- ومن ذلك أنه في عام ٧٠٠هـ وردت الأخبار أن التتار قد قصدوا بلاد الشام، وأنهم عازمون على دخول مصر، فانزعج الناس لذلك، وازدادوا ضعفاً على ضعفهم، وطاشت عقولهم، وخافوا خوفاً شديداً، وشرعوا في الهرب إلى بلاد مصر، والحصون المنيعة وغلت الدواب، وبيعت الأمتعة بأرخص الأثمان، فنهض الشيخ وحرَّض الناس على القتال، وذهب إلى نائب الشام، فثبته وقوَّاه، ثم توجه إلى مصر وقابل السلطان واستحثه على تجهيز الجيوش إلى الشام وقال لهم : إن كنتم أعرضتم عن الشام وحمايته أقمنا له سلطاناً يحوطه ويحميه، ويستغلُّه في زمن الأمن، ولم يزل بهم حتى خرجت الجيوش إلى الشام، فخاف التتار واندحروا، ورجعوا، فسكن الناس وأمنوا(١).
- وفي عام ٧٠٢، وردت الأخبار أن التتار عازمون على غزو الشام ففزع الناس فزعاً شديداً، ثم قدموا، وجاءت الجيوش المصرية وخرج الشيخ وحث الأمراء والجند على الصبر ورغبهم في الجهاد، وأفتى الناس بالفطر، وقال : إن الفطر أقوى لكم. ووَعَدَ الناس بالنصر، وبدأت المعركة العظيمة المشهورة بمعركة شَقْحَب(٢)، ووقف الشيخ فيها موقف الموت فانتصر المسلمون، وغنموا مغانم كثيرة، وانهزم التتار وولوا مدبرين(٣).
مِِحَنُه :
تعرض شيخ الإسلام لمحن وابتلاءات عديدة، وهذه سُنَّةٌ ماضية ؛ فإن الله تعالى يبتلي
(٢) شَقْحَب : على وزن جَعْفَر، عين ماء، جنوب دمشق، وهي الآن مزرعة تبعد أربعين كلم عن دمشق. انظر : تاج العروس ١/٣٢٤، وترجمة شيخ الإسلام لمحمد كرد علي ص٢٣.
(٣) البداية والنهاية ١٤/٢٣.
ولتلميذه القاضي عياض(١) – رحمه الله – كلام نفيس حول هذه القصة وكان مما قاله :" اعلم – أكرمك الله – أن لنا في الكلام على مشكل الحديث مأخذين :
أحدهما : في توهين أصله، والثاني : على تسليمه.
أما المأخذ الأول : فيكفيك أن هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند متصل سليم، وإنما أُولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب، المتلقِّفون من الصُّحف كلَّ صحيح وسقيم.
وصدق القاضي بكر بن العلاء المالكي حيث قال : لقد بُلي الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير، وتعلق بذلك الملحدون ؛ مع ضعف نَقَلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده، واختلاف كلماته ؛ فقائل يقول : إنه في الصلاة، وآخر يقول : قالها في نادي قومه حين أنزلت عليه السورة، وآخر يقول : قالها وقد أصابته سِنة، وآخر يقول : بل حدَّث نفسه فسها، وآخر يقول : إنَّ الشيطان قالها على لسانه، وإنّ النبي - ﷺ - لمّا عرضها على جبريل قال : ما هكذا أقرأتك، وآخر يقول : بل أعلمهم الشيطان أن النبي - ﷺ - قرأها، فلما بلغ النبي - ﷺ - ذلك قال : والله ما هكذا نزلت، إلى غير ذلك من اختلاف الرواة.
الفراء(١)، وابن جرير(٢)، والزجاج(٣)، والنحاس(٤)، والثعلبي(٥)،
والواحدي(٦)، والبغوي(٧)، والرازي(٨)، والألوسي(٩)، وابن المنير(١٠).
واستُدل له بما رُوي أن النبي - ﷺ - كان إذا قرأ هذه الآية قال :" اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها " (١١) (١٢).
واستدل له الرازي بقوله :" إن أهل اللغة اتفقوا على أن عود الضمير إلى الأقرب أولى من عوده إلى الأبعد، وقوله ( ) أقرب إلى قوله :(ما) منه إلى قوله: ( ) " (١٣).
وقد رد شيخ الإسلام هذا القول من جهة اللفظ والمعنى كما تقدم، وكذا ابن القيم بنحو ما قاله شيخه وقال :" سياق الكلام ونظمه يقتضي خلافه، ولم تدع الضرورة إليه فالحمل عليه ممتنع " (١٤)، كما رده الزمخشري بناء على مذهبه القدري : أن الإنسان يخلق فعل نفسه(١٥).
(٢) تفسيره ٢٤/٤٤٣ - ٤٤٤ [ ط التركي ].
(٣) معاني القرآن ٥/٣٣٢.
(٤) تفسيره ٥/٢٣٦.
(٥) تفسيره ١٠/٢١٣.
(٦) الوسيط ٤/٤٩٧.
(٧) تفسيره ٨/٤٣٩ [ ط طيبة ].
(٨) تفسيره ٣١/١٩٤.
(٩) تفسيره ٣٠/٤٣.
(١٠) انظر : الانتصاف بهامش الكشاف ٤/٢١٥.
(١١) أخرجه الطبراني في الكبير ١١/١٠٦، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وحسن إسناده الهيثمي في المجمع ٧/١٣٨، وذكره في الدر ٦/٦٠٠، وعزاه أيضاً لابن المنذر وابن مردويه، وأصله في الصحيحين دون ذكر الآية.
(١٢) وقد استدل به ابن عطية ١٦/٣١٢ وغيره.
(١٣) تفسيره ٣٢/١٩٤.
(١٤) التبيان ص١٨.
(١٥) الكشاف ٤/٢١٦.
القول الأول : أن الخطاب عام لجميع الكفار، كما هو ظاهر الآية.
القول الثاني : أنه خطاب للمشركين والنصارى دون اليهود ؛ وهذا قول ابن زيد.
قال ابن زيد عند هذه الآية :" قال : للمشركين، قال : واليهود لا يعبدون إلا الله ولا يشركون ؛ إلا أنهم يكفرون ببعض الأنبياء وبما جاؤوا به من عند الله ويكفرون برسول الله وبما جاء به من عند الله وقتلوا طوائف الأنبياء ظلماً وعدواناً، قال : إلا العصابة التي بقوا حتى خرج بختنصر، فقالوا : عزير ابن الله دَعيُّ الله، ولم يعبدوه ولم يفعلوا كما فعلت النصارى، قالوا : المسيح ابن الله، وعبدوه " (١).
وهذا القول مخالف لظاهر الآية، والقول بأن اليهود لا يعبدون إلا الله غير مسلَّم، وتقدم تقرير ذلك في كلام شيخ الإسلام، ولم أر من قال به من المفسرين غير ابن زيد.
والراجح – والله أعلم – القول الأول، لعموم الآية في جميع الكفار، ولأن اليهود عندهم شرك.
منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد المروزي السمعاني... ١٢١
ابن المنكدر = محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهُدَيِّر القرشي التيمي المدني
ابن الْمُنَيِّر = أحمد بن محمد بن منصور
المهدوي = محمد بن إبراهيم
موسى بن طارق اليماني الزبيدي... ٢٠٩
موسى بن عقبة بن أبي عيّاش... ١٣٩
أبو ميسرة = عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي
ميمون بن مهران الرقي... ٥٥٧
(ن)
أبو نجيح = يسار المكي
ابن أبي نجيح = عبد الله المكي
النحاس = أحمد بن محمد
النسفي = عبد الله بن أحمد بن محمود
نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي... ١١١
النقاش = محمد بن الحسن بن محمد بن زياد
أبو نهيك = عثمان بن نهيك
ابن الوزير = محمد بن المرتضي اليماني
(هـ)
ابن هشام = عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري
(و)
أبو وائل = شقيق بن سلمة
الواحدي = علي بن أحمد بن محمد
أبو الوفاء بن عقيل = علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الظفري
وهب بن منبه الأبناوي الصنعاني... ٢٠١
(ي)
يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء... ١١٩
يحيى بن أبي كثير الطائي... ٢٣٢
يزيد بن هارون بن زاذان بن ثابت السلمي الواسطي... ١٥٨
يسار المكي أبو نجيح... ٤٠٣
يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله الحضرمي... ٩٧
أبو يعلى = محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء
يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي... ٣٧٤
++++++++
فهرس الفرق والأماكن
الفرقة أو المكان... رقم الصفحة
أنطاكية... ٢٥٢
أهل حروراء... ٨٢
أهل الصوامع... ٨٢
تيماء... ١٣
الحديبية... ٤٦١
حرَّان... ١٤
شَقْحَب... ٢٣
الشَّمَامِسَة... ٨٦
المعتزلة... ٤٧٤
++++++++++++
فهرس الأبيات الشعرية
البيت الشعري... صاحب البيت... رقم الصفحة
وداع دعا يا من يُجيبُ إلى النَّدى... فلم يَسْتَجِبه عند ذاك مُجيبُ... لا يعرف... ٢٩٩
نحن بنو جَعْدَة أصحابُ الفَلَج... نضرب بالسيف ونرجو بالفرج... سعد بن مالك