، ولكن أريد أن أبين هنا أهم الخصائص التي تَميَّز بها تفسيرُه – رحمه الله - وهي كما يلي :
أولاً : اتباعه لمنهج السلف الصالح، أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات، حيث أثبت ما أثبته الله لنفسه في كتابه الكريم من الأسماء الحسنى والصفات العُلى على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل، وقد نصر – رحمه الله – هذا المذهب ونافح عنه، ورد على المخالفين فيه، وهذا أمر مستفيض في أكثر كتبه(١)، ومن الأمثلة على ذلك :
١- إثباته لصفة الساق في قوله تعالى :(٢)، قال – رحمه الله تعالى – عند هذه الآية :" يقال كشف البلاء أي : أزاله، ورفعه، ويقال : كشف عنه ؛ أي أظهره وبيَّنه، فمن الأول قوله تعالى :(٣)، وقوله تعالى :(٤)، وقوله تعالى :
(٥)، ومن الثاني قوله تعالى : ، لم يقل : يوم يكشف الساقَ، وهذا يبيِّن خطأ من قال : المراد بهذه الآية كشفُ الشدة، وأن الشدة تسمى ساقاً، وأنه لو أُريد ذلك لقيل : يوم يكشف عن الشدة، أو يكشف الشدةَ، وأيضاً فيومُ القيامة لا يَكْشف الشدةَ عن الكفار، والرواية في ذلك عن ابن عباس ساقطة الإسناد... " (٦).
٢- إثبات اليمين الواردة في قوله تعالى :(٧)، قال

(١) انظر - على سبيل المثال - : العقيدة الواسطية، والحموية، والتدمرية.
(٢) سورة القلم : الآية ٤٢.
(٣) سورة النحل : الآية ٥٤.
(٤) سورة المؤمنون : الآية ٧٥.
(٥) سورة الزخرف : الآية ٥٠.
(٦) تلخيص الاستغاثة ص٢٨٨.
(٧) سورة الزمر : الآية ٦٧.

وإذا تبيَّن بطلان هذه القصة المصنوعة سنداً ومتناً، وأن العلماء المحققين من المفسرين وغيرهم قديماً وحديثاً قد تتابعوا وتوافقوا على القول بنكارتها، وأن من أثبتها أوَّلها بتأويلات شتى مضت الإشارة إليها، أقول : إذا تبيَّن لنا هذا عَرَفْنا أن ما ذهب إليه شيخُ الإسلام في شأنها شاذٌ، وغريب، وأنه لا يتفق مع أصوله المعروفة لمن يتتبع كلامه على نصوص الكتاب والسنة ؛ فإنه كثيراً ما يضعِّف أسانيدَ، ورواياتٍ أقوى من هذه وأسلم، ويردُّها لنكارة متْنها، وكثيراً ما يَرُدُّ بعضَ أقوال السلف لمخالفتها لما هو معلوم من قواعد الشريعة ومقاصدها، ولذلك أمثلته كثيرة بعضها في هذه الرسالة.
وأمَّا قوله – رحمه الله – عمَّا ذهب إليه إنه قول عامَّة السلف ومن تبعهم، فيناقش بأنه لم يثبت عن واحد من السلف، وتقدم تقرير ذلك، ولعلّ هذه المرويات المتعددة عنهم ترجع إلى مصدر واحد، كما قيل : إن ابن الزِّبَعْري(١) هو الذي اخترعها(٢).
وأما قوله :" هذا النوع أدلُّ على صدق الرسول - ﷺ -، وبعده عن الهوى "... فهو
– في رأيي – غير وجيه، ودلائل صدقه - ﷺ - معلومة من جهات أخرى كثيرة جداً لا إشكال فيها.
هذا وقد تعقَّب القاسميُّ شيخَ الإسلام في هذه المسألة، وقال :" في كلامه – رحمه الله – نظر من وجوه :
(١) عبد الله بن الزبعري السهمي القرشي، شاعر قريش في الجاهلية، كان شديداً على المسلمين، أسلم بعد الفتح ومدح النبي - ﷺ -. انظر : الأعلام ٤/٨٧.
(٢) ذكره الطيبي في حاشيته على الكشاف نقلاً عن بعض المؤرِّخين، انظر : تفسير ابن عاشور ١٧/٣٠٥، وحاشية الطيبي ما زالت مخطوطة وقد حقق أجزاء من أولها في الجامعة الإسلامية في المدينة.

١٣٦- السنة، للحافظ أبي بكر بن أبي عاصم الشيباني، اعتنى به : محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٠هـ.
١٣٧- السنة، لعبد الله بن الإمام أحمد، تحقيق : د. محمد سعيد القحطاني، رمادى للنشر، الدمام، الطبعة الثانية، ١٤١٤هـ.
١٣٨- سنن أبي داود، للحافظ أبي داود السجستاني، إعداد وتعليق : عزت الدعاس، دار الحديث، الطبعة الأولى، ١٣٨٩هـ.
١٣٩- سنن ابن ماجه، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الفيصلية، مكة.
١٤٠- السنن الكبرى، للبيهقي، دار المعرفة، بيروت، ١٤١٣هـ.
١٤١- السنن الكبرى، للنسائي، تحقيق : عبد الغفور البنداري، وسيد حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١١هـ.
١٤٢- سنن النسائي، للحافظ أبي عبد الرحمن النسائي، اعتنى به : عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثالثة، ١٤٠٩هـ.
١٤٣- سير أعلام النبلاء، للذهبي، مؤسسة الرسالة، تحقيق : شعيب الأرنؤوط وزملائه، الطبعة الأولى، ١٤٠٣هـ.
١٤٤- السيرة النبوية الصحيحة، لأكرم ضياء العمري، مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الخامسة، ١٤١٣هـ.
( ش )...
١٤٥- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي، دار المسيرة بيروت، الطبعة الثانية ١٣٩٩.
١٤٦- شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك، تعليق : عاصم بهجت البيطار وزملائه، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، الطبعة الثانية، ١٤٠٤هـ.
١٤٧- شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي، تحقيق : عبد الله التركي وشعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، ١٤٠٨هـ.
١٤٨- شرح العقيدة الواسطية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، شرح الشيخ : محمد العثيمين، اعتنى به : سعد الصميل، دار ابن الجوزي، الطبعة الثانية، ١٤١٥هـ.


الصفحة التالية
Icon