٣- ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل، ولا من هذا القبيل، فلا نصدقه، ولا نكذبه، وتجوز حكايته، للاستشهاد لا للاعتقاد، وغالب ذلك لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني(١).
وقد بيَّن – رحمه الله – في موضع آخر أنه دخل كتب التفسير من أقوال أهل الكتاب كذب كثير(٢).
وقد ردَّ – رحمه الله – في مواضع الأخبار الإسرائيلية التي يترتب على إثباتها محذور شرعي، ومن ذلك :
ردُّه ما تناقله المفسرون في قصة يوسف، من أنه وُجد منه - عليه السلام - بعض المقدمات مثل حل السراويل والجلوس منها مجلس الخاتن، ونحو هذا، وقال :" وما ينقلونه في ذلك ليس هو عن النبي - ﷺ -، ولا مستند لهم فيه إلا النقل عن بعض أهل الكتاب وقد عرف كلام اليهود في الأنبياء وغضهم منهم، كما قالوا في سليمان ما قالوا، وفي داود ما قالوا، فلو لم يكن معنا ما يرد نقلهم لم نصدقهم فيما لم نعلم صدقهم فيه، فكيف نصدقهم فيما قد دل القرآن على خلافه.
والقرآن قد أخبر عن يوسف من الاستعصام والتقوى والصبر في هذه القضية ما لم يذكر عن أحد نظيره.
وإذا كان الأمر في يوسف كذلك ؛ كان ما ذكر من قوله :(٣) إنما يناسب حال امرأة العزيز لا يناسب حال يوسف، فإضافة الذنوب إلى يوسف في هذه القضية فرية على الكتاب والرسول، وفيه تحريف للكلم عن مواضعه، وفيه اغتياب لنبي كريم، وقول باطل فيه بلا دليل، ونسبته إلى ما نزهه منه، وغير مستبعد أن يكون أصل هذا من اليهود أهل البهت، الذين كانوا يرمون موسى بما برأه الله منه، فكيف بغيره من الأنبياء ؟ وقد تلقى نقلهم من أحسن به الظن، وجعل تفسير القرآن تابعاً لهذا الاعتقاد " (٤).
خامساً : اهتمامه ببيان الآيات المشكلة :

(١) مقدمة في أصول التفسير ص ٨٨
(٢) انظر : مجموع الفتاوى ١٥/١٥١.
(٣) سورة يوسف : الآية ٥٣.
(٤) مجموع الفتاوى ١٥/١٤٩.

الأول : أن التمنى بمعنى القراءة، إلا أن الإلقاء لا بالمعنى الذي ذكره المبطلون، بل بمعنى إلقاء الأباطيل والشبه مما يحتمله الكلام، ولا يكون مراداً للمتكلم، ولكن يدعي أن ذلك يؤدى إليه، وذلك من عمل المعاجزين، الذي دأبهم محاربة الحق، يتبعون الشبهة، ويسعون وراء الريبة، ونسبة الإلقاء إلى الشيطان حينئذ لأنه مثير الشبهات بوساوسه، ويكون المعنى : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا حدث قومه عن ربه، أو تلا وحياً أنزل الله فيه هداية لهم، قام في وجهه مشاغبون يتقولون عليه ما لم يقله، ويحرفون الكلم عن مواضعه، وينشرون ذلك بين الناس، ولا يزال الأنبياء يجالدونهم ويجاهدون في سبيل الحق، حتى ينتصر، فيسنخ الله ما يلقي الشيطان من شبه، ويثبت الحق.
وقد وضع الله هذه السنة في الخلق ليتميز الخبيث من الطيب، فيفتتن ضعفاء الإيمان الذين في قلوبهم مرض، ثم يتمحص الحق عند أهله، وهم الذين أتوا العلم، فيعلمون أنه الحق من ربهم، وتخبت له قلوبهم " (١).
(١) الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ص٣٢١، ويأتي ذكر الوجه الثاني.

١٩٠- الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية، لسليمان بن عمر العجيلي الشهير بالجمل، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، ١٤٠٦هـ.
١٩١- الفتوى الحموية الكبرى، لابن تيمية، تحقيق : حمد التويجري، دار الصميعي، الطبعة الأولى، ١٤١٩هـ.
١٩٢- الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم الظاهري، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى، ١٣٩٥هـ.
١٩٣- الفصل في الملل والأهواء والنحل، لأبي محمد ابن حزم الظاهري، تحقيق : محمد إبراهيم نصر، وعبد الرحمن عميرة، شركة مكتبات عكاظ، جدة، الطبعة الأولى، ١٤٠٢هـ.
١٩٤- الفوائد البهية في تراجم الحنفية، لأبي الحسنات محمد اللكنوي الهندي، دار المعرفة، بيروت.
١٩٥- فوات الوفيات، لمحمد بن شاكر الكتبي، تحقيق إحسان عباس، دار صادر بيروت.
( ق )...
١٩٦- القاموس المحيط، لمحمد بن يعقوب الفيروز آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى ١٤١٥.
١٩٧- القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ومذاهب الناس فيه، د. عبد الرحمن المحمود، دار الوطن، ١٤١٨هـ.
١٩٨- قواعد الترجيح عند المفسرين، لحسين بن علي الحربي، دار القاسم، الطبعة الأولى، ١٤١٧هـ.
١٩٩- قواعد التفسير جمعاً ودراسة، لخالد بن عثمان السبت، دار ابن عفان، الطبعة الأولى، ١٤١٧هـ.
٢٠٠- القواعد المثلى فيصفات الله وأسمائه الحسنى، لابن عثيمين، دار الجيل بيروت، الطبعة الأولى ١٤١١.
٢٠١- القول الصحيح في تعيين الذبيح، لإبراهيم الحازمي، الطبعة الأولى، ١٤١٢هـ.
٢٠٢- القول الفصيح في تعيين الذبيح، لجلال الدين السيوطي، تحقيق : إبراهيم الحازمي، الطبعة الأولى، ١٤١٢هـ.
٢٠٣- القول المختصر المبين في مناهج المفسرين، لمحمد الحمود النجدي، مكتبة الذهبي، الكويت، الطبعة الأولى ١٤١٢.
( ك )....


الصفحة التالية
Icon