وهناك جوانب كثيرة أفادها ابن عطية من الزجاج في اللغة ومن ذلك : المسائل النحوية(١)، ورواية الشواهد الشعرية (٢)، وغير ذلك كثير.
سابعاً : تفسير " زاد المسير " لابن الجوزي (ت٥٩٧هـ) :
سأتناول تأثر ابن الجوزي بكتاب الزجاج في هذه الفقرات :
١ - جعل ابن الجوزي كتاب الزجاج أصلاً له عند تأليفه لهذا التفسير، ولذا فإن اسم الزجاج قد تكرر في زاد المسير قرابة الألف وثمانمائة مرة مما يدل على أنه جعله من الأصول لكتابه، وهذا العدد يعتبر كبيراً إذ هو أكثر من ثلثي كتاب ابن الجوزي، وبخاصة أنه كثيراً ما يعزوا الأقوال التي أوردها الزجاج مجردة عن قائليها.
٢ - مع كثرة نقوله عنه إلاَّ أني لم أجد له تصريحاً باسم كتابه : معاني القرآن وإعرابه.
٣ - اتخذ ابن الجوزي من كتاب الزجاج مصدراً لنقل آراء المتقدمين ومن ذلك نقله عن الزجاج آراء الخليل (ت١٧٥هـ) (٣)، وسيبويه (ت١٨٠هـ) (٤)، والمبرد
(ت٢٨٥هـ) (٥)، وجمهور النحويين (٦)، وغيرهم كثير.
٤ - طريقة نقل ابن الجوزي عن الزجاج أنه أحياناً يذكره باسمه : إبراهيم بن السري(٧)، وبلقبه : الزجاج (٨)، وبكنيته : أبو إسحاق (٩).
(٢)... المحرر الوجيز ٢/٤١٨ مع معاني القرآن وإعرابه ٢/٣٤٨.
(٣)... زاد المسير ١/٣٣٨، ٣٦٨، ٣٩٢، ٤٦٧.
(٤)... المصدر نفسه ١/١٤٦، ٣٦٨.
(٥)... المصدر نفسه ٢/٣٣٧، ٤/٥٧.
(٦)... المصدر نفسه ١/٣٦٨.
(٧)... المصدر نفسه ١/١٠٢، ١٣٥، ١٦٠، ١٦٤، ٣٦١.
(٨)... المصدر نفسه ١/٢٧، ٢٨، ٢٩، ٣٢، ٣٤، ٣٦، ٣٩، ٤٣، ٤٦، ٤٨، ولو تأملت في هذه الأرقام لرأيتها متوالية أو متقاربة جداً مما يدل على تأثره الشديد بآرائه.
(٩)... المصدر نفسه ١/٦.
ومن ذلك أيضاً قوله عند تفسيره قوله تعالى ﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا ﴾ (١) "يقال : جن عليه الليل إذا أظلم حتى يستتر بظلمته، ويقال لكل ما ستر : قد جن، ويقال : جنه الليل، ولكن الاختيار جن عليه الليل وأجنه الليل " (٢).
المبحث الحادي عشر
تأثره بمن سبقه في الاختيار
اعتمد أبو إسحاق الزجاج في تأليف كتابه : معاني القرآن وإعرابه، النقل عن السابقين من العلماء في مختلف تخصصاتهم كاللغة والتفسير والفقه والقراءات وله صور كثيرة في طريقة نقله عن هؤلاء العلماء، منها :
أ - أن يعتمد على إمام من الأئمة في نقله عنه في تخصص معين كاعتماده على تفسير الإمام أحمد (ت٢٤١هـ)، وكاعتماده في القراءات على كتاب أبي عبيد القاسم ابن سلام (ت٢٢٤هـ)(٣).
ب- أن ينقل عن السابقين بذكر اختصاصاتهم كأن يقول : جاء في التفسير(٤)، قال أهل اللغة(٥)، وقرأت القراء(٦)، واختاره النحويون (٧)، وهكذا.
جـ- أن ينقل عمن سبقه بطريقة الإبهام كقيل وروي، أو قال بعضهم، ونحو ذلك(٨).
(٢)... معاني القرآن وإعرابه ٢/٢٦٦، وانظر : معاني الفراء ١/٣٤١، تفسير الطبري ٧/٢٤٧.
(٣)... انظر : ص٩٧، ٩٨ من هذه الرسالة.
(٤)... معاني القرآن وإعرابه ٢/٢٩١، ٣/١٣٩، ١٨٣، ٤/١٥٦، وغير ذلك.
(٥)... المصدر نفسه ١/١٠٢، ١١٢.
(٦)... المصدر نفسه ١/٣٦، ٢/٣٦٥، ٤٢١، ٣/١٤، ١٨.
(٧)... المصدر نفسه ١/٤٠، ١٠٢، ١١٠.
(٨)... المصدر نفسه ١/١١٦، ١٩٩، ٢/١٦، ٢٤٤، ٣/١١٠، ١٤٨.
وربما يستحسن الزجاج قولاً في التفسير من جهة اللغة، لكنه يعترض عليه بحديث نبوي في تفسير الآية ومن ذلك ما ذكره عند قوله تعالى :﴿ إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا ﴾ (١)، قال :" رويت عن الحسن : أن معناها في عينك التي تنام بها(٢)، وكثير من أصحاب النحو يذهبون إلى هذا المذهب (٣)، ومعناه عندهم : إذ يريكهم الله في موضع منامك أي: بعينك، ثم حذف الموضع، وأقام المقام مكانه، وهذا مذهب حسن، ولكنه جاء في التفسير :" أن النبي - ﷺ - رآهم في النوم قليلاً، وقص الرؤيا على أصحابه فقالوا: صدقت رؤياك يا رسول الله " (٤)، وهذا المذهب أسوغ في العربية "(٥).
وقد ضعف الزمخشري (ت٥٣٨هـ) التفسير المنسوب للحسن (ت١١٠هـ) حيث قال: "وهذا تفسير فيه تعسف، وما أحسب الرواية فيه صحيحة عن الحسن، وما يلائم علمه بكلام العرب وفصاحته" (٦)، وضعف هذا القول أيضاً أبو حيان (ت٧٤٥هـ) في تفسيره(٧)، والزجاج وإن استحسن قول الحسن إلا أنه كما سبق اعترض عليه بالحديث واختار ما دل عليه الحديث النبوي، لكنه لم يضعف قول الحسن.
المطلب الثاني :
الاختيار بالحديث إذا ثبت بالأسانيد الصحيحة
معنى ثبوت الحديث : أن يكون في درجة الاحتجاج به سواء كان في مرتبة الصحيح بنوعيه، أو في مرتبة الحسن بنوعيه.
(٢)... انظر : قول الحسن في تفسير ابن أبي حاتم ٥/١٧٠٩، والبحر المحيط ٤/٤٩٧.
(٣)... قال به من النحويين أبو عثمان المازني وغيره كما في البحر المحيط ٤/٤٩٧.
(٤)... أخرجه الطبري في تفسيره ١٠/١٢، وابن أبي حاتم ٥/١٧٠٩ من قول مجاهد مقطوعاً، وفيه: أراه إياهم في منامه قليلاً، فأخبر النَّبِيّ صلى اللَّه عليه وسلم لأصحابه بذلك، وكان تثبيتاً لهم.
(٥)... معاني القرآن وإعرابه ٢/٤١٩.
(٦)... الكشاف ٢/٢١٣.
(٧)... البحر المحيط ٤/٤٩٧.
وقد أثبت الزجاج هذا المصطلح في كتابه وإن لم يصرح به، وهو مذهب جمهور أهل اللغة، بل ذكر بعضهم : أنه يحفظ للعسل ثمانين اسماً وللأسد خمسمائة اسم(١).
وذهب بعض أهل اللغة إلى إنكار وجود الترادف في اللغة ومن حججهم في هذا قولهم: إن الاسم واحد والبقية صفات (٢).
أما الزجاج فكما سبق أنه يثبت وجود الترادف في اللغة والقرآن الكريم.
ومن ذلك قوله عند قوله تعالى :﴿ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا ﴾ (٣) :"ءاتنا: وقف؛ لأنه دعاء ومعناه : أعطنا في الدنيا " (٤)، ففسر "ءاتنا بمرادفة: "أعطنا".
وقال عند قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ ﴾ (٥) :" فلما أفل أي: فلما غاب يقال: أفل النجم يأفِلُ ويأفُلُ أفُولاً إذا غاب " (٦)، وهنا فسر: "أفل" بمرادفه :"غاب".
وقال عند قوله تعالى :﴿ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ (٧) :"القنوط: بمعنى : اليأس " (٨)، ففسر القنوط بمرادفه وهو اليأس.
وقال عند قوله تعالى :﴿ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا ﴾ (٩) :" النقع : الغبار " (١٠)، وهما لفظان مترادفان.
والأمثلة على الترادف في القرآن الكريم كثيرة جداً في كلام الزجاج في معانيه.
المطلب الثامن:
اختياراته المتعلقة بوجوه الإعراب
(٢)... وإليه ذهب بعض أهل العلم منهم : البيضاوي كما في المزهر ١/٣١٩.
(٣)... سورة البقرة : ٢٠٠.
(٤)... معاني القرآن وإعرابه ١/٢٧٤.
(٥)... سورة الأنعام : ٧٦.
(٦)... معاني القرآن وإعرابه ٢/٢٦٦.
(٧)... سورة الحجر : ٥٦.
(٨)... معاني القرآن وإعرابه ٣/١٨١.
(٩)... سورة العاديات : ٤.
(١٠)... معاني القرآن وإعرابه ٥/٣٥٣.