اهتم الرازي بتفسير الزجاج كما في المثالين السابقين، ويقرن أقواله بأقوال كبار المفسرين (١)، ويورد أقواله مع أقوال الطبري (ت٣١٠هـ)(٢).
كما أن الرازي اهتم بتعليلات الزجاج التفسيرية كقوله في تفسير قوله تعالى :﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ (٣) قال :" قال الزجاج : إنما قال: قريب؛ لأن الرحمة والغفران والعفو بمعنى واحد " (٤)، كما أنه اهتم بالفوائد التفسيرية التي ذكرها الزجاج (٥).
جـ - القراءات وتوجيهها :
أفاد من الزجاج في بعض القراءات وتوجيهها ومن ذلك ما ذكره عند قوله تعالى تعالى :﴿ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ (٦)، حيث نقل عن الزجاج أنها قرئت بكسر الهمز :"إنه" وفتحها (٧)، ثم نقل عنه توجيه القراءتين (٨).
د - علوم القرآن :
نقل الرازي عنه بعضاً من علوم القرآن ومن ذلك : أسباب النزول (٩)، والوقف والابتداء (١٠)، وتسمية السور (١١)، وغير ذلك.
هـ - علوم اللغة المختلفة :

(١)... تفسير الرازي ٣/٤٣، ٨/١٠٠.
(٢)... المصدر نفسه ٨/١٠١.
(٣)... سورة الأعراف : ٥٦.
(٤)... تفسير الرازي ١٤/١١١ مع معاني القرآن وإعرابه ٢/٣٤٤.
(٥)... تفسير الرازي ١٣/١٣٩ مع معاني القرآن وإعرابه ٢/٢٨٧.
(٦)... سورة يونس : ٤.
(٧)... قرأ أبو جعفر بفتح الهمز :" أنه " وقرأ الجمهور بكسرها :"إنه " الكنز : ص١٧٠ النشر ٢/٢١٢.
(٨)... انظر : تفسير الرازي ١٧/٢٦ مع معاني القرآن وإعرابه ٣/٧.
(٩)... تفسير الرازي ٥/١٧٠ مع معاني القرآن وإعرابه ١/٢٧٦، ٢٧٧.
(١٠)... تفسير الرازي ٢٤/٩١ مع معاني القرآن وإعرابه ٤/٧٣.
(١١)... تفسير الرازي ١٩/١٦٤ مع معاني القرآن وإعرابه ٣/١٨٥.

اعتمد الزجاج على أهل اللغة في قضايا كثيرة وفي مقدمتها : الإعراب، وما يتعلق به من مسائل، ودلالات الألفاظ، والفروق اللغوية، والاشتقاق، وضبط الكلمات، وقضايا التفسير، وغير ذلك.
والذي يهمنا هنا تأثره بأهل النحو واللغة في اختياراته المتنوعة ويمكن الحديث عن هذا من خلال ما يلي :
أ - ينص الزجاج كثيراً على اختيارات من يثق بعلمه من اللغويين والنحويين، ومن ذلك ما ذكره عند قوله تعالى ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ﴾ (١)، قال :"الهاء في " اقتده " إنما كتبت في الوقف، تبين بها كسرة الدال، فإذا وصلت قلت :"اقتد قل لا أسألكم ".
قال أبو إسحاق : والذي اختارَ مَنْ أَثِقُ بعلمه أن يوقف عند هذه الهاء، وكذلك في قوله :﴿ مPنt!$yd (#râنtچّ%$# ÷mu‹خ٦"tFد. ﴾ (٢) و ﴿ 'خoTخ) àMYuZsك 'خoTr& @،"n=مB ÷mu‹خ/$|، دm ﴾ (٣)..." (٤).
وينص أيضاً على اختيارات النحويين فيقول :" وهذا الذي يختاره النحويون " (٥)، وهكذا.
ب - يسمي الزجاج بعض أهل اللغة والنحو الموثوق بعلمهم عنده كالخليل
(ت١٧٥هـ)، وسيبويه (ت١٨٠هـ)، والأخفش (ت٢١٥هـ)، وغيرهم، وخاصة الخليل وسيبويه فهو كثير المتابعة لهما، ولا يخفي إعجابه الشديد بهما، ويصفهما بأنهما من القدماء في علم النحو (٦).
والأمثلة على هذا كثيرة، منها :
(١)... الأنعام : ٩٠.
(٢)... الحاقة : ١٩.
(٣)... الحاقة : ٢٠.
(٤)... معاني القرآن وإعرابه ٢/٢٧٠.
(٥)... المصدر نفسه ١/٤٤٩، ٣/٧٧، ٤/٣٨٣، ٥/٦٤، ٢٦٠.
(٦)... المصدر نفسه ٣/١٠٧.

وقد يكون من أسباب إطالة الزجاج في أحاديث انشقاق القمر بأسانيدها؛ أنها بلغت مبلغ التواتر يقول ابن كثير (ت٧٧٤هـ): "أحاديث انشقاق القمر متواترة بالأسانيد الصحيحة" (١)، ويذكر ابن الجوزي (ت٥٩٧هـ) وهو الذي ينقل عن الزجاج كثيراً في التفسير واللغة بعض الصحابة الذين رووا أحاديث انشقاق القمر الذين روى الزجاج عنهم أحاديث الانشقاق بالأسانيد فيقول :" وقد روى حديث الانشقاق جماعة منهم : عبد الله بن عمر وحذيفة وجبير بن مطعم وابن عباس وأنس بن مالك " (٢).
ويشترط الزجاج أيضاً صحة الإسناد في بعض الأخبار التي يستدل بها بعض أهل التفسير، فعند حديثه عن " الميزان " في قوله تعالى :﴿ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ (٣)، ذكر الأقوال ثم قال :" وهذا كله في باب اللغة والاحتجاج سائغ إلا أن الأولى من هذا أن يتبع ما جاء في الأسانيد الصحاح، فإن جاء في الخبر أنه ميزان له كفتان، من حيث ينقل أهل الثقة فينبغي أن يقبل ذلك"(٤)، والزجاج هنا يشترط صحة الإسناد في قبول الأحاديث الواردة في أن الميزان له كفتان، وقد جاءت بعض الأحاديث في أن الميزان له كفتان منها الصحيح والضعيف، ومن ذلك حديث أنس مرفوعاً إلى النبي - ﷺ - :" أن ملكاً موكل بالميزان، فيؤتى بابن آدم، فيوقف بين كفتي الميزان، فإن
رجح نادى الملك بصوت يسمع الخلائق : سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى
(١)... تفسير ابن كثير ٤/٢٦٢.
(٢)... زاد المسير ٨/٨٨.
(٣)... سورة الأعراف : ٨.
(٤)... معاني القرآن وإعرابه ٢/٣١٩.

وقال عند إعرابه أول الفاتحة :" الحمد لله " : الحمد : رفع بالابتداء... وقد روي عن قوم من العرب :" الحمدَ لله " و "الحمدِ لله" [ يعني بالنصب والجر] وهذه لغة من لا يلتفت إليه، ولا يتشاغل بالرواية عنه، وإنما تشاغلنا نحن برواية هذا الحرف؛ ليحذر الناس من أن يستعملوه، أو يظن جاهل أنه يجوز في كتاب الله عز وجل، أو في كلام، ولم يأت لهذا نظير في كلام العرب، ولا وجه له " (١).
والزجاج يرفض الشواهد النحوية واللغوية الشاذة والمجهولة وقد نص على وجوب طرحها والاشتغال بروايتها مما يعني طرح الأعاريب المستندة لهذه الروايات يقول ناقلاً عن الفراء (ت٢٠٧هـ) وإن لم يصرح باسمه :
" وزعم أيضاً : أن هاء التأنيث يجوز إسكانها (٢)، وهذا لا يجوز، واستشهد في هذا بشعر مجهول "، ثم ذكر بيتين عنه أحدهما قول الشاعر :
لستُ إذاً لِزَغْبَلهْ...... إن لم أُغيِّر بِكْلَتى
إنْ لم أساوَ بالطِّوَل(٣)
وقد علق الزجاج على هذا بقوله :" وهذا الشعر لا يعرف قائله ولا هو بشيء، ولو قاله شاعر مذكور لقيل له أخطأت ؛ لأن الشاعر قد يجوز أن يخطئ" ثم قال: "فجزم الهاء في "زعبله" وجعلها هاءً، وإنما هي تاء في الوصل، وهذا مذهب لا يعرج عليه" (٤).
(١)... معاني القرآن وإعرابه ١/٤٥، ٤٦.
(٢)... معاني القرآن للفراء ١/٣٨٨.
(٣)... البيت كما قال الزجاج مجهول القائل، وقد أنشده الفراء عمن أنشده دون بيان القائل، والبيت في اللسان ١١/٦٣ كلمة ( بكل ) وجاء فيه قول ابن بري : وهذا من مسدس الرجز جاء على التمام، ومعنى :"بكلتى " أي : الحال والخلقة كما في اللسان، وفي معاني الفراء أن "زعبله" بالعين المهملة، خلافاً لما في كتاب الزجاج بالغين المعجمة.
(٤)... معاني القرآن وإعرابه ٢/٣٦٥، ٣٦٦ مع معاني الفراء ١/٣٨٨.


الصفحة التالية
Icon