جمع ودراسة اختيارات ابن تيمية وترجيحاته في التفسير: من أول سورة الكهف إلى آخر القرآن الكريم

كلُّ من يطلعُ على تراث شيخ الإسلام يعلم علم اليقين، أنه يطلب الحق، ويتبع الدليل، لا يصرفه عنه تقليد أعمى، أو اتباع لهوى، بل إنه رجع عن مسائل تبين له أن الحق بخلافها(١)، وكثيراً ما كان يعتذر عمَّن يخالفه الرأي، ويفترض أنه مجتهد، والمجتهد يخطئ ويصيب(٢).
وهذه السمة ظاهرة في تفسيره، ومن أمثلة ذلك أنه مع إعجابه الشديد بمجاهد بن جبر المكي تلميذ ابن عباس وإشادته به في مواضع(٣)، نجد أنه يترك قوله إذا تبين له أن الحق مع غيره(٤).
المبحث الأول : صيغ الاختيار والترجيح عند شيخ الإسلام ابن تيمية
مدخل : تعريف الاختيار والترجيح :
تعريف الاختيار :
الاختيار لغة : قال ابن فارس(٥) :" الخاء، والياء، والراء، أصله العطف، والميْل، ثمَّ يحمل عليه، فالخير خلافُ الشر، لأن كلَّ أحد يميل إليه ويعطف على صاحبه " (٦).
وقال بعض أهل اللغة :" الاختيار : هو طلب ما هو خير، وفعله.
وقال بعضهم : الاختيار : الإرادة مع ملاحظة ما للطرف الآخر، كأن المختار ينظر إلى الطرفين، ويميل إلى أحدهما " (٧).
والاختيارُ : الاصطفاء(٨)، وخار الشيءَ واختاره : انتقاه(٩).

وقال القاسمي :" أي : رغب في انتشار دعوته، وسرعة علو شرعته أي : بما يصدُّ عنها، ويصرف المدعوِّين عن إجابتها " (١).
وقال محمد عبده مبيِّناً المعنى الثاني للتَّمنِّي :" المراد به : تشهِّي حصول الأمر المرغوب فيه وحديث النفس بما كان ويكون، والأمنية من هذا المعنى، وما أرسل الله من رسول، ولا نبي ليدعو قومه إلى هدى جديد، أو شرع سابق إلا وغايةُ مقصوده، وجل أمانيه أن يؤمن قومه، وكان نبينا من ذلك في المقام الأعلى :(٢)، (٣)، ويكون المعنى : وما أرسلنا من رسول ولا نبي، إلا إذا تمنى هذه الأمنية السامية، ألقى الشيطان في سبيله العثرات، وأقام بينه وبين مقصده العقبات، ووسوس في صدور الناس، فثاروا في وجهه، وجادلوه بالسلاح حيناً وبالقول حيناً آخر، فإذا ظهروا عليه والدعوة في بدايتها، ونالوا منه وهو قليل الأتباع، ظنوا أن الحق في جانبهم، وقد يستدرجهم الله جرياً على سنته، يجعل الحرب بينهم وبين المؤمنين سجالاً، فينخدع بذلك الذين في قلوبهم شك ونفاق، ولكن سرعان ما يمحق الله ما ألقاه الشيطان من الشبهات، وينشئُ من ضعف أنصار الآيات قوة، ومن ذلهم عزة، وتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، ليعلم الذين أوتوا العلم أن ما جاء به الرسل هو الحق، فتخبت له قلوبهم، وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم، هذا هو الحق، وما عدا ذلك فهو باطل " (٤).
وقال الشنقيطي :" ومعنى كون الإلقاء في أمنيته على هذا الوجه : أن الشيطان يلقي وساوسه وشبهه ليصدَّ بها عمّا تمناه الرسول أو النبي، فصار الإلقاء كأنه واقع فيها بالصدِّ عن تمامها والحيلولة دون ذلك" (٥).

٢١٩- مجموعة تفسير شيخ الإسلام ابن تيمية من ست سور، صححه وعلق عليه : عبد الصمد شرف الدين، الدار القيمة، بومباي، ١٣٧٤هـ.
٢٢٠- محاسن التأويل، للقاسمي، دار الفكر، الطبعة الثانية، ١٣٩٨هـ.
٢٢١- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لأبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي، تحقيق : المجلس العلمي بفاس، المكتبة التجارية، طبعة دار الكتب العلمية، ١٤٠٧هـ.
٢٢٢- المحلى، لابن حزم، تحقيق : أحمد شاكر، دار التراث، القاهرة.
٢٢٣- محمد رسول الله، لمحمد الصادق عرجون، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية، ١٤١٥هـ.
٢٢٤- مختار الصحاح، لأبي بكر الرازي، دار الفكر العربي، بيروت، الطبعة الأولى، ١٩٩٧م.
٢٢٥- مختصر الفتاوى المصرية، لابن تيمية، جمعها : بدر الدين البعلي، دار الكتب العلمية، بيروت.
٢٢٦- مختصر قيام الليل لأبي عبد الله محمد بن نصر المروزي، للمقريزي، طبعة حديث أكادمي، فيصل آباد، الطبعة الأولى، ١٤٠٨هـ.
٢٢٧- المداخل إلى آثار شيخ الإسلام ابن تيمية وما لحقها من أعمال، لبكر بن عبد الله أبو زيد، دار عالم الفوائد، الطبعة الأولى، ١٤٢٢هـ.
٢٢٨- مدارج السالكين لابن القيم، دار الكتب العلمية، بيروت الطبعة الثانية ١٤٠٨.
٢٢٩- مدارك التنْزيل وحقائق التأويل، للنسفي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، ١٤١٥هـ.
٢٣٠- مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، لصفي الدين البغدادي، تحقيق : علي البجاوي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى، ١٣٧٣هـ.
٢٣١- مراقي السعود، لسيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم، بيت الأفكار الدولية، الرياض.
٢٣٢- مرويات الإمام أحمد في التفسير، جمع وتخريج : حكمت بشير ياسين وزملائه، مكتبة المؤيد، الطبعة الأولى، ١٤١٤هـ.
٢٣٣- المستدرك على الصحيحين، للحاكم، دار المعرفة، بيروت.

---