئمة الحديث والسنة وكثير من أهل الكلام، وأن نزوله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، ونزوله عشية عرفة ونحو ذلك من هذا الباب، انظر : شرح حديث النُّزول ص٣٧٧.
(٢) ذكره السيوطي في الدر المنثور ٦/١١٨، وعزاه لابن المنذر.
(٣) تفسيره ٥/٢٣٩.
(٤) تفسيره ص٨٠٥.
(٥) انظر : مدراج السالكين ٢/٣٠٢.
(٦) سورة ق : الآية ١٨.

وبه قال ابن عباس، وأنس - رضي الله عنهم -، ومطرف بن عبدالله(١)، وأبو العالية، ومحمد بن علي، والربيع بن أنس، وقتادة، وأبو نجيح(٢)، ومجاهد(٣).
واستدل شيخ الإسلام لهذا القول – كما تقدم – بآية المزَّمِّل :(٤)، وقال :" إن هذا القليل بالنسبة إلى ما لم يهجعوه من الليل والنهار ".
واختار هذا القول بعض المفسرين، وممن اختاره شيخ الإسلام كما تقدم، وابن القيم(٥).
القول الثاني : أن المعنى : كانوا يهجعون قليلاً من الليل، وعلى هذا تكون صلة للتأكيد(٦).
أو مصدرية والتقدير : كانوا قليلاً من الليل هجوعهم(٧).
قال ابن عطية :" وقال جمهور النحويين مصدرية و خبر كان، والمعنى : كانوا قليلاً من الليل هجوعهم، والهجوع مرتفع بـ( قليل ) على أنه فاعل " (٨).
وأجاز الزمخشري أن تكون موصولة : والتقدير : كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون
فيه(٩).
(١) هو مطرف بن عبد الله بن الشخير الخرشي العامري، أبو عبد الله، زاهد من كبار التابعين، ولد في حياة النبي - ﷺ -، وتوفي بالبصرة سنة ٨٧هـ. انظر : حلية الأولياء ٢/١٩٨، وتهذيب التهذيب ١٠/١٧٢.
(٢) هو أبو نجيح، يسار المكي، مولى ثقيف، مشهور بكنيته، ثقة، توفي سنة ١٠٩هـ. انظر : تقريب التهذيب ص٦٠٧، وتهذيب التهذيب ١١/٣٧٧.
(٣) تفسير ابن جرير ١١/٤٥٢، وأخرجه عن أنس ومطرف عبد الرزاق ٢/٢٤٣.
(٤) سورة المزمل : الآيات ٢ – ٤.
(٥) التبيان في أقسام القرآن ص١٨٠.
(٦) تفسير ابن جرير ١١/٤٥٣، والتحرير والتنوير ٢٦/٣٥٠.
(٧) تفسير ابن جرير ١١/٤٥٤، وتفسير ابن كثير ٤/٢٥٠، وأجاز الأمرين الفراء ٣/٨٤، والزجاج ٥/٥٣.
(٨) تفسيره المحرر الوجيز ١٥/٢٠٦، وانظر في إعراب وتوجيهه الدر المصون ١٠/٤٥.
(٩) الكشاف ٤/٢٨ حيث أجاز فيها ثلاثة أوجه.

فإذا حققت الشئ الذي هو حقٌ للإنسان، يقول فيه : لي كذا، لم يجده، إلا سعيه، وما بعد من رحمة، وشفاعة، أو رعاية أب صالح، أو ابن صالح، أو تضعيف حسنات أو تغمُّد بفضل ورحمة دون هذا كله، فليس هو للإنسان ولا يَسَعُهُ أن يقول : لي كذا، إلا على تجوِّز وإلحاق بما هو له حقيقة " (١)، واختاره الشيخ محمد العثيمين(٢).
القول الثاني : أن ذلك كان لقوم إبراهيم وموسى، وأما هذه الأمة فلهم ما سعوا، وما سعى غيرهم، فهو إخبار عن شرع من قبلنا، وقد دلّ شرعنا على أنه له ما سعى وسُعي له، قال عكرمة :" كان ذلك لقوم إبراهيم وموسى، فأما الأمة فلهم ما سعوا، وما سعى غيرهم، بخبر سعد حين سأل رسول الله - ﷺ - : هل لأمي إن تطوعت عنها ؟ قال : نعم(٣)، وخبر المرأة التي سألت رسول الله - ﷺ - فقالت : إن أبي مات ولم يحج، قال : فحجي عنه " (٤) (٥).
وضعّف ابن القيم هذا القول، وقال: " إن الله – سبحانه – أخبر بذلك إخبارَ مقرِّر له محتج به، لا إخبار مبطل له " (٦).
(١) تفسيره ١٥/٢٨٠، وانظر : تفسير ابن جزي ٢/٢٨٤.
(٢) انظر : الشرح الممتع ٥/٣٧٣.
(٣) أخرجه البخاري ٥/٤٧٢، ح٢٧٥٦ كتاب الوصايا، باب إذا قال أرضي وبستاني صدقة، ومسلم ٢/٦٩٦ ح١٠٠٤ كتاب الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه.
(٤) أخرجه البخاري ٣/٣٧٦ ح١٥١٣ كتاب الحج، باب وجوب الحج وفضله، ومسلم ٢/٩٧٣ ح١٣٣٤ كتاب الحج، باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما، أو للموت، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٥) ذكره عنه الثعلبي في تفسيره ٩/١٥٣، وانظر : الوسيط ٤/٢٠٤، وابن الجوزي ٧/٢٣٧.
(٦) الروح ص١٥٤.

قال أبوحيان :" كأنه قال : ذكر في كتاب مكنون كرمه وشرفه، فالمعنى على هذا الاستشهاد بالكتب المنَزلة " (١).
القول الرابع : أن المراد بالكتاب المكنون : الزَّبور(٢).
القول الخامس : أن المراد بالكتاب المكنون صحف الملائكة(٣)، وقال الإمام مالك
- رحمه الله - :" أحسن ما سمعت في هذه الآية : إنما هي بمنْزلة هذه الآية التي في (٤)، قول الله – تبارك وتعالى - :(٥) " (٦).
ورجحه ابن القيم(٧).
القول السادس : أنه كتاب في السماء عند الملائكة، فيه القرآن(٨).
القول السابع : اختار ابن عاشور أن المراد بالكتاب المكنون القرآن، فهو وصف ثانٍ للقرآن، ومعنى المس : الأخذ، والمطهرون الملائكة، والمراد الطهارة النفسانية وهي الزكاة(٩).
القول الثامن : قال الألوسي :" والظاهر أنه أريد على هذا بالكتاب الجنس ؛ لتصح إرادةُ التوراة والإنجيل " (١٠).
وفي هذين القولين بعد.
المسألة الثانية : اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى : على قولين :
الأول : أنه لا يمس اللوح المحفوظ إلا المطهرون : الملائكة، وتقدم ذكره عن جمع من السلف.
(١) تفسير أبي حيان ٨/٢١٣.
(٢) ذكره الماوردي ٥/٤٦٣.
(٣) ذكره ابن جزي في تفسيره ٢/٤٠٤.
(٤) سورة عبس : الآية ١.
(٥) سورة عبس : الآيات ١١ – ١٦.
(٦) الموطأ ٢/٧٧.
(٧) ويأتي كلامه بتمامه، وقال السعدي ص٨٣٦ :" ويحتمل أن المراد بالكتاب المكنون هو الكتاب الذي بأيدي الملائكة الذين ينَزلهم الله بوحيه وتنْزيله ".
(٨) ذكره السمعاني ٥/٣٥٩.
(٩) التحرير والتنوير ٢٧/٣٣٤ – ٣٣٣.
(١٠) تفسير الألوسي ٢٧/١٥٣.

١- حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن : تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها، فبلغنا أن ذلك ذكر للنبي - ﷺ - فقال :" دعوا لي أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد – أو مثل الجبال – ذهباً ما بلغتم أعمالهم " (١).
قال ابن كثير :" ومعلوم أن إسلام خالد بن الوليد المواجَهِ بهذا الخطاب كان بين صلح الحديبية وفتح مكة " (٢).
٢- حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال لنا رسول الله - ﷺ - عام الحديبية :" يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم، قلنا : من هم يا رسول الله، أقريش هم ؟ قال : لا، ولكن أهل اليمن أرقُّ أفئدة وألين قلوباً، فقلنا : هم خير منا يا رسول الله ؟ فقال : لو كان لأحدهم جبل من ذهب فأنفقه ما أدرك مدّ أحدكم ولا نصيفه، ألا إن هذا فضل ما بيننا وبين الناس الآية إلى قوله (٣) ".
وتسمية صلح الحديبية فتحاً ثابت، فقد سأل رجل النبي - ﷺ - حين نزل قوله تعالى :
(١) أخرجه أحمد ٣/٢٦٦، وصححه الألباني في الصحيحة ٤/٥٥٦ ح١٩٢٣، واستدل به النحاس في إعراب القرآن ٤/٣٥٣، وابن كثير ٤/٣٢٨.
(٢) تفسيره ٤/٣٢٨.
(٣) أخرجه ابن جرير ١١/٦٧٤ واحتج به، وابن أبي حاتم ١٠/٣٣٣٦، وعزاه في الدر المنثور ٦/٢٤٩ أيضاً لابن مردويه وأبي نعيم. وقد استدل بهذا الحديث ابن جرير، ورجح به هذا القول، والحديث قال عنه ابن كثير ٤/٢٢٨ :" وهذا الحديث غريب بهذا السياق ".

نحن بنو جَعْدَة أصحابُ الفَلَج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج(١)
أي : نرجو الفرج.
واختاره بعض العلماء، كأبي عبيدة(٢)، والأخفش(٣)، وابن قتيبة(٤)، والواحدي(٥)، وهو مُقتضى قول قتادة كما تقدم.
وعلى هذا القول، يكون الكلام تاماً عند قوله تعالى :(٦).
وقد ضعّف هذا القول الزجاج، وقال :" والباء في لا يجوز أن تكون لغواً، وليس جائزاً في العربية في قول أحد من أهلها "، وأجاب عن البيت الذي استدل به أبو عبيدة بقوله :" وليس كذلك، والمعنى : نرجو كشف ما فيه نحن بالفرج أو نرجو النصر بالفرج " (٧).
كما ضعّفه السمين الحلبي بقوله :" إلا إنه ضعيف من حيث إن الباء لا تزاد في المبتدأ إلا في ( حَسْبُك ) فقط " (٨).
وتقدم قول ابن جرير :" وقد بيّنا أنه غير جائز أن يكون في القرآن شيء لا معنى له " (٩).
القول الثاني : أن الباء أصلية غير زائدة، وعلى هذا يكون قوله تعالى : متعلقاً بقوله تعالى : وهو قول الجمهور أنها متصلة بالآية قبلها(١٠).
ولهذا القول أربعة أوجه :
(١) البيت للنابغة الجعدي، انظر : الخزانة ٤/١٥٩.
(٢) مجاز القرآن ٢/٢٦٤.
(٣) معاني القرآن ٢/٥٤٧.
(٤) التأويل ص٢٤٨.
(٥) الوسيط ٤/٣٣٥.
(٦) الدر المصون ١٠/٤٠٢، وقال السّمين الحلبي :" ينبغي أن يقال إن الكلام إنما يتم على قوله : سواء قيل بأن الباء مزيدة أم لا ؛ لأنه فعل بمعنى الرؤية، والرؤية البصرية تُعلَّق على الصحيح بدليل قولهم :( أما ترى أيَّ بَرْق ههنا ) فكذلك الإبصار لأنه هو الرؤية بالعين ".
(٧) معاني القرآن للزجاج ٥/٢٥٠.
(٨) الدر المصون ١٠/٤٠١.
(٩) وانظر : قواعد الترجيح ٢/٤٩٥، فقد ذكر هذه الآية مثالاً لقاعدة : إذا دار الكلام بين الزيادة والتأصيل فحمله على التأصيل أولى.
(١٠) تفسير أبي حيان ٨/٣٠٣، والتبيان لابن القيم ص١٣٦.

قال الألوسي :" وضُعِّف بأن فيه ارتكاب مجاز من غير فائدة، وأنه يفوت فيه التصوير والتفصيل والإجمال، ويصير منه زائداً لا فائدة فيه " (١).
واختار أن المراد القوة والقدرة بعض العلماء، وممن اختاره الفراء(٢)، والزجاج(٣)، والواحدي(٤)، وابن عاشور(٥). واستدلوا لذلك بقول الشاعر(٦) :
إذا ما رايةٌ رُفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين(٧)
القول الثالث : أن المعنى : لأخذنا منه بالحق، وروي عن الحكم(٨)، والسدي(٩)، ومقاتل(١٠).
قال الثعلبي :" لعاقبناه وانتقمنا منه بالحق، كقوله :(١١) أي : من قبل الحق " (١٢).
قال الماوردي : ومنه قول الشاعر :
إذا ما رايةٌ رُفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
أي : بالاستحقاق " (١٣).
القول الرابع : أن المعنى لأخذنا قوته كلها ؛ وروي عن الربيع(١٤).
القول الخامس : أن المعنى : لقطعنا يده اليمنى ؛ وروي عن الحسن(١٥).
(١) تفسير الألوسي ٢٩/٥٤.
(٢) معاني القرآن ٣/١٨٣.
(٣) معاني القرآن وإعرابه ٥/٢٨٣.
(٤) الوسيط ٤/٣٤٩.
(٥) تفسيره ٢٩/١٤٥.
(٦) هو الشماخ بن ضرار، ديوانه ٩٢، وعرابةُ اسم رجل من الأنصار من الأوس، القرطبي ١٨/١٧٨.
(٧) استدل بذلك الزجاج ٥/٢١٨، وتبعه الكثير من المفسرين.
(٨) ذكره الماوردي ٦/٨٦، والسيوطي في الدر ٦/٤١٣، وعزاه لعبد بن حميد.
(٩) ذكره الماوردي ٦/٨٦.
(١٠) ذكره عن الرازي ٣٠/١٠٥.
(١١) سورة الصافات : الآية ٢٨.
(١٢) تفسيره ١٠/٣٢، وانظر : البغوي ٤/٣٩٠.
(١٣) تفسير الماوردي ٦/٨٦، وأكثر المفسرين استدلوا بهذا البيت للقول الثاني، وقالوا : باليمين أي بالقوة، انظر : معاني القرآن للزجاج ٥/٢١٨، وتفسير الثعلبي ١٠/٣٢، والبغوي ٤/٣٩٠، والسمعاني ٦/٤٢.
(١٤) ذكره الماوردي ٦/٨٦.
(١٥) ذكره عنه الماوردي ٦/٨٦، والقرطبي ١٨/١٧٩.

القول الخامس : أنها القيام من آخر الليل ؛ وروي عن يمان(١) وابن كيسان(٢).
ولعل هذا القول بمعنى القول الثالث ؛ إذ القيام بعد النوم يقع في آخر الليل غالباً.
هذا ولم يظهر لي رجحان شيء من الأقوال، وذلك لاختلاف السلف وأهل اللغة في تفسير الناشئة، والله أعلم.
(١) هويمان بن المغيرة البصري، أبوحذيفة ضعيف الحديث، مات بعد الستين ومائة. انظر تهذيب التهذيب ١١/٤٠٦، والتقريب ص ٦١٠ رقم (٧٨٥٤ )
(٢) ذكره عنهما الثعلبي ١٠/٦١، وابن الجوزي ٨/١١٤.

واختار السعدي أيضاً أنها تشمل النوعين : الأعمال، والثياب المعروفة(١)، وهذا هو الظاهر – والله أعلم – ؛ لأنه إذا أمكن حَمْل الآية على جميع معانيها فهو أولى.
(١) تفسيره ص٨٩٥.

وعلى هذا القول هي صفة مدح، وهي اسم فاعل بمعنى اللائمة(١)، واختار هذا القول بعض العلماء، وممن اختاره السمعاني، وابن عطية، والزمخشري، وابن جزي، وابن عاشور كما تقدم.
القول الثالث : أنها المذمومة، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما –(٢) وعن قتادة :" الفاجرة " (٣).
قال ابن الجوزي :" فعلى هذا : هي التي تلوم نفسها حين لا ينفعها اللوم " (٤).
وعلى هذا القول هي صفة ذم، وهي اسم مفعول بمعنى الملومة(٥).
والأظهر - والله تعالى أعلم - القول الأول لعدم الدليل على التخصيص، ولأن كل نفس تلوم صاحبها، إما في الدنيا وإما في الآخرة، وعليه يحمل ما ورد عن ابن عباس
- رضي الله عنهما – ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير.
قال البقاعي :" أي التي تلوم صاحبها، وهي خيِّرة وشريرة، فالخيرة تكون سبباً للنجاة فيه، والأخرى تكون سبباً للهلاك فيه، فإن لامت على الشر أو على التهاون بالخير أنجت، وإن لامت على ضد ذلك أهلكت، وكيفما كانت لا بد أن تلوم، وهي بين الأمارة، والمطمئنة، فما غلب عليها منها كانت في حيِّزه " (٦).
سورة القيامة : الآية ٢٧
قال تعالى :(٧).
اختار شيخ الإسلام أن معنى الآية : هل من راق يرقيها.
(١) تفسير الماوردي ٦/١٥١.
(٢) أخرجه ابن جرير ١٢/٣٢٧، وذكره ابن أبي حاتم ١٠/٣٣٨٦.
(٣) أخرجه ابن جرير ١٢/٣٢٧، ، وروي عن مقاتل :" أنها الكافرة تلوم نفسها في الآخرة على ما فرطت في أمر الله في الدنيا "، ذكره البغوي ٤/٤٢١.
(٤) زاد المسير ٨/١٣٣.
(٥) تفسير الماوردي ٦/١٥١.
(٦) نظم الدرر ٢١/٨٦.
(٧) سورة القيامة : الآية ٢٧.

القول الخامس : أنه على تضمين ( يشرب ) يَلْتَذُّ، أي يلتذ بها شارباً(١).
قال العكبري :" والأولى أن يكون محمولاً على المعنى، والمعنى يلتذ بها " (٢).
القول السادس : أنه على تضمين ( يشرب ) معنى : يَرْوَى، أي يروى بها، وهو ظاهر اختيار ابن جرير(٣)، واختاره النحاس(٤)، وشيخ الإسلام كما تقدم، وابن القيم كما يأتي، وابن كثير(٥).
قال ابن القيم عند هذه الآية :" إنهم يضمنون يشرب معنى يروي فيعدُّونه بالباء التي تطلبها، فيكون في ذلك دليل على الفعلين أحدهما بالتصريح به، والثاني بالتضمين والإشارة إليه بالحرف الذي يقتضيه مع غاية الاختصار، وهذا من بديع اللغة ومحاسنها وكمالها، ومنه قوله في السحاب : شربن بماء البحر حتى روين، ثم ترفعن وصعدن(٦)، وهذا أحسن من أن يقال : يشرب منها، فإنه لا دلالة فيه على الرِّي، وأن يقال : يروى بها لأنه لا يدل على الشرب بصريحه، بل باللزوم، فإذا قال : يشرب بها، دل على الشرب بصريحه وعلى الرِّي بخلاف الباء، فتأمله " (٧).
والأظهر - والله أعلم - القول الأول، وهو ما اختاره شيخ الإسلام ومن وافقه، وذلك لما ذكره - رحمه الله - من أن القول بالتضمين أولى من القول بالزيادة، أو القول بإنابة الحروف بعضها مناب بعض، وأما ما ذهب إليه الزمخشري ومن تبعه فلا يخفى ما فيه من التكلُّف.
(١) ذكره العكبري في الإملاء ص٥٢٤، والسمين ١٠/٦٠٠.
(٢) إملاء ما من به الرحمن ص٥٢٤.
(٣) تفسيره ١٢/٣٥٨.
(٤) الإعراب ٥/٩٨.
(٥) تفسيره ٤/٤٨٤.
(٦) هكذا في المطبوع، ولعله تصحيف، وتقدم ذكر البيت.
(٧) بدائع الفوائد ٢/٢٠٣.

قال ابن عطية :" الضمير للكفار، أي لا يملكون من أفضاله وأجماله أن يخاطبوه بمعذرة ولا غيرها، وهذا في موطن خاص " (١).
وقال الرازي :" قال القاضي : إنه راجع إلى المؤمنين، والمعنى أن المؤمنين لا يملكون أن يخاطبوا الله في أمر من الأمور ؛ لأنه لما ثبت أنه عدل لا يجور، ثبت أن العقاب الذي أوصله إلى الكفار عدل، وأن الثواب الذي أوصله إلى المؤمنين عدل، وأنه ما يخسر حقهم، فبأي سبب يخاطبونه " (٢).
وردّهُ شيخ الإسلام كما تقدم، والألوسي(٣).
والراجح - والله أعلم - القول الأول، وأن معنى الآية لا يملكون كلاماً، لأنه قول جمهور السلف، ولعدم الدليل على تخصيصها بالشفاعة، كما أن الراجح أيضاً أن الضمير في قوله : عام لأهل السموات والأرض ؛ لأنه ظاهر، وأما ما ورد عن ابن عباس فلا يعرف له سند متصل.
(١) تفسيره ١٦/٢١٥.
(٢) تفسيره ٣١/٢١.
(٣) تفسيره ٣٠/١٩.

قال ابن عباس - رضي الله عنهما - :" يعني اليهود والنصارى تخشع ولا ينفعها عملها " (١)، وعنه - رضي الله عنه - أنه قال :" النصارى " (٢)، وروي عن سعيد بن جبير وزيد بن أسلم(٣).
وعن أبي عمران الجوني قال :" مر عمر بن الخطاب براهب فوقف، فَنُودي الراهب، فقيل له : هذا أمير المؤمنين، قال فاطّلع فإذا إنسان به من الضُّر والاجتهاد وترك الدنيا، فلما رآه عمر بكى، فقيل له : إنه نصراني، فقال : قد علمت، ولكني رحمته، ذكرت قول الله : ، فرحمت نصبه واجتهاده، وهو في النار " (٤).
(١) ذكره عنه ابن أبي حاتم ١٠/٣٤٢٠ معلقاً، وقال الحافظ في الفتح ٨/٧٠٠ [ ط السلفية ] :" وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة ومن طريق شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس وزاد : اليهود " وذكرها الثعلبي ١٠/١٨٨، وقال :" وهي رواية أبي الضحى عنه "، وذكر الواحدي في الوسيط ٤/٤٧٣ عن عطاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال :" يعني الذي عملوا ونصبوا في الدنيا على غير دين الإسلام من عبدة الأوثان وكفار أهل الكتاب مثل الرهبان وغيرهم لا يقبل الله منهم إلا ما كان لوجهه خالصاً، لا يقبل اجتهاداً في بدعة وضلالة، ولكنه يقبل رفقاً في سنة " وهذا قول سعيد بن جبير، وزيد بن أسلم، وأبي الضحى عن ابن عباس، قالوا : هم الرهبان أصحاب الصوامع.
(٢) ذكره البخاري في صحيحه ٨/٧٠٠ [ ط السلفية ].
(٣) ذكره عنهما الثعلبي ١٠/١٨٧، والواحدي في الوسيط ٤/٤٧٣، وابن الجوزي ٨/٢٣٣.
(٤) أخرجه عبدالرزاق ٣/٤٢٠ [ ط محمود عبده ]، وأخرجه الواحدي في الوسيط ٤/٤٧١، والحاكم ٢/٥٢٢، وقال :" هذه حكاية في وقتها، فإن أبا عمران الجوني لم يدرك زمان عمر "، وذكره في الدر ٦/٥٧٣، وعزا أيضاً لابن منذر، وذكره ابن كثير في تفسيره ٤/٥٧٣، وعزاه للبرقاني.

قال - رحمه الله - عند هذه الآيات :" فقد قيل إن ( ما ) مصدرية، والتقدير : والسماء وبناء الله إياها، والأرض وطحو الله إياها، ونفس وتسوية الله إياها، لا بد من ذكر الفاعل في الجملة لا يصلح أن يقدر المصدر هنا مضافاً إلى الفعل فقط فيقال :( وبنائها ) ؛ لأن الفاعل مذكور في الجملة في قوله : ، فإن الفعل لا بد له من فاعل في الجملة ومفعول أيضاً، فلا بد أن يكون في التقدير الفاعل والمفعول، لكن إذا كانت مصدرية كانت ( ما ) حرفاً ليس فيها ضمير، فيكون ضمير الفاعل في عائداً على غير مذكور بل إلى معلوم، والتقدير : والسماء وما بناها الله، وهذا خلاف الأصل ; وخلاف الظاهر.
والقول الثاني : أنها موصولة والتقدير : الذي بناها والذي طحاها، و( ما ) فيها عموم وإجمال يصلح لما لا يعلم ولصفات من يعلم ؛ كقوله تعالى :(١)، وقوله :(٢)، وهذا المعنى يجيء في قوله :(٣).
وهذا المعنى كما أنه ظاهر الكلام وأصله هو أكمل في المعنى أيضاً ؛ فإن القسم بالفاعل يتضمن الإقسام بفعله بخلاف الإقسام بمجرد الفعل، وأيضا فالأقسام التي في القرآن عامتها بالذوات الفاعلة وغير الفاعلة، يقسم بنفس الفعل كقوله :(٤)، وكقوله :(٥)، (٦)، ونحو ذلك، وهو سبحانه تارة يقسم بنفس المخلوقات ; وتارة بربها وخالقها كقوله :(٧)، وكقوله : وتارة يقسم بها وبربها، وفي هذه السورة أقسم بمخلوق وبفعله ; وأقسم بمخلوق دون فعله فأقسم بفاعله، فإنه قال :
(١) سورة الكافرون : الآيتان ٢ – ٣.
(٢) سورة النساء : الآية ٣.
(٣) سورة الليل : الآية ٣.
(٤) سورة الصافات : الآيات ١ – ٣.
(٥) سورة النازعات : الآية ١.
(٦) سورة المرسلات : الآية ١.
(٧) سورة الذاريات : الآية ٢٣.

قال ابن القيم عن هذا القول :" وهذا قول مجاهد(١)، وهو أصح الأقوال في الآية، قال الواحدي(٢) : علينا للهدى، أي إن الهدى يوصل صاحبه إلى الله، وإلى ثوابه وجنته، وهذا المعنى في القرآن في ثلاث مواضع : ههنا، وفي النحل في قوله : ، وفي الحجر في قوله : وهو معنى شريف جليل يدل على أن سالك طريق الهدى يوصله طريقه إلى الله ولا بد، والهدى هو الصراط المستقيم، فمن سلكه أوصله إلى الله، فذكر الطريق والغاية، فالطريق الهدى، والغاية
الوصول إلى الله سبحانه" (٣).
وقال السعدي :" أي : إن الهدى المستقيم طريق يوصل إلى الله، ويدني من رضاه وأما الضلال، فطرقه مسدودة عن الله، لا توصل صاحبها إلا للعذاب الشديد " (٤).
القول الثاني : أن المعنى : إن علينا لبيانَ الحق من الباطل، والطاعة من المعصية.
قال قتادة عند هذه الآية :" على الله البيان ؛ بيانُ حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته " (٥).
وقال الزجاج :" علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلال " (٦).
(١) لم أر من ذكره عن مجاهد في هذه الآية، وإنما ورد عنه نحوه في آية الحجر، وآية النحل، انظر : الدر المنثور ٤/١٨٤، ٢٠٩، قال شيخ الإسلام :" ثابت عنه ".
(٢) لم أجده في الوسيط والوجيز له عند هذه الآية، وإنما ذكر نحوه في آية الحجر، انظر : الوسيط ٣/٤٥.
(٣) التبيان ص٤٥.
(٤) تفسيره ص٨٥٧.
(٥) أخرجه ابن جرير ٢٤/٤٧٥ [ ط التركي ]، وابن أبي حاتم ١٠/٣٤٤١، وعزاه في الدر ٦/٦٠٦ أيضاً لابن حميد وابن المنذر، وقال عنه شيخ الإسلام كما سبق :" ثابت عن قتادة ".
(٦) معاني القرآن ٥/٣٣٦.

- رضي الله عنهما –(١)، والضحاك(٢)، وقتادة، ومقاتل، وقال :" أمره إذا فرغ من صلاته أن يبالغ في دعائه " (٣)، واختاره الفراء(٤).
روي عن ابن عباس أنه قال عند هذه الآية :" فإذا فرغت مما فرض عليك من الصلاة فسل الله، وارغب إليه وانصب " (٥).
القول الثالث : فإذا فرغت من جهادك عدوك فانصب في عبادة ربك ودعائه ؛ وبه قال الحسن(٦)، وقتادة، وزيد بن أسلم(٧).
قال ابن عطية :" ويعترض هذا التأويل بأن الجهاد فرض بالمدينة " (٨)، ولعله يقول بمدينتها أو مدينة هذه الآية، أو أنها مما تأخر حكمه عن نزوله(٩).
(١) أخرجه ابن جرير ١٢/٦٢٨، وذكره في الدر ٦/٦١٧، وعزاه أيضاً لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.
(٢) أخرجه ابن جرير ١٢/٦٢٨، قال :" من الصلاة المكتوبة قبل أن تسلم ما نصب "، وعن مجاهد :" إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك إلى ربك ".
(٣) تفسير عبد الرزاق ٣/٤٣٩، وابن جرير ١٢/٦٢٩.
(٤) معاني القرآن ٣/٢٧٥، وذكر قول شريح بسنده ص٢٧٦، وقال :" فكأنه في قول شريح : إذا فرغ الفارع من الصلاة أو غيرها ".
(٥) أخرجه ابن جرير ١٢/٦٢٨.
(٦) أخرجه ابن جرير ١٢/٦٢٩.
(٧) ذكره في الدر ٦/٦١٧، وعزاه لابن أبي حاتم.
(٨) تفسيره ١٦/٣٢٨.
(٩) انظر : تفسير الألوسي ٣٠/١٧٢.

القول الثاني : أن المراد بذلك أرذلُ العمر ؛ وبه قال ابن عباس(١)، وإبراهيم(٢)، وعكرمة(٣)، والضحاك(٤)، وقتادة(٥)، والكلبي(٦)، وإبراهيم النخعي(٧).
واختاره بعض المفسرين، وممن اختاره ابن جرير كما يأتي، وابن قتيبة(٨)، والزجاج(٩)، والسمرقندي(١٠)، والثعلبي(١١)، والواحدي(١٢)، والبغوي(١٣)، وابن عطية كما يأتي.
ورجح ابن جرير هذا القول محتجاً له بسياق الآيات، حيث سيقت للرد على منكري البعث، وإليك نص كلامه رحمه الله :" وأولى الأقوال عندي بالصحة في ذلك عندي بالصحة وأشبهها بتأويل الآية قول من قال معناه : ثم رددناه إلى أرذل العمر إلى عمر الخَرْفى الذين ذهبت عقولهم من الهرم والكبر، فهو في أسفل من سفل في إدبار العمر وذهاب العقل.
(١) أخرجه ابن جرير ٢٤/٥١٣ [ ط التركي ]، وانظر : الدر ٦/٦٢٠.
(٢) أخرجه ابن جرير ٢٤/٥١٤ [ ط التركي ]، وانظر : الدر ٦/٦٢١.
(٣) أخرجه ابن جرير ٢٤/٥١٣ [ ط التركي ]، وانظر : الدر ٦/٦٢١.
(٤) أخرحه عبد بن حميد، انظر : الدر ٦/٦٢١.
(٥) أخرجه عبد الرزاق ٣/٤٤١ [ ط محمود ]، وابن جرير ٢٤/٥١٤ [ ط : التركي ].
(٦) أخرجه عبدالرزاق ٣/٤٤١ [ ط محمود عبده ].
(٧) ذكره في الدر ٦/٦٢١، وعزاه للفريابي وابن حميد.
(٨) التأويل ص٣٤٢.
(٩) معاني القرآن وإعرابه ٥/٣٤٣.
(١٠) تفسيره ٣/٤٩١.
(١١) تفسيره ١٠/٢٤٠.
(١٢) الوسيط ٤/٥٢٤.
(١٣) تفسيره ٤/٥٠٤.

الجوزي(١)، وابن عاشور(٢)، والبغوي، وقال :" زائلين منفصلين، يقال : فككت الشيء فانفك، أي : انفصل لفظة مستقبل ومعناه الماضي، أي : حتى أتتهم الحجة الواضحة، يعني محمداً - ﷺ - أتاهم بالقرآن فبيَّن لهم ضلالهم وجهالتهم ودعاهم إلى الإسلام والإيمان، فهذه الآية فيمن آمن من الفريقين، أخبر أنهم لم ينتهوا عن الكفر حتى أتاهم الرسول فدعاهم إلى الإيمان فآمنوا، فأنقذهم الله من الجهل والضلالة، ثم فسَّر البينة فقال : يقرأ، كتاباً يريد ما يتضمنه الصحف من المكتوب فيها، وهو القرآن لأنه كان يتلو عن ظهر قلبه لا عن كتاب " (٣).
وضعف هذا القول شيخ الإسلام كما تقدم.
القول الثاني : أن المعنى : لم يكونوا مكذبين بمحمد - ﷺ - حتى بُعث، أي : لم يكونوا منفكين عن محمد - ﷺ - والتصديق بنوبته حتى بعث، فلما بعث تفرقوا فيه(٤).
قال ابن كيسان :" معناه : لم يكن هؤلاء الكفار تاركين صفة محمد - ﷺ - حتى بُعث، فلمَّا بعث تفرقوا فيه " (٥).
(١) زاد المسير ٨/٢٨٩.
(٢) تفسيره ٣٠/٤٧٢.
(٣) تفسيره ٤/٥١٣، وانظر : مجاز القرآن ٢/٣٠٦، والوسيط ٤/٥٣٩.
(٤) انظر : تفسير ابن جرير ١٢/٦٥٥، وابن الجوزي ٨/٢٨٩.
(٥) ذكره عنه الثعلبي ١٠/٢٦٠، والقرطبي ٢٠/٩٥، ولفظه :" فلما بعث حسدوه وجحدوه، قال فهو كقوله :".

القول الثاني : أن المراد بالسهو عنها تركها ؛ وروي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – وعن مجاهد :" الترك لها " (١).
قال ابن عباس – رضي الله عنهما – :" هم المنافقون كانوا يراؤون الناس بصلاتهم إذا حضروا، ويتركونها إذا غابوا، ويمنعونهم العارية بغضاً لهم، وهو الماعون " (٢).
وقال الفراء :"يعني المنافقين لاهون، كذلك فسّرها ابن عباس وكذلك رأيتها في قراءة عبدالله " (٣)، واختاره الزجاج(٤).
وقال الواحدي :" نزلت في المنافقين الذين لا يرجون لها ثواباً إن صلوا، ولا يخافون عليها عقاباً إن تركوا، فهم عنها غافلون حتى يذهب وقتها، فإذا كانوا مع المؤمنين صلوا رياءً، وإذا لم يكونوا معهم لم يصلوا " (٥).
واختاره أبو حيان، وقال :"ويدل على أنها في المنافقين قوله تعالى :" (٦).
واختاره أيضاً ابن عاشور، واستدل له بالسياق، وقال :" موقع الفاء صريح في اتصال ما بعدها بما قبلها على معنى التفريع والترتب والتسبب، ثم بيَّن أن المرادبالمصلين عين المراد بالذي يكذب بالدين... " (٧).
(١) أخرجه عنهما ابن جرير ١٢/٧٠٧، وعن مجاهد الفريابي وابن المنذر في الدر ٦/٦٨٣.
(٢) أخرجه ابن جرير ١٢/٧٠٧ من طريقين، وعزاه في الدر ٦/٦٨٢ لابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب.
(٣) معاني القرآن ٣/٢٩٥، وانظر : تفسير القرطبي ٢٠/١٤٤.
(٤) معاني القرآن ٥/٣٦٧.
(٥) تفسيره الوسيط ٤/٥٥٩.
(٦) تفسيره ٨/٥١٨.
(٧) التحرير والتنوير ٣٠/٥٦٦.

وأيضاً فما عبدوا ما يعبده، وهو الموصوف بأنه معبود له على جهة الاختصاص، بل هذا يتناول عبادته وحده، ويتناول الرب الذي أخبر به بما له من الأسماء والصفات، فمن كذب به في بعض ما أخبر به عنه فما عبد ما يعبده من كل وجه، وأيضاً فالشرائع قد تتنوع في العبادات فيكون المعبود واحداً وإن لم تكن العبادة مثل العبادة، وهؤلاء لا يتبرأ منهم، فكل من عبد الله مخلصاً له الدين فهو مسلم في كل وقت، ولكن عبادته لا تكون إلا بما شرعه ؛ فلو قال : لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي فقد يظن أنه تدخل فيه البراءة من كل عبادة تخالف صورتها صورة عبادته، وإنما البراءة من المعبود وعبادته "، ثم ذكر رأيه فقال :" فقوله : يتناول نفيَ عبادته لمعبودهم في الزمان الحاضر والزمان المستقبل، وقوله : يتناول ما يعبدونه في الحاضر والمستقبل كلاهما مضارع، وقال في الجملة الثانية عن نفسه : ، فلم يقل :( لا أعبد )، بل قال : ، ولم يقل :( ما تعبدون )، بل قال :
، فاللفظ في فعله وفعلهم مغاير للفظ في الجملة الأولى، والنفي بهذه الجملة الثانية أعم من النفي بالأولى ؛ فإنه قال : بصيغة الماضي، فهو يتناول ما عبدوه في الزمن الماضي لأن المشركين يعبدون آلهة شتى، وليس معبودهم في كل وقت هو المعبود في الوقت الآخر، كما أن كل طائفة لها معبود سوى معبود الطائفة الأخرى، فقوله : براءة من كل ما عبدوه في الأزمنة الماضية، كما تبرأ أولاً مما عبدوه في الحال والاستقبال، فتضمنت الجملتان البراءة من كل ما يعبده المشركون والكافرون في كل زمان ماضٍ وحاضر ومستقبل، وقوله أولاً :
ورُوي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال :" السيد الذي يصمد إليه في الحوائج " (١).
وهو فعل بمعنى مفعول، من صمد إليه إذا قصده، وهو السيد المصمود إليه في الحوائج، ويستقل بها(٢).
قال ابن الأنباري :" لا خلاف بين أهل اللغة أن الصَّمد : هو السيد الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم " (٣).
القول الثاني : أنه الذي لا جوف له، وبه قال ابن عباس – رضي الله عنهما – وبريدة(٤) - رضي الله عنه -، وعكرمة، ومجاهد، والضحاك، وسعيد بن جبير، والحسن وعامر الشعبي. (٥).
وقال الشعبي :" الذي لا يأكل الطعام، ولا يشرب الشراب ". وقال ابن المسيَّب :" الذي لا حِشْوة له " (٦).
ومنه قول الشاعر :
شهابُ حُروب لا تزال جيادُه
١@عوابس يعْلُكْن الشَّكيم(٧) المُصَمَّدا
استدل به الماوردي(٨)، والقرطبي(٩)، و أبو حيان(١٠)، ولم أعرف قائله.
(١) أخرجه الطبراني ١٠/٢٥٥، قال في مجمع الزوائد ٦/٣٠٨ [ ط الكتاب العربي ] :" وفيه جويبر وهو متروك، وهو حديث نافع بن الأزرق ".
(٢) تفسير الألوسي ٣٠/٢٧٤.
(٣) انظر : تفسير أبي حيان /٥٢٩.
(٤) قال عبدالله بن بريدة الراوي عن أبيه :" لا أعلمه إلا قد رفعه " تفسير ابن جرير ١٢/٧٤٢، لكن ابن جرير يُضعِّف رفعه كما تقدم، وقال ابن كثير ٤/٦١٠ :" غريب جداً، والصحيح أنه موقوف على عبدالله بن بريدة ".
(٥) أخرجه عنهم ابن جرير ١٢/٧٤٢ - ٧٤٣، وأخرجه عن عكرمة ومجاهد عبدالرزاق ٣/٤٧٥.
(٦) أخرجه عنهما ابن جرير ١٢/٧٤٢.
(٧) الشَّكيم، والشَّكيمة : حديدة اللجام المعترضة في فم الفرس. انظر : مختار الصحاح ص١٥٥ مادة (شكم).
(٨) تفسيره ٦/٣٧١.
(٩) تفسيره ١٧/١٦٨.
(١٠) تفسيره ٨/١٥١.

قال الزمخشري عند قول من قال : واد في جهنّم أو جبّ :" من قولهم لما اطمأن من الأرض الفلق " (١).
وقد ضعَّف هذه الأقوال شيخ الإسلام كما تقدم.
والقول الراجح – والله أعلم – القول الأول، وهو قول شيخ الإسلام ومن وافقه ؛ لدلالة القرآن عليه، وكذا الاشتقاق، ولأن القول الثاني داخل فيه ومثال له، وأما الأقوال الأخرى فهي ضعيفة، وتقدم تقرير ذلك.
سورة الفلق : الآية ٣
قال تعالى :(٢).
اختار شيخ الإسلام أن المراد بالغاسق الليل، ويدخل فيه آيته من القمر والنجوم.
قال – رحمه الله – عند هذه الآية :" فإن الغاسق قد فُسِّر بالليل كقوله :(٣)، وهذا قول أكثر المفسرين وأهل اللغة، قالوا : ومعنى : دخل في كل شيء. قال الزجاج : الغاسق البارد، وقيل : الليل غاسق ؛ لأنه أبرد من النهار.
(١) تفسيره ٤/٢٤٣، وانظر : القرطبي ١٧/١٧٤.
(٢) سورة الفلق : الآية ٣.
(٣) سورة الإسراء : الآية ٧٨.

القول الأول : أن المعنى : من شر الموسوس من الجنة والناس، من شياطين الإنس والجن ؛ وهذا قول قتادة، حيث قال عند هذه الآية :" إن من الناس شياطين، ومن الجن شياطين، فتعوَّذْ بالله من شياطين الإنس والجن " (١)، و على هذا بيانية، بينت الذي يوسوس في صدور الناس، وأنه جنس يشمل صنفين(٢).
واستُدل لهذا القول بحديث أبي ذر، وتقدم ذكره(٣)، وعن ابن جريج أنه قال عند هذه الآية :" هما وسواسان، فوسواس من الجنة وهو الجن، ووسواس نفس الإنسان فهو قوله :" (٤)، وهذا قول رابع في المسألة، وهو أن المراد بالناس : نفس الإنسان، وهذا القول يشبه قول الزجاج كما ذكر شيخ الإسلام.
واختار هذا القول شيخ الإسلام كما تقدم، ووافقه السمعاني، وقال :" وقوله :( من الناس ) أي : ومن الناس، والمعنى : أنه أمره بالاستفادة من شياطين الجن والإنس، والشياطين كل متمرد سواء كان جنِّياً أو إنسياً " (٥)، وقال :" ثم إن الموسوس من الإنس يحتمل أن يريد من يوسوس بخدعه وأقواله الخبيثة، فإنه شيطان كما قال تعالى : ، أو يريد به نفس الإنسان إذْ تأمره بالسوء ؛ فإنها أمارة بالسوء والأول أظهر " (٦).
(١) أخرجه عبد الرزاق ٣/٤٧٨ [ ط محمود عبده ]، وعزاه في الدر ٦/٧٢٢ لابن المنذر.
(٢) التحرير والتنوير ٣٠/٦٣٥.
(٣) استدل به شيخ الإسلام كما تقدم، والسَّمين ١١/١٦٣.
(٤) ذكره في الدر ٦/٧٢٢، وعزاه لابن المنذر.
(٥) تفسيره ٦/٣٠٨.
(٦) تفسيره ٢/٦٣٢، وانظر : الدر المصون ١١/١٦٣.

هذا البحث يُعنى بجمع اختيارات ابن تيمية في التفسير، من أول سورة الكهف إلى آخر القرآن الكريم، ودراستها، وموازنتها بأقوال غيره من المفسرين، وذكر الراجح منها مع الاستدلال له، ومناقشة الأقوال الأخرى، مع مراعاة قواعد الترجيح عند المفسرين.
و الموضوع يشتمل على مقدمة، وتمهيد، وقسمين، وخاتمة.
وذلك على النحو التالي :
المقدمة : وذكرت فيها : أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، وخطة البحث، ومنهجي فيه، والصعوبات التي واجهتني أثناء إعداده.
التمهيد : و ذكرت فيه : ترجمة موجزة لابن تيمية، والخصائص التي تميز بها تفسيره.
والقسم الأول : ذكرت فيه : منهج ابن تيمية في الاختيار والترجيح. و اشتمل على فصلين :
الفصل الأول : و ذكرت فيه : صيغ وأساليب الاختيار والترجيح في التفسير عند ابن تيمية، مع التمثيل لها من خلال المسائل التي درستها.
والفصل الثاني : ذكرت فيه : قواعد ووجوه وأنواع الاختيار والترجيح في التفسيرعند ابن تيمية، مع التمثيل لها من خلال المسائل التي درستها.
والقسم الثاني : ذكرت فيه : اختيارات ابن تيمية وترجيحاته في التفسير من أول سورة الكهف إلى آخر القرآن الكريم.
الخاتمة : و ذكرت فيها : أهم النتائج، مع المقترحات.
الفهارس : وضعت فهارس كاشفة تسهل البحث في الرسالة.
هذا وقد قمت بجمع اختيارات وترجيحات ابن تيمية في التفسير – في الجزء المحدد لي – وذلك من جميع كتبه المطبوعة، مع متابعة ما نُشر منها أثناء إعداد البحث، كما رجعت إلى كتب ابن القيم، وتفسير ابن كثير، ونقلت منها في مواضع قليلة.
ثم قمت بعد ذلك بدراسة هذه الاختيارات وفق المنهج التالي :
أ - ذكر الآية التي ورد فيها الخلاف.
ب - ذكر اختيار الشيخ في الآية.
ج - ذكر كلام الشيخ في الاختيار أو الترجيح بنصه إن كان قليلاً، أو اختصاره، وذكر مضمونه، إن كان طويلاً.
-... ٣-٤... ٤٠٢، ٤٠٣
٦... ٥٢٤، ٥٢٥، ٥٢٦، ٦٢٦
٧... ٦٢٦
(سورة المدثر)
-... ١-٢... ٥٠٥
٤... ٥٧، ٥٢٩
٧... ٥٠٥
- -... ٤٩-٥١... ٥٧٦
٥٢... ٦٦١
-... ٥٤-٥٦... ٦١٦
(سورة القيامة)
٢... ٥٤، ٥٣٤، ٥٣٩
٢٢... ٥٨٦، ٥٨٧
- -... ٢٣-٢٥... ٥٨٦
-... ٢٧-٢٨... ٥٤٠
٣٦... ٤١٩، ٦٥٢
(سورة الإنسان)
٢... ٥٩٣
٣... ٥٩٣
٦... ٥٤٣، ٥٤٤، ٥٤٦
٣١... ٤٧٠
(سورة المرسلات)
١... ٦٠٢
(سورة النبأ)
- - - - -... ٣١-٣٦... ٥٥١
٣٧... ٦٤، ٥٥٠، ٥٥١، ٥٥٢، ٥٥٣، ٥٥٥
٣٨... ٥٥٠، ٥٥١، ٥٥٣
(سورة النازعات)
١... ٦٠٢
١٨... ٣٠٣، ٣٠٥
٢٤... ١٧٢
٤٥... ٥٧٤
(سورة عبس)
١... ٤٤٢
١١... ٤٣٨، ٤٤٣، ٥٧٤
١٢... ٤٣٨، ٤٤٣
-... ١٣... ٤٣٨، ٤٤٠، ٤٤٣، ٤٤٨، ٤٤٩
-... ١٥... ٤٣٨، ٤٤٣، ٤٤٨، ٤٤٩
- - - -... ٣٨... ٥٨٦
(سورة التكوير)
١٥... ٦٠، ٣٩٨
١٦... ٦٠، ٣٩٨، ٤٠٠
١٩... ٥٠٩، ٥١١، ٥٥٦
٢٠... ٥٠٩، ٥٥٦، ٥٥٧
٢١... ٥٠٩، ٥٥٦
٢٥... ٤٨٩، ٥١١
٢٧... ٥٧٤
٢٨... ٥٧٤، ٦١٧
٢٩... ٦١٧
(سورة الانفطار)
٦... ٦٤٣
(سورة الانشقاق)
٦... ٦٤٣
(سورة البروج)
٣... ٥٦٨
١٢... ٥١٣
١٥-١٦... ٦٥٥
-... ٢١-٢٢... ٤٤١-٤٤٩
(سورة الأعلى)
١... ٤٣٥، ٥٥٨، ٥٥٩، ٥٦٢، ٥٦٣، ٥٦٤، ٥٦٥، ٥٦٦
٣... ٧٤، ٥٦٧، ٥٧٠
٩... ٥٧٣، ٥٧٥، ٥٧٦، ٥٧٧، ٥٧٨، ٥٧٩، ٥٨٠، ٥٨١، ٥٨٢، ٥٨٤
١٠... ٥٧٦، ٥٧٨، ٥٧٩، ٥٨١، ٥٨٣
١١... ٥٧٦، ٥٧٨، ٥٨١، ٥٨٣
١٢... ٥٨١، ٥٨٣
١٤... ٣٠٣، ٣٠٥، ٦١٣
(سورة الغاشية)
١... ٥٨٥
٢... ٧٥، ٥٨٥، ٥٨٦، ٥٨٧، ٥٨٩
٣... ٧٥، ٥٨٥، ٥٨٦، ٥٨٧، ٥٨٩، ٥٩٠
٤... ٧٥، ٥٨٥، ٥٩٠
-... ٨-٩... ٥٨٦، ٥٨٧
١٠... ٥٨٧
-... ٢١-٢٢... ٥٧٤
٢٥... ٦٢١
(سورة الفجر)
٣... ٥٦٨
(سورة البلد)
٣... ٦٠٤
١٠... ٥٩٢، ٦٠٨، ٦١٢
(سورة الشمس)
-... ١-٢... ٦٠٢
٣... ٥٩٦، ٥٩٧، ٥٩٨، ٦٠٢
٤... ٥٩٦، ٥٩٧، ٥٩٨، ٦٠٠، ٦٠٢
٥... ٦٠١، ٦٠٢، ٦٠٣، ٦٠٥، ٦٧٧
٦... ٦٠١، ٦٠٢، ٦٠٣
٧... ٥٣٤، ٦٠١، ٦٠٢، ٦٠٣، ٦٠٩، ٦١١، ٦١٨
٨... ٥٣٤، ٦٠٢، ٦٠٤، ٦٠٥، ٦٠٧، ٦٠٨، ٦٠٩، ٦١١، ٦١٦، ٦١٨
٩... ٥٣، ٣٠٥، ٦٠٣، ٦١٣، ٦١٤، ٦١٦، ٦١٨
١٠... ٦٠٣، ٦١٣، ٦١٤، ٦١٦
(سورة الليل)
٢... ٥٩٨
٣... ٦٠١، ٦٠٢
٤... ٥٣٥
١٢... ٦١٩، ٦٢١، ٦٢٤، ٦٢٥
١٣... ٦١٩
(سورة الضحى)
٣... ٦٤٣
(سورة الشرح)
١... ٦٤٣
٧... ٦٢٦، ٦٢٧، ٦٣٠
٨... ٦٢٦، ٦٢٧
(سورة التين)
٤... ٦٤٠، ٦٤٨
٥... ٦٣٢، ٦٣٤، ٦٣٥، ٦٣٩، ٦٤٠، ٦٤١، ٦٤٢
٦... ٦٣٢، ٦٣٨، ٦٣٩، ٦٤٠، ٦٤٢


الصفحة التالية
Icon