وقد أقبل – رحمه الله – على التفسير في آخر حياته، وقال مقولته المشهورة، وهو محبوس في القلعة :" قد فتح الله عليَّ في هذا الحصن، في هذه المرَّة من معاني القرآن، ومن أصول العلم بأشياء، كان كثيرٌ من العلماء يتمنونها، وندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن " (١).
هذا ولم يكتب الشيخ – قدس الله روحه – تفسيراً كاملاً للقرآن، ولكن كان يتكلم عن بعض الآيات بما يفتح الله عليه من حفظه كما مرّ، وكتب في تفسير بعض السور كسورة الإخلاص، والمعوذتين، والنور، وأحياناً يُسئل عن معنى آية فيجيب، وأحياناً يتكلم عن الآية أو الآيات في أثناء حديثه عن مسألة عقدية أو فقهية أو غيرها، ولم يسلك في التفسير منهج أهل عصره ومن بعدهم من الوقوف عند كل لفظة من ألفاظ الآية وتحليلها، بل كان يقتصر على بيان ما تدعو الحاجة إليه، ويستطرد كثيراً في بعض الأحيان لكشف مسألة يقع فيها غموض أو التباس.

(١) العقود الدرية ص٢٥.

ثم ذكر هذه الأجوبة وتعقَّبها، ورجح الأخير منها، وهو الذي أجاب به ابن العربي، فقال :" والذي يظهر ويترجّح في تأويله(١) عنده وعند غيره من المحقِّقين على تسليمه أن النبي - ﷺ - كان – كما أمره ربه – يرتِّل القرآن ترتيلاً ويفصِّل الآي تفصيلاً في قراءته، كما رواه الثقات عنه، فيمكن ترصُّد الشيطان لتلك السكتات ودسُّه فيها ما اختلقه من تلك الكلمات محاكياً نغمة النبي - ﷺ - بحيث يسمعه من دنا إليه من الكفّار، فظنّوها من قول النبي - ﷺ - وأشاعوها، ولم يقدح ذلك عند المسلمين بحفظ السورة قبل ذلك على ما أنزلها الله وتحقّقهم من حال النبي - ﷺ - في ذمِّ الأوثان وعيبها على ما عُرف منه.
وقد حكى موسى بن عقبة(٢) في مغازيه نحو هذا، وقال :" إن المسلمين لم يسمعوها وإنما ألقى الشيطان ذلك في أسماع المشركين وقلوبهم، ويكون ما رُوي من حُزن النبي - ﷺ - لهذه الإشاعة والشبهة وسبب هذه الفتنة " (٣).
وقال الرازي :" أما أهل التحقيق فقد قالوا هذه الرواية باطلة موضوعة، واحتجوا عليه بالقرآن والسنة والمعقول "، ثم ذكر وجوه ذلك(٤).
(١) أي : تأويل هذا الحديث.
(٢) هو موسى بن عقبة بن أبي عيّاش الأسدي، مولى آل الزبير، ثقة فقيه إمام في المغازي، توفي سنة إحدى وأربعين ومائة، وقيل بعد ذلك، من مؤلفاته : المغازي. انظر : الجرح والتعديل ٨/١٥٤، وتقريب التهذيب ص٥٥٢.
(٣) الشفاء بتعريف حقوق المصطفى ٢/٧٥٠ – ٧٦٠، وانظر هذه الأجوبة أو بعضها في تفسير الثعلبي ٧/٣٠، والماوردي ٤/٣٥، والبغوي ٣/٢٩٤، وفتح الباري ٨/٥٥٩، والألوسي ١٨/١٧٩.
(٤) تفسيره ٢٣/٤٤ – ٤٨.

٥٣- التبيان في أقسام القرآن، لابن القيم، دار الكتب العلمية، صححه : طه يوسف شاهين، ١٤٠٢هـ.
٥٤- التحديث بما قيل : لا يصح فيه حديث، لبكر بن عبد الله أبو زيد، دار الهجرة، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٢هـ.
٥٥- تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة، ١٣٩٨هـ.
٥٦- التحرير والتنوير، لمحمد الطاهر ابن عاشور، الدار التونسية للنشر، ١٩٨٤م.
٥٧- تحفة النظَّار في غرائب الأمصار ( رحلة ابن بطوطة )، لمحمد بن عبد الله اللواتي المغربي، علق عليه : طلال حرب، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت.
٥٨- تخريج أحاديث مجموعة فتاوى ابن تيمية، أعدها : مروان كجك، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٩هـ.
٥٩- تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري، للحافظ جمال الدين الزيلعي، اعتنى به : سلطان الطبيشي، دار ابن خزيمة، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٤هـ.
٦٠- تذكرة الحفاظ، للذهبي، دار إحياء التراث العربي.
٦١- ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية، لمحمد كرد علي.
٦٢- ترجيحات الإمام ابن جرير في التفسير، رسالة دكتوراه في جامعة الإمام، الرياض، إعداد : حسين بن علي الحربي، مطبوعة بالحاسب الآلي، ١٤٢١هـ.
٦٣- ترجيحات الحافظ ابن كثير لمعاني الآيات في تفسيره، رسالة دكتوراه في الجامعة الإسلامية بالمدينة، لعبد الله بن عبد العزيز العواجي، مطبوعة بالحاسب الآلي.
٦٤- الترغيب والترهيب، للحافظ المنذري، تحقيق : محي الدين مستو وزملائه، دار ابن كثير، دمشق، الطبعة الأولى، ١٤١٤هـ.
٦٥- التسعينية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق : د. محمد بن إبراهيم العجلان، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤٢٠هـ.
٦٦- التسهيل لعلوم التنْزيل، لابن جزي الكلبي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى ١٤١٥.


الصفحة التالية
Icon