يا من تحدث عن علم الكتاب أصخ(١) | هذا الإمام الذي كان قد ينتظر(٢) |
" كان – رحمه الله - أشجع الناس، وأقواهم قلباً، ما رأيت أحداً أثبت جأشاً(٣)منه، ولا أعظم عناءً في جهادِ العدوَّ منه، كان يجاهد في سبيل الله بقلبه ولسانه ويده، ولا يخاف في الله لومة لائم.
أخبر غير واحد أن الشيخ – رحمه الله - كان إذا حضر مع عسكر المسلمين في جهادٍ يكونُ بينهم أَوقَفَهم، وقُطْبَ ثباتهم، إن رأى من بعضهم هلعاً أو رقّة وجبانة، شجعَّه وثبته وبشره ووعده بالنصر والظفر والغنيمة، وبيَّن له فضل الجهاد والمجاهدين، وإنزال الله عليهم السكينة، وكان إذا ركب الخيل يتحنَّك ويجول في العدو كأعظم الشجعان، ويقوم كأثبت الفرسان، ويكبَّر تكبيراً أنكى في العدو من كثير من الفتك بهم، ويخوض فيهم خوض رجل لا يخاف الموت " (٤).
ومن مواقفه الجهادية التي خلدها التاريخ، جهاده ضد التتار ومن ذلك :
- أنه لما قدم قازان، ملك التتار بجيوشه إلى الشام عام ٦٩٩هـ توجه إليه الشيخ مع جماعة من أعيان دمشق لمقابلته وأخذ الأمان لأهل البلد، وكلمّه الشيخ كلاماً قوياً شديداً، وكان في ذلك مصلحة عظيمة للمسلمين(٥).
- ومن ذلك أنه في رجب من تلك السنة خرج الشيخ لملاقاة ملك التتر وكلمه في فك من عنده من أسارى المسلمين، فاستنقذ كثيراً منهم من أيدي التتار، ثم رجع.
(١) أَصِخْ : اسمع. انظر المعجم الوسيط ١/٥٠٨ مادة (صخَّ )
(٢) انظر : الذيل على طبقات الحنابلة ص٣٩٢.
(٣) الجأش : النفس، أو القلب. انظر المعجم الوسيط ١/١٠٣ مادة ( جأشت )
(٤) الأعلام العلية ص٦٣.
(٥) انظر : البداية والنهاية ١٤/٧.
(٢) انظر : الذيل على طبقات الحنابلة ص٣٩٢.
(٣) الجأش : النفس، أو القلب. انظر المعجم الوسيط ١/١٠٣ مادة ( جأشت )
(٤) الأعلام العلية ص٦٣.
(٥) انظر : البداية والنهاية ١٤/٧.
وقال البيهقي(١) :" هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل "، وقال ما معناه :" إن
رواتها مطعون عليهم، وليس في الصحاح ولا في التصانيف الحديثة شيء مما ذكروه فوجب اطِّراحه " (٢).
وقال ابن حزم(٣) :" وأما الحديث الذي فيه ( الغرانيق ) فكذب بحت موضوع ؛ لأنه لم يصح قط من طريق النقل، ولا معنى للاشتغال به ؛ إذْ وضعُ الكذب لا يعجز عنه أحد، وأما قوله تعالى : الآية، فلا حجة لهم فيها ؛ لأن الأماني الواقعة في النفس لا معنى لها، وقد تمنى النبي - ﷺ - إسلام عمِّه أبي طالب، ولم يُرد الله كونَ ذلك، فهذه الأماني التي ذكر الله لا سواها، وحاشا الله أن يتمنّى نبي معصية، وبالله التوفيق " (٤).
وممن أنكرها سنداً ومتناً أبو بكر ابن العربي المالكي(٥)، فقد بين بطلانها في عشر مقامات(٦).
(١) هو أحمد بن الحسين بن علي، أبو بكر، من أئمة الحديث، ولد سنة ٣٨٤هـ، من مؤلفاته : الأسماء والصفات، ومناقب الإمام الشافعي، توفي سنة ٤٥٨هـ. انظر : وفيات الأعيان ١/٧٥ ترجمة (٢٨)، وشذرات الذهب ٣/٣٠٤.
(٢) ذكره عنه أبو حيان ٦/٣٥٢، والمناوي في الفتح السماوي ٢/٨٤٢، ولم أجده في كتبه.
(٣) هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، أبو محمد، عالم الأندلس، وأحد أئمة الإسلام، ولد بقرطبة سنة ٣٨٤هـ، وتوفي سنة ٤٥٦هـ، من مؤلفاته : الفصل في الملل والأهواء والنحل، والمحلى. انظر : سير أعلام النبلاء ١٨/١٨٤، والأعلام ٤/٢٥٤.
(٤) الفصل ٤/٤٨.
(٥) هو أبو بكر، محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الإشبيلي المالكي، المعروف بابن العربي، محدِّث، فقيه مفسر مجتهد، ولد سنة ٤٦٨هـ، من مؤلفاته : أحكام القرآن، والعواصم من القواصم، توفي سنة ٥٤٣هـ. انظر : وفيات الأعيان ٤/٢٩٦ ترجمة (٦٢٦)، وطبقات المفسرين ٢/١٨٠.
(٦) أحكام القرآن ٣/١٣٠٠ – ١٣٠٣.
(٢) ذكره عنه أبو حيان ٦/٣٥٢، والمناوي في الفتح السماوي ٢/٨٤٢، ولم أجده في كتبه.
(٣) هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، أبو محمد، عالم الأندلس، وأحد أئمة الإسلام، ولد بقرطبة سنة ٣٨٤هـ، وتوفي سنة ٤٥٦هـ، من مؤلفاته : الفصل في الملل والأهواء والنحل، والمحلى. انظر : سير أعلام النبلاء ١٨/١٨٤، والأعلام ٤/٢٥٤.
(٤) الفصل ٤/٤٨.
(٥) هو أبو بكر، محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الإشبيلي المالكي، المعروف بابن العربي، محدِّث، فقيه مفسر مجتهد، ولد سنة ٤٦٨هـ، من مؤلفاته : أحكام القرآن، والعواصم من القواصم، توفي سنة ٥٤٣هـ. انظر : وفيات الأعيان ٤/٢٩٦ ترجمة (٦٢٦)، وطبقات المفسرين ٢/١٨٠.
(٦) أحكام القرآن ٣/١٣٠٠ – ١٣٠٣.
" أحدها : أن فيه إشارة إلى ما تقدم من تعليق الفلاح على فعل العبد واختياره، كما هي طريقة القرآن.
الثاني : أن فيه زيادة فائدة وهي إثبات فعل العبد وكسبه وما يثاب وما يعاقب عليه وفي قوله : إثبات القضاء والقدر السابق، فتضمنت الآيتان هذين الأصلين العظيمين، وهما كثيراً ما يقترنان في القرآن ؛ كقوله :(١)، وقوله :(٢).
الثالث : أن قولنا يستلزم قولكم - يعني أصحابَ القول الثاني - دون العكس فان العبد إذا زكى نفسه ودساها فإنما يزكيها بعد تزكية الله لها بتوفيقه وإعانته، وإنما يدسيها بعد تدسية الله لها بخذلانه والتخلية بينه وبين نفسه، بخلاف ما إذا كان المعنى على القدر السابق المحض لم يبق للكسب وفعل العبد ههنا ذكر البتة " (٣).
القول الثاني : أن المعنى : قد أفلحت نفس زكاها الله، وقد خابت نفسٌ دساها
الله، وروي عن ابن عباس مرفوعاً(٤)، وموقوفاً(٥)، وكلاهما ضعيف، وروي عن
ابن زيد(٦)، والكلبي(٧)، ومقاتل(٨)، واختاره بعض المفسرين، وممن اختاره
(١) سورة المدثر : الآيات ٥٤ – ٥٦.
(٢) سورة التكوير : الآيتان ٢٨ – ٢٩.
(٣) التبيان ص١٧ – ١٩ باختصار.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم ١٠/٣٤٣٧، والديلمي في مسند الفردوس ٣/٢٦١ (٤٦٠٠)، وضعفه ابن كثير
٨/٤١٢ [ ط طيبة ]، وأخرجه الواحدي في الوسيط ٤/٤٩٨، وذكره في الدر ٦/٦٠٢ وعزاه أيضاً لأبي الشيخ وابن مردويه، وضعفه شيخ الإسلام كما تقدم، وضعفه الشوكاني في تفسيره ٥/٦٤٨.
(٥) أخرجه ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة ٢٤/٤٤٣، ٤٤٥ [ ط التركي ]، وابن أبي حاتم ١٠/٣٤٣٨، وانظر : الدر ٦/٦٠٢.
(٦) أخرجه ابن جرير ٢٤/٤٤٤، ٤٤٦ [ ط التركي ].
(٧) ذكره في الدر ٦/٦٠١، وعزاه لعبد بن حميد.
(٨) ذكره الرازي ٣١/١٩٣.
(٢) سورة التكوير : الآيتان ٢٨ – ٢٩.
(٣) التبيان ص١٧ – ١٩ باختصار.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم ١٠/٣٤٣٧، والديلمي في مسند الفردوس ٣/٢٦١ (٤٦٠٠)، وضعفه ابن كثير
٨/٤١٢ [ ط طيبة ]، وأخرجه الواحدي في الوسيط ٤/٤٩٨، وذكره في الدر ٦/٦٠٢ وعزاه أيضاً لأبي الشيخ وابن مردويه، وضعفه شيخ الإسلام كما تقدم، وضعفه الشوكاني في تفسيره ٥/٦٤٨.
(٥) أخرجه ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة ٢٤/٤٤٣، ٤٤٥ [ ط التركي ]، وابن أبي حاتم ١٠/٣٤٣٨، وانظر : الدر ٦/٦٠٢.
(٦) أخرجه ابن جرير ٢٤/٤٤٤، ٤٤٦ [ ط التركي ].
(٧) ذكره في الدر ٦/٦٠١، وعزاه لعبد بن حميد.
(٨) ذكره الرازي ٣١/١٩٣.
قال – رحمه الله – :" فقوله : خطاب عام لجميع الكفار، كما دلت عليه الآية، وبهذا يظهر خطأ من قال إنه خطاب للمشركين والنصارى دون اليهود، كما في قول ابن زيد... فهذا الذي ذكره من أن اليهود لا تشرك كما أشركت العرب والنصارى صحيح لكنهم مع هذا لا يعبدون الله، بل يستكبرون عن عبادته ويعبدون الشيطان لا يعبدون الله، ومن قال إن اليهود تعبد الله فقد غلط غلطاً قبيحاً... وقبل إرسال محمد إنما كان يعبد الله من عبده بما أمر به، فأما من ترك عبادته بما أمر به واتبع هواه فهو لا يعبد الله إنما يعبد الشيطان ويعبد الطاغوت، وقد أخبر الله عن اليهود بأنهم عبدوا الطاغوت وأنه لعنهم وغضب عليهم وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت.. وهم أشد عداوة للمؤمنين من النصارى وكفرهم أغلظ وهم مغضوب عليهم، ولهذا قيل : إنهم تحت النصارى في النار. واليهود إن لم يعبدوا المسيح فقد افتروا عليه وعلى أمه بما هو أعظم من كفر النصارى، ولهذا جعل الله النصارى فوقهم إلى يوم القيامة، فالنصارى مشركون يعبدون الله ويشركون به، وأما اليهود فلا يعبدون الله بل هم معطلون لعبادته مستكبرون عنها كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم استكبروا ففريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون، بل هم متبعون أهواءهم عابدون للشيطان، فالنبي والمؤمنون لا يعبدون ما تعبده اليهود، والسورة لم يقل فيها :( يا أيها المشركون ) حتى يقال فيها إنها إنما تناولت من أشرك، بل قال :(١) فتناولت كل كافر سواء كان ممن يظهر الشرك أو كان فيه تعطيل لما يستحقه الله واستكبار عن عبادته، والتعطيل شر من الشرك وكل معطل فلا بد أن يكون مشركاً " (٢).
الدراسة :
اختلف المفسرون في الخطاب في هذه الآية على قولين :
(١) سورة الكافرون : الآية ١.
(٢) مجموع الفتاوى ١٦/٥٦٤ باختصار، وانظر : ٥٦١ - ٥٨١، ومنهاج السنة ٣/٢٦٣، ٢٦٧.
(٢) مجموع الفتاوى ١٦/٥٦٤ باختصار، وانظر : ٥٦١ - ٥٨١، ومنهاج السنة ٣/٢٦٣، ٢٦٧.
محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الإشبيلي المالكي... ١٣٤
محمد بن عبد الله اللواتي المغربي... ٣٠
محمد عبده بن حسن خير الله الحنفي المصري... ١٤٢
محمد بن علي بن الحسين بن علي العلوي الفاطمي المدني أبو جعفر الباقر... ٣٧٣
محمد بن علي بن أبي طالب القرشي... ١٦٥
محمد بن علي بن عبد الواحد الأنصاري ابن الزملكاني... ١٥
محمد بن علي بن عطية الحارثي أبو طالب المكي... ٣٧٣
محمد بن علي بن محمد الشوكاني... ٨٦
محمد بن علي بن محمود الصابوني... ١٧
محمد بن عمر بن الحسن التيمي البكري... ٨١
محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة... ١٣٩
محمد بن قيس بن مخرمة... ١٣٢
محمد بن كعب بن سليم القرظي... ١٠٢
محمد بن محمد بن أحمد بن سيد الناس الربعي... ١٥
محمد بن محمد بن مصطفى العمادي الحنفي... ١٧١
محمد بن المستنير بن أحمد... ٢٢٣
محمد بن مسلم بن شهاب الزهري... ١٦٦
محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي الراميني الصالحي... ١٨
محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهُدَيِّر القرشي التيمي المدني... ٥٢٦
محمد بن نصر المروزي... ٣٧٤
محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمامي الأزدي... ٦٨٤
محمد بن يوسف بن علي بن حيان الغرناطي... ٢١
محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي... ١١٢
محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي الزمخشري المعتزلي... ٩١
ابن مخلوف = علي بن مخلوف بن ناهض النويري المالكي
مسروق بن الأجدع... ١٠٢
مسعود بن مالك الأسدي... ٥٣٠
مسلم بن صبيح القرشي الكوفي... ٦٦٩
أبو مسلم الدمشقي = سليمان بن عبد الرحمن بن شرحبيل بن مسلم الخولاني
مصعب بن سعد بن أبي وقاص... ٨٣
مطرف بن عبد الله بن الشخير الخرشي العامري... ٤٠٣
معمر بن راشد الأزدي... ٦٩٨
معمر بن المثنى التيمي مولاهم البصري... ٢٠٦
مقاتل بن حيان النبطي... ١٩١
مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي البلخي... ١٠٤
المقريزي = أحمد بن علي بن عبد القادر
مكحول بن أبي مسلم شهراب بن شاذل الهذلي... ١٦٥
مكي بن أبي طالب حَمُّوش... ٢٦٠
منصور بن حيَّان بن حصين الأسدي... ٦٤٥