٥ - كثرة تكرار اسم الزجاج في زاد المسير يدل على الأمانة العلمية التي يتمتع بها ابن الجوزي.
٦ - أهم القضايا التي تأثر ابن الجوزي فيها بالزجاج :
أ - العقيدة :
نقل ابن الجوزي من كتاب الزجاج في قضايا العقيدة، ومن ذلك تأثره به في مسألة: رؤية اللَّه تعالى في الآخرة، حيث نقل ابن الجوزي نص كلام الزجاج في هذه المسألة فقال عند قوله تعالى :﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾ (١) قال الزجاج : وليس
دفعاً للرؤية لما صح عن النَّبِيّ - ﷺ - من الرؤية (٢)، وهذا مذهب أهل السنة والعلم والحديث"(٣).
كذلك وجدته يتأثر بالزجاج في الرد على الفرق الضالة في العقيدة فقد نقل قول الزجاج في الرد على المرجئة (٤).
ب - التفسير :
اعتمد ابن الجوزي على الزجاج في التفسير اعتماداً كبيراً فهو يقرن أقواله بأقوال كبار مفسري السلف من الصحابة والتابعين كابن عباس (ت٦٨هـ)(٥)، ومجاهد
(ت١٠٢هـ)(٦)، وغيرهما كثير.
(٢)... ومن ذلك حديث جرير أن النَّبِيّ - ﷺ - قال :" سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته " انظر : صحيح البخاري كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر ١/٢٠٣ رقم الحديث (٥٢٩)، ومن ذلك أيضاً حديث أبي سعيد الخدري أن ناساً سألوا النَّبِيّ - ﷺ - هل نرى ربنا يوم القيامة فقال :" هل تضارون في القمر ليلة البدر " رواه مسلم ١/١٦٧ رقم الحديث :(١٨٣).
(٣)... زاد المسير ٣/٩٨ مع معاني القرآن وإعرابه ٢/٢٧٨، ٢٧٩، وفي هذا يقول الإمام إسماعيل الصابوني ت٣٧٣ :" ويشهد أهل السنة أن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم " انظر : عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص٢٦٣.
(٤)... زاد المسير ٩/١٥١، ١٥٢ مع معاني القرآن وإعرابه ٢/٢٧٨، ٢٧٩.
(٥)... زاد المسير ١/١٠١.
(٦)... المصدر نفسه ١/١٠١، ١٢٧.
د - أن يصرح باسم من نقل عنه فينقل مثلاً عن الخليل بن أحمد (ت١٧٥هـ)(١)، أو سيبويه (١٨٠هـ)(٢)، أو شيخه المبرد (ت٢٨٥هـ)(٣) وغيرهم كثير.
والذي سأتناوله بالحديث هنا جانب الاختيار، أعني تأثر الزجاج بمن سبقه في الاختيار.
ويمكن تقسيم تأثر الزجاج بمن سبقه في اختياراته إلى قسمين :
١ - تأثره بالمفسرين :
اعتمد الزجاج في إنشاء كتابه على المفسرين، حيث نقل عنهم في نواحٍ كثيرة، وهذا ناتج عن عنايته بالتفسير الأثري.
فأبو إسحاق ينقل أقوال المفسرين كما ينقل أقوال أهل اللغة، بل إنه أحياناً يكتفي بذكر أقوال المفسرين وحدهم في تفسير الآية، مما يدل دلالة ظاهرة على اختيار ما يذكره المفسرون والأمثلة على ذلك كثيرة منها :
ما ذكره عند قوله تعالى ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ ﴾ (٤)، قال :" جاء في التفسير وهناً على وهن : ضعفاً على ضعف(٥)، أي : لزمها لحملها إياه أن ضعفت مرة بعد مرة " (٦).
(٢)... المصدر نفسه ١/٧٣، ٧٤، ٩٨، ٢/١٩٣، ٢٠٦، ٤٠١، ٣/١٥٥، ٣٣٩، ٤/٢٤، ٤٠٣، ٥/٣٢٧.
(٣)... المصدر نفسه ١/٤٣١، ٢/١٦٧، ٣/١٠٤، ٤/٤١٢، ٥/٤٦.
(٤)... لقمان : ١٤.
(٥)... وهو قول الضحاك وغيره من المفسرين يقال : وهن يوهن ووهن يهن مثل : ورم يرم إذا ضعف الحمل وضعف الطلق والنفاس، انظر : تفسير الطبري٢١/٦٩، معاني النحاس ٥/٢٨٤، المحرر الوجيز ٤/٣٤٨، زاد المسير ٦/٣١٩، تفسير القرطبي ١٤/٦٤.
(٦)... معاني القرآن وإعرابه ٤/١٩٦.
وعليه فإن الحديث إذا ثبت وكان نصاً في تفسير الآية أو مبيناً موضحاً فإنه لا يجوز العدول عنه يقول محمد بن إدريس الشافعي (ت٢٠٤هـ) : كل ما حكم به رسول الله - ﷺ - فهو مما فهمه من القرآن " (١)، وقال الطبري :" إن مما أنزل الله على نبيه - ﷺ - ما لا يوصل إلى علم تأويله إلا ببيان رسول الله - ﷺ -، وذلك تأويل جميع ما فيه من وجوه أمره - واجبه وندبه وإرشاده - وصنوف نواهيه، ووظائف حقوقه وحدوده ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعض خلقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آيه التي لم يدرك علمها إلا ببيان رسول الله - ﷺ - أمته، وهذا وجه لا يجوز لأحد القول فيه إلا ببيان رسول الله - ﷺ - له تأويله بنص منه عليه، أو بدلالة قد نصبها دالة أمته على تأويله " (٢).
فإذا كان الأمر كذلك فهل نفسر القرآن الكريم بكل ما سمعناه عن رسول الله - ﷺ - سواء كان صحيحاً أو ضعيفاً، أو يقتصر على ما صح؟ هذا ما سأوضحه من خلال هذا التقسيم :
١ - إذا كان الحديث موضوعاً أي : مختلقاً مصنوعاً على رسول الله - ﷺ - (٣)، أو كان حديثاً ضعيفاً شديد الضعف كأن يكون في إسناده أو متنه نكارة، فإن هذا الحديث مردود مطلقاً، ولا يقبل تفسير للنبي - ﷺ - بهذه الطريقة، وهذا ما عناه الإمام أحمد بن حنبل (ت٢٤١هـ) بقوله :" ثلاث ليس لها أصول : المغازي والملاحم والتفسير"(٤).
قال المحققون من أصحابه : ومراده أن الغالب أنها ليس لها أسانيد صحاح متصلة وإلا فقد صح من ذلك كثير (٥).
(٢)... تفسير الطبري، ط/ شاكر ١/٧٤.
(٣)... انظر : قواعد التحديث للقاسمي ص١٥٠.
(٤)... الكامل في الضعفاء لابن عدي ١/٢١٢، والبرهان ٢/١٥٦.
(٥)... البرهان ٢/١٥٦.
الإعراب في اللغة : قال ابن فارس (ت٣٩٥هـ) :" العين والراء والباء أصول ثلاثة: أحدها: الإبانة والإفصاح، والآخر : النشاط وطيب النفس، والثالث : فساد في جسم أو عضو، فالأول قولهم : أعرب الرجل عن نفسه إذا بين وأوضح... وإعراب الكلام من هذا القياس؛ لأن بالإعراب يفرق بين المعاني في الفاعل والمفعول، والنفي، والتعجب والاستفهام، وسائر أبواب هذا النحو من العلم" (١).
وفي الاصطلاح : هو اختلاف آخر الكلمة باختلاف العوامل الداخلة لفظاً أو تقديراً(٢).
والذي يعنينا هنا : حمل كتاب الله تعالى على الأوجه الإعرابية القوية والمشهورة، اللائقة بالسياق القرآني، دون الأوجه الضعيفة، والغريبة، والشاذة، والتي لا تليق بالسياق القرآني، وسيكون الحديث عن اختيارات الزجاج في ذلك من خلال الآتي:
١ - يعتمد الزجاج - غالباً - الأوجه الإعرابية اللائقة بالتفسير، وينص على ترك بعض الأعاريب غير اللائقة بالتفسير.
ومن ذلك قوله عند قوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ دps٣ح¯"n=yJù=د٩ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ (٣) :" قال أبو عبيدة : إذ هاهنا زائدة (٤)، وهذا إقدام من أبي عبيدة ؛ لأن القرآن لا ينبغي أن يتكلم فيه إلا بغاية تجري إلى الحق و"إذ" معناها الوقت، وهي اسم فكيف يكون لغواً، ومعناها الوقت، والحجة في "إذ" أن الله تعالى ذكر خلق الناس وغيرهم، فكأنه قال: ابتدأ خلقكم إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة"(٥).
(٢)... التعريفات للجرجاني ص٤٧.
(٣)... سورة البقرة : ٣٤.
(٤)... مجاز القرآن لأبي عبيدة ١/٣٦، ٣٧.
(٥)... معاني القرآن وإعرابه ١/١٠٨.