تأثر ابن الجوزي بأبي إسحاق الزجاج في جوانب كثيرة من جوانب اللغة ومن ذلك تأثره بالزجاج في القضايا النحوية حيث نقل كثيراً عنه، ومن ذلك ما ذكره عند قوله تعالى :﴿ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ﴾ (١) قال :" قال الزجاج :"اتباع" منصوب بالاستثناء وهو استثناء ليس من الأول والمعنى : مالهم به من علم إلاَّ أنهم يتبعون... " (٢).
وهناك جوانب أخرى تأثر فيها ابن الجوزي بكتاب الزجاج كتأثره به في المسائل الصرفية (٣)، ومسائل الاشتقاق (٤)، والرواية اللغوية كرواية الشواهد الشعرية (٥)، ورواية اللهجات العربية (٦)، والمعرب والأعجمي (٧) وغير ذلك كثير.
وكان ابن الجوزي يثق بالزجاج كثيراً في قضايا اللغة وقد سبق أنه ينقل عنه آراء جمهور النحويين وآراء الخليل (ت١٧٥هـ) وسيبويه (ت١٨٠هـ) والمبرد (ت٢٨٥هـ)، وقد سبق ذلك.
وقد يذكر أقواله إلى جانب أقوال كبار أهل اللغة كالفراء (ت٢٠٧هـ) (٨)، وأبي عبيدة (ت٢١٠هـ) (٩)، وابن قتيبة (ت٢٧٦هـ) (١٠) وغيرهم.
(٢)... زاد المسير ٢/٢٤٦ مع معاني القرآن وإعرابه ٢/١٢٨.
(٣)... انظر : زاد المسير ٥/٤٦١ مع معاني القرآن وإعرابه ٤/٨.
(٤)... زاد المسير ١/٢٦٩ مع معاني القرآن وإعرابه ١/٣١٠، ٣١١.
(٥)... زاد المسير ١/٨٦ مع معاني القرآن وإعرابه ١/١٤٠.
(٦)... زاد المسير ١/٤٦ مع معاني القرآن وإعرابه ١/٩٦.
(٧)... زاد المسير ٥/٢٠٠ مع معاني القرآن وإعرابه ٤/٨.
(٨)... زاد المسير ١/٨١، ١٣٠.
(٩)... المصدر نفسه ١/٨٦.
(١٠)... المصدر نفسه ١/٨٩.
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ } (١)، " التفث " في التفسير جاء، وأهل اللغة لا يعرفونه إلا من التفسير، قالوا " التفث " : الأخذ من الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة، والأخذ من الشعر(٢)، كأنه الخروج من الإحرام إلى الحلال"(٣).
وقد استعان الزجاج بأهل التفسير في اختياراته، وبنى منهجه على ذلك وأن لا يقبل تفسيراً لكتاب الله إلا من طريق اللغة أو من طريق أهل التفسير يقول في كتابه :"لا ينبغي لأحد أن يتكلم إلا على مذهب أهل اللغة أو ما يوافق نقله أهل العلم " (٤)، ويعني بقوله : نقله أهل العلم أي أهل التفسير.
(٢)... روي هذا ابن عباس كما في الدر المنثور ٦/٤٠، وقال :" أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم "، وزاد :" الأخذ من العارضين والوقوف بعرفة والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار والذبح "، وقد روي هذا القول أيضاً عن مجاهد وعكرمة، ومحمد بن كعب القرظي وابن جريج وغيرهم، انظر : تفسير الطبري ١٧/١٤٩، ١٥٠.
(٣)... معاني القرآن وإعرابه ٣/٣٢٤، ٤٢٤.
(٤)... المصدر نفسه ١/١٨٥.
ويقول ابن القيم (ت٧٥١هـ) في معرض اختياره أحد الأقوال :" الوجه الثاني: أن هذا مروي عن النبي - ﷺ -، ولو كان من الغرائب فإنه يصلح للترجيح " (١).
وقد استعمل الزجاج هذا الوجه في اختياراته مع أنه لا يُعنى في الغالب الكثير بذكر أسانيد الأحاديث أو رواتها، بل الغالب عليه أن يستخدم عند احتجاجه بالحديث عبارات تدل على نقله للحديث كقوله : يروى عن النبي - ﷺ - (٢)، أو قوله : وفي الحديث(٣)، أو جاء عن النبي - ﷺ - (٤)، ونحو ذلك.
(٢)... معاني القرآن وإعرابه ١/١٣٨، ٤/٧٢.
(٣)... المصدر نفسه ٤/١٩١.
(٤)... المصدر نفسه ١/٣٧٠، ٤١٧.
ولقد أبيت من الفتاة بمنزل... فأبيت لا حرجٌ ولا محروم (١)
والمعنى فأبيت بمنزلة الذي يقال له : لا حرج ولا محروم (٢).
الثالث : قول سيبويه (ت١٨٠هـ): أن " أيهم " مبنية على الضم موصولة بمعنى : الذي(٣).
وقد اختار الزجاج من هذه الأقوال قول الخليل مستدلاً على اختياره هذا بأنه أوفق وأليق بالتفسير حيث قال :"قال أبو إسحاق : والذي أعتقده أن القول في هذا قول الخليل وهو موافق للتفسير ؛ لأن الخليل كان مذهبه أو تأويله في قوله تعالى :﴿ ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ ﴾ الذي من أجل عتوه يقال : أي هؤلاء أشد عتياً، فيستعمل ذلك في الأشد فالأشد " (٤).
وهذا الإعراب الذي اختاره الزجاج وذكر أنه موافق للتفسير هو معنى ما جاء عن بعض المفسرين ومنهم ابن عباس (ت٦٨هـ) وغيره واختاره الطبري (ت٣١٠هـ) واقتصر عليه في تفسيره حيث قال :"ثم لنأخذ من كل جماعة منهم أشد على الله عتواً وتمرداً فلنبدأن به"، ثم ذكر قول ابن عباس :" قوله :" ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتياً " يقول : أيهم أشد للرحمن معصية وهي معصيته في الشرك " (٥).
أما ما ذكره الزجاج عن سيبويه (ت١٨٠هـ) من أن "أيهم" مبنية على الضم موصولة بمعنى الذي، فقد خطأ سيبويه عامة النحويين حتى قال أبو جعفر النحاس
(٢)... البحر المحيط ٦/١٩٦، الدر المصون ٤/٥١٧.
(٣)... كتاب سيبويه ٢/٣٩٩.
(٤)... معاني القرآن وإعرابه ٣/٣٤٠.
(٥)... تفسير الطبري ١٦/١٠٧.