- رحمه الله - عند هذه الآية :" فإن المتأخرين وإن كان فيهم من حرَّف، فقال : بقبضته : بقدرته، وبيمينه : بقوته، أو بقَسَمِهِ، أو غير ذلك، فقد استفاضت الأحاديث الصحيحة التي رواها خيارُ الصحابة، وعلماؤهم بما يوافق ظاهر الآية، ويفسِّر المعنى... " (١). وتبرز أهمية هذه السَّمة الواضحة في تفسيره، إذا علمنا أن أكثر المفسرين سلكوا مسلك التأويل الفاسد لصفات الله تعالى(٢).
ثانياً : اهتمامه بالتفسير بالمأثور وتقديمه على غيره :
من المعروف عن شيخ الإسلام أنه يعظم المأثور من الأحاديث المرفوعة إلى النبي - ﷺ -، وما أثُر عن الصحابة والتابعين، ولا يخرج عمّا صحَّ من ذلك، مع أنه قرر أن ما صحَّ من
المنقول لا يمكن أن يخالف صريح المعقول.
وقد بيَّن في مقدمته المشهورة في أصول التفسير أن أصحَّ طرق التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن، فإن لم يوجد ذلك، ففي السنة فإنها شارحة للقرآن مبينة له، فإن لم يجد المفسر ذلك فعليه بأقوال الصحابة، فإنهم أعلم الناس بكتاب الله، فإن لم يجد ذلك، فعليه بأقوال التابعين ولا سيما إذا أجمعوا(٣).
وكان – رحمه الله – يقول :" ومما ينبغي أن يعلم أن القرآن والحديث إذا عرف تفسيره من جهة النبي - ﷺ - لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم " (٤).
والرجوع إلى المأثور في التفسير سمة بارزة عند شيخ الإسلام، فهو لا يكاد يتحدث عن آية إلا ويذكر الآثار المروية فيها، وستأتي – إن شاء الله – أمثلة كثيرة لذلك في هذه الرسالة ومن أمثلة ذلك :
(٢) انظر : المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات لمحمد المغراوي، والقول المختصر المبين في مناهج المفسرين لمحمد الحمود النجدي.
(٣) المقدمة ص ٨٢
(٤) مجموع الفتاوى ٧/٢٨٦.
أولاً : دعواهُ أن المأثور يوافق القرآن ؛ فإنه ذهاب إلى أن الإلقاء : إلقاء الآيات، ولا تدلُّ الآية عليه، لا مطابقةً ولا التزاماً، بل القول بذلك ينافي التنْزيل والوحي، منافاة النار للماء كما سنراه.
وثانياً : دعواه أن تلك الرواية نَقْلَها ثابتٌ لا يمكن القدح فيه، فقد قدح فيها من لا يُحصى من المتقدمين والمتأخرين...
ثالثاً : اعترافه بأن السؤال وارد على تقدير ثبوتها، وإلقاء الشيطان ذلك في مسامعهم، مما يُبرهن أن فيها مغامز تنبذها العقول، كما نبذتها صحةُ النقول " (١).
معنى الآية :
هذه الآية فيها تسْلية لرسول الله - ﷺ -، أي : لا يحزنك ذلك فقد أصاب مثلُ هذا من قبلك من المرسلين والأنبياء(٢).
واختلف المفسرون في معناها على أقوال :
القول الأول : أن بمعنى قرأ وتلا وحدَّث، و قراءته.
قال ابن عباس :" يقول : إذا حدَّث ألقى الشيطان في حديثه " (٣).
وبه قال مجاهد والضحاك(٤)، وهو قول جمهور المفسرين(٥).
قال الفراء :" التمني : التلاوة، وحديث النفس أيضاً " (٦)، واختاره الزجاج(٧).
(٢) انظر : تفسير ابن كثير ٣/٤١.
(٣) أخرجه ابن جرير ٩/١٧٧، وذكره عنه البخاري ٨/٤٣٨ في صحيحه معلقاً.
(٤) أخرجه عنهما ابن جرير ٩/١٧٨، قال مجاهد :" إذا قال "، وقال الضحاك :" يعني بالتمني القراءة والتلاوة ".
(٥) نسبه لأكثر المفسرين الثعلبي ٧/٣٠، والسمعاني ٣/٤٧٧، والبغوي ٣/٢٩٣، وابن الجوزي ٥/٣٠٣، والشوكاني ٣/٦٥٤.
(٦) معاني القرآن ٢/٢٢٩.
(٧) معاني القرآن وإعرابه ٣/٤٣٣.
١٤٩- شرح العمدة، كتاب الصلاة، لابن تيمية، تحقيق : خالد بن علي المشيقح، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٨هـ.
١٥٠- شرح العمدة في الفقه، لشيخ الإسلام، كتاب الطهارة، تحقيق د. سعود العطيشان، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، ١٤١٣هـ.
١٥١- شرح الكوكب المنير، للفتوحي، تحقيق : محمد الزحيلي، ونزيه حماد، نشر : مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، مكة، الطبعة الأولى، ١٤٠٨هـ.
١٥٢- الشرح الممتع على زاد المستقنع، للشيخ محمد العثيمين، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى، ١٤٢٣هـ.
١٥٣- شرح حديث النُّزول، لشيخ الإسلام، تحقيق : محمد بن عبد الرحمن الخميس، دار العاصمة، الطبعة الأولى، ١٤١٤هـ.
١٥٤- شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، لابن القيم، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، ١٤٠٧هـ.
١٥٥- الشفاء بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض، تحقيق : علي البجاوي، دار الكتاب العربي، بيروت.
١٥٦- شيخ الإسلام وجهوده في الحديث وعلومه، للدكتور عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٦هـ.
( ص )...
١٥٧- الصحاح، للجوهري، تحقيق : أحمد عبد الغفار عطار، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثالثة، ١٤٠٤هـ.
١٥٨- صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تحقيق : شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، ١٤١٤هـ.
١٥٩- صحيح البخاري ( مع فتح الباري )، دار السلام، الطبعة الأولى، ١٤١٨هـ.
١٦٠- صحيح الترغيب والترهيب، للمنذري، اختيار وتحقيق : محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤٠٦هـ.
١٦١- صحيح السيرة النبوية، لإبراهيم العلي، دار النفائس، الطبعة الأولى، ١٤١٥هـ.
١٦٢- صحيح سنن أبي داود، لمحمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، ١٤٠٩هـ، المكتب الإسلامي، بيروت.