ولم يستمر هذا بل سخر الله له الشيخ أبا منصور عبدالملك بن يوسف(١) الذي تكفل بمؤونة البحث عن رزقه ؛ ليتفرغ لطلب العلم وتعليمه(٢)، وبالفعل تفرغ ابن عقيل وبدأ في طلب العلم، وسهل له الطريق كثرة توافر العلماء في بغداد على اختلاف مذاهبهم، وساعده كذلك ما من الله به عليه من ذكاء مفرط، وهمة عالية، وتوفيق بز به أقرانه، يقول ابن تيمية(٣) عنه :( فإنه من أذكياء العالم )(٤)، وقال ابن رجب :( وكان ابن عقيل رحمه الله من أفاضل العالم، وأذكياء بني آدم، مفرط الذكاء، متسع الدائرة في العلوم )(٥)، فكان في هذا حفظ له من الانشغال بالملهيات والمغريات في هذه الحياة الدنيا، يقول عن نفسه :( وعصمني الله تعالى في عنفوان شبابي بأنواع من العصمة، وقصر محبتي على العلم وأهله، فما خالطت لعاباً قط، ولا عاشرت إلا أمثالي من طلبة العلم )(٦).
(٢) ينظر : سير أعلام النبلاء ١٩/ ٤٤٧.
(٣) هو أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام الحراني الدمشقي الحنبلي أبو العباس تقي الدين ابن تيمية، ذكر في الدرر الكامنة لابن حجر ١/ ١٨٥ : أن تصانيفه ربما تزيد على أربعة آلاف كراسة، له ترجمة في : فوات الوفيات ١/ ٣٥ - ٤٥، البداية والنهاية ١٤/ ١٣٥.
(٤) درء تعارض العقل والنقل ٨/ ٦٠.
(٥) الذيل على طبقات الحنابلة ١/ ١٥١.
(٦) المنتظم ٩/ ٢١٣، الذيل على طبقات الحنابلة ١/ ١٤٣.