يقول – قدس الله روحه - :" ربما طالعت في الآية الواحدة نحو مائة تفسير، ثم أسأل الله الفهم، وأقول : يا معلم آدم وإبراهيم علمني، وكنت أذهب إلى المساجد المهجورة، ونحوها، وأمرَّغ وجهي في التراب، وأسأل الله – تعالى – وأقوال : يا معلم إبراهيم فهمني " (١).
وكان – رحمه الله – لا يقدم على الترجيح في المسائل التي يقع فيها اشتباه وإشكال إلا بعد أن يسترسل في ذكر الأقوال، والاستدلال لها، ويستوعب الأقوال فيها(٢) ويناقشها، يقول – رحمه الله - :" وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة وما رووه من الحديث ووقفت من ذلك على ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار أكثر من مائة تفسير فلم أجد - إلى ساعتي هذه - عن أحد من الصحابة أنه تأول شيئا من آيات الصفات أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف ; بل عنهم من تقرير ذلك وتثبيته... " (٣).
وقال – رحمه الله – :" فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف : أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن ينبه على الصحيح منها ويبطل الباطل وتذكر فائدة الخلاف وثمرته لئلا يطول لنِزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته فينشغل به عن الأهم... " (٤).
رابعاً : إعراضه عن الإسرائيليات :
من ميزات تفسير شيخ الإسلام أنه أعرض عن الإسرائيليات، وهي الأخبار التي تروى عن بني إسرائيل، في تفسير القرآن، وهي غالباً ما تكون في قصص، وأخبار الأمم السابقة، وغالب كتب التفسير لا تخلو منها، فمستقل ومستكثر، ومن معقِّب عليها، وغير معقب.
وقد بيَّن – رحمه الله – في مقدمة تفسيره أنها ثلاثة أقسام :
١- ما علمنا صحته، مما شهد له شرعنا بالصدق، فهو صحيح.
٢- ما علمنا كذبه، وذلك بمخالفته لما جاء في شرعنا.

(١) العقود الدرية ص٢٤.
(٢) انظر : ابن تيمية ومنهجه في تفسير القرآن ص٧٧٧، ٩٤٢.
(٣) مجموع الفتاوى ٦/٣٩٤
(٤) مجموع الفتاوى ١٣/٣٦٧، ومقدمة في أصول التفسير ص٨٩.

وقال ابن عطية :" ولا خلاف أن إلقاء الشيطان إنما هو لألفاظ مسموعة وقعت بها الفتنة " (١).
وقال الرازي :" قيل المراد بذلك على هذا المعنى : ما يجوز أن يسهو الرسول - ﷺ - فيه، ويشتبه على القاري دون ما ردده من قوله :( تلك الغرانيق العلى ) " (٢).
واختاره القاضي عياض ووجهه بقوله :" وأولى ما يقال فيها ما عليه الجمهور من المفسرين : أن التمنِّي هاهنا التلاوة، وإلقاء الشيطان فيها شغله بخواطر وأذكار من أمور الدنيا للتَّالي(٣) حتى يُدخل عليه الوهم والنسيان فيما تلاه، أو يدخل غير ذلك في أفهام السامعين من التحريف وسوء التأويل ما يزيله الله وينسخه، ويكشف لبسه ويحكم آياته" (٤).
وقال الألوسي :" والمعنى : وما أرسلنا من قبلك رسولاً ولا نبياً إلا وحاله أنه إذا قرأ شيئا من الآيات ألقى الشيطان الشُّبَه والتخيلات فيما يقرؤه على أوليائه، ليجادلوه بالباطل ويردوا ما جاء به كما قال تعالى :
(٥)، وقال سبحانه :(٦) وهذا كقولهم عند سماع قراءة الرسول - ﷺ - :(٧) إنه يحل ذبيح نفسه، ويحرم ذبيح الله تعالى، وقولهم على ما في بعض الروايات عند سماع قراءته عليه الصلاة والسلام :
(٨) إن عيسى عبد من دون الله تعالى والملائكة عليهم السلام عبدوا من دون الله تعالى : أي : فيبطل ما يلقيه من تلك الشبه ويذهب به بتوفيق النبي - ﷺ - لرده أو بإنزال ما يرده أي : يأتي بها محكمة مثبتة لا تقبل الرد بوجه من الوجوه " (٩).
وقال محمد عبده :" وفي تفسيرها وجهان :
(١) تفسيره ١١/٢١٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٣/٤٥.
(٣) أي : القاري.
(٤) الشفا ٢/٧٤١.
(٥) سورة الأنعام : الآية ١٢١.
(٦) سورة الأنعام : الآية ١١٢.
(٧) سورة البقرة : الآية ١٧٣.
(٨) سورة الأنبياء : الآية ٩٨.
(٩) تفسيره ١٧/١٧٣.

١٧٨- العظمة، لأبي الشيخ الأصبهاني، تحقيق رضاء الله المباركفوري، دار العاصمة الرياض، الطبعة الأولى ١٤٠٨.
١٧٩- العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية، لأبي عبد الله محمد بن عبد الهادي، تحقيق : طلعت الحلواني، طبعة الفاروق الحديثة، القاهرة.
١٨٠- العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، لابن الوزير اليماني، تحقيق : شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤١٢هـ.
( غ )...
١٨١- غاية النهاية في طبقات القراء، لشمس الدين ابن الجزري، مكتبة المتنبي، القاهرة.
١٨٢- الغاية في القراءات العشر، لأبي بكر أحمد بن مهران، تحقيق : محمد عياث الجنباز، الطبعة الأولى، ١٤٠٥هـ.
( ف )...
١٨٣- الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام، تحقيق أحمد كنعان، دار الأرقم، بيروت الطبعة الأولى ١٤٢٠.
١٨٤- فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع : أحمد بن عبد الرزاق الدويش، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١١هـ.
١٨٥- فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، دار السلام، الطبعة الأولى، ١٤١٨هـ.
١٨٦- فتح الباري شرح صحيح البخاري، للحافظ ابن رجب الحنبلي، تحقيق : محمود عبد المقصود وآخرين، مكتبة الغرباء الأثرية، الطبعة الأولى، ١٤١٧هـ.
١٨٧- فتح البيان في مقاصد القرآن، لأبي الطيب صديق حسن خان، المكتبة العصرية، الطبعة الثانية، ١٤١٢هـ.
١٨٨- الفتح السماوي بتخريج أحاديث تفسير القاضي البيضاوي، لزين الدين عبد الرؤوف المناوي، تحقيق : أحمد مجتبى السلفي، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤٠٩هـ.
١٨٩- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، للشوكاني، تحقيق : سيد إبراهيم، دار الحديث، الطبعة الأولى، ١٤١٣هـ.


الصفحة التالية
Icon