وقبل وفاته بقليل – وهو في حبسه – حلَّل من عاداه وهو لا يعلم أنه على الحق، وحللّ السلطان الملك الناصر من حبسه له، لكونه فعل ذلك مقلداً لغيره، ولم يفعله من تلقاء نفسه، بل لما بَلَغَه مما ظنه حقاً من مُبَلِّغيه(١).
الله أكبر هذه أخلاق العلماء الربانيين.
وفاته :
لم يزل الشيخ – رحمه الله – مقبلاً على العبادة وقراءة القرآن والذكر صابراً محتسباً إلى أن توفى ليلة الاثنين العشرين من ذي القعدة سنة ٧٢٨هـ، وذلك بعد مرض لازمه أياماً معدودة، وقد كانت وفاته مصيبة عظيمة، وفاجعة كبيرة، حزن لها الناس وبكوا، وفزعوا فزعاً شديداً، لا سيما وأنهم لم يعلموا بمرضه، وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً.
ولنْسمع لتلاميذه وهم يصفون ذلك اليوم العظيم، وتلك الجنازة الباهرة.
يقول تلميذه الحافظ أبو حفص البزار :" فما هو إلا أن سمع الناس بموته حتى لم يَبْقَ في دمشق من يستطيع المجيء إلى الصلاة عليه وأراده إلا حضر لذلك، وتفرّغ له، حتى غُلقت الأسواق بدمشق، وعُطَّلت معايشها حينئذ، وحصل للناس بمصابه أمر شغلهم عن غالب أمورهم وأسبابهم، وخرج الأمراء والرؤساء والعلماء والفقهاء، والأتراك، والأجناد، والرجال، والنساء، والصبيان من الخواص والعوام.
ولم يتخلف أحد من الناس فيما أعلم إلا ثلاثة أنفس كانوا قد اشتهروا بمعاندته، فاختفوا من الناس خوفاً على أنفسهم، بحيث غلب على ظنهم أنهم متى خرجوا رجمهم الناس فأهلكوهم... " (٢).

(١) الأعلام العلية ص٧٢.
(٢) الأعلام العلية ص٧٢ بتصرف يسير.

قال أبو بكر البزّار(١) : هذا الحديث لا نعلمه يُروى عن النبي - ﷺ - بإسناد متصل يجوز ذكره إلا هذا، ولم يسنده عن شعبة إلا أمية بن خالد(٢)، وغيره يُرسله عن سعيد بن جُبير وإنما يُعرف عن الكلبي(٣)، عن أبي صالح، عن ابن عباس، فقد بيَّن لك أبو بكر - رحمه الله - أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره سوى هذا.
وفيه من الضعف ما نبه عليه مع وقوع الشك فيه كما ذكرناه، الذي لا يوثق به، ولا حقيقة معه.
وأما حديث الكلبي فممّا لا تجوز الرواية عنه ولا ذكره لقوّة ضعفه وكذبه كما أشار إليه البزار - رحمه الله -.
والذي منه في الصحيح أن النبي - ﷺ - قرأ : وهو بمكة، فسجد معه المسلمون والمشركون والجنّ والإنس.
(١) هو أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، أبو بكر، من حفاظ الحديث، توفي بالرملة سنة ٢٩٢هـ، من مؤلفاته : المسند. انظر : تاريخ بغداد ٤/٣٣٤ ترجمة (٢١٥٧)، وشذرات الذهب ٢/٢٠٩.
(٢) هو أمية بن خالد بن الأسود القيسي البصري، أبو عبد الله، صدوق، مات سنة مائتين، أو إحدى ومائتين. انظر : تقريب التهذيب ص١١٤ ترجمة رقم (٥٥٤)، وشذرات الذهب ١/٣٥٩.
(٣) هو محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث الكلبي، أبو النضر، نسابة راوية عالم بالتفسير والأخبار وأيام العرب، توفي بالكوفة سنة ١٤٦هـ، من مؤلفاته : تفسير القرآن، وهو ضعيف الحديث. انظر : تهذيب التهذيب ٩/١٧٨، وتقريب التهذيب ص٤٧٩.

إني لعمرك ما بابي بذي غَلَق... على الصديق ولا خير بمنون... ذو الأصبع العدواني
إذا ما رايةٌ رُفعت لمجد... تلقاها عرابة باليمين... الشماخ
في سنةٍ قد كشفتْ عن ساقها... حمراءَ تَبْرى اللحم عن عِراقها... لا يعرف
جَمَعتَ وفحشاً غيبةً ونميمةً... ثلاثَ خصال لستَ عنها بِمُرعَوي... يزيد بن الحكم... ٧٢٢
لما نافع يسعى اللبيب فلا تكن... لشيء بعيد نفعه الدهر ساعيا... لا يعرف... ٥٨٠
+++++++++++++++
فهرس المصادر والمراجع
... ( أ )...
١- الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية، لابن بطة الحنبلي، تحقيق : الوليد بن محمد النصر، دار الراية، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٨هـ.
٢- إبطال التأويلات لأخبار الصفات، لأبي يعلى الفراء، تحقيق : محمد بن حمد الحمود النجدي، دار إيلاف، الكويت.
٣- إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر، لأحمد بن محمد البنَّا، تحقيق : شعبان بن محمد إسماعيل، عالم الكتب، الطبعة الأولى، ١٤٠٧هـ.
٤- الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤٠٧هـ.
٥- الإجماع في التفسير، لمحمد بن عبد العزيز الخضيري، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤٢٠هـ.
٦- الأحاديث المختارة، لضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي، تحقيق : عبد الملك بن دهيمش، دار خضر، بيروت، الطبعة الثالثة، ١٤٢٠هـ.
٧- أحكام الجنائز وبدعها، لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٢هـ.
٨- أحكام القرآن، لأبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي، تحقيق : علي البجاوي، دار الجيل، بيروت.
٩- أحكام القرآن، للكيا الهراسي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٣هـ.
١٠- إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، لأبي السعود العمادي، دار إحياع التراث العربي بيروت، الطبعة الثانية ١٤١١.


الصفحة التالية
Icon