قال مكي بن أبي طالب(١) :( وإن من آكد ما عُني أهلُ العلم والقرآن بفهمه وحفظه والنظر فيه من علوم القرآن، وسارعوا إلى البحث عن فهمه وعلمه وأصوله : علمَ ناسخ القرآن ومنسوخه، فهو علم لا يسع كل من تعلق بأدنى علم من علوم الديانة جهلُه )(٢).
وقال القرطبي :( معرفة هذا الباب أكيدة، وفائدته عظيمة، لا يستغني عن معرفته العلماء، ولا ينكره إلا الجهلة الأغبياء، لما يترتب عليه من النوازل في الأحكام، ومعرفة الحلال من الحرام )(٣).
فلا يجوز لأحد أن يفسر كلام الله حتى يعرف الناسخ والمنسوخ ؛ إذ يتوقف على معرفته معرفة الحلال والحرام، وكثير من الأحكام، وقد اهتم السلف الصالح بهذا العلم حتى إنهم يستعظمون بل ويمنعون أن يفتي أو يحدث الناس من لا يعرف الناسخ والمنسوخ.
قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لقاصٍّ(٤) :( أعرفت الناسخ والمنسوخ ؟ قال : لا. قال : هلكت وأهلكت )(٥).
ومن ثمَّ اهتم العلماء بمعرفة الناسخ والمنسوخ وبيان أصوله وأحواله، وكان لابن عقيل نصيب كبير في هذا الباب فقد تحدث في أصوله وفصوله من جميع الجوانب مما يمكن أن يفرد بدراسة مستقلة في علوم القرآن عند ابن عقيل(٦).

(١) هو أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي القيرواني المالكي، من أهل التبحر في علوم القرآن والعربية، ومن مصنفاته : مشكل إعراب القرآن، الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه، مات سنة ٤٣٧هـ، له ترجمة في : طبقات الداوودي ٢/ ٣٣١، شذرات الذهب ٣/ ٢٦٠.
(٢) الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص ٤٥.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ٢/ ٦٢.
(٤) وفي بعض الروايات : قاض بالضاد.
(٥) أخرجه النحاس في الناسخ والمنسوخ ص ٤٩، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص ٢٩، والبيهقي في سننه كتاب آداب القاضي باب إثم من أفتى أو قضى بالجهل (٢٠١٤٧)، وينظر : الدر المنثور ١/ ١٩٢.
(٦) ينظر : الواضح ١/ ٢١٠- ٢٥٥، ٤/ ١٩٧- ٣٢٢.


الصفحة التالية
Icon